تتواصل أزمة الأعلاف في تونس رغم الإجراءات المتبعة لتقنين وتنظيم عملية توزيعها على الفلاحين في مختلف الجهات، إذ تعددت الوقفات الاحتجاجية لمربي الماشية والأبقار أمام الاتحادات الجهوية للفلاحة خاصة في الولايات التي يرتفع فيها عدد المربّين احتجاجًا على سوء توزيع العلف لاسيما مادة "السداري" وسط تأكيدات بوجود شبهات فساد في التصرف في العلف المدعم.
ويطالب المربّون بمزيد مراقبة عملية توزيع العلف التي تحوم حولها شبهات على غرار منحها بالمحاباة، مع الدعوة إلى ضرورة تقليص توريد العلف المركب ودعم قطاع إنتاج العلف المحلي بأقل تكلفة، على غرار توفير الذرة والبرسيم والفول والشعير وعباد الشمس وغيرها من الأعلاف التي كانت تستعمل في السابق قبل ظهور ما يعرف بتوريد العلف المركب من الخارج بتكلفة باهظة تستنزف العملة الصعبة.
يطالب مربو الماشية والأبقار بمزيد مراقبة عملية توزيع العلف التي تحوم حولها شبهات على غرار منحه بالمحاباة مع الدعوة إلى ضرورة تقليص توريد العلف المركب ودعم قطاع إنتاج العلف المحلي بأقل تكلفة
اقرأ/ي أيضًا: تراجع عدد الأبقار في تونس.. استفحال أزمة قطاع الحليب ودعوات للنجدة
وتستورد الدولة العلف المركب المتكونة من قوالب اللفت السكري وقوالب "الفصة" والذرة والشعير و"الصوجا" عن طريق شركات خاصة بعد تخلي الديوان الوطني لتربية الماشية وتنمية المراعي عن القيام بهذا الدور.
ويؤكد أحد منتجي الحليب واللحوم في ولاية منوبة عبد الحفيظ الناجمي لـ"ألترا تونس" استغناء أغلب منتجي الأبقار عن قطعانهم نتيجة ارتفاع تكلفة العلف المركب بالإضافة إلى عدم توزيعه بصفة عادلة على الفلاحين خاصة صغار مربي الأبقار والمواشي.
وأضاف أنّ أغلب الفلاحين كانوا يعتمدون على العلف المنتج في تونس أو زراعة الأعلاف في أراضيهم، مبينًا أن بعض مربي الأبقار والماشية لا يملكون اليوم مراعي وهو ما يستوجب سعي الديوان الوطني لتربية الماشية لتوفير المرعى والعودة إلى سالف نشاطه وتشجيع مربي الأبقار وكافة الفلاحين كما جرى العمل سابقًا، إلى جانب العمل على توسيع المساحات المخصصة لزراعة الذرة العلفية وبقية الأنواع المحلية للتقليص من استيراد العلف.
ويتحدث الفلاحون على شبهات فساد في توزيع الأعلاف وخاصة مادة "السداري" في ظل الاستياء من طريقة التوزيع التي لا تعتمد، وفق قولهم، الطرق القانونية خاصة قاعدة بيانات تلقيح المواشي المتوفرة بخلايا الارشاد الفلاحي بالجهات التي تعتبر المرجع الأساسي لتوزيع العلف على الفلاحين من مربي المواشي.
الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد وعرائض بالجملة!
وتعهدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من جهتها بعدّة عرائض تتعلّق بهذا الملف، على غرار تعهدها بتاريخ 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017 بعريضة تتعلّق بالتبليغ عن شبهة الاستيلاء على حصص مادة "السداري" المدعم باعتماد عناصر إسناد وهمية نسبت إلى عضو بالاتحاد المحلي للفلاحين بمعتمدية دقاش من ولاية توزر.
وباشرت الهيئة أعمال البحث والتقصي وتوصلت بمعطيات من وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، ورد فيها أن والي توزر كوّن لجنة للتحري في الموضوع قامت بإعداد تقريرين يؤكدان قرائن في شبهات تلاعب واضحة في مادة "السداري" المدعم تنسب للمشتكي به من خلال تزوير قائمة المنتفعين بإدراج أسماء لأشخاص لا يملكون مواشي أو التضخيم في عدد رؤوس الماشية الحقيقي. وأفادت الهيئة أنها أحالت الملف على القضاء.
تعهدت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد بعدّة عرائض تتعلّق بشبهات فساد في توزيع مادة "السداري" وأحالتها بعد التقصي على القضاء
كما تعهدت بموجب 3 عرائض وردت عليها بتاريخ 29 ديسمبر/كانون الأول 2017 و3 أفريل/نيسان 2018 تتعلّق بالتبليغ عن شبهة استغلال نفوذ ومخالفة التراتيب الإدارية في توزيع مادة "السداري" بولاية سيدي بوزيد من خلال خرق الوالي السابق لإجراءات توزيع المادة وإسناد رئاسة اللجان المحلية المكلّفة بهذه العملية إلى معتمدي الجهة.
اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص: "الأليكا".. وجهات نظر متباينة
وأفادت المعطيات التي توفرت للهيئة إلى أنّ أذون التزوّد الصادرة على معتمدي المكناسي والمزونة مختومة بطابع المعتمدية دون ختم الوالي وإمضائه، علاوة على غياب إمضاءات وأرقام بطاقات تعريف الفلاحين المستفيدين بـ"السداري" مما يؤدي إلى حرمان بعض مربي المواشي من حقهم، في حين يتمتّع غيرهم ممن لا يملكون مواشي بمادة العلف المدعم بغاية المتاجرة بها.
كما جاء في التبليغ مخالفة الوالي السابق لسيدي بوزيد للتراتيب وإعطاء تفويض شفاهي لرئيس الاتحاد المحلي للفلاحين بالمكناسي للحلول محل الإدارة ورئيس خلية الإرشاد المحلي مهمة إعداد قائمات مربي الماشية خلافًا لمقتضيات المنشور عدد 214 المؤرخ في 2 نوفمبر 2015 الصادر عن وزير الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري والمتعلّق بتنظيم وتوزيع مادة السداري.
وبالتحري لدى وزارة الفلاحة والموارد المائية والصيد البحري، توصلت الهيئة بتقرير تفقد منجز في الغرض من قبل التفقدية العامة للوزارة أثبت جدية التجاوزات المتمثلة في تعمد مخالفة الإجراءات المتعلّقة بتوزيع مادة السداري، يتحيل الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الملف على القضاء.
شكاوى من جهات متعددة
من جانبه، انتقد المكتب الجهوي لمنظمة المؤسسات المواطنة التونسية "كوناكت" بصفاقس، في وقت سابق، سوء توزيع الأعلاف المدعمة بمختلف المعتمديات والإقصاء المتعمد لمجمعها المهني لمزودي الأعلاف من أعمال اللجان الجهوية والمحلية التي تتولى الإشراف على توزيع المواد العلفية وخاصة منها مادة "السدّاري" و"الشعير العلفي" المدعمتان من الدولة.
واتهم مزودو الأعلاف المنضوون ضمن المجمع عديد الأطراف الرسمية والهياكل المتداخلة في منظومة توزيع المواد العلفية المدعّمة خاصة "السداري" بالتورط في الفساد والتلاعب بعملية التزويد الذي يفسره نقص الكميات مقارنة مع الحصص المخولة لمختلف المزودين، ووجود مسالك موازية مع المسالك القانونية للتوزيع.
كريم داود (رئيس نقابة الفلاحين) لـ"ألترا تونس": يجب توزيع المراعي الكفيلة بتوفير العلف للفلاحين بأقل تكلفة
في المقابل، أشار أيضًا المكتب التنفيذي للنقابة الجهوية للفلاحين بسليانة إلى أنّ المكتب فتح ملفات تتعلق بشبهات فساد تحوم حول عملية توزيع الأعلاف المدعمة، كما أكدت بعض المكاتب الجهوية للنقابة وجود تلاعب بعملية توزيع العلف وفق التشكيات الواردة عليها من منظوريها.
وأكد رئيس نقابة الفلاحين كريم داود لـ"الترا تونس" أنّ النقابة تتلقى باستمرار شكاوى من قبل مربي المواشي والأبقار حول توزيع العلف خاصة "السداري" وسوء تصرف فيها منتقدًا السياسة المتبعة في عملية توزيع العلف.
ودعا إلى ضرورة تكثيف عملية مراقبة توزيع العلف في مختلف الجهات الفلاحية بالنظر إلى تقارير الهيئات الرقابية حول الفساد في منظومة توزيع الأعلاف. كما طالب محدثنا بضرورة إعادة التفكير في كيفية إنتاج العلف المحلي على غرار الماضي قبل إنشاء شركات توريد العلف المركب، إلى جانب توزيع المراعي الكفيلة بتوفير العلف للفلاحين بأقل تكلفة.
اقرأ/ي أيضًا:
تعثّر موسم بذر الحبوب.. أسواق سوداء للأسمدة الكيميائية والبذور الممتازة