05-يناير-2020

معضلة عدم تطبيق المؤسسات العمومية لتوصيات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

أفادت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، في تقريرها السنوي لسنة 2018 المقدّم للرأي العام نهاية 2019، أنها تلقت 8150 عريضة منها 32.9 في المائة تخصّ الوزارات، وتصدرت وزارة الداخلية النسبة الأعلى بـ 516 ملفًا (6.33 في المائة) ثم وزارة الفلاحة بـ509 ملفًا (6.33 في المائة) ووزارة أملاك الدولة بـ488 ملفًا (5.99 في المائة). وأوردت عديد التفاصيل بخصوص القطاعات المعنية بالفساد وعدد الإحالات على القضاء بعد التقصي.

 أكثر من 60 في المائة من توصيات الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد ليست جديدة بل وردت في التقارير السابقة وهو ما يدعو إلى التساؤل عن مدى تفاعل المؤسسات الرسمية مع هذه التوصيات ومدى تطبيقها

كما تضمّن التقرير بالخصوص 132 توصية تهم القطاعات التي سجلت فيها شبهات فساد سواء عبر تقديم بعض الحلول الوقائية أو تقديم مقترحات جديدة لمكافحة الفساد. وهي أغلبها توصيات قطاعية تهم مجالات الطاقة والمناجم والأمن والديوانة والصحّة والصناديق الاجتماعية والنقل والفلاحة والتعليم والمجال البلدي.

ويُلاحظ أن أكثر من 60 في المائة من هذه التوصيات ليست جديدة، بل وردت في التقارير السابقة للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، وهو ما يدعو إلى التساؤل عن مدى تفاعل المؤسسات الرسمية مع هذه التوصيات وتطبيقها، وعن مدى توفر الإرادة من أصله لدى هذه المؤسسات للحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد. إذ يبدو أن توصيات الهيئة تظل كل عام حبرًا على الورق قد لا يطلع عليها أصلا المسؤولون المعنيون بمكافحة الفساد في المؤسسات العمومية التي يشرفون عليها.

اقرأ/ي أيضًا: قضية البنك الفرنسي التونسي.. هل يكون ملف الفساد الأكبر كلفة في تاريخ تونس؟

لمحة عن توصيات الهيئة

ودعت الهيئة، ضمن توصياتها، إلى ضرورة العمل على تفعيل دور المجلس الأعلى للتصدي للفساد واستيراد أموال وممتلكات الدولة والتصرّف فيها مذكرة أنه لم يجتمع إلا في مناسبتين الأولى في 30 أكتوبر/تشرين الأول 2012 والثانية في 17 ماي/آيار 2013 "بالرغم من أهمية مشمولاته المتمثلة في متابعة وتنسيق أعمال مختلف اللجان والهياكل الوطنية المكلّفة بمصادرة واسترجاع والتصرّف في الأموال والممتلكات المكتسبة بطرق غير شرعية الراجعة للدولة والموجودة بداخل البلاد وخارجها ومتابعة نتائج أعمال الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد".

كما دعت الهيئة في توصياتها إلى تعجيل النظر في التدقيق الإداري والمالي بخصوص مصادرة أملاك الرئيس السابق وعائلته والتصرّف والتفويت فيها خاصة بعد تقرير دائرة المحاسبات الذي أقر بوجود عديد التجاوزات والخروقات وتقديم الدعم المادي والبشري للقطب القضائي الاقتصادي والمالي ودائرة المحاسبات.

دعت الهيئة، ضمن توصياتها، إلى ضرورة العمل على تفعيل دور المجلس الأعلى للتصدي للفساد واستيراد أموال وممتلكات الدولة والتصرّف فيها

فيما تعلّق بتمويل الأحزاب والجمعيات، تكررت توصية الهيئة بضرورة "مراجعة الإطار التشريعي المتعلّق بتمويل الأحزاب السياسية والجمعيات، بما يضمن الشفافية التامة في التمويل وصولًا إلى إرساء منظومة النزاهة في الحياة العامة". ودعت إلى استكمال الإطار التشريعي الذي ينظم تمويل الأحزاب السياسية وعملها بإصدار النصوص التي تثبت الإطار المحاسبي ونحدد شروط منح المساعدة العمومية ثم الحرص على تطبيقها بشكل فاعل وسريع.

أما بالنسبة للانتدابات، أوصت الهيئة بضرورة تعزيز الرقابة على إجراءات الانتداباتو تفادي اللجوء إلى الانتداب المباشر "للقطع مع المحاباة والمحسوبية". ودعت إلى إلى متابعة وتنفيذ التوصيات الواردة بتقارير التفقد في خصوص معاقبة وتتبع بعض المسؤولين بالإدارة العمومية الذين ثبت في شأنهم تجاوزات ترقى إلى جرائم فساد "حيث لوحظ تراخي أو تغاضي السلطات المباشرة أو سلطات الإشراف عن متابعتهم سواء بإحالة المشبوه فيهم على مجالس التأديب والقضاء".

كما أوصت بضرورة تعميم تطبيق المنظومة الإعلامية للصفقات والشراءات العمومية "TUNEPS" الموضوعة على ذمة الهيئة العليا للطلب العمومي دون أن تعمل بالشكل المراد منها، وإرساء موقع واب مفتوح للعموم يتضمن معطيات الصفقة التي هي في طور الإنجاز بما يضمن الشفافية المطلوبة على مستوى الإنجاز والتبليغ عن أي إخلال يتمّ رصده.

أوصت الهيئة، في قطاع الصحة، بضرورة وضع منظومة معلوماتية موحدة لتجنّب سرقة الأدوية أو الحد منها على مستوى صيدليات المؤسسات العمومية للصحة

اقرأ/ي أيضًا: الفساد في الصفقات العمومية.. سرطان ينخر الإدارة في انتظار استئصاله

وفي القطاع الأمني، أوصت الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد "باعتماد اختبارات النزاهة والتدقيق في البحث عن السوابق أثناء إجراءات انتداب عناصر قوات الأمن الداخلي وترقيتهم، واعتماد مدونة سلوك جديدة وقواعد ملائمة للوقاية من تضارب المصالح لدى قوات الأمن الداخلي وذلك ببيان قواعد تجنب تضارب المصالح لدى قوات الأمن الداخلي وقبول الهدايا وشتى أشكال الرشوة والفساد والتبليغ عنها".

وأوصت، في قطاع الصحة، بضرورة وضع منظومة معلوماتية موحدة لتجنّب سرقة الأدوية أو الحد منها على مستوى صيدليات المؤسسات العمومية للصحة إضافة إلى تحسين المنظومة المعلوماتية بطريقة تمكن الإطار الطبي والمسؤولين من الولوج إلى مستندات الملف الأولي بما يضمن حسن القرار وتسديد المستحقات في آجال معقولة ومراقبة أفضل لقرارات العلاج الصادرة عن مراكز الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

ودعت إلى وضع منظومة مراقبة تعنى بعمليات الشراء والبيع على الرصيف التي تقوم بها الصيدلية المركزية وإعلام هياكل الرقابة للدولة بهذه العمليات بما في ذلك أسماء الشركات والمواد والكميات وأسعارها وموانئ التوريد والتصدير قصد التثبت من مدى التطابق بين الفوترة والبيان الجمركي قصد التقليص إلى أدنى حد من البيانات الديوانية الكاذبة.

محمد العيادي (عضو الهيئة) لـ"ألترا تونس": غياب الإرادة في مكافحة الفساد

يقدّر عضو الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد محمد العيادي، في حديثه لـ"ألترا تونس"، أن تكرر التوصيات كل عام بخصوص قطاعات لازالت تسجل شبهات فساد لا يدل سوى على عدم تفاعل الهيئات والمؤسسات الرسمية مع توصيات الهيئة، ولا يدل أيضًا إلا على غياب الإرادة في مكافحة الفساد وفق تأكيده.

محمد العيادي: يجب على أعضاء البرلمان متابعة تقارير جل الهيئات الرقابية ومدى تطبيق توصياتها للحدّ من الفساد

وأوضح أنّ التقرير السنوي للهيئة عرض بعض ملفات وشبهات الفساد بالتفصيل حسب كلّ قطاع وحسب التقصي في الملفات الواردة على الهيئة، ليذكر في خاتمته توصيات مهمة موجهة لكل قطاع، والاجراءات التي يجب اتخاذها للوقاية من الفساد، مؤكدًا عدم تطبيق هذه التوصيات في نهاية المطاف من الجهات المعنية.

وأفاد أنّ رئيس الهيئة شوقي الطبيب استعرض لرئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي أهم ما ورد في التقرير النهائي وجملة التوصيات المهمة لمكافحة الفساد والاجراءات الوقائية الواجب اتخاذها في بعض القطاعات للحدّ من الفساد لاسيما تفعيل المجلس الأعلى للتصدي للفساد واسترجاع الأموال المنهوبة.

وقال محدثنا إنّ المسؤولية ليست مسؤولية رئيس الحكومة فقط بل هي أيضًا مسؤولية نواب الشعب في البرلمان الذي يستوجب عليهم متابعة تقارير جل الهيئات الرقابية ومدى تطبيق توصياتها للحدّ من الفساد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

من المسؤول عن تسريب معطيات المبلغين عن الفساد؟

الرسم العقاري 6648.. هنشير النفيضة غنيمة الدولة عبر العصور