11-يونيو-2020

سببت اللوائح البرلمانية احتقانًا داخل البرلمان (ياسين القايدي/وكالة الأناضول)

 

في الوقت الذي ينتظر فيه التونسيون التركيز على شواغلهم الاقتصادية والاجتماعية، شهدت قبّة البرلمان توترًا وخلافات حادة، مؤخرًا، ليس بخصوص مضامين قوانين، لكن بسبب اللوائح المعروضة والتي تحوّلت إلى عنصر احتقان سياسي باعتبارها باتت تعدّ، وفق مراقبين، وسيلة لتصفية الحسابات بين الخصوم السياسيين.

 شهدت قبّة البرلمان توترًا وخلافات حادة مؤخرًا ليس بخصوص مضامين قوانين لكن بسبب اللوائح المعروضة التي تحوّلت إلى عنصر احتقان سياسي

إذ قدّم الحزب الدستوري الحر، في البداية، لائحة  تحت مسمى "رفض التدخل الأجنبي في ليبيا" أثارت توترًا لاعتبار أنها تخفي اصطفافًا خلف أطراف معينة، وقد تواصل هذا التوتر وتطورت تداعياته إلى استغلال الموقف من قبل نواب الحزب الدستوري سعيًا إلى سحب الثقة من رئيس البرلمان. فيما أثارت اللائحة التي تقدّم بها ائتلاف الكرامة بخصوص "مطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها"، جدلاً أيضًا بين داعم للائحة ورافض لها، وصلت حدّ السب والتخوين والاتهام بالعمالة لفرنسا. وقد قدم الدستوري الحر تباعًا لائحة جديدة تهدف لـ"تصنيف جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية مناهضة للدولة المدنية" في استمرار لمسلسل اللوائح والجلسات البرلمانية الساخنة.

اقرأ/ي أيضًا: الدبلوماسية التونسية على ضوء تحولات المشهد الليبي نحو الحل السياسي

كيف نظم البرلمان اللوائح؟

ينص الفصل 141 من النظام الداخلي للبرلمان على أنه "يمكن لكلّ رئيس كتلة بمجلس نواب الشعب التقدّم بلائحة لمناقشتها والمصادقة عليها في الجلسة العامة للمجلس بهدف إعلان موقف حول موضوع وحيد، على أن لا يتعلق محتوى اللائحة بإحدى اللوائح المنظمة بالنظام الداخل. ويتمّ تقديم اللائحة إلى رئاسة المجلس التي تتولى إعلام رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة بها فورًا".

ويعقد اجتماع لرؤساء الكتل برئاسة رئيس المجلس في أجل أسبوع من تاريخ تقديمها وذلك للنظر في إمكانية تعديلها، وتعرض على النقاش والمصادقة في جلسة عامة دون المرور باللجان في أجل لا يتجاوز شهرًا من تاريخ تقديمها. ولا تقبل مقترحات التعديل في شأن هذه اللوائح من قبل النواب إلا بموافقة أصحاب المبادرة.

وتصادق الجلسة العامة على مشروع اللائحة بالأغلبية المطلقة لأعضائها، وتنشر اللوائح المصادق عليها بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية، وذلك وفق ذات الفصل دائمًا.

لائحة اعتذار فرنسا.. مواقف متباينة واتهامات بالعمالة

وأثار رفض مجلس نواب الشعب المصادقة على اللائحة المقدمة لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها زمن الاحتلال وبعده، في جلسة الثلاثاء 9 جوان/يونيو 2020، بعد تصويت 75 نائبًا لفائدتها، دون الأغلبية المطلقة (109 نائبًا)، مقابل تحفّظ 46 نائبًا ورفض 4 آخرين، خيبة وغضبًا بين النشطاء والقوى السياسية والنيابية الداعمة لهذه اللائحة.

وقد صوّت لفائدة اللائحة نواب أحزاب ائتلاف الكرامة (معارض) والتيار الديمقراطي وحركة الشعب (مشاركان في الائتلاف الحكومي) مع عدد من النواب المستقلين. فيما عبّرت بقية الكتل البرلمانية، وبالخصوص حركة النهضة وحزب "قلب تونس" وحزب "تحيا تونس" والحزب الدستوري الحر وكتلة الإصلاح الوطني، عن تحفّظها على اللائحة.

أثار رفض مجلس نواب الشعب المصادقة على اللائحة المقدمة لمطالبة فرنسا بالاعتذار عن جرائمها زمن الاحتلال وبعده خيبة وغضبًا بين النشطاء والقوى السياسية والنيابية الداعمة لهذه اللائحة

وقد عبّرت حركة النهضة، في بيان لها، عن قلقها من طرح اللائحة دون التنسيق مع رئيس الجمهورية قيس سعيد مؤكدة "قلقها من طرح مثل المبادرات الهامة والحساسة دون تنسيق وحوار مسبق بين مؤسسات الدولة وفاعليها الأساسيين في السياسة الخارجية، ودون تحقيق توافقات وطنية واسعة حول تفاصيل بنودها بين كل مكونات المشهد السياسي والمجتمعي، الذي يحولها الى مصدر خلاف واستقطاب رغم نبل أهدافها".

واعتبر نائب رئيس حزب النهضة، علي العريض في تدوينة على فيسبوك في نفس الإطار، أنّ "طرح هذه المسألة اليوم وفي هذه المناخات والأوضاع الوطنية التونسية والفرنسية ودون أي تنسيق أو اتفاق بين أهم مؤسسات الدولة وحتى المجتمع المدني ودون إعداد قانوني وتقدير سياسي سليم لا أتوقع أن ينتج عنه غير الاضرار بمصالح تونس وعلاقاتها مع الدول والمجتمع الفرنسي".

اقرأ/ي أيضًا: سقوط لائحة الدستوري الحر.. عن الانتصارات التي تشبه الهزائم

ولم يرفض عدة نواب مبدأ الاعتذار، ولكن عبروا عن تحفظهم على طريقة عرضها دون التشاور مع جميع الأطراف السياسية، أو بسبب رفض بعض النقاط. وبعد إسقاط اللائحة، انطلقت الشتائم والاتهامات بالعمالة، فيما انتقد بعض النواب النظام الداخلي وتحديدًا الفصل المتعلّق بتقديم اللوائح إذ اعتبرت النائب في الكتلة الديمقراطية والقيادية في التيار الديمقراطي سامية عبو أنّ "هذا الفصل تحوّل إلى تصفية حسابات وتسجيل أهداف ومحاولة التعامل مع قوى أجنبية وتمرير رسائل لصالحهم على حساب البرلمان".

وقد صرحت عبو على إذاعة "شمس أف أم " أنّ المجلس بات مضطرًا لتقديم لائحة رابعة والتشديد على رفض التدخل الأجنبي في ليبيا دون أي اصطفافات، لأنه لما سقطت اللائحة السابقة أصبح البرلمان وكأنه مع التدخل الأجنبي، مشيرة الى أنه سيتم التنسيق مع النواب ورئيس الجمهورية للغرض.

وسخر المحلل السياسي بولبابة سالم من تتالي اللوائح البرلمانية بقوله على حسابه على فيسبوك "بعد ليبيا وفرنسا، أقترح على البرلمان مناقشة النزاع بين فنزويلا والولايات المتحدة لنعرف من يساند القائد مادورو ومن يصطف مع ترامب. وأيضًا مناقشة الصراع بين الكوريتين بعد إغلاق الزعيم كيم للحدود مجددًا. ثم ننظر في الصراع بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية والموقف من جبهة البوليزاريو وننهي السنة الدراسية البرلمانية الحالية بمساءلة وزير الخارجية الصومالي الذي قال إن دعم تركيا لبلاده أوقف تدخل الإمارات في شؤونهم الداخلية".

صلاح الدين الجورشي: أزمة اللوائح عمقت الفجوة بين البرلمان والناخبين

في حديثه لـ"ألترا تونس"، يؤكد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنّ "فكرة اللوائح هي فكرة ديمقراطية والذين شرعوا لها كانوا يريدون إعطاء فرصة للأحزاب السياسية والكتل البرلمانية أن تشارك بفاعلية في صنع السياسات. لكن المشكلة في تونس الآن هو أنّ هذا الحق تحوّل إلى عنصر لإضعاف البرلمان من جهة، ولتغذية الصراعات والحروب السياسية بين الأحزاب والكتل من جهة أخرى. بل أكثر من ذلك أصبحت فكرة اللوائح فكرة يمكن أن تهدد النظام السياسي، لأنّها تسمح بالتدخل في صلاحيات السلط الأخرى، مثل سلطة رئيس الجمهورية".

صلاح الدين الجورشي: اللوائح أصبحت تمس بثوابت السياسة الخارجية وهي فرصة لتصفية الحسابات بين الأحزاب

ويقدر محدثنا أن هذه اللوائح أصبحت تمس بثوابت السياسة الخارجية وهي فرصة لتصفية الحسابات بين الأحزاب وتبادل الاتهامات بينها، في حين أنّ الكثير من هذه اللوائح لا علاقة لها بأولويات الشعب التونسي، وكذلك لن يترتب عنها عملية إلزام لأيّ جهة كانت سواء داخلية أو خارجية. وهذا ما يجعل مسألة اللوائح أنّها أصبحت تشكل عقدة خطيرة في تطور الحياة السياسية الديمقراطية في تونس، وفق قوله.

على صعيد آخر، أشار إلى أنّ "أزمة اللوائح" عمقت الفجوة بين البرلمان من جهة وبين الناخبين من جهة الذين ندم جزء كبير منهم على اختياراتهم وأصبح لا يهمهم ما يجري داخل هذا البرلمان.

فتحي الزغل: صراع في ديمقراطية حديثة

في المقابل، أشار المحلل السياسي فتحي الزغل إلى "أننا في تونس بعد الثورة في مجتمع ديمقراطي بمعنى ديمقراطية حديثة، وكل المجتمعات التي مرت بهذه المرحلة بعد الثورات تتسم بصراع بين المنظومات التي منها ما كان قبل الثروة وبين المنظومات الوليدة بعد الثورة. وفي هذا المشهد تندرج مثل هذه اللوائح" مبينًا أن أولى تلك اللوائح هي اللائحة التي أعدها الفصيل داخل مجلس نواب الشعب الذي ينتمي إلى المنظومة التي قامت عليها الثورة.

وأضاف في حديثه لـ"ألترا تونس": "أنا عندما أنظر إلى هذه اللائحة أراها لائحة لإسقاط رئيس البرلمان في أساسها أخذت بعض المناحي أو بعض التعبيرات من الاصطفاف وراء حفتر أو الاصطفاف وراء حكومة السراج. إلا أنّها أساسًا تندرج ضمن ذلك الصراع الحاد الذي أصبح معروفًا بين هؤلاء. وكما يعلم المتابعون أنّها قد سقطت رغم أنّها في كلّ الحالات لها وقع سياسي أكثر من أن يكون لها وقع إجرائي بمعنى أنّه لن يكون لها ولو مرت أثر في السياسة الخارجية التونسية الرسمية".

فتحي الزغل: لائحة اعتذار فرنسا تندرج أيضًا ضمن صراع هوية وصراع في الأولويات وفي الاصطفاف السياسي

أما اللائحة الثانية التي تقدّم بها ائتلاف الكرامة، فقد أشار محدّثنا إلى أنّها "لائحة تعبر عن قناعات الصف المقابل أي الصف الثوري الذي ولد مع الثورة. بمعنى أن غضبه اشتد على المستعمر الفرنسي ويريد اعتذارًا عن فترة الاغتصاب التي وقعت في تونس من 1881 إلى اليوم. فأنا أعتبر أننا إلى غاية اليوم مغتصبون. وهذه اللائحة قد سقطت، وأراها مثل اللائحة الأولى ضمن صراع هوية وصراع في الأولويات وفي الاصطفاف السياسي".  

واعتبر محدثنا أن هذا الاصطفاف "لم يقدر تقديرًا سياسيًا المرحلة الصعبة التي تمر بها البلاد في هذه الآونة بالذات. لذلك حتى من هو نظريًا متحالف معه لم يصوت لتسقط اللائحة. وكلّ من يتابع المشهد السياسي يعلم أنّها مجرد طرقة باب فقط وستتلوها محاولات أخرى لعلها لن تكون من الجيل السياسي الآن، ولكن من الأجيال السياسية القادمة التي ستتابع على بلادنا".

وفيما تعلّق بالتشاور السياسي حول اللائحة، ختم زغل بأنّ ما تتسم به هذه اللائحة هو قلة التنسيق موضحًا: "في تقديري أنّ هذه اللائحة لا يمكن لها أن تطرح بتنسيق بين مختلف الأطراف السياسية لأنّ الحزب الأكبر في البرلمان أي حركة النهضة له حسابات أخرى إقليمية ودولية. ولن يكون نظريًا مع اللائحة أما بقية القوى التي عرف عنها أنّها موالية لفرنسا ولا تخفي ذلك، لا يمكن التنسيق معها. لذا نظريًا فإنّ زمن الطرح غير مناسب، والتنسيق للاتفاق عليها يبدو صعبًا"، وفق تقديره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

إثر دعوات لتغيير الدستور وحل البرلمان.. مخاوف من المطالب "المشبوهة"

"الغد الإماراتية" تنشر تقريرًا مفبركًا عن تونس.. استياء وتنديد واسع