23-سبتمبر-2019

تسجيل أكثر من 24 ألف ورقة بيضاء في الدور الأول للانتخابات الرئاسية (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

مثلت نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مفاجأة لأغلب الطيف السياسي والمتابعين في تونس، رغم أن المترشحين للدور الثاني المرشح المستقل قيس سعيّد والمرشح عن حزب "قلب تونس" نبيل القروي كانا في المراتب الأولى في نوايا التصويت منذ شهر مارس/آذار 2019.

لكن المتابع بعمق لهذه النتائج يلاحظ ارتفاع عدد الأوراق البيضاء، أي أوراق الاقتراع التي لا تحتوي على أي اختيار، بتسجيل أكثر من 24 ألف ورقة بيضاء وهو ما يعدّ رقمًا لافتًا. فإذا أردنا ترتيب هذه الأوراق في قائمة النتائج لاحتلت المرتبة 15 بنسبة 0.71 في المائة من أصل 26 مترشحًا، أي أنها تسبق 12 مترشحًا على رأسهم مرشح ائتلاف الجبهة حمة الهمامي الذي حصل على نسبة 0.7 في المائة من الأصوات.

تسجيل أكثر من 24 ألف ورقة بيضاء في الدور الأول في الانتخابات الرئاسية لتحتل المرتبة 15 متقدمّة على أصوات 12 مترشحًا 

اقرأ/ي أيضًا: ماذا ينتظر الشباب التونسي من الانتخابات؟

قد يهمل الساسة موقف رضوان (35 سنة)، يعمل بشركة تقدّم خدمات إلى البنوك، من الانتخابات الرئاسية بالقول إن صوتًا واحدًا ليس مهمًا، غير أن صوته يقدم فكرة عن طريقة تفكير ما يقارب 24085 ناخبًا لهم وزن انتخابي محترم على النحو السابق عرضه.

قرّر رضوان، قبل شهر من الانتخابات، عدم التصويت بسبب ما وصفها بالفوضى الانتخابية بعد اكتشافه محاولة عودة بعض الوجوه القديمة التي تقلدت مناصب في الدولة إضافة إلى وجوه فشلت في انتخابات 2014، وفق قوله.ي

يتحدث لـ"ألترا تونس" قائلًا: "الوضع في تونس سيء. كان لدينا أمل في تحسن الأوضاع بعد الانتخابات ولكن ما أراه ليست انتخابات، إنه سيرك بمعنى الكلمة. رئيس مجلس نواب، وزير دفاع، رئيس حكومة، رئيس حكومة أسبق وغيرهم، ليست لدي ثقة في أي أحد من هؤلاء".

تطور موقف رضوان بعد ذلك من عدم التصويت إلى التصويت ولكن من خلال تقديم ورقة بيضاء "هذا الخيار تبنيته فقط من أجل توجيه رسالة أعتبرها مهمة في أن جميع المترشحين فشلوا في إقناعي ببساطة"، هكذا يقول محدثنا.

رضوان (35 سنة): اخترت التصويت بورقة بيضاء من أجل توجيه رسالة أعتبرها مهمة في أنهم جميع المترشحين فشلوا في إقناعي

وقد بذلت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات جهودًا كبيرة من أجل تشجيع المواطنين على التسجيل في الانتخابات وحثهم على المشاركة في التصويت. وقد بلغ عدد الناخبين الجدد في الانتخابات حوالي مليون و 454 ألف ناخبًا وهو رقم مرتفع نسبيًا، لكن جاءت نسبة التصويت، يوم الاقتراع، مخالفة لجميع التوقعات بتسجيل نسبة 49 في المائة فقط.

يعلّل عضو هيئة الانتخابات عادل البرينصي تراجع نسبة التصويت بضبابية المشهد في مخيّلة المواطن التونسي والدليل أنه حتى الساعة الرابعة لم تتجاوز نسبة التصويت داخل تونس حوالي 27 في المائة قبل أن ترتفع وتيرة المشاركة في الانتخابات في آخر ساعتين قبل غلق مراكز الاقتراع.

وعن التصويت الأبيض، يقول البرينصي لـ"ألترا تونس" إنه "موقف هو يندرج ضمن المواقف المذكورة سابقًا وسببها الأساسي هو ضبابية المشهد وكثرة المترشحين" مبينًا أن هيئة الانتخابات تقوم بتحليل نتائج الانتخابات، ومضيفًا أن التصويت الأبيض هو ظاهرة منتشرة في العالم أجمع وفق تأكيده.

عادل البرينصي (هيئة الانتخابات): يعود التصويت الأبيض لضبابية المشهد

اقرأ/ي أيضًا: لقاء حصري مع "رضا لينين" وسنية الشربطي.. من يقف وراء حملة قيس سعيّد؟

يمكن اعتبار صندوق الانتخابات من أكثر الوسائل التي يمكن أن تدرس واقع المجتمع، فمثلًا أصبح مصطلح الولاءات التحتية أو الفرعية في تونس منتشرًا بشكل كبير، والمقصود به التصويت بدوافع جهوية أو عشائرية أو بدافع صلة القرابة وليس بدافع وطني أو حزبي وهي الدوافع ما تحت الوطنية.

وتحكم التصويت عدة عوامل أهمها الحيرة وعدم القدرة على الاختيار سواء بسبب ضبابية المشهد وصعوبة الفهم أو بسبب كثرة المترشحين.

المحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي يقول لـ"ألترا تونس" إن التصويت الأبيض هو "نوع من العقاب أو الاحتجاج"، معتبرًا أن تسجيل 24 ألف ورقة بيضاء هو "وزن انتخابي محترم". وأكد على وجود احتمالية كبيرة في ارتفاع عدد الأوراق البيضاء في الدور الثاني بالنظر إلى هوية المترشحين الاثنين والجدل أو الغموض الذي يلفهما، وفق قوله.

عبد اللطيف الحناشي: التصويت الأبيض يظل تسجيل موقف بطريقة راقية

ويقدّر محدثنا أن التصويت الأبيض "لا يعكس بأي حال من الأحوال ارتفاع منسوب الوعي لدى الناخب"، مشيرًا إلى ارتباط قياس نسبة الوعي بنسبة التصويت للأحزاب لأنها تاريخيًا هي التي تمتلك البرامج حسب تأكيده. وإن اعتبر، في نهاية المطاف، أن التصويت الأبيض يظل تسجيل موقف بطريقة راقية وفق تعبيره.

ختامًا، ينتظر التونسيون التوجه قريبًا للاقتراع في الدور الثاني لاختيار رئيس جديد للبلاد، إما المرشّح المستقل قيس سعيّد الذي تُّوجه الانتقادات لبعض المحيطين به، وإما مرشح "قلب تونس" نبيل القروي الذي يقبع في السجن حاليًا بسبب تهم تتعلق بالتهرب الضريبي وغسيل الأموال. فهل سينجلي هذا الغموض وتتّضح الصورة أم سترتفع نسبة الأوراق البيضاء بشكل لافت في الدور الثاني؟

 

اقرأ/ي أيضًا:

كيف يقرأ المختصّون في الصورة المعلّقات الدعائية للمترشحين للرئاسيات؟

ماهي المواصفات المطلوبة من رئيس الجمهورية القادم؟