تعيش تونس أزمة اقتصادية غير مسبوقة تنضاف إلى الأزمة السياسية التي تستمر منذ 25 جويلية. فيما تسعى الحكومة التونسية إلى إيجاد حلول مع الجهات المانحة، يضع الاتحاد العام التونسي للشّغل خطوطًا حمراء لا يمكن تجاوزها. فكيف سيكون مستقبل البلاد في ظل هذه الأوضاع؟ وكيف يمكن أن توفّق حكومة بودن بين شروط صندوق النقد الدولي ومطالب الاتحاد؟
للإجابة عن هذه الأسئلة قابلنا الخبير المحاسب والاستشاري لدى البنك الدولي أنيس الوهابي، فكان الحوار التالي:
- عمومًا، كيف تقيّم الوضع الاقتصادي في تونس؟ هل هو كارثي فعلًا كما يقول عديد الخبراء؟
الحقيقة، إنّ الوضع الاقتصادي في تونس صعب فعلًا. كل المؤشرّات حمراء. البنك المركزي التونسي أعلن عن العجز التجاري لشهري جانفي/يناير وفيفري/شباط لهذه السنة.
وقد سجل العجز ارتفاعًا ملحوظًا مقارنة بالسنة الفارطة. وهذا ما كان متوقّعًا، فنحن لم نعمل على إصلاح المشاكل الهيكليّة للاقتصاد التونسي. وفي ظلّ ظروف مماثلة، يرفض أغلب رجال الأعمال الاستثمار والمجازفة. أضف إلى كل هذا أنّ نسق إنتاج الفسفاط لم يعد إلى مستواه المعهود.
أنيس الوهابي: الوضع الاقتصادي في تونس صعب فعلًا وكل المؤشرّات حمراء، خاصة وأن تونس تعتبر من الدول القلائل التي لم تقم برصد مخطّط لما بعد جائحة كورونا
كل هذا، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ تونس تعتبر من الدول القلائل التي لم تقم برصد مخطّط لما بعد جائحة كورونا. حتّى أن قانون الإنعاش الاقتصادي لم يمر والحكومة الجديدة لم تتخّذ أيّ إجراء في هذا الاتّجاه من أجل إنقاذ المؤسسات.
أمّا عن الماليّة العموميّة، فنحن إزاء عجز سيتفاقم بسبب ارتفاع أسعار المحروقات بصفة كبيرة جدّاً. كانت التوقّعات تشر إلى أن سعر برميل النفط سيكون في حدود حوالي 75 دولارًا، في حين أنّه بلغ أعلى مستوياته ليبلغ سعر البرميل الواحد 120 دولارًا. ومن المعلوم أنّ كل دولار إضافي يعني 140 مليون دينار تأثير على كلفة الميزانيّة.
أمّا عن غلاء أسعار الحبوب نتيجة الحرب بين روسيا وأوكرانيا، فستؤثِّر حتمًا في الميزانيّة.
كل هذه العوامل تؤكّد الضبابيّة في وضعيّة الاقتصاد التونسي وانعدام الرؤية من طرف الحكومة مع رئيس يتحدّث في كل المواضيع ما عدا الاقتصاد.
يعني لا مفرّ من قرض صندوق النقد الدولي؟
فيما يتعلّق بهذه النقطة، يبدو أنّ الحكومة التونسية أمام مأزق حقيقي فهي لم تقدّم أيّ حلٍّ آخر. قانون مالية 2022 مبني على فرضية واحدة هي إبرام اتفاق مع صندوق النقد، وتونس حقيقة في حاجة لهذا الاتفاق لاستعادة ثقة الأسواق والمانحين وشركات التصنيف فيها.
أنيس الوهابي: يبدو أنّ الحكومة التونسيّة أمام مأزق حقيقي فقانون الماليّة مبني على فرضية واحدة هي إبرام اتفاق مع صندوق النقد، بينما من مسؤولية الحكومة أن تقدّم حلولًا أخرى، وتطرح برنامجًا ثانيًا وثالثًا
من مسؤولية الحكومة أن تقدّم حلولًا أخرى، وتطرح برنامجًا ثانيًا وثالثًا ومن مسؤوليتها أيضًا أن تقوم بالتواصل مع المواطنين والفاعلين الاقتصاديين على مختلف الحلول. فالاقتصاد مبني أساساً على الثّقة وعلى وضوح الرؤيا. وأمام وضعيّة صعبة، التواصل حول الصعوبات أفضل من التكتّم حولها.
هناك عقيدة لدى الإدارة التونسية تعتمد على التكتم في كل شيء. هذه عادة قديمة موروثة من أنظمة حكم الاستبداد التي تَعتبِر المواطن خارج لعبة الحكم وخارج القرار. ولم يتغير هذا النظام رغم التغير في منظومة الحكم ورغم محاولات المرور إلى نظام حوكمة مفتوح.
- الرئيس قيس سعيّد اقترح الصلح الجزائي والشركات الأهليّة كحلول لتحسين الأوضاع وخلق التنمية في مناطق مهمّشة. ما رأيك؟
أنيس الوهابي: مقترحات الرئيس على غرار الصلح الجزائي والشركات الأهلية متأتية من برنامجه السياسي وهي غير مبنية على تشخيص علمي للواقع، وإنما على أفكار نظرية تحلم بمنظومة جديدة طوباوية يعوزها الجانب التطبيقي
مقترحات الرئيس التونسي قيس سعيّد متأتية من برنامجه السياسي وهي غير مبنية على تشخيص علمي للواقع. هو برنامج مبني على أفكار نظرية تحلم بمنظومة جديدة طوباويّة يعوزها الجانب التطبيقي والدليل على ذلك ما نشهده من إسقاط لها عبر مراسيم.
لم يتم الإعلان صراحة عن هذه الإجراءات خلال البرنامج الانتخابي ولم يتم مناقشتها ولم يتم انتخاب الرئيس على أساسها. هذه الإجراءات تشكو من الترابط مع الواقع ومن غياب انخراط المجموعة الوطنية حولها وهي شروط ضرورية لإنجاح أي مشروع.
أيّ مآلات للأزمة الاقتصادية في تونس؟
أذكر هنا أن صندوق النقد الدولي يضع تونس في نفس المجموعة مع مصر ولبنان وكوستاريكا، أي الدول التي تعيش أزمة هيكلية في اقتصاداتها وفي ماليتها العمومية.
أنيس الوهابي: صندوق النقد الدولي يضع تونس في نفس المجموعة مع مصر ولبنان وكوستاريكا، أي الدول التي تعيش أزمة هيكلية في اقتصاداتها وفي ماليتها العمومية
المشكل يكمن في كون الأطراف التي تحكم والإدارة في تونس غير واعية بهذه الوضعية وهو ما يعمق من الأزمة ويصعّب أي صيرورة للبحث عن الحلول. والدليل على ذلك أننا لا نرى أي إجراءات مستعجلة توحي بالمستوى الضروري بالوعي بحقيقة الوضعية. هذا ما سيعمّق الأزمة وكل المؤشرات تؤدي إلى الاستنتاج أن الأزمة ستزيد في الاستفحال.
إحدى الفرضيات الممكنة، حسب رأيي، هي انفراط القدرة على التحكم في الأزمة مما سيفقد تونس قدرتها على التحكم في قرارها. وكلما استفحلت الأزمة وتعطل الإصلاح كان العلاج موجعًا وخارجًا عن السيطرة من الداخل.
تونس ذاهبة إلى برنامج إصلاح هيكلي جديد على شاكلة ما حصل في سنة 1986 وإضافة للتغيير الاقتصادي العميق، هذه الوضعية ستؤدي بالضرورة إلى تغيير سياسي وفي نظام الحكم.