في منطقة الصخيرات الواقعة على الحدود التونسية الجزائرية، وتحديدًا في التجمّع السكني " أولاد مرزوق" حطّ الفضاء الثقافي المتنقّل الأوّل من نوعه "أفروديت" الرحال، وزيّنت الخيام الملوّنة وجهها الشاحب.
وبعد شدّ وجذب وسباق مع الوقت ومع الظروف، رأى الفضاء الثقافي النور في افتتاح كان الفعل الثقافي والبنون والبنات زينته، وازدحمت الطرقات التي لم تألف غير أصوات عجلات السيارات رباعية الدفع وصوت الريح ينفخ في الأحراش، الموسيقى وضحكات الأطفال.
خيام ملوّنة تناثرت كقطع الربيع على مساحة شاسعة في واجهة ضريح الولي الصالح سيدي مرزوق، خيام آوت أطفال الجهة من الجوع للفعل الثقافي وآمنتهم من الشعور بالعزلة لتكون "أفروديت" لصاحبها بلال العلوي صرخة في وجه المركزية في كل تمظهراتها.
بلال علوي لـ"ألترا تونس": أساس "أفروديت" يقوم على التوجّه إلى تجمّعات سكنية بعيدة عن مركز المدينة وتفتقر إلى دور ثقافة وشباب وفضاءات ثقافية ونواد للأطفال
وبلال العلوي هو فنّان أصيل معتمدية ماجل بلعباس التابعة لولاية القصرين والتي تعود إليها منطقة الصخيرات بالنظر، يؤمن أن الثقافة حق للجميع حيثما كانوا ، لذلك يسخّر أفكاره الخارجة عن السائد والمألوف ليحمل الثقافة إلى زوايا تونس المنسية والمهمشة.
وللحديث عن "أفروديت" وعن دلالات مكان الافتتاح وفلسفة ثقافة الهامش، التقى "ألترا تونس" الفنان بلال العلوي على هامش الافتتاح وكان معه الحوار التالي:
اقرأ/ي أيضًا: رفيقة بوجدي: هذه حكايتي مع الدراما في تونس والجزائر وهكذا ننافس الأتراك (حوار)
- "أفروديت" ليست إلا حلقة في سلسلة من المبادرات الثقافية التي أوجدتها قريحتك، فماهي فلسفتها ولماذا أردت لها أن تكون متحرّكة؟
بعد عدة عروض سواء من خلال الكميون الثقافي أو مشاركات في عروض مسرحية في عديد المناطق تحت شعار الثقافة للجميع والثقافة في كل مكان، شعرت أن هذه العروض فقط لا تكفي بل يجب أن تكون مرفوقة بالتكوين ذلك أنه مهم جدًّا في تنشئة الأطفال.
وأساس المشروع يقوم على التوجّه إلى تجمّعات سكنية بعيدة عن مركز المدينة وتفتقر إلى دور ثقافة وشباب وفضاءات ثقافية ونواد للأطفال، ونحن نسعى من خلال هذا المشروع إلى فتح باب وآفاق جديدة لأطفال هذه المناطق من خلال تقديم الفعل الثقافي بديلًا، وإلى جانب العروض المسرحية والموسيقية والسينمائية يكون الأطفال على موعد مع ورشات تحصّنهم من سوداوية الواقع.
بلال علوي لـ"ألترا تونس": نحن نحاول أن نبني ونؤسس لوعي مواطني وقيمي من خلال ملامسة الفكر والروح ومن خلال زرع الأمل وحب الحياة
- هل يعني ذلك أنّ "أفروديت" أداة لانتشال الأطفال من واقع لم يختاروه؟
نعم هو كذلك، فنحن نحاول أن ندخل الفرح على قلوب أطفال، ونسير معهم في درب الثقافة الذي أعتقد أنه يمكن أن يغيّر الكثير في واقعهم، فمثلًا نحن اليوم نفتتح "أفروديت" على بعد بعض الكيلومترات من الحدود الجزائرية حيث يسود التهريب.
وبعيدًا عن هذا الواقع الذي يعيش فيه أطفال الجهة حاولنا أن نفتح نافذة على عالم آخر هو عالم الثقافة، أردنا ألا يشعر هؤلاء الأطفال بالعزلة فأن يقطنوا على الحدود بعيدًا عن مركز المدينة ليس مبررًا لحرمانهم من الثقافة.
ثم ما الذنب الذي اقترفه طفل صغير لكي لا يتشارك مع أترابه في مناطق أخرى قريبة من المدينة في نقطة النفاذ إلى الفضاءات الثقافية، فالأطفال هنا في أولاد مرزوق يرون العرائس المتحرّكة لأول مرّة بل ويحرّكونها، هي المرّة الأولى التي يصافحون فيها أنشطة ثقافية.
- لماذا اخترت أن يكون الافتتاح في "أولاد مرزوق" دون غيرها؟
في الواقع أتمنى أن يتواصل اكتساح الثقافة لكل المناطق الحدودية والمناطق المنسية والمهمّشة، وأنا ماض في هذا التوجّه واخترت الهامش لأنّ عليه ما يستحق الاهتمام، وأولاد مرزوق منطقة معزولة ثقافية ارتبطت في الأذهان بالتهريب وهي معنية بوقفة ثقافية تكسر رتابة الواقع.
ومنطقة أولاد مرزوق تبعد عن الجزائر خمسة عشر كيلومترًا وعن معتمدية ماجل بلعباس التي تعود إليها بالنظر حوالي ثلاثين كيلومترًا بمعنى أنّها أقرب إلى التراب الجزائري، وبالتالي أعتقد أن اختيارها لافتتاح " أفروديت" مهم جدًّا وفيه عدّة رسائل من أبرزها أن الثقافة جسر لتذليل الفوارق في كل تجلّياتها، كما أنه لا يخلو من دلالات رمزية.
اقرأ/ي أيضًا: عادل المعيزي: مثّلنا الدولة التي تعرّي نفسها في هيئة الحقيقة والكرامة (حوار)
- ماهي هذه الدلالات الرمزية؟
أن يكسو الفعل منطقة حدودية لا حديث عنها إلا مقترنًا بالتهريب، ولا مؤسسات دولة فيها باستثناء مدرسة أولاد مرزوق، في حدّ ذاته دلالة رمزية لافتتاح "أفروديت".
والحديث عن التهريب عادة ما يقترن بالحديث عن الاقتصاد الموازي وضرب الاقتصاد المنظم وغيره من ضروب توزيع صكوك الوطنية، واليوم حضر أهالي أولاد مرزوق وأطلق الفرسان الأعيرة النارية بعد أن رفع النشيد الوطني ورفرفت راية تونس عاليًا، وكلّها دلالات رمزية ورسائل من الهامش إلى المركز، رسائل فيها الكثير من العتب واللوم.
بلال علوي لـ"ألترا تونس": لا بد للحلم أن يتحقق..
- فيما "أفروديت" ترسم ملامح الفرح في الصخيرات تمكّنت وحدات الحرس الوطني من القضاء على عنصر إرهابي، أليس في الأمر دلالة رمزية؟
نعم فللقوات المسلّحة أسلحتها وخططها في محاربة الإرهاب وللثقافة أسلحتها في مقارعة التطرّف واجتثاثه من جذوره، وفي المجال الثقافي نعمل على المدى الطويل.
نحن نحاول أن نبني ونؤسس لوعي مواطني وقيمي من خلال ملامسة الفكر والروح ومن خلال زرع الأمل وحب الحياة، نحن نقاوم الإرهاب والتطرّف بالفعل الثقافي، نحن نتقاسم الحلم والتصوّر ومحبة الوطن مع الأطفال.
- في سياق الدلالات، لماذا سمّيت الفضاء "أفروديت"، كيف تقبّله أهالي المنطقة؟
بما أنني أسستُ الفضاء الثقافي غير المتنقل "فينوس" في ماجل بلعباس فارتأيتُ أن يكون الفضاء الثقافي المتنقل باسم "أفروديت" آلهة الحب والجمال لأننا اليوم في حاجة إلى الحب والجمال وإلى الألوان بعيدًا عن السواد والسوداوية.
وبعض المتساكنين في منطقة أولاد مرزوق تساءلوا عن التسمية ومعناها، وهو ما استبشرنا به لأن الفضاء بدأ في إتيان أكله، وهناك أيضًا من مر على التسمية مرور الكرام.
- الفضاء الثقافي المتنقّل يقوم على فكرة نصب الخيام الملوّنة في المنطقة المستهدفة بالفعل الثقافي، ما الرسالة من هذه الخيام؟
في الواقع هذا الاختيار فيه إحالة على الخيام الدعوية التي كانت في وقت ما خزّانًا للتطرّف، ونحن أردنا للخيام أن تكون ثقافية، أردنا أن نقيم المفارقة بين خيام الجمال وخيام السواد وخيام التطرف وخيام الحب والسماحة.
- ما هي الاستراتيجيات التي ستتنقل وفقها القرية الثقافية وهل ستحافظ على نفس الورشات؟
حسب البرنامج الأولي بعد الصخيرات ربما سنتوجه الى حيدرة وقريبًا سيتم التنسيق مع وزارة الشؤون الثقافية والمندوبيات الجهوية للشؤون الثقافية ومراكز الفنون الدرامية لملأ الهامش بالفن والألوان وربّما يكون الأمر في شكل اتفاقيات شراكة.
في افتتاح "افروديت" انتطمت ورشات رسم وسينما وموسيقى وعرائس، وستكون هذه الورشات ثابتة ويمكن أن تضاف إليها ورشات أخرى حسب الإمكانيات المادية، ولو واصلت وزارة الثقافة الدعم ستكون هناك العديد من الإضافات، والافتتاح ليس إلا محاولة ومازلت هناك العديد من الأفكار التي نسعى لتجسيدها. ورغم المشقة والعناء نحن مواصلون لأن على أرض تونس ما يستحق الحياة.
- ماهي رسالة بلال علوي للشباب الذين لاقوا صعوبات في تجسيد مبادراتهم سواء في الثقافة أو أي مجال آخر؟
لا بد للحلم أن يتحقق.
اقرأ/ي أيضًا:
أنور العياشي: "مسرح العائلة" يؤسس لمرحلة جديدة من الدراما التلفزية (حوار)
الرسام والجامعي سامي بن عامر: وزير الثقافة أقصاني والنقابات خذلتني (حوار)