14-مايو-2022
فتحي بلعيد أ ف ب

صحفية تونسية: "هناك شرفاء من أبناء وبنات الإعلام متمسكون بهذه الحرية كلفنا هذا ما كلفنا" (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

يخوض صحفيو تونس عديد الأشكال النضالية تنديدًا بسياسة التضييق على حرية الصحافة وانتهاج سياسة التعتيم التي تتنافى والحق الدستوري في الحصول على المعلومة. وقد مثل التراجع الحاد الذي سجلته تونس في التصنيف العالمي لحرية الصحافة خير دليل على الوضع الراهن لأبرز مكاسب الثورة وهو حرية الرأي والتعبير.

ويدق الصحفيون التونسيون في أكثر من محطة ناقوس الخطر منذرين بوجود تهديدات جدية لحرية الصحافة والتعبير رافعين شعارات مناهضة للمضايقات والاعتقالات والانتهاكات الجسيمة التي يتعرضون لها خلال أداء مهامهم.

وعلى الرغم من الدعوات المتواترة لنقابة الصحفيين التونسيين لوقف نزيف انتهاك حرية الصحافة ورفعها لشعار "حرية الصحافة تواجه الخطر الداهم" فإن انتهاك حق الصحفي في الحصول على المعلومة متواصل وقد تم يوم الجمعة 13 ماي/أيار 2022 منع صحفيان من مواكبة ندوة صحفية عقدت مساء بمقر رئاسة الحكومة التونسية وطردهما.

 

 

  • طرد صحفيين من مقر رئاسة الحكومة التونسية

في عودتها على تفاصيل الحادثة، تقول الصحفية خولة بوكريم وهي رئيسة تحرير موقع "كشف ميديا" التونسي، وهي التي تعرضت للمنع والطرد رفق زميل لها، إنها تواصلت مع موظف في رئاسة الحكومة لتغطية الندوة الصحفية لرئيسة الحكومة نجلاء بودن ورئيس مجلس الوزراء المصري فسألها "علاش جاية" (وهو ما أثار استغرابها)، ثم طلب منها إرسال رسالة نصية فيها أسماء الصحفيين الذين سيواكبون الندوة لكن عندها توجهت رفقة زميلها إلى مقر رئاسة الحكومة لم تجد اسمها في القائمة التي لا تحتوي سوى على أسماء صحفيين ومصورين أغلبهم من الإعلام العمومي وباتصالها بالموظف المذكور تمكنت من الدخول.

خولة بوكريم (صحفية) لـ"الترا تونس": هناك بدعة منذ 25 جويلية 2021 تتمثل في عقد ندوات دون طرح أسئلة صحفية

وتضيف بوكريم في حديثها لـ"الترا تونس" "بعد وصولي إلى القاعة التي ستعقد فيها الندوة، أعلمني الموظف بأن الندوة ستؤجل لمدة ساعتين ثم أعلمني بصدور أمر في عدم طرح أية أسئلة وفي الأخير طلب مني المغادرة.."، قائلًا "هذه أوامر وليس لي أي دخل"، مشيرة إلى "وجود فيتو على شخصها لعدم الحضور في الندوات الصحفية لأنها تتشبث بحقها في طرح الأسئلة كما يمليه عليها واجب المهنة".

ولفتت بوكريم إلى وجود ما أسمته "بدعة منذ 25 جويلية 2021 تتمثل في عقد ندوات دون طرح أسئلة صحفية وإلى أنها تعرضت لحادثة مماثلة في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 عند تغطيتها نشاط الإعلان عن قانون المالية في مدينة الثقافة حيث طلب منها إما عدم الدخول أو الدخول دون طرح أسئلة، مضيفة أنه خلال اللقاء المشترك منذ فترة بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد ونظيره الجزائري طلب من الصحفيين طرح أسئلة على الضيف فقط وتم افتكاك هواتفهم المحمولة.

ووصفت الصحفية التونسية "الوضع بالمقرف"، مشيرة إلى "سكوت الصحفيين وقبولهم بالأمر الواقع وبالسياسة الاتصالية أحادية الجانب للحكومة والتي كرست سياسة منع الصحفيين من طرح الأسئلة والتفاعل".

خولة بوكريم (صحفية) لـ"الترا تونس": "لماذا يواكب الصحفيون الندوة الصحفية التي يمنع فيها طرح الأسئلة.. هل هم أبواق للسلطة.. هذه الأدوات تفتك منا اليوم ويتم إجبارنا لأن نكون مجرد آلات ناسخة لما تمليه السلطة وهذا خطير جدًا"

واعتبرت بوكريم أن "ما يحدث هو جس نبض فإذا قبل الصحفيون بالأمر الواقع وصمتت النقابة تجاه هذه الممارسات سيتواصل الوضع على ما هو عليه"، وفق تقديرها، متسائلة "لماذا يواكب الصحفيون الندوة الصحفية التي يمنع فيها طرح الأسئلة.. هل هم كتبة عموميون أم أبواق للسلطة.. الصحفي يحمل هموم شعبه، يطرح ويتساءل ويحاجج.. هذه الأدوات تفتك منا اليوم ويتم إجبارنا لأن نكون مجرد آلات ناسخة لما تمليه السلطة وهذا خطير جدًا".

  • إقصاء ممنهج

حرمان الصحفيين من مواكبة عدد من الأنشطة الرئاسية والندوات والنقاط الإعلامية الحكومية ومنع طرح الأسئلة أصبح سياسة ممنهجة للسلطات الحالية، التي تفرض خطابًا أحادي الجانب. وقد سبق وأن تم تنظيم لقاء صحفي مشترك بين رئيس الجمهورية قيس سعيّد ونظيره الفلسطيني دون حضور صحفيين وهو ما أثار موجة انتقادات واسعة لارتفاع منسوب التعتيم الإعلامي.

وقد اعتبر نقيب الصحفيين التونسيين محمد ياسين الجلاصي أن "طرد صحفيين من قاعة ندوات فضيحة كبرى في وجه الحكومة ودليل على سياسة الدولة القائمة على التعتيم الإعلامي التي تضرب كل مقومات حق النفاذ إلى المعلومة"، مضيفًا أن "هذه الفترة هي الأسوأ التي تعيشها تونس في مجال حق النفاذ إلى المعلومة، نقابة الصحفيين لن تصمت تجاه ما يحدث وقد نتجه لدعوة الصحفيين إلى عدم الحضور في الندوات التي يمنع فيها طرح الأسئلة".

نقيب الصحفيين التونسيين لـ"ألترا تونس": نقابة الصحفيين لن تصمت تجاه ما يحدث وقد نتجه لدعوة الصحفيين إلى عدم الحضور في الندوات التي يمنع فيها طرح الأسئلة"

واعتبر الجلاصي في حديثه لـ"ألترا تونس" أن موقف رئاسة الحكومة مرفوض ورجعي ويعبر عن خوف الحكومة من المواجهة كما يؤكد أنها تفتقد لحلول لمشاكل البلاد، معتبرًا أن هذه الممارسات تعمقت منذ 25 جويلية 2021، وطالت كل المؤسسات الإعلامية وكل الصحفيين سواء مراسلين أجانب أو صحافة محلية كما أشار إلى أن بعض المؤسسات تتعرض أكثر من غيرها لهذه الممارسات بسبب الخشية من الأصوات والمؤسسات الناقدة.

بدورها اعتبرت نقابة الصحفيين التونسيين أن "هذه الخطوة من رئاسة الحكومة تمثل اعتداء صارخًا على حق الصحفيين في الحصول على المعلومة وضربًا لجوهر مبدأ الشفافية في إدارة البلاد وتعتيمًا ممنهجًا على طريقة إدارة الحكم".

نقيب الصحفيين التونسيين لـ"ألترا تونس": ممارسات التعتيم تعمقت منذ 25 جويلية 2021، وطالت كل المؤسسات الإعلامية لكنها أوضح مع الأصوات والمؤسسات الناقدة

كما نبهت النقابة في بيان لها، السبت 14 ماي/أيار 2022 "إلى خطورة اتخاذ رئاسة الحكومة مسار الانغلاق الذي اتبعته الرئاسة التونسية عبر فرض بروتوكولات لا صلة لها بالعمل الصحفي، كما حدث سابقًا خلال النقطة الإعلامية المشتركة لرئيس الجمهورية قيس سعيّد والرئيس الجزائري عبد المجيد تبون"،  منبهة إلى خطورة هذه الممارسات وتأثيرها على المسار الانتقالي الذي تعتزم تونس الدخول فيه وهو ما ينذر بانتكاسة حقيقة للديمقراطية الناشئة في تونس"، وفقها.

 

 

  • تضييقات السلطات التونسية متواترة

التضييق الذي تعرض له الصحفيون يوم الجمعة 13 ماي/أيار 2022 برئاسة الحكومة التونسية ليس بمعزل عن سلسلة تضييقات أخرى يواجهها الصحفي أثناء أدائه عمله والتي بلغت حد الاعتداء بالعنف والهرسلة والإيقاف. وقد سبق أن تم إيقاف الصحفي خليفة القاسمي (من إذاعة موزاييك الخاصة) لمدة 7 أيام وإحالته من طرف النيابة العمومية بالقطب القضائي لمكافحة الإرهاب على أنظار حاكم التحقيق على خلفية امتناعه عن الكشف عن مصادره.

خليفة القاسمي (صحفي) لـ"ألترا تونس": "مررت بتجربة تأكدت من خلالها من وجود سياسة ممنهجة من قبل السلطة لعدم تطبيق المراسيم المتعلقة بالصحافة وقد تمت إحالتي وفق قانون مكافحة الإرهاب"

وأكد خليفة القاسمي في حديثه لـ"ألترا تونس" "وجود تضييق على الصحفيين التونسيين خاصة خلال السنوات الأخيرة وقد بلغ حد الهرسلة والإيقاف" ولفت إلى أنه "مر بتجربة تأكد من خلالها من وجود سياسة ممنهجة من قبل السلطة السياسية لعدم تطبيق المراسيم المتعلقة بتنظيم حرية الصحافة والطباعة والنشر أهمها المرسوم 115 وعلى ضوء ذلك تمت إحالته وفق قانون مكافحة الإرهاب كمحاولة لتركيع الصحفيين والضغط على مؤسسته لعدم نقد الرئيس قيس سعيّد مستقبلاً".

واعتبر المتحدث أن عددًا من الصحفيين التونسيين يخوضون حربًا من أجل حرية الصحافة ضد هذه السياسة الممنهجة للدولة رغم وجود عثرات، قائلًا "رغم الإيقاف والهرسلة ومعاملتي كإرهابي ووضعي في زنزانة مع إرهابيين إلا أنه بفضل القوى الحية خاصة نقابة الصحفيين وكل الزملاء والمنظمات الوطنية والأجنبية انتصرنا ولا سبيل لتركيع الصحفيين ولا مجال لضرب حرية التعبير والصحافة"، وفقه.

خليفة القاسمي (صحفي) لـ"ألترا تونس": "رغم الإيقاف والهرسلة ومعاملتي كإرهابي ووضعي في زنزانة مع إرهابيين إلا أننا انتصرنا ولا سبيل لتركيع الصحفيين"

من جانب آخر، اعتبرت الصحفية خولة السليتي (من إذاعة شمس أف أم الخاصة) أن "التضييق على الصحفيين بات سياسة ممنهجة من طرف السلطة الحالية في تونس واعتقدت في البداية أنه من قبيل الممارسات الشاذة ولكن للأسف التضييق أصبح بمثابة جرثومة تنتقل من إدارة إلى أخرى ومن مؤسسة إلى أخرى ومن مسؤول إلى آخر حتى أصبح التضييق على الصحفيين هو العادي".

وأشارت السليتي إلى أنه يتم التبجح في تونس بواقع الحريات وبأن الصحفي يعمل في إطار مناخ من الحريات لكن فعلياً وعمليًا هذا غير موجود وأبسط مثال على ذلك ما حدث يوم الجمعة في مقر رئاسة الحكومة من اختيار لمؤسسات إعلامية بعينها واشتراط عدم طرح أسئلة وكأن حضور الصحفي أصبح صوريًا والصحفي أصبح متقبلًا سلبيًا لتلك المعلومة دون تمكينه من طرح أسئلة، وفقها.

خولة السليتي (صحفية) لـ"ألترا تونس": التضييق على الصحفيين بات سياسة ممنهجة من طرف السلطة الحالية في تونس واعتقدت في البداية أنه من قبيل الممارسات الشاذة ولكن للأسف التضييق أصبح بمثابة جرثومة تنتقل من إدارة إلى أخرى

ولفتت إلى أنه حتى وإن "أجاب المسؤول فيتعمد حصر الصحفي في زاوية معينة أو يتهرب من السؤال بالإجابة عن سؤال آخر"، معتبرة ذلك "مؤشرًا خطيرًا على انتهاك حرية الصحافة وهرسلة الصحفيين".

وشددت المتحدثة على أن صدور المنشور عدد 19 ضيّق العمل الصحفي باشتراطه على المسؤولين العودة لرئاسة الحكومة أو الوزير المعني قبل الإدلاء بأي تصريح صحفي في الأثناء يتم انتهاك حق النفاذ للمعلومة وحق المواطن في الوصول إلى المعلومة، متابعة "هذا يحيل إلى الحديث عما تعرضت له مع والي بن عروس على مسمع ومرأى من الجميع وتم توثيق حادثة الاعتداء بفضل الزملاء فعند تطرقه لموضوع الاستشارة الوطنية، قمت بطرح بعض الأسئلة ولمجرد أن بلغت انتقادات جملة من المواطنين، اتهمني بتقسيم التونسيين وبأني لست بمواطنة تونسية ومأجورة ومبعوثة من أطراف سياسية وتلقيت بعض الدنانير للقيام بمهمة معينة..".

خولة السليتي (صحفية) لـ"ألترا تونس": المنشور عدد 19 ضيّق العمل الصحفي باشتراطه على المسؤولين العودة لرئاسة الحكومة أو الوزير المعني قبل الإدلاء بأي تصريح صحفي

وقالت السليتي، في ذات السياق، إن أي ممارسات تمس من حرية الإعلام وتستهدف الصحفيين في قوتهم والتضييق عليهم وانتهاك حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية لا يمكن توصيفها سوى بأنها ممارسات دنيئة وقلما يتم تنظيم ندوات تتيح الفرصة للصحفيين لطرح الأسئلة وتمكينهم من المعلومة، متسائلة "إذا هذه الممارسات ليست استهدافًا ممنهجًا للإعلام فكيف يمكن أن تكون صورة الاستهداف الممنهج؟".

وختمت الصحفية التونسية بالتأكيد أن "الواقع رمادي وأن أهم شيء هو وجود صحفيين مقتنعين بحرية الصحافة، هذه الحرية التي لم تكن هدية من الحكومة ولا الرئاسة ولا المسؤولين ولا المؤسسات بل حررتها الثورة وحررها صحفيون شبان شرفاء وصحفيون حافظوا على شرف المهنة منذ عهد النظام البائد لكن للأسف كل سلطة توصي التي تليها بالتضييق على حرية الإعلام، في الأثناء هناك شرفاء من أبناء وبنات القطاع متمسكون بهذه الحرية كلفنا هذا ما كلفنا".