09-يوليو-2021

الدكتور زياد مزقار: أتمنى أن لا نكون قد تُركنا في الواجهة لوحدنا

 

عُرف رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة الدكتور زياد مزقار، بنشرياته اليومية حول تطور الوضع الوبائي في البلاد، وكان قد حذّر منذ شهر جانفي/ يناير 2021 من خطورة ما نحن مقبلون عليه.

الدكتور زياد مزقار أطلق صيحات الفزع منذ أشهر، وأكد أن المنظومة الصحية تتجه نحو الانهيار وهو ما تم الإعلان عنه رسميًا الخميس 8 جويلية/ يوليو على لسان الناطقة باسم وزارة الصحة نصاف بن علية.

رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة لـ"الترا تونس": مستشفياتنا وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها غير قادرة على استقبال عدد المصابين بفيروس كورونا

"الترا تونس" حاور الدكتور زياد مزقار من قلب المعركة الوبائية فكان اللقاء التالي:

  • عدد الوفيات في ارتفاع ونسجّل أرقامًا قياسية خلال الأيام الأخيرة، فما هي الأسباب برأيكم؟

الأسباب عديدة ومتعددة منها التسيّب والاستهتار وغياب التلاقيح، لكن لا بدّ أن نؤكد أيضًا على أن مستشفياتنا وصلت إلى مرحلة أصبحت فيها غير قادرة على استقبال عدد المصابين بفيروس كورونا، وبالتالي أثّر هذا سلبًا على مردودية المنظومة الصحية ليرتفع عدد المتوفين، كما أنه يؤثر على جودة الخدمات المقدمة، فالإطار الطبي لا يستطيع أن يقدم الخدمات المرجوة لعدد كبير من المصابين.

  • أعلنت الناطقة باسم وزارة الصحة ومديرة المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة نصاف بن علية صراحة انهيار المنظومة الصحية، وأنتم في قلب هذه المنظومة، فهل انهارت فعلًا؟

شخصيًا، حذّرت من هذا عديد المرات وقلت إن أول مؤشر لانهيار المنظومة الصحية هو استنزافها جسديًا ونفسيًا وماديًا، وهذا فعلًا ما حدث. والمنظومة الصحية انهارت منذ مدة ليست بالقريبة مع كل احتراماتي لأستاذتي نصاف بن علية. ثم إن المنظومة الصحية لا تعني منشآت ومبان فقط، بل هي قائمة أساسًا على جنود أصابهم الإنهاك ويشعرون أنهم عزّل بلا سلاح، وهو ما جعلنا منهارين.

وأقولها دون مغالاة، بل بكل واقعية وصراحة وضميري مرتاح لأني بصدد القيام بواجبي: إنها كارثة صحية غير مسبوقة، وأتمنى ألا يكون الوضع في الأسبوعين القادمين أشد فتكًا وأن لا يحدث الطوفان.

  • ما هي المؤشرات التي تجعلكم تعتقدون أن الأسبوعين القادمين قد يكونا أكثر خطورة؟

 لأن التهكم والاستهتار الذي أراه وأسمعه من كل أطياف المجتمع تجعلني أعتقد ذلك، هناك حالة من اللاوعي بخطورة الوضع والفيروس. نحن كطواقم طبية في قلب المعركة ونعرف حقيقة ما يجري ومدى خطورته. إن الطواقم الطبية في مستشفى فرحات حشاد بسوسة تدخل للعمل باكية وتخرج منه باكية رغم أنهم يبذلون أقصى مجهوداتهم لكن هناك انهيار تام للمنظومة.

  • البعض يرى أن ما وصلنا إليه مرحلة حتمية في علاقة مع هذه الجائحة خاصة وأن أكثر الشعوب تطورًا وانضباطًا عرفت هذه المرحلة والأمر ليس مرتبطًا بشكل أساسي بعدم الانضباط؟ 

بكل صراحة أقول إن هذا صحيح، ولكن أيضًا نحن نعمل تحت منظومة صحية متهالكة وبالية منذ عشرات السنين، والهنات والنقائص في القطاع الصحي ليست وليدة اليوم. نحن نعاني من ثغرات صحية وفوارق بين الجهات حتى في منظومات المستشفيات الجامعية، والثغرات تكمن حتى في تكوين الأطباء ودون مبالغة أكثر من 95% من الأطباء الشبان يريدون مغادرة الوطن.

رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة لـ"الترا تونس": الطواقم الطبية بالمستشفى تدخل للعمل باكية وتخرج منه باكية رغم أنهم يبذلون أقصى مجهوداتهم لكن هناك انهيار تام للمنظومة

ولدينا نقص فادح مثلًا في اختصاص طب الإنعاش والإنعاش الجراحي، وكان يمكن أن يتم إصلاح هذه المنظومة منذ وقت طويل، وإن كنت لست خبيرًا في مجال الإصلاح وطرقه ولكننا نبهنا دائمًا لهذا. وأمام هذا الوضع الكارثي الذي وصلنا إليه، لا يمكن أن نفكر في الإصلاح والتغيير، بل في إنقاذ أرواح الناس. ففي أحد أقسام الاستعجالي في تونس العاصمة أسرّ لي رئيس القسم أن قسم الكوفيد كان مكتظًا وعدد المصابين بالفيروس مهول، ما جعل بعضهم غير قادر على الدخول للقسم، وقال إنهم كانوا يرونهم يموتون أمامهم بسبب نقص الأكسجين بلا حول لهم ولا قوة.

لنكن واضحين نحن وصلنا للسيناريو الإيطالي وكل ما نتمناه ألا نصل إلى السيناريو الهندي، فتلك أرواح بشرية سيحاسبنا الله عليها.

  • هل المواطن هو الذي يتحمل المسؤولية بشكل أساسي لأنه يواصل في عدم احترامه للإجراءات ويؤدي بنفسه للتهلكة؟

المسؤولية يتحملها الجميع دون استثناء، ونحن كطواقم صحية طبية وأنا واحد منهم بصدد القيام بواجبنا وضميرنا مرتاح لأننا غير مقصرين. وبالمناسبة، أتمنى أن يتم إلغاء هذا التقسيم في قولنا طبية وشبه الطبية، لأن جميعها طبية، وجميعها تعمل مع بعضها البعض في هذه الحرب.

اقرأ/ي أيضًا: "كوفيد 19".. الامتحان الصعب في المستشفى الجهوي بسليانة

  • لاحظنا أن السلالة الهندية المتحورة تسببت في هلاك رضّع وشباب، فهل أن هذا الفيروس بصدد تغيير سلوكياته القتالية وتوجهه في هذه المرحلة للجميع دون استثناء؟

هذه السلالة خطيرة جدًا ولست مختصًا في تحديد ما يمكن أن تفعله بالتدقيق، ولكن ما أؤكده أن سرعة انتشارها كبيرة جدًا، ومن الطبيعي أن تمس فئة الشباب لأنها أولًا غير ملقحة وثانيًا لأن هذه الفئة تعاني من نقص شديد في الوعي.

وأود أن أتوجه برسالة لذلك الشاب الذي يحضر حفلات الزفاف ويجلس في المقهى مع أصدقائه دون تطبيق التباعد الاجتماعي ودون لبس الكمامة على اعتبار أنه في صحة جيدة ولن يقتله الفيروس، أن ينظر إلى أمه وأبيه وأخواته وأحبّته، وللناس الذين قد يفقدون حياتهم بسبب استهتاره.

  •  ما الذي تقترحونه لمواجهة هذا الوضع الذي وصفتموه بالكارثي؟

يمكن أن ألخص الحلول فيما يلي:

أولًا احترام التباعد الجسدي، والقيام باللقاح الجماعي ثانيًا، وطلب الإغاثة الخارجية والمتمثلة أساسًا في الموارد اللوجستية لأن الكفاءات موجودة، وأهم من كل هذا وكلمة السر، هي روح الفريق. وعلى الجميع بكل أطيافهم ومواقعهم ومواقفهم أن يكونوا يدًا واحدة لمجابهة هذا الوباء. كما أنه لا مكان اليوم للحلول التقنية والتصورات بعيدة المدى، نحن اليوم في مرحلة طب الكوارث، والبروتوكولات الصحية لا بدّ أن تكون استثنائية من ذلك إقامة المستشفيات الميدانية.

رئيس قسم الاستعجالي بالمستشفى الجامعي فرحات حشاد بسوسة لـ"الترا تونس": الحلول هي احترام التباعد الجسدي، والقيام باللقاح الجماعي، وطلب الإغاثة الخارجية والمتمثلة أساسًا في الموارد اللوجستية

وطب الكوارث يستوجب حلولًا حينية كي ينقذ أرواح الناس وهو يقوم على التدرج الاستراتيجي، أي لا يمكن أن تضع كل إمكانياتك اللوجستية والبشرية في مرحلة واحدة، ولدينا إطارات مختصة في الاستراتيجيات وموجودة في وزارة الصحة.

  • إن كانت موجودة فلماذا نتخبط في هذا الوضع الوبائي ولم نطرح أي استراتيجية؟

بصراحة لا أعرف، نحن كإطارات صحية نقوم بواجبنا فوق فوهة بركان، وأتمنى أن لا نكون قد تُركنا في الواجهة لوحدنا.

  • ما زال البعض يتخوف من بعض أنواع اللقاحات ومنها جونسون أند جونسون، هل فعالية اللقاح تختلف من نوع إلى آخر؟

أولًا، لا بدّ أن أؤكد أن التلقيح يحمي من الوفاة والحالات الخطرة، ولا بدّ أن يتم جلب أكبر عدد ممكن من التلاقيح، فهي كلها باختلاف الشركات المنتجة لها، فعالة وتحمي الشعب التونسي.. وأتحمل مسؤولية ما أقوله أمام الله والشعب.

 

اقرأ/ي أيضًا:

حوار| د.قلوز: التلقيح لا يمنع العدوى وقريبًا لقاح "جنسون اند جنسون" في تونس

الهبات الصحية.. في مرمى البيروقراطية الإدارية التونسية!