09-مارس-2023
شارع الحبيب بورقيبة تونس

تراوحت ردود الفعل بين التنديد بهذا القرار واعتباره خطوة جديدة في مسار "تفكيك" الدولة وتثمينه (LIONEL BONAVENTURE/أ.ف.ب)

الترا تونس - فريق التحرير

 

أثار قرار الرئيس التونسي قيس سعيّد، في ساعة متأخرة من ليلة الأربعاء 8 مارس/آذار 2023، بحلّ كلّ المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية، جدلًا واسعًا على الساحة السياسية في تونس، وتراوحت ردود الفعل بين من ينددون بهذا القرار ويعتبرونه خطوة جديدة في مسار "تفكيك" مؤسسات الدولة، وآخرين ثمّنوا ذلك.

وكان قيس سعيّد قد أعلن، في ساعة متأخرة من ليل الأربعاء 8 مارس/آذار 2023، أنه قرر حلّ كلّ المجالس البلدية وتعويضها بنيابات خصوصية.

يأتي ذلك مع اقتراب انتهاء المدة النيابية (2018-2023) للمجالس البلدية المنتخبة مباشرة، والأولى من نوعها بعد الثورة، والتي انطلقت عهدتها منذ سنة 2018. 

كما أعلن قيس سعيّد، لدى ترؤسه مجلس الوزراء مساء الأربعاء،  أن المجلس نظر أيضًا في "مرسومين يتعلقان بتنقيح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية، وبانتخاب المجلس الوطني للجهات"، وذلك وفق مقطع فيديو نشرته الرئاسة التونسية في ساعة مبكرة من فجر الخميس.

وقال سعيّد، في خطاب أدلى به في مفتتح المجلس الوزاري: "المعركة التي نقودها بالقانون ضد الذين عاثوا في البلاد فسادًا ستستمرّ بنفس القوة وبنفس العزم"، على حد ما جاء على لسانه.

 

 

وفي تعليقه على ذلك، قال المنسق العام لائتلاف صمود حسام الحامي، الخميس 9 مارس/آذار 2023، إننا "ماضون في تفكيك دولة القانون".

منسق عام ائتلاف صمود: حل كل المجالس البلدية المنتخبة وتعويضها بمجالس خصوصية معينة بجرة قلم، يبين أن السلطة القائمة لا تعترف بالمشروعية الشعبية ولا بأي شرعية سابقة أو لاحقة

وأضاف، في تدوينة له على فيسبوك، أن "حل كل المجالس البلدية المنتخبة وتعويضها بمجالس خصوصية معينة بجرة قلم، يبين أن السلطة القائمة لا تعترف بالمشروعية الشعبية ولا بأي شرعية سابقة أو لاحقة وكل "مؤسسات" الدولة التي سوف يقع تركيزها سوف تكون موالية لرئيس الجمهورية ويكون له الآليات القانونية التي تمكنه من حلها إذا لم تكن كذلك"، حسب تصوره.

 

 

وتابع الحامي في ذات الصدد: "السلطة الحالية دائبة على تفكيك أواصر دولة القانون لتركيز منظومة شعبوية فاشية موالية لها بالكامل"، متطردًا القول: "أظن أنه لن تكون هناك انتخابات بلدية بعد الآن ولا بلديات، وسوف يقع تعويضها بمجالس محلية في إطار تنفيذ مشروع البناء القاعدي، والمراسيم القادمة سوف تؤكد ذلك". 

منسق عام ائتلاف صمود: "السلطة الحالية دائبة على تفكيك أواصر دولة القانون لتركيز منظومة شعبوية فاشية موالية لها بالكامل"

كما يتوقع المنسق العام لائتلاف صمود أن "المجالس المحلية سوف تنتخب من بين أعضائها أعضاء المجالس الجهوية والمجلس الوطني للجهات والأقاليم وكلها موالية عضويًا لرئيس الجمهوريّة"، مضيفًا: "أما الشركات الأهلية فهي التي سوف تلعب دور "الهيكل" الاقتصادي السياسي التابع للسلطة وهو بمثابة حزب غير معلن يتمتع بإمكانيات ومقدرات الدولة مناط بعهدته تعوض جميع المنظمات والجمعيات والأحزاب"، وفق تصوره.

وتابع قائلًا: "برنامج يحاك على مرأى ومسمع الشعب التونسي وأمام نسيج مدني وسياسي مفكك ومشتت لا يحسن ترتيب الأولويات، هذه التجربة الشعبوية الفاشية الموجعة سوف تكلف تونس نصف قرن من تقهقر والتخلف"، على حد تقديره.

 

صورة

 

ويشاطره القاضي عفيف الجعيدي الرأي في كون "حل البلديات هو فعل هدم جديد"، وفق توصيفه.

 

 

صورة

 

وأضاف الجعيدي، في تدوينة له على فيسبوك، أن "البلديات في إدارتها الديمقرطية  تعني صناعة نخبة سياسية تنطلق مسيرتها من مناطقها ويعرفها الناس بإنجازاتها"، مستطردًا: "كان رؤساء البلديات وأعضاء مجالسها في تنافسهم مشروع إصلاح واعد للمشهد السياسي الديمقراطي".

القاضي عفيف الجعيدي: العصف بالمجالس البلدية قد لا يضر كثيرًا بالأداء اليومي للبلديات لكنه سينهي للأبد فكرة المبادرة ومحاولة صناعة التغيير بإمكانيات محدودة، ما سَيَئِدُ فرصة تطوير سياسي ديمقراطي حقيقي

واستدرك القاضي قائلًا: "العصف بمجالسهم  قد لا يضر كثيرًا بالأداء اليومي للبلديات في أدوارها الكلاسيكية، لكنه سينهي للأبد فكرة المبادرة ومحاولة التطوير وصناعة التغيير بإمكانيات محدودة، وهو في ذلك  سَيَئِدُ فرصة تطوير سياسي ديمقراطي حقيقي"، على حد تقديره.

 

 

صورة

 

ومن جانبه، قال رئيس المعهد العربي للديمقراطية خالد شوكات، في تدوينة له على فيسبوك، "بحلّه المجالس البلدية يكون سعيّد قد فكّك آخر مؤسسات الدولة الديمقراطية التي جرى بناؤها على امتداد عشر سنوات اعتمادًا على الشرعية الثورية والتفويض الشعبي عبر انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية  نظمت بمقاييس الجودة العالمية"، حسب رأيه.

رئيس المعهد العربي للديمقراطية: بحلّه المجالس البلدية يكون سعيّد قد فكّك آخر مؤسسات الدولة الديمقراطية التي جرى بناؤها على امتداد عشر سنوات

وتساءل شوكات في ذات الصدد: "كيف لرجل واحد  يا ترى، ليس له حزب  ولم يكن يومًا ضابطًا من ضباط الأجهزة الصلبة، أن يأتي بالفأس الواحدة ويُطيح مؤسسات نظام ديمقراطي منتخبة فيقضي عليها جميعًا في ظرف سنة ونصف فقط؟"، مستطردًا القول: "إلى حد علمي لم يسبق أن جرى ذلك على امتداد التاريخ المعاصر، أي أن يكون لمدرّس جامعي لا حزب له ولا قبيلة، ولا ينتمي للعسكر والأمن ولا حتى الإدارة،  القدرة على فعل ذلك".

كما تساءل، في السياق ذاته "هل يعود الأمر لهشاشة الثقافة الديمقراطية؟ أم لهشاشة الدولة الحديثة ومؤسساتها؟ أم لتقاليد الطاعة الراسخة؟"، وأردف قائلًا: "إنه لأمر محيّر فعلًا، لكن الثابت أن "الدولة" ناهيك عن "الدولة الديمقراطية" كانت من الهشاشة والضعف والاستعداد للانهيار، أهون من بيت العنكبوت، على نحو يكون بمقدور رجل واحد أن ينفخ عليها فتتداعى صاغرة"، وفق ما جاء في نص تدوينته.

 

صورة

 

ولئن قال رئيس الجامعة الوطنية للبلديات التونسية عدنان بوعصيدة، الخميس في تصريحات لعدد من وسائل الإعلام المحلية، إن "القرار كان منتظرًا ومتوقعًا"، فإنه نزل مفاجئًا لعدد من رؤساء وأعضاء المجالس البلدية.

ودوّنت رئيسة بلدية سيدي مخلوف التابعة لولاية مدنين، إيمان الطبيب، على صفحتها بفيسبوك: "الرئيس، على الساعة 01:30 يعلن عن قرار حل المجالس البلدية وتغييرها بتعيينات فردية قبل انتهاء العهدة البلدية بـ 3 أشهر! أي جدوى من ذلك؟".

رئيسة بلدية سيدي مخلوف: "أموال ضخمة ضخت للجمهورية التونسية من أجل دعم مسار اللامركزية ومساعدة الجماعات المحلية ما مصيرها اليوم؟"

واستطردت قائلة: "كنّا أمسٍ مع ممثلي وزارة الداخلية والشؤون المحلية وممثلي المانح الأوروبي في اجتماع عاجل حول التسريع بفتح 86 مناظرة لانتداب إطارات بالبلديات المحدثة ونحن نرتقبه منذ سنة 2019"، معقبة: "البرنامج الخصوصي لدعم البلديات المحدثة بالموارد البشرية بتمويل أوروبي والذي تنتهي آجاله خلال أيام معدودة، اليوم أتساءل ما مصيره؟".

كما تساءلت إيمان الطبيب: "أموال ضخمة ضخت للجمهورية التونسية من أجل دعم مسار اللامركزية ومساعدة الجماعات المحلية ما مصيرها اليوم؟"، وفق ما جاء في نص تدوينتها.

 

صورة

 

في المقابل، ثمّن الناطق الرسمي باسم التيار الشعبي محسن النابتي، الخميس، قرار الرئيس بحلّ البلديات، معتبرًا أن عهدة المجالس البلدية أوشكت على الانتهاء وكان لا بد من حلها.

وأضاف النابتي، في مداخلة له على إذاعة "موزاييك" (محلية): "قرار الرئيس كان منتظرًا على اعتبار أن عهدة المجالس تنتهي في ماي/أيار القادم، وبما أنه يصعب إنجاز انتخابات بلدية في الوضع الراهن، فإنه لم يبق هناك أي حلّ إلا تكليف النيابات الخصوصية في انتظار صدور المرسوم الذي ينقح القانون الانتخابي لأعضاء المجالس البلدية".

محسن النابتي: قرار الرئيس كان منتظرًا على اعتبار أن عهدة المجالس تنتهي في ماي القادم، وبما أنه يصعب إنجاز انتخابات بلدية في الوضع الراهن، فإنه لم يبق هناك أي حلّ إلا تكليف النيابات الخصوصية

واستطرد قائلًا: "لسنا من أنصار بقاء النظام الانتخابي القديم للبلديات، ونريد أن يقع تعميم القانون الانتخابي ليكون موحدًا سواءً للتشريعيات أو البلديات، بما معناه أن يكون الاقتراع على الأفراد"، وفق ما صرّح به.

وبدوره، اعتبر عضو حراك 25 جويلية، حاتم اليحياوي، الخميس في تصريح لإذاعة "ديوان" (محلية)، أن ''قرار الرئيس بحل المجالس البلدية هو استجابة لأحد مطالب حراك 25 جويلية".

وتابع اليحياوي قائلًا إن "هذا القرار يأتي في إطار حرص الرئيس على استكمال سلاسة الانتقال الديمقراطي وتنفيذ خارطة الطريق"، حسب تصوره.

عضو بحراك 25 جويلية: ''قرار الرئيس بحل المجالس البلدية هو استجابة لأحد مطالب حراك 25 جويلية ويأتي في إطار استكمال خارطة الطريق"

يشار إلى أن قرار قيس سعيّد بحلّ المجالس البلدية المنتخبة في ماي/أيار 2018، جاء في سياق عام تدقّ فيه الجامعة الوطنية للبلديات التونسية ناقوس الخطر من فرضية وجود "مخطط واضح لإنهاء مسار اللامركزية في تونس" وذلك مع اقتراب انقضاء المدة النيابية للمجالس البلدية المنتخبة (2018-2023)، باعتبار أن الموعد المفترض للانتخابات البلدية القادمة هو  12 جوان/يونيو 2023 وفق ما ينص عليه القانون الانتخابي.

وكانت جامعة البلديات قد استشرفت حلّ المجالس البلدية، وذلك بالتحذير بشكل مستمر، خاصة خلال الأسابيع الأخيرة، من أن "الغموض يكتنف مصير المجالس البلدية الحالية وموعد إجراء الانتخابات البلدية القادمة، خصوصًا مع غياب أي بوادر على إجرائها في موعدها المحدد، مما يفتح باب التأويلات وتعدد السيناريوهات واسعًا"، وفق ما ورد في بيان أصدرته بتاريخ 21 فيفري/شباط 2023.

ودعت الجامعة في ذات الصدد إلى "عدم تعديل القانون الانتخابي بشكل يفرغه من أهم المكتسبات المحققة على المستوى المحلي، والمتمثلة أساسًا في ضمان تمثيلية كبيرة للشباب والمرأة وذوي الإعاقة داخل المجالس البلدية المنتخبة".

كما عبرت عن تمسكها بـ"تجربة اللامركزية كإطار عام لعمل المجالس البلدية المنتخبة نظرًا للمبادئ العديدة التي كرستها مجلة الجماعات المحلية والتي تهدف إلى تكريس فعلي للتدبير الحر للبلديات في إطار التكامل مع السلط الجهوية والمركزية"، وبـ"مجلة الجماعات المحلية إطارًا قانونيًا عامًا منظمًا لعمل البلديات، مع ضرورة إدخال بعض التنقيحات بشكل تشاركي لتجاوز صعوبات تطبيق بعض أحكام المجلة شريطة عدم المساس بالمبادئ الأساسية والجوهرية".