22-يناير-2024
العقارات السياحية بالمنستير

تشهد المنستير عاصفة تتعلق بـ"خروقات قانونية" وشبهات فساد في علاقة بصفقات ارتبطت بعقارات في المنطقة السياحية

 

تشهد المنطقة البلدية بالمنستير منذ أكثر من شهرين عاصفة تتعلق بـ"خروقات قانونية في علاقة بنهب المال العام" وفق تعبير منذر سيك سالم والي المنستير الحالي الذي كشف في تصريح صحفي عن إيداع شكايات لدى محكمة المنستير تعد بالعشرات. جاء هذا الإجراء الجزائي "بعد محاولات لتسوية الوضعيات مع الدولة عن طريق آليات قانونية".

تلاحقت الأحداث في الأشهر الأخيرة وخاصة بعد حلّ المجالس البلدية في تونس. وتفاقمت مع حادثة بناء أكشاك محاذية لرباط المنستير إثر عملية تهيئة شاملة لكرنيش "القراعية" بمدينة المنستير والذي كشف عن تجاوزات خطيرة لحقت المعالم الأثرية، وتسويات غير قانونية بين البلدية وأصحاب أكرية قديمة في المجال السياحي المذكور.

تشهد المنستير عاصفة تتعلق بـ"خروقات قانونية" وشبهات فساد في علاقة بصفقات ارتبطت بعقارات في المنطقة السياحية ضمن "القصر الرئاسي" السابق، وهو ما أثار موجة من الانتقادات في تونس

كل ذلك أثار موجة من الانتقادات لدى الرأي العام المحلي والوطني، لا سيّما بعد ثبوت عدم ملاءمة المشروع لمقتضيات التشريعات الوطنية فيما يتعلق بالرخص وعملية التنفيذ لدى الوزارات المعنية بالتدخل وأهمها وزارتي الثقافة والسياحة وإدارة المعهد الوطني للتراث.

هدم الأكشاك المحدثة مؤخرًا بعد قرار وزيرة الثقافة بإيقاف الأشغال بها لإضرارها بمعلم الرباط التاريخي، أعقبتها موجة من القضايا تقدمت بها السلط الجهوية لدى محكمة المنستير لم تشمل فقط الإحداثات بل توسعت لتشمل المنطقة السياحية الدخيلة بالمنستير، والعقارات المشمولة بالتحيل القانوني ضمن ما كان يسمى بالقصر الرئاسي بالمنستير، وكذلك بعض الصفقات العمومية التي تمتع بها عدد من المستثمرين والمقاولين في الجهة دون وجه قانوني.

 

صورة
الأكشاك التي تمت إزالتها بالمنستير 

 

وأكد والي المنستير منذر سيك علي، في تصريح لوكالة الأنباء التونسية الرسمية، "ضرورة أن تكون التراخيص مستندة على ملفات حقيقية لا وهمية، وألّا يكون رجل الأعمال أو المستثمر تحت وطأة الابتزاز من طرف المتنفذين سواءً أكانوا مسؤولين سياسيين أو إداريين"، مستطردًا أنّ ذلك حاصل وأنّ لديه "العديد من الحقائق" في علاقة بذلك، وفقه.

نفضت شكاية لوالي المنستير بخصوص العقارات السياحية محلّ الجدل الغبار عن ملفات كانت راكدة منذ عقود ولم تطفُ على الساحة إلا مؤخرًا وجاءت ضمن سياق عام متوتر ومناخ يتسم بتبادل التهم في خصوص تبديد المال العام والمحسوبية

هذه التصريحات أثارت العديد من النقاط حول هذه الملفات التي كانت راكدة منذ عقود ولم تطفُ على الساحة إلا مؤخرًا وجاءت ضمن سياق عام متوتر ومناخ يتسم بتبادل التهم في خصوص تبديد المال العام والمحسوبية وغير ذلك من مظاهر الفساد الإداري التي تتلخص في "إبرام عقود فيها منح امتيازات وتمييز بين المواطنين ومحاباة واضحة ومضرة بالمال العام أدت إلى العبث الكبير والإجرامي بحق البيئة والمعمار والمال العام"، وفق تصريح صحفي سابق للوالي.

 

 

هذه المسائل أحالتنا على التدقيق في بعض المسائل التي كانت مثار جدل لدى الرأي العام وخاصة في نطاق المنطقة البلدية لبلدية المنستير وخاصة فيما "يسمى بالمقاسم السياحية في الدخيلة وكيفية إسنادها والتعطيلات التي وقعت والحكم الفضيحة الذي صدر بتغريم الوكالة العقارية السياحية بـ30 مليون دينار".

الناطق باسم محاكم المنستير والمهدية لـ"الترا تونس": والي المنستير تقدم بشكاية ضد مسؤولي بلدية المنستير السابقين في خصوص ما يعرف ببناء منتجع سياحي في منطقة جنان الوسط مخالفة لما تقتضيه التراتيب العمرانية

يذكر أن القضية تعود إلى فترة التسعينات، وخلال جميع مراحل التقاضي خلصت إلى إصدار حكم تعقيبي نهائي تلزم فيه الوكالة العقارية للسياحة بدفع 30 مليون دينار للخصم. وعند قيام الوكالة بإعلان طلب عروض لبيع هذا النزل المهجور فإن مبلغ البيع لم يتجاوز 5 ملايين دينار باعتبار أن المستثمر الجديد لن يرضى بهذا النزل الفوضوي الذي لم يخضع لرخصة بناء ولم يخضع لشهادة إيداع تصريح بالاستثمار من اللجنة الفنية للديوان الوطني التونسي للسياحة ولا يستجيب إلى شروط السلامة والاستغلال الفندقي طبقًا للمواصفات المعمول بها في هذا المجال. 

وقد تحصل أحد رجال الأعمال على قروض دون ضمانات وقام بخرق التراخيص الإدارية لبناء النزل ثم قام بقضية لاسترجاع الأموال من الدولة ممثلة في الوكالة العقارية السياحية مما دعا إلى رفع الدعوى.

 

صورة
بنايات في المنطقة السياحية الدخيلة بالمنستير

 

وبخصوص التجاوزات في المركّب السياحي "جنان الوسط" بالمنطقة السياحية الدخيلة بالمنستير، أفاد الناطق الرسمي باسم محاكم المنستير والمهدية فريد بن جحا، في تصريح لـ"الترا تونس"، بأن "والي المنستير تقدم بشكاية ضد مسؤولي بلدية المنستير السابقين في خصوص ما يعرف ببناء منتجع سياحي في منطقة جنان الوسط مخالفة لما تقتضيه التراتيب العمرانية واعتبر أن الشركة العقارية المشتكى بها عمدت إلى مخالفة رخصة البناء التي منحت لها من طرف بلدية المنستير من خلال إضافة طابقين طالت 18 عمارة في خصوص هذا التقسيم".

الناطق باسم محاكم المنستير والمهدية لـ"الترا تونس": والي المنستير يرى أنّ هناك تواطؤًا وغضَّ طرف متعمّدًا من طرف مصالح بلدية المنستير والمسؤولين الجهويين وقتها، بما يثير وجود شبهات فساد ووجود توافق إجرامي لغاية منه الإضرار بالفضاء العمراني

وأضاف بن جحا أنّ "الشاكي اعتبر أنه بالرجوع إلى أهمية الأشغال المنجزة دون ترخيص على خلاف ما تقتضيه الإجراءات التي يقتضي بها العمل في مجال التهيئة والتعمير ومن حيث حجم موقعها وامتدادها في الزمن من ناحية أخرى، اتّضح له وجود تواطؤ وغضّ طرف متعمّد من طرف مصالح بلدية المنستير والمسؤولين الجهويين وقتها، بما يثير وجود شبهات فساد ووجود توافق إجرامي على معنى الإجراءات الجزائية، الغاية منه الاعتداء على المجال والإضرار بالفضاء العمراني ومخالفة التراتيب الجاري بها العمل".

كما لفت إلى أنه اتضح أيضًا أنه تم "التغرير بمن تولوا شراء الشقق بالمركّب المذكور وتعطيل مصالحهم والزج بهم في وضعية المخالف للقانون دون إرادته، وكل ذلك لتحقيق منافع لصاحب الشركة بتواطؤ من موظفين عموميين بغضّ النظر عن التجاوزات".

وأضاف فريد بن جحا الناطق الرسمي باسم محاكم سوسة والمنستير أنه "استنادًا على هذه الشكاية، قامت النيابة العمومية بفتح بحث تحقيقي في جرائم تكوين وفاق إجرامي قصد الاعتداء على الأملاك والأشخاص واستغلال موظف عمومي لاستخلاص فائدة له أو لغيره بقصد الإضرار بالإدارة طبق الفصول 131-132-96-32 من مجلة الإجراءات الجزائية"، مشيرًا إلى أنّ "البحث لا يزال جاريًا".

 

صورة
المركبات السكنية والترفيهية تجتاح المنطقة السياحية الدخيلة

 

وعند مزيد من البحث والتدقيق في صبغة الأراضي السياحية "الدخيلة"، ثبت أنها تحت تصرف الوكالة العقارية للسياحة وهي تمتد على مساحات شاسعة وشريط ساحلي يضم أغلب نزل الجهة. وتوسعت الوكالة  العقارية السياحية بتهيئة مقاسم و بيعها للخواص وكانت فيما سبق أراضٍ فلاحية على ملك عائلات وأفراد تم انتزاعها بموجب "انتزاع عقارات للمصلحة العامة "وبموجب "عقود بيع على وجه المراضاة" منذ ستينات القرن الماضي.

كانت هذه الأراضي مثار سخط أصحابها الأصليين خاصة من متساكني الساحلين الذين أخرج بعضهم بالقوة العامة من أراضيهم، وهذا ما دفع الأهالي إلى رفع قضايا جبر ضرر فردي وجماعي لدى هيئة الحقيقة والكرامة إبّان الثورة

وكانت هذه الأراضي مثار سخط أصحابها الأصليين خاصة من متساكني الساحلين الذين أخرج بعضهم بالقوة العامة من أراضيهم، وهذا ما دفع الأهالي إلى رفع قضايا جبر ضرر فردي وجماعي لدى هيئة الحقيقة والكرامة إبّان الثورة. لكن بعد ذلك الانتزاع لفائدة المصلحة العامة تم التصرف في الأملاك المنتزعة ببيعها من طرف الوكالة العقارية للسياحة للخواص بمبالغ ضخمة للتصرف فيها كنزل ومرافق ترفيهية ومقاسم سكنية وامتدت إلى منشآت تجارية ضخمة ومرافق استشفائية خاصّة.

وقد تحصلنا على نموذج عقد بيع على وجه المراضاة تحت عنوان انتزاع لفائدة المصلحة العامة تعود ملكيته لأحد مواطني الساحلين ينص فيها العقد على "بيع وتسليم الأرض للدولة التونسية، ويعدل في مقابل الثمن المذكور عن طلب أي تعويضٍ بخس أو ضرر ناشئ عن المقصود من انتزاع ما ذكر، ويقبل مسؤولية جميع التعويضات التي يطالبها الغير عن خلع شرعي أو تغيير أماكن المرور أو خسارة حصائد أو زرع أو تغيير أو كراء أو كل ضرر ينشأ عما ذكر".

كما ينص العقد على تصرف الإدارة في الأراضي المذكورة من يوم التاريخ بالتصرف التام وينصّ الفصل الثامن خاصة على أنه "نظرًا لكون البيع وقع على وجه المراضاة، فإنّ البائع يعدل عن التمسك بالأحكام الصادرة في حق ترتيب الانتزاع للمصلحة العامة (الأمر المؤرخ في 9 مارس/آذار 1939) والفصل التاسع ينص على أنه يعترف بأنّ موافقة الدولة متوقفة على إمضاء كاتب الدولة للأشغال العمومية والإسكان، وبناءً على الفصل التاسع قدم بعض الأهالي شكايات لعدم إصدار ذلك الأمر في حينه.

 

صورة
وثيقة عقد انتزاع عقارات للمصلحة العامة لأراضي "الدخيلة" بالمنستير

 

جدير بالذكر أنّ والي المنستير منذر سيك علي كان قد أشار إلى أنّ "المدينة السياحية في الدخيلة التي تضم تقريبًا 150 ألف متر مربع تحتوي بنايات أنجزت خلافًا لما تقتضيه التراخيص القانونية"، وأنّ "هناك عدّة مخالفات معمارية كبرى والجميع على علم بها"، مستغربًا عدم تدخل مختلف المصالح الرقابية.

يشار إلى أن المنطقة السياحية "الدخيلة" حفت بها العديد من التجاوزات على مر عقود أهمها الاعتداء على الملك العمومي البحري ومخالفة مثال التهيئة العمرانية وتغيير الصبغة العقارية مما وثقته محكمة المحاسبات في مختلف تقاريرها

وأضاف الوالي: "توجد قضيتان متعلقتان مرتبطتان بقصر الرئاسة سابقًا والذي اتخذ سنة 2000 قرارًا بتصفيته، ووقع إحداث شركة تهيئة وإسناد المواقع الرفيعة والجميلة والسياحية والعالية القيمة العقارية بعقود أقل ما يقال عنها إنّها مثيرة للضحك، إذ أنّ الأرض تباع لإنجاز مشروع اقتصادي ترفيهي، ثم يقع تفصيل المشروع وتعبيد الطريق نحو إنجاز المركّب التجاري والسكني دون المركّب الذي سيوفر مواطن شغل ويخلق القيمة المضافة".

يذكر أن الوكالة العقارية السياحية (حكومية) تعرض العقارات التي تتصرف فيها للاقتناء والبيع لإنجاز مشاريع سياحية، ولكل باعث مشروع سياحي داخل مناطق التدخل العقاري للوكالة العقارية السياحية الحق في اقتناء العقار المخصص للمشروع حسب مثال التهيئة التفصيلي للمنطقة إذا حصل المشروع على الموافقة النهائية من وزارة السياحة. لكن تصاعدت في كامل السنوات الأخيرة أصوات متضررين في كل من المهدية والساحلين والمنستير، ورُفعت تقارير في الشأن تحوم حول شبهات فساد في منح المقاسم وطرق الانتزاع من المالكين الأصليين. 

علاوة على هذه الإشكالات القانونية العالقة منذ انتزاع تلك الأراضي الفلاحية لفائدة المصلحة العامة وتكفل الوكالة العقارية السياحية بتهيئة المنطقة السياحية "الدخيلة" والتصرف في العقارات المذكورة، حفت بتلك الجهة العديد من التجاوزات على مر عقود من الزمن وأهمها الاعتداء على الملك العمومي البحري ومخالفة مثال التهيئة العمرانية وتغيير الصبغة العقارية مما وثقته محكمة المحاسبات في مختلف تقاريرها السنوية الصادرة بخصوص رقابة وتقييم آداء بلدية المنستير التي تعتبر شريكًا أساسيًا في إصدار الرخص واللزمات المتعلقة بها، إضافةً إلى مصالح إدارية أخرى تتداخل تراتبيًا في التصرف في الأملاك والعقارات مرجع النظر.