14-أكتوبر-2019

احتضن مسرح الأوبرا حفلًا للفنان الجزائري المتمرّد كاتب أمازيغ (الصفحة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية)

 

لطالما مثّلت الموسيقى والغناء عمودًا هامًا من أعمدة تحرّر الشعوب ومقاومتها لكلّ أنواع الاستبداد التي يمكن أن يواجهها شعب ما، فكثيرون هم الفنانون الذين تغنوا بالحرية ونادوا بها، وحثوا الشعوب على التمرّد وكسر قيود الظلم والطغيان.

والفنان الحقيقي يكون عادة حاملًا لهموم شعبه ومتبنيًا مبادئ الحرية وحقوق الإنسان فتراه يساند كلّ مظلوم ويدافع عن كلّ الحقوق ويؤمن بالحرية رفيقًا دائمًا له، فيستخدم إبداعه وجماهريته لنشر القيم التي يؤمن بها ومقاومة الاستبداد والظلم أيًا كان مصدره. إلا أن مثل هؤلاء الفنانين أصبحوا عملة نادرة في زمن انتشرت فيه الرداءة والسطحية وثقافة "البوز" وغزو مواقع التواصل الاجتماعي. ومع ذلك هذا الأمر ليس مستحيل فبعض الفنانين مازالوا يحملون لواء الحرية ويجولون به العالم متغنين بالحرية مستخدمين الموسيقى والإبداع والكلمات المناسبة.

لعلّ القدر أراد أن يكون حفل كاتب أمازيغ ومجموعة "Gnawa Diffusion" متزامنًا مع الانتخابات الرئاسية التونسية

اقرأ/ي أيضًا: افتتاح أيام قرطاج الموسيقية: رحلة موسيقية نفخت روحًا جديدة في الحياة

ومن أبرز هؤلاء المبدعين الفنان الجزائري كاتب أمازيغ، الذي يحمل في قلبه قضية شعبه الجزائري وثورته والذي آثر تأجيل الانتهاء من ألبومه الجديد بسبب انشغاله في العمل السياسي المباشر مع الشعب إثر الأحداث التي تعيشها الجزائر في الآونة الأخيرة.

ولعلّ القدر أراد أن يكون حفل كاتب أمازيغ ومجموعة "Gnawa Diffusion" في مسرح الأوبرا بمدينة الثقافة، ليل الأحد 13 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في إطار فعاليات الدورة السادسة لأيام قرطاج الموسيقية، متزامنًا مع يوم الاقتراع للدور الثاني من الانتخابات الرئاسية والذي أسفر عن فوز أستاذ القانون الدستوري قيس سعيّد بالرئاسة، في مفارقة تتجلّى معالمها مع موقف كاتب أمازيغ إجراء انتخابات في الجزائر ومساندته لإحداث مجلس تأسيسي متكون من أبناء الشعب الجزائري من مختلف الجهات.

حضر العلم الأمازيغي في حفل كاتب أمازيغ (الصفحة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية)

الفنان الجزائري، الملقّب بـ"المتمرّد"، لم يخاطب عقول جمهوره الذي غصّ به مسرح الأوبرا، الذي تحوّل إلى ساحة رقص كبيرة، بل توجه بموسيقاه وكلمات أغنياته إلى أحساسيهم ولا وعيهم، لتستجيب أجسادهم وتسلّم نفسها إلى سطوة الإيقاع متحرّرة من كلّ قيد.

فور انطلاق الموسيقى، بدأ الجمهور يتوافد إلى مقدمة قاعة مسرح الأوبرا، مخلّفًا وراءه مقاعده الشاغرة ومفضلًا الوقوف لحوالي الساعتين مسلّمًا نفسه لقوة الموسيقى الخفية التي جعلته يتحرّك مع مختلف الأغنيات المقدّمة. العلمان الجزائري والأمازيغي سجّلا حضورهما ورفرفا داخل قاعة مسرح الأوبرا متمايلين مع أجساد الراقصين.

اقرأ/ي أيضًا: "دريم سيتي".. المضادون للثقافة السائدة

تحوّلت قاعة الأوبرا إلى فضاء منفصل عن المكان والزمان لا وجود فيه إلا لمجموعة من الأشخاص المنتشين بسحر الموسيقى

بدوره، لم يبخل أمازيغ كاتب عن جمهوره بالتفاعل معه فمازحه في أكثر من مناسبة ورفض أن يتمّ إبعاده من أمام المسرح قائلًا إنه يريد أن يراهم جميعًا. الجمهور كان في الموعد فكان يردّد مع أمازيغ كلمات أغنياته ولا يتردّد في أن يرقص على الألحان المنبعثة من الآلات الموسيقية.

لمدّة ساعتين، تحوّلت قاعة الأوبرا إلى فضاء منفصل عن المكان والزمان لا وجود فيه إلا لمجموعة من الأشخاص المنتشين بسحر الموسيقى والسكارى بفعل الإيقاع مستسلمين لرغبتهم في التحرّر وبحثهم الدائم عن الحرية والذين اختاروا الرقص كوسيلة للتعبير عن رحلتهم في الانعتاق من كلّ القيود.

مازح كاتب أمازيغ جمهوره في أكثر من مناسبة (الصفحة الرسمية لأيام قرطاج الموسيقية)

قدّم أمازيغ كاتب وفرقته مجموعة من أشهر أغنياته دون أن يغفل عن تقديم أغنية من كلمات الشاعر المغربي عبد الوذان، الذي تعرّض للسجن وكتب قصيدة عن الحرية، وطالب الجمهور أن يشاركه الغناء فيها ومهديًا إياها إلى كلّ المعتقلين السياسيين في المغرب والجزائر وتونس، وفق قوله.

مما لا شكّ فيه أن اختيار كاتب أمازيغ للمشاركة في الدورة السادسة من أيام قرطاج الموسيقية كانت ضربة ناجحة لهيئة التظاهرة، خاصة أنه لقي نجاحًا جماهيريًا دون أن يبتعد عن أهداف المهرجان وفلسفته، أو أن ينزلق في الرداءة والابتذال.

ولكن الأقدار شاءت أن تكون السهرة متزامنة مع أجواء الانتخابات الرئاسية في تونس ونتائجها والاحتفالات التي شهدها شارع الحبيب بورقيبة بالعاصمة تونس على بضعة أمتار من مدينة الثقافة، ليكون حفل أمازيغ كاتب احتفاء بالحرية ودعوة صريحة للتحرّر.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

كنوز ورقية.. عن حكايات "كتب الفريب" القادمة من وراء البحار

"قصيّر ويحيّر"..5 جواهر تزيّن مهرجان سينما الأفلام القصيرة في تونس