19-سبتمبر-2019

يرفض قيس سعيّد التمويل العمومي لحملته الانتخابية على خلاف بقية المترشحين للانتخابات الرئاسية (الشاذلي بن إبراهيم/Getty))

 

أثار ترشح أستاذ القانون الدستوري المستقل قيس سعيّد للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها مفاجأة في الساحة التونسية وحتى العربية والعالمية وهو الرّافض للتمويل العمومي لحملته الانتخابية وكان المترشح الأقل حديثًا، فمن يقف مع قيس سعيد في حملته؟ وكيف استطاع إقناع الناخبين ليحتل المركز الأول بـ18.4 في المائة بحسب النتائج الأولية للهيئة العليا المستقلة للانتخابات؟

عرفته الساحة الطلابية يساريًا ثائرًا في جامعة الحقوق والعلوم السياسية بتونس، حتى لقبه الرفاق بـ"رضا لينين"، وهو رضا شهاب المكي، متفقد عام تعليم ثانوي متقاعد يرفض في تصريح لـ"ألترا تونس" أن يُقدّم كمدير لحملة المترشح للرئاسة في الدور الثاني قيس سعيّد.

ويقول رضا شهاب المكي في حديثه لنا "لا مكان للألقاب والرتب في حملتنا. نحن مجموعة تعمل متضامنة متطوعة لا نجاح فيها لواحد من دون الجماعة".

اقرأ/ي أيضًا: الدور الأول لرئاسية 2019: ثورة ناعمة تهز كيان المنظومة السياسية القائمة

"رضا لينين" ومشروع "قوى تونس الحرّة"

سليل "وطد" (حركة الوطنيين الديمقراطيين) داخل الجامعة التونسية، عمل "رضا لينين" في مجالات عدة وطرد تعسفيًا من 3 وظائف ورفع قضايا كسبها واسترد حقوقه. النقابي زمن بن علي أسس بعد ثورة 14 جانفي/ كانون الثاني 2011 "قوى تونس الحرة" واختلف مع عدد من رفاقه حولها.

فلئن اعتبرها البعض "وطد"، فإن رضا المكي رأى أن زمن "الوطد" انتهى، وأن القوانين الداخلية للعالم تسير نحو التغيير لكن اليسار التونسي بقي حبيسًا في سياق الهزيمة ولا يمكن له إلا أن ينهزم.

رضا شهاب المكي لـ"ألترا تونس": نحن نؤمن بالسلطة المحلية التي تنطلق على أساس مبدأ اقتراع الأفراد والسلطة التشريعية المقلوبة على رئيسها

ويبيّن محدثنا أن ما قاله ليس كرهًا في اليسار ولكنه انتهى تاريخيًا قائلًا "نحن دخلنا مرحلة شباب الشعوب". ويوضّح أن نظريات "قوى تونس الحرة" التي صاغها في وثيقة للتوقيع عليها لا تنطبق على الحركة بل كتبت لعصر جديد، لعنوان جديد، فقوى تونس الحرة، كما يؤكد المكي، هم أناس تقدميون يؤمنون بالعلم والتقدم وأن القانون الأساسي هو التاريخ، ولديهم أيضًا تصور جديدة لمفهوم الدولة والاقتصاد وهو مختلف تمامًا عمّا عُرف في العلوم السياسية، على حد تعبير محدثنا.

"نحن نؤمن بالسلطة المحلية التي تنطلق على أساس مبدأ اقتراع الأفراد والسلطة التشريعية المقلوبة على رئيسها وإذا أردنا أن ننجح فعلينا أن نغير نظام البناء"، يضيف رضا لينين لـ"ألترا تونس"، مؤكدًا أن تحقيق التنمية بعيدًا عن الصراعات الأيديولوجية وما يسمّى بالتوافقات مرتبط بتغيير نظام البناء الذي سيصبح من تحت إلى فوق وهو أنجع وشعبي وأقل تكلفة.

ويشير رضا المكي إلى أن هذا التصور كان مرفوضًا لأن الحكم فيه للشعب وهم يريدونه محاصصة بين النخب معربًا عن اعتقاده أن عصر النخب والزعماء والانقلابات العسكرية انتهى.

و"قوى تونس الحرة" حاولت بحسب مؤسسها أن تكوّن مجالس محلية نجحت في البعض وفشلت في البعض الآخر وأنهكها زمن الانتقال الديمقراطي وهيمنته على الساحة السياسية. وظل الاتفاق على أن استرجاع التوازن في البلاد سيتم عندما تتهالك الجوقة السياسية المهيمنة على المشهد، وعندما تنتهي وتستنزف كل مبادراتها وتدخل في طريق مسدود وقتها يقدّم المشروع، وفق قوله.

الالتقاء مع قيس سعيّد 

يقول رضا المكي "لم يكن قيس سعيّد من الوطد لكنه فاجأنا في طريق التاريخ فقد وجدناه يقدم في الإعلام مشروعًا هو توأم مشروعنا وتلاقينا في الحياة. كنت أنا في الخارج وكان قيس سعيّد رفقة سنية الشربطي يجول في تونس من شمالها الى جنوبها منذ 2012 ليعرف بالمشروع".

"عندما كان أساتذة القانون الدستوري يتنقلون من بلاتو تلفزي إلى آخر كان قيس سعيّد ينتقل من جهة إلى أخرى في خريطة البلاد التونسية"، ويتابع محدثنا قائلًا "لقد أصبح قيس سعيّد ومشروعنا واحدًا فقدمناه للشباب المتعلم والمعطل لأننا نعتبرهم في هذه المرحلة هم القوة الحقيقية، قوة التغيير، ليس احتقارًا للبقية ولكن البقية دورهم ضعيف في هذه المرحلة ولهذا نجح المشروع ميدانيًا الى حد الساعة".

رضا شهاب المكي لـ"ألترا تونس": عندما كان أساتذة القانون الدستوري يتنقلون من بلاتو تلفزي إلى آخر كان سعيّد ينتقل من جهة إلى أخرى

وكانت أول خطوة بحسب رضا المكي تشجيع الشباب على التسجيل للانتخابات بعد لقاءات معهم والاستماع إليهم وإقناعهم أن التغيير لن يكون إلا بالتسجيل وسجل مليون ونصف منهم. وقدّم قيس سعيّد ترشحه بعد أن فتح حسابًا جاريًا بـ 50 دينارًا وتقاسم أكثر من 20 فردًا مبلغ الضمان المالي  للترشح للانتخابات الرئاسية (10 آلاف دينار).

صورة متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تجمع قيس سعيّد بـ"رضا لينين" في إحدى الاجتماعات

اقرأ/ي أيضًا: زلزال الانتخابات في تونس من منظور أسئلة الأخلاق والسياسة والدّولة

وبيّن أن الهدف كان أن يكسروا قوة المال وأن يثبتوا أن المال أداة يعوضها الجهد والتضامن والعمل والتضحية وهذا ما طبقوه في الحملة، مشيرًا إلى أن تنسيقيات الشباب في الجهات كانت تجمع تبرعات تبدأ من 200 مليم إلى 8 دنانير لطباعة مستلزمات الحملة الانتخابية. ويبرز أن المتطوعين من الشباب والأساتذة والمحامين والعاطلين عن العمل وحتى الأطفال الذين يلصقون الصور مضيفًا "فكلنا واحد نحن مجموعة لا قيادة ولا رتب".

ويوضح رضا المكي أن أزمة العالم كله هي الأموال والرتب وأنهم أرادوا ان يبينوا للعالم أنهم قادرون من دون كل ذلك، مشددًا على أنهم ليسوا في منافسة مع أحد فالمكان يتسع للجميع على حد تعبيره، ولهذا السبب هم لا يردون على الاتهامات التي تكال لهم في المنابر الإعلامية.

ويقول عن سرّ نجاحهم، إن مشروعهم "من القلب فعندما تتخلى عن قيود المادة لا يمكن أن تقدم إلا شيئًا خالصًا صادقًا"، مضيفًا "لقد كنا واثقين من نجاحنا فقد تأكدنا أن الشباب أخذ قراره وأن الثورة هذه المرة عن طريق الديمقراطية والصندوق وبطرق شرعية".

ويختم حديثه بالقول"الصغير أولاد أحمد يقول إذا كنت شعبًا عظيمًا فصوت لنفسك في اللحظة الحاسمة ونحن اخترنا اللحظة التي كنا ننتظرها منذ 2011".

سنية الشربطي: مشروعنا هو مشروع الشّعب

رضا شهاب المكي واحد من مجموعة تضم أيضًا سنية الشربطي خريجة الحقوق وكذا العلوم الاجتماعية والتي تحدثت أمام إصرار "ألترا تونس"، فهي تعتبر نفسها واحدة من جملة مجموعة وأن ممثلهم هو المترشح قيس سعيّد وأنها متطوعة كالبقية، مؤكدة أن سعيّد متطوع أيضًا وأن مشروعه مقدّم منذ 2011 عكس ما يدعي البعض اليوم غير أن لا أحد اهتم به، وفق قولها.

شنية الشربطي لـ"الترا تونس": استنفذ النموذج السياسي التقليدي تاريخيًا كل أدواره ولهذا فشل حتى وان كانت نوايا المنخرطين فيه صادقة

وتضيف "الأسماء لا تعني شيئًا فالمشروع هو مشروع الشعب وللشعب من أجل دولة خارجة من مجتمعها وليست غريبة عنه وهي مرحلة تاريخية فرضت نفسها، فقد استنفذ النموذج السياسي التقليدي تاريخيًا كل أدواره ولهذا فشل حتى وإن كانت نوايا المنخرطين فيه صادقة وبالتالي حان الوقت لنموذج جديد".

قيس سعيّد يتوسّط سنية الشربطي يمينًا ورضا المكّي المعروف بـ"رضا لينين" يسارًا

وتبيّن سنية الشربطي أن قيس سعّيد وكل من معه يسعون لإنجاح هذا المشروع من أجل الأجيال المقبلة رافعين الإيثار شعارًا مشددة على أنهم ليسوا في منافسة مع أي طرف، وفق تعبيرها.

متطوّع في حملة سعيّد: الأستاذ "واحد منّا"

ويوجه سعيّد مشروعه لشباب يقفون متطوعين وراء حملته مؤمنين به وهم خريجو جامعات وطلبة وعاطلون عن العمل ومن بينهم رامي الهمامي. وهو شاب مستواه التعليمي باكالوريا إعلامية يعمل سائقًا، ويقول لـ"ألترا تونس"، "نحن شباب نؤمن بالثورة واقتنعنا بمشروع قيس سعيًد لأنه يحقق أهداف الثورة وأحد المدافعين عن جرحاها. كما أن الأستاذ قريب منا ونشعر أنه "واحد منا" لم يأتنا بالأموال وإعانات يوزعها علينا ولا يركب سيارة فخمة يطل منها على وضعنا ولا يتنقل بطائرة هليكوبتر فوق رؤوسنا".

ويضيف "لقد آمنا به لأننا كلما اتصلنا به رفع الهاتف وأجابنا وكلما أردنا لقاءه إلا وكان معنا، فهو ينصت لحديثنا ولا يتكلم كثيرًا بل يسمعنا أكثر وهو لا يمثل لا يسارًا ولا يمينًا بل يحمل هموم الشعب التونسي ولهذا نحن ماضون معه".

 

اقرأ/ي أيضًا:

تقدير موقف: الانتخابات الرئاسية في تونس.. قراءة في نتائج الدور الأول

هل تنجُو نتائج الانتخابات الرئاسيّة من التشكيك والتخوين والمواقف الاحتجاجيّة؟