بعد أن أعلنت انتصارها في قضية القمح الفاسد المستورد في ميناء سوسة بإيقاف موظفين من وزارة الصحة متورطين في هذا الملف الذي كشفته الموظفة في وزارة الصحة نوال المحمودي ورفضت التأشير على استلام شحنة القمح القادمة من بلغاريا حاملة قمحًا أوكرانيًا لفائدة شركة تونسية خاصة مختصة في تحويل العجين، تُواصل المحمودي كشف ملف فساد آخر إثر تعيينها مسؤولة عن برنامج السل في الإدارة الفرعية للصحة الأساسية بسوسة مؤكدة تعرضها للضغوط من أجل إخماد صوتها .
"ألترا تونس" كان لها لقاء مع نوال المحمودي للحديث عن تفاصيل اكتشافها لملف الفساد الجديد، والمضايقات التي تعرضت إليها، ومسائل أخرى، فكان الحوار التالي:
- بعد قضية "القمح الفاسد" وما ترتب عنها من إيقافات، أكدت صحة المعطيات التي كشفتها ملف فساد آخر تعمل عليه نوال المحمودي حاليًا، هل من تفاصيل؟
بالفعل، بعد إنهاء مهامي في ميناء سوسة إثر كشفي لملف القمح الفاسد، تم نقلي للعمل في الإدارة الفرعية للصحة الأساسية بسوسة، وتم تكليفي بالبرنامج الوطني للسل على مستوى الجهة واكتشفت أن "التحقيق الوبائي" المطالبين به من طرف المنظمة العالمية للصحة مع كل مصاب بفيروس السل المتمثل في القيام بتحاليل لمحيط المصاب حتى نحصر العدوى لم ينجز منذ 12 شهرًا.
نوال المحمودي لـ"ألترا تونس": المخبر الذي نجري فيه تحاليل مرضى السل بولاية سوسة مغلق وتحول إلى مخزن للنفايات منتهية الصلوحية داخل بناية آيلة للسقوط
كما اكتشفت ضياع ملفات كانت في عهدة زميلة سابقة واطلعت أيضًا على مراسلات من وزارة الصحة تؤكد أن ولاية سوسة لم تقم بإرسال نتائج تحاليل مرضى السل، والأدهى والأمرّ أن المخبر الذي نجري فيه تحاليل مرض السل مغلق وتحول إلى مخزن للنفايات منتهية الصلوحية داخل بناية آيلة للسقوط .
حاولت أن أبحث عن المكان الذي يتم فيه إجراء الفحوصات الطبية كالتصوير الإشعاعي وغيره لمصاب السل، على اعتبار أن المرض معدٍ وأن هناك مكان خاص بالمصابين، فتم إعلامي بأن آلة التصوير الطبي الخاصة بمرضى السل، التي مدتنا بها وزارة الصحة، مفقودة ولا أحد يعلم مآلها، وكذلك آلة التصوير بالأشعة الخاصة بمرضى السل، وهي هبة من منظمة الصحة العالمية، غير موجودة.
وبالتالي فإن مصاب السل يتنقل للتصوير في مستشفيات سوسة، ناقلًا معه الفيروس المعدي، في وقت نعاني به من جائحة كورونا، وكذلك السل فمرضاه في الجهة يتنقلون دون أي رقابة أو متابعة رغم خطورة المرض.
وفي السياق نفسه، نحن مطالبون حسب القانون الدولي أن نجري سنويًا تحاليلًا حول مرض السل لكل المسنين المصابين بأمراض مزمنة لأنهم أكثر عرضة للعدوى من غيرهم، لكن لسنوات لم يتم القيام بهذه التحاليل ولم نتابع أحدًا.
- بعد اطلاعك على كل هذه المعطيات، ما الذي قمت به وأنت مسؤولة عن هذا البرنامج؟
بعد كشفي كل هذه المعطيات، اتصل الأشخاص المورطون في هذه الفوضى والتسيب بالكاتب العام الجهوي للشغل بسوسة، وبدوره اتصل بالمدير الجهوي للصحة بالجهة وهدده بأنه في حال لن أصمت فإنهم سينفذون إضرابًا.
وأمام رفض المندوب الجهوي للصحة التصدي لي وتأكيده أنني بصدد الكشف عن ملفات فساد وأنه قام بإعلام وزير الصحة بذلك، قام الأشخاص المورطون بإغلاق مكتبي ومنعي من دخوله. وعند تدخل المدير الجهوي ورفضه تصرفاتهم، اتجهوا في اليوم التالي إلى الولاية لتنفيذ وقفة احتجاجية مطالبين بإبعادي عن العمل ومعبرين عن رفضهم العمل معي. وهو ما دفعني للتوجه إلى وزير الصحة والمدير العام للتفقدية الطبية في تونس، وقاموا في 24 ساعة بتوجيه أربعة متفقدين مختصين للبحث في ملف مركز السل بسوسة.
المحمودي: مديرة الإدارة الفرعية الصحية الأساسية في سوسة كشفت ملف سرقة التحاليل السريعة لفيروس كورونا، فقاموا بالاحتجاج ورفعوا في وجهها شعار "ديقاج"
وأود، بالمناسبة، أن أشير أيضًا إلى أن مديرة الإدارة الفرعية الصحية الأساسية في سوسة كشفت عن ملف سرقة التحاليل السريعة لفيروس كورونا، وكنت معها. فقاموا بالاحتجاج ورفعوا في وجهها شعار "ديقاج" خلال يوم دراسي أمام الطلبة وهو ما وضعها في إحراج كبير حتى أنها اضطرت للابتعاد .
وقد اكتشفنا أن التحاليل السريعة استعملوها لِعيّنة في غير محلها وكانت نتائجها سلبية، فلم يكن هؤلاء خاضعين لبروتوكول استعمال هذه التحاليل وختمها بطابع الإدارة الجهوية للصحة وهو أمر غير قانوني، مما دفعني إلى التقدم بشكوى لوزير الصحة. وقد تم منذ أكثر من أسبوعين فتح تحقيق في الموضوع.
- بعد حصولك على شهادة أفضل مبلغ عن الفساد وعلى الجائزة الأولى لمكافحة الفساد في ليلة النجوم. هل أصبحت نوال المحمودي محمية من أي ضغوطات أو عقوبات، مما حثّك على مواصلة كشف ملفات فساد خطيرة؟
للأسف، رغم حصولي على هذه الجوائز ورغم إصدار قرار حماية لشخصي مدته 5 سنوات، ورغم أن كل المعطيات التي قدمتها والتي تتعلق بملفات فساد عدة منها ملف الوصفات الطبية لدواء الأعصاب التي كان يقدمها طبيب في الوصفات المخصصة للأمراض المزمنة والذي أيدتني فيه وزارة الصحة ووقفت إلى جانبي، إلا أن إدارتي قامت بنقلي لمستشفى أكودة كتجميد لي على اعتبار أنه غير معروف ولا يستقبل مرضى. ونجحت بالتعاون مع معتمدة الجهة وبعض مكونات المجتمع المدني في القيام بالتعريف به وبدأنا في استقبال المرضى واتصلت بنا وزارة الصحة واكتشفنا أن معدات المستشفى وميزانيته غير موجودة، وتم الضغط من أجل إسكاتي. لكن بعد تقديمي لشكوى، فتحت وزارة الصحة تحقيقًا وتم عزل وإيقاف المتورطين.
اقرأ/ي أيضًا: مبارك بن ناصر:القمح والزيتون تحيط بهما الأخطار وتهريب الجينات كارثي (حوار1/2)
بعد ذلك، تم نقلي إلى مستشفى القلعة الصغيرة وهناك عثرت على أنابيب خاصة بتحليل دم مرضى تخثر الدم والسرطان والسيدا منتهية الصلوحية منذ سنتين. وبالتالي فإن نتائج هذه التحاليل ليست صحيحة، فالمريض بحسب نتيجة التحليل إذا تمت إضافة حبة دواء إليه، ستتسبب له في نزيف ويموت وإذا تم إنقاص حبة من الدواء فإن الدم يتخثر ويتوفى.
أعلمت إدارتي وكل المسؤولين، وكالعادة نفذ المتورطون وقفة احتجاجية رافضين أن أعمل معهم. والسبب هو أن كل الزملاء يستعملون هذه الأنابيب منذ ثلاث سنوات. والتجأت للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وتوجه الملف للقضاء وقام الأمن بحجز هذه الأنابيب، وحجز آلات الكشف على النساء الحوامل، التي كانت كلها صدئة وغير صالحة للاستعمال.
المحمودي: رغم كل الملفات التي كشفتها والجوائز التي أحرزتها و قانون حماية المبلغين عن الفساد، فإن وزيرة الصحة السابقة سنية بالشيخ كافأتني بمقرر توبيخ بعد كشفي ملف الأنابيب الفاسدة، وهو ما سيحول دون ترقيتي لمدة 3 سنوات
وبعدها، تم تعييني في ميناء سوسة وكشفت ملف القمح الفاسد والشهائد المزورة فيه. وإثر ذلك، تم تكليفي ببرنامج الأم والطفل، لكن سرعان ما تم تجميدي. وبعد مراسلات عدة لسلطة الإشراف وللهيئة العليا لمكافحة الفساد، تم تكليفي ببرنامج السل في الإدارة الفرعية للصحة الأساسية .
ورغم كل هذه الملفات التي كشفتها والجوائز التي أحرزتها و قانون حماية المبلغين عن الفساد، فإن وزيرة الصحة السابقة سنية بالشيخ كافأتني بمقرر توبيخ بعد كشفي ملف الأنابيب الفاسدة، وهو ما سيحول دون ترقيتي لمدة 3 سنوات. وقد اتصلت بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وأعلمتها على اعتبار أن أي مبلغ عن الفساد محمي ويتعرض كل من يعاقبه لمساءلة القضاء، وها أنا مازلت أنتظر إلى اليوم الإجابة.
- من يحمي نوال المحمودي؟
أنا ابنة ضابط في الجيش التونسي وهو من يشد إزري ويحميني وهو الذي رباني على قول الحق ورفض الفساد والانخراط فيه حتى ولو كان بالصمت وهو من يدفع راتبي الشهري إذا تم تجميده وهو من علمني أن أندفع وراء ضميري وأن أحارب من أجل هذا الوطن حتى آخر رمق.
اقرأ/ي أيضًا:
لغز صفقة "القمح الفاسد".. "ألترا تونس" يغوص في خفايا حمولة الباخرة جورج