وجع فلسطين أحاط بكل شيء في عالمنا اليوم والقضية الفلسطينية اشتعلت من جديد بعد أن كان يلفّها الرماد وخمد لهيبها لسنوات، هب الجميع لمد الجسور بعد الآلام التي هزت شعب غزة فشرّدتهم عن الديار وارتقت بآلاف الشهداء.
اهتز الشارع التونسي منذ الأيام الأولى لحرب الإبادة في غزة فهبّ الجميع لنصرة القضية، وكان للمثقف التونسي نصيب من هذا الألم فارتسم الغضب على التعابير الفنية والأدبية وأدلى كلّ واحد بدلوه في المناصرة.
مجموعة من الكتاب في تونس ينظمون مبادرة "الكتّاب يتضامنون" لدعم القضية الفلسطينية والتنديد بجرائم الإبادة التي يقترفها الاحتلال.. وتحولت إلى مبادرة جماعية تضم نحو 40 كاتبًا من النخبة الفكرية والأدبية التونسية
من بين التظاهرات مبادرة " الكتّاب يتضامنون" التي دعت إليها مجموعة من الكتاب التونسيين و من خلالها نادوا إلى الوحدة للتعبير عن موقفهم ضد الأعمال غير الإنسانية وجرائم الإبادة التي ذهب ضحيتها أهالي غزة والشعب الفلسطيني، لتتحول في ظرف وجيز إلى مبادرة جماعية تضم ما يقارب أربعين كاتبًا من النخبة الفكرية والأدبية التونسية.
- "الكتّاب يتضامنون".. مبادرة تونسية لدعم فلسطين
وتتمثل مبادرة "الكتّاب يتضامنون" في تنظيم معرض كتاب يشارك فيه الكُتَّاب المبادرون بكتبهم ويتبرعون بعائداتها إلى غزة عن طريق الهلال الأحمر التونسي. ويتخلل هذا المعرض أمسيات شعرية وحفل توقيع وندوة حول أدب المقاومة. ويقام هذا المعرض في الفضاء الثقافي.
تتمثل مبادرة "الكتّاب يتضامنون" في تنظيم معرض كتاب يشارك فيه الكُتَّاب المبادرون بكتبهم ويتبرعون بعائداتها إلى غزة عن طريق الهلال الأحمر التونسي
الروائية التونسية رانية الحمامي، مُطلقة هذه المبادرة، قالت في تصريح لـ"الترا تونس" إنها "بادرة شخصية أطلقتها لإدراكها بالدور الهام للمثقف وتأثيره على الوعي الجمعي للشعوب خاصّة عند التوحّد على نفس الهدف والموقف".
وسعت رانية الحمامي إلى أن تجمع ضمن دائرة المبادرة أكثر من 40 مثقفًا وكاتبًا تبرعوا بالكتب، تُوجَّه عائدات مبيعاتها إلى الهلال الأحمر لإرسالها كمساعدات إلى غزة.
تقول الحمامي: "هو دعم مادي، لكنّ الأهم هو التعبير على موقف ضد الجرائم الإنسانية والوجع الذي أحسسنا به لأسابيع متواصلة جرّاء جرائم الإبادة على شعب فلسطين، وتقتيل الأطفال و الرضّع وهدم دور العبادة".
الروائية رانية الحمامي: أطلقت مبادرة "الكتّاب يتضامنون لإدراكي بالدور الهام للمثقف وتأثيره على الوعي الجمعي للشعوب.. حوالي 40 كاتبًا تبرعوا بكتبهم وستوجّه العائدات إلى الهلال الأحمر لإرسالها إلى غزة
وأضافت قائلة: "أردتُها مبادرةً حيادية، لا إشهار وراءها ولا أيّ دار نشر أو جمعيات، وتمت دعوة جميع المؤلفين للتضامن في فضاء ثقافي خاص على مدى أسبوعين، وستقام خلالها أمسيات شعرية وندوة فكرية ويقع خلالها تقديم كتب".
ومن جانبه، قال الكاتب الصحفي محمد علي خليفة، في تصريح لـ"الترا تونس": "لا شكّ أنّ دور المثقّف زمن الأزمات أو زمن المحن التي تمرّ بها الأمة العربية يزداد خطورة وأهمية، فهو منخرط بالضرورة في قضايا شعبه وقضايا أمته ولا ينفصل عنها، بل يقع على عاتقه صناعة الرأي العام وتوجيهه بطريقة تجعل الوعي الجمعي حيًّا ومعبّرًا عمّا يجول بخاطر كلّ فرد".
الكاتب الصحفي محمد علي خليفة: حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية يصبح دور المثقف في توجيه الرأي العام بطريقة تجعل الوعي الجمعي حيًّا أوْكَدَ.. ومن هذا المنطلق جائت مبادرة "الكتّاب يتضامنون"
ويضيف: "حين يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية يصبح هذا الدور أوكد، ومن هذا المنطلق جاءت هذه المبادرة تعبيرًا من المثقفين والجامعيين في تونس عن ضرورة أن يكونوا في الصفوف الأمامية المدافعة عن الحق الفلسطيني والمعبّرة عن الدعم المطلق والمساندة اللا مشروطة لقضيته العادلة كأيّ قضية تحرر وطني في العالم".
وتابع محمد علي خليفة: الانضمام إلى مبادرة "الكتّاب يتضامنون" هو تعبير من كلّ كاتب وكلّ مثقّف عن حالة "إبراء ذمّة" تجاه الشعب الفلسطيني الأعزل، الذي يجد نفسه وحيدًا في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية، ويبدو إطلاق هذا المعرض الجماعي تعبيرًا عن الحدّ الأدنى من المساندة التي يمكن أن يقدّمها الكُتّاب من خلال وضع عصارة أفكارهم وجهدهم على ذمة كلّ راغب في التبرّع، وهو ما يزيد من سموّ أهداف هذه المبادرة، كاتب يتبرّع بما كتب وقارئ يستفيد ممّا كُتب ويتبرّع بماله لفائدة الشعب الفلسطيني مقابل هذه الاستفادة".
ومن جهته، يقول أستاذ القانون جاد عبد السلام في مداخلته أمام جمع من الكتاب: "المقاومة الصادقة حطمت زيف الأنظمة، ويحقّ لنا، نحن التونسيون، أن نفخر بأن نحمل هذه القضية في قلوبنا وأننا كنّا قادرين على أن نجتمع وأن نقول لا للاغتصاب والتدمير والإبادة الجماعية، ولنا أن نفخر بأننا نعيش في دولة تدهم القضية الفلسطينية رسميًا وشعبيًا".
ويضيف قائلًا: "كل حديث عن منظومة قانونية تحمي الشعوب في تقرير المصير لا قيمة فعلية له في ظل الإجرام الصهيوني بإدارة حرب إبادة، وكذلك بات الحديث عن الإنسان والديمقراطية حديثًا عن مفردات مبهمة ورديئة".
الناقد بشير الشيحي: المثقف الذي لا يحمل رسالة ولا يعبّر عن الإنسانية لا يمكن أن يكون مثقفًا بل هو نسخة مشوهة منه
وفي مداخلة له أمام جمع من الروائيين والكتاب، قال الكاتب والناقد بشير الشيحي: "أحيي المقاومة في فلسطين، ونحن هنا بالحبر والكلمة نحاول أن ندوّن بعض الذي يُعاش، رغم أنّ اللغة تتعطل في مثل هذه المواقف وتختلف وتفقد مساربها أحيانًا. إن اللحظة هي لحظة انخراط في هذه المقاومة والأحداث الدموية، فكيف للإنسان أن يصمت وكيف للحبر ألّا ينساب في مثل هذه الحالة؟".
وأضاف الشيحي: "المثقف يجب أن يكون مثقفًا عضويًا، فالمثقف الذي لا يحمل رسالة ولا يعبّر عن الإنسانية لا يمكن أن يكون مثقفًا بل هو نسخة مشوهة منه، لأن الثقافة فعل تأسيسي ومقاوم وتحررّ ينتصر للإنسانية".
وبدوره، عبّر الدكتور توفيق بن عامر، في مداخلة له، عن أمله في أن "يكون هناك إجماع على هذا الحس الوطني والثقافي واستبطان لهذا الوجع، لأنّ الألم هو خمرة القلم حسب قول نسيب عريقة، فالإحساس بالوجع دائمًا مكمّل لشخصية المثقف لأن مهمته البحث عن الحقيقة رغم ما قد يواجهه من عقبات ومآزق ومن هنا تأتي التضحية"، معقبًا: "المثقف مناضل ومكافح بطبعه، وأن يتضامن مع المقاومين وأصحاب التضحية هو استمرار لرسالته ومصداقيته الثقافية".
الدكتور توفيق بن عامر: الرسالة الحقيقية التي يمكن أن نوجهها هي أن نصلح ما أفسده الغرب وأن تكون لدينا الجرأة والشجاعة لأن نكشف الجوانب السلبية في السياسة العالمية ونقدم للعالم البديل الحضاري اللائق بالنظام العالمي
ويضيف توفيق بن عامر: "إن ما أنجزته المقاومة على الصعيد المعنوي بقطع النظر عن الميدان أمر جلل، فقد أنقذت شرف العرب والمسلمين، فسواءً أحببنا أم كرهنا سمعة العرب والمسلمين ملطخة ولا ينظر العالم إليها إلا من هذه الزاوية تقريبًا، بيد أنّ المقاومة الفلسطينية أثبتت العكس في مناسبات عديدة وغيرت الكثير من المفاهيم المغلوطة حول العرب والمسلمين، وغيّرت حتى مفهوم الإرهاب الذي أراد العالم أن يفرضه على الجميع، وأصبح العالم اليوم العالم يعي أنّ الدفاع عن الحق ليس إرهابًا على الرغم من أن قوانين الأمم المتحدة تثبت شرعية الدفاع عن النفس وأن هذه الشرعية لا يمكن أن تكون إرهابًا وأنّ الإرهاب الحقيقي هو تلك الممارسات التي تقوم على الاعتداء على الحق".
ويرى بن عامر أنّ "المقاومة عدلت الأوتار، وعديد الجهات في العالم أدركت فعلًا أنها كانت ضحية الدعاية الصهيونية الأمريكية في تبنّي مغالطات فيما يتعلق بمفهوم الإرهاب ومعاداة السامية.. وبات كثيرون يشكّون في مصداقية الأنظمة التي يخضع لها العالم".
وتطرق الدكتور بن عامر إلى دور المثقف قائلًا: "على المثقف أن يدعم هذه الاستفاقة، والرسالة الحقيقية التي يمكن أن نوجهها هي أن نصلح ما أفسده الغرب وأن تكون لدينا الجرأة والشجاعة لأن نكشف الجوانب السلبية في السياسة العالمية ونقدم للعالم البديل الحضاري اللائق بالنظام العالمي".
