17-يونيو-2023
انتخابات تونس هيئة الانتخابات

أثارت مسألة التقسيم الترابي للعمادات في تونس التي سيبنى على أساسها تحديد الدوائر الانتخابية جدلًا والتباسًا (ياسين القايدي/ الأناضول)

 

على إيقاع تنظيم انتخابات المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم، تحركت هيئة الانتخابات في تونس نحو مواءمة القانون الانتخابي الصادر  في مارس/آذار 2023  ضمن المرسوم عدد 10 لسنة 2023 مع التقسيم الترابي للعمادات وتحديد الدوائر الانتخابية.

وتعتبر المجالس المحلية وتركيبة المجالس الجهوية ومجالس الأقاليم جماعات محلية وجهوية طبقًا للباب السابع من دستور 2022، وتتولى هيئة الانتخابات الإشراف على أعضاء المجالس المهنية وإدارتها والإشراف عليها في جميع مراحلها.

أثارت مسألة التقسيم الترابي للعمادات التي سيبنى على أساسها تحديد الدوائر الانتخابية جدلًا والتباسًا لدى متساكني عدة مناطق من الجمهورية وجمعيات في المجتمع المدني

وقد أثارت مسألة التقسيم الترابي للعمادات التي سيبنى على أساسها تحديد الدوائر الانتخابية جدلًا لدى متساكني عدة مناطق من الجمهورية وجمعيات في المجتمع المدني، والتباسًا لدى البعض حسب منافع المجموعات البشرية المقيمة في حدود معينة سواء بلدية إدارية أو جغرافية ذات طبيعة نفعية اقتصادية أو اجتماعية أو إدارية.

إذا تطلعنا إلى بعض هذه المشاكل المطروحة، نجد ما تم طرحه بين مدينتي زاوية سوسة وقصيبة سوسة من مشاكل حدودية، إذ عبر ممثلون عن المجتمع المدني بقصيبة المديوني لـ"الترا تونس" عن رفضهم المشروع الوطني للتحديد الترابي للانتخابات المحلية ببلدية القصيبة سوسة الثريات بسبب الاختلالات والانعكاسات السلبية التي قد تطرأ على العملية الانتخابية.

وأكد الناشط بالمجتمع المدني لطفي رمضان، في تصريح صحفي "رفض مكونات المجتمع المدني بقصيبة سوسة المساس بحدود المنطقة والإبقاء على رسمها الحالي بعد أن تمّ الحوْز على أراض ومصنع والملعب القديم بقصيبة سوسة ودار الشباب وثلثي معهد الذكور لفائدة زاوية سوسة حسب تقسيم العمادات الجديد".

وأضاف رمضان أنّ "الحدود الغربية لقصيبة سوسة مع بلدية المسعدين تضم مخزونًا انتخابيًا هامًا لفائدتهم إلى جانب وجود منطقة صناعية كبرى في مجالهم الترابي".

ناشط بالمجتمع المدني بسوسة: نرفض المساس بحدود منطقة قصيبة سوسة والإبقاء على رسمها الحالي بعد أن تمّ الحوْز على أراض ومصنع والملعب القديم ودار الشباب وثلثي معهد الذكور لفائدة زاوية سوسة حسب التقسيم الجديد"

في نطاق ولاية سوسة كذلك، برزت إشكاليات حدودية بين المنطقة البلدية بأكودة والمنطقة البلدية بحمام سوسة في خصوص منطقة شط الرمان وهي مسائل تثار خلال كل عملية تحديد ترابي أو إداري للمناطق المذكورة.

وقد أثار جدل التقسيم الترابي، وفق المشروع الوطني المذكور، أسئلة ذات تبعات سياسية واقتصادية واجتماعية نفاها عضو هيئة الانتخابات محمد التليلي المنصري، في تصريح لـ"الترا تونس" قائلًا "التقسيم الترابي للعمادات ليس له أي علاقة بالتقسيم البلدي أو أي تقسيم آخر".

وأشار المنصري إلى أن هذا المشروع "ستنتفع منه مؤسسات الدولة ولا مغانم سياسية أو اقتصادية من هذا المشروع"، على حد قوله.

 

 

خلال الأيام القليلة الماضية، لاحظنا تنسيقًا واضحًا بين هيئة الانتخابات والمصالح الإدارية الحكومية شملت كلًّا من وزارة الداخلية والمركز الوطني لرسم الخرائط والاستشعار عن بعد والمعهد الوطني للإحصاء والديوان الوطني لقيس الأراضي والمسح العقاري. وقد شفعت الأعمال الميدانية باجتماعات جهوية بين ممثلي هيئة الانتخابات والولاة من أجل الإسراع بتقسيم الدوائر. 

الناطق باسم هيئة الانتخابات لـ"الترا تونس": التقسيم الترابي للعمادات ليس له أي علاقة بالتقسيم البلدي أو أي تقسيم آخر وستنتفع منه مؤسسات الدولة ولا مغانم سياسية أو اقتصادية من هذا المشروع

وباعتبار أن المشروع الانتخابي في صيغته الجديدة هو مشروع سياسي بامتياز وضعه ويشرف على سيره الرئيس التونسي قيس سعيّد، فإن الإشكاليات المثارة مجددًا ترتبط بتطويع إمكانات الدولة ومقدراتها لبناء ذاك المشروع.

وفي هذا الصدد، قال المنصري إن "المشروع الوطني للتحديد الترابي مشروع مجاني ولم يقع رصد ميزانية خاصّة له وكل المؤسسات ساهمت فيه بطريقة ذاتية من سيارات وعناصر بشرية في ذلك"، على حد قوله.

من جهته، صرح رئيس هيئة الانتخابات فاروق بوعسكر لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، أن "الهيئة تقوم بدورها في تقسيم الدوائر الانتخابية المحلية ولا يتعلق الأمر بإعادة التقسيم الترابي للعمادات ولا البلديات وإنما يكمن في تقسيم العمادات التابعة للمعتمديات التي يوجد بها أقل من 5 عمادات إلى أكثر من دائرة انتخابية". 

وقد جاء هذا التصريح إثر تحفظات فعلية من مكونات المجتمع المدني حول هذا المشروع وإمكانية  استثماره في مصالح محلية أو جهوية لا علاقة لها بالانتخابات، وذلك بطرح فرضية أن يكون لها تأثير مباشر على الأرض ومصالح المجموعات السكانية المقيمة فيها ما من شأنه أن يضر بارتباطاتهم الاقتصادية والاجتماعية محليًا.

يرى البعض أن التحديد الترابي لم يتم بطريقة تشاركية ولم يستأنس بالدراسات التي دعت لإعادة النظر في التقسيم الترابي على أساس مراعاة الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية بشكل يخدم التنمية ويقضي على التفاوت الجهوي

إن تسارع الأحداث السياسية والمناسبات الانتخابية دفع البعض إلى القول إن التحديد الترابي ضمن هذا المشروع المعلن لم يتم بطريقة تشاركية ولم يستأنس بالعديد من الدراسات التي دعت إلى إعادة النظر في التقسيم الترابي على أساس مراعاة الخصوصيات الجغرافية والاجتماعية والاقتصادية بشكل يخدم التنمية في الجهات ويقضي على التفاوت الجهوي، بالإضافة إلى إعادة النظر في مشمولات وأدوار المؤسسات السيادية بالجهة وخلق ديناميكية تنموية ذاتية في الجهات.

يشار إلى أن "التشبيك الإداري للبلاد التونسية إثر الاستقلال (1956)، انقسم إلى صنفين أساسيين: الأول إداري يرجع بالنظر للدولة (الولاية والمعتمدية والعمادة) والثاني بلدي، كما تطوّرت التقسيمات في اتجاه تكثيف التشبيك والزيادة المتواصلة في عدد الوحدات الترابية" وفق ما جاء في دراسة نشرها الباحث فوزي الزراعي تحت عنوان "التقسيم البلدي ورهانات التّصرف العمراني بتونس الكبرى".

"لقد سعت الدولة، من خلال الزيادة في عدد البلديات بالمجموعات الحضرية الكبرى كتونس وصفاقس، إلى تقريب الخدمات من السكان وتدعيم تأطير التراب الحضري، غير أنّ أحجام البلديات وإمكانياتها المالية والجبائيّة متفاوتة، جعل الصغرى منها تواجه مشاكل عديدة"، وفق ما ذكره الزارعي.

 

 

نظرًا للإشكاليات الضخمة التي تتعلق بالتهيئة العمرانية للبلديات والاستراتيجيات الكبرى في مجال التهيئة الترابية، تصرفت العديد من البلديات بطريقة منفردة لم تراعِ الخصوصيات العامة للجهة، صاحبها ضعف السلطة التنفيذية في إرضاء جميع الجهات من أجل بناء المدينة الحديثة التي تستجيب لمقومات العصر ومتطلبات المتساكنين وتراعي الطفرة البشرية في التحولات الاجتماعية وعدم التوازن بين المدينة والريف والتوسع العمراني العشوائي خاصة خلال عشرين سنة التي مضت.

هذا ما سمح بتراكم الإشكاليات العالقة وعدم التوصل إلى الحلول الجذرية في الإصلاح وساهم في تفاقم المشاكل المتعلقة بالتوازن البشري والعمراني وكرّس عدم العدالة بين الجهات.

مسألة تحديد المجال الترابي للعمادات في شكلها الحالي تخدم المسألة الانتخابية بالأساس وهي ذات بعد سياسي ولا تحتكم إلى رؤية تنموية عميقة ذات بعد استراتيجي في ظل خضوع البلديات للسلطة التنفيذية بعد أن وقع حل المجالس البلدية

ومن أهم العوامل التي أسهمت في هذه الوضعية غير المستقرة و"الفوضوية" الخلل في المراقبة الميدانية على مر العقود الأخيرة والالتجاء إلى تغيير صبغة الأراضي وعدم مجاراة خصوصية التحولات العمرانية والتنقل السكاني بين الجهات.

وأصدر المعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية دراسة في هذا الشأن أكد فيها "ضرورة تجنّب إحداث بلديات جديدة نظرًا لمحدوديّة المجال الترابي التونسي وتعاظم العبء المالي على الدولة في حال اللجوء إلى زيادة عدد البلديات".

واعتبرت الدراسة أن "الحل المثالي هو العمل على الحفاظ على العدد الحالي للبلديات وتوسيع مجالها الترابي عبر إدماج المناطق الريفية المحيطة بها وضمّ أكبر عدد ممكن من السكان إلى نطاق الخدمات البلدية".

إن مسألة تحديد المجال الترابي للعمادات في شكلها الحالي تخدم المسألة الانتخابية بالأساس، وهي ذات بعد سياسي بالأساس ولا تحتكم إلى رؤية تنموية عميقة ذات بعد استراتيجي خاصة وأن الوضع الحالي الانتقالي يشهد غيابًا لمجالس بلدية منتخبة بعد أن تم حل المجالس السابقة بموجب مرسوم رئاسي مما أخضع البلديات إلى السلطة التنفيذية المتمثلة في الإدارة (سلطة كاتب العام البلدية تحت إشراف والي الجهة)، كما يشهد غيابًا لفعاليات المجتمع المدني وإسهاماته المباشرة في تشاركية القرار.