11-نوفمبر-2022
نجلاء بودن في قمة المناخ

"تتفاقم المخاوف في الشارع التونسي من التحاق تونس بركب البلدان المطبّعة"

 

على الرغم من أن البلاد التونسية كرّرت تأكيدها في أكثر من مناسبة أنها غير معنية بالتطبيع مع الكيان الغاصب، تتفاقم المخاوف في الشارع التونسي من التحاق تونس بركب البلدان المطبّعة بتتالي التصريحات "المغازلة" لإسرائيل، وتورّط مسؤولين في أعلى مراتب الدولة في محادثات مقتضبة أو صور مشتركة مع مسؤولين عن الكيان المحتل، آخرها تبادل ابتسامات بين رئيسة الوزراء نجلاء بودن، ورئيس إسرائيل إسحاق هرتسوج في مؤتمر المناخ بمصر، وتصريح كاتب عام نقابة السلك الدبلوماسي إبراهيم الرزقي الذي قال فيه إن رئيس إسرائيل ينادي بالسلام وإقامة الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية، وأن تونس ستذهب في مفاوضات سلام مع إسرائيل إذا طلبت السلطة الفلسطينية ذلك.

تبادل نجلاء بودن لابتسامة ودية مع رئيس إسرائيل، أثار جدلًا واسعًا وأعاد ملف التطبيع إلى الواجهة، كما جوبه هذا التصرف برفض سياسي ومدني واسع

ولئن أكد الرئيس قيس سعيّد في كلمته الافتتاحية للقمة العربية في الجزائر أنه لا يمكن أن يعم السلام إلا باستعادة الحق الفلسطيني وإقامة دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس، فإن تبادل نجلاء بودن لابتسامة ودية مع رئيس إسرائيل، قد أثار جدلًا واسعًا وأعاد ملف التطبيع إلى الواجهة، كما جوبه هذا التصرف برفض واسع من قبل العديد من الأحزاب والمنظمات نذكر منها الحملة التونسية لمناهضة التطبيع التي اعتبرت أن "المحادثة الودّيّة بين نجلاء بودن أوقح ما بدر خلال العشرية الأخيرة عن السلطات الرسمية من تنكر لموقف الشّعب التونسي الثابت من الحقّ الفلسطيني".  

"بودن في فخ الرئيس الإسرائيلي"

يعتبر كثير من التونسيين أن الرئيس سعيّد مطالب بالوفاء لشعاره الشهير "التطبيع خيانة عظمى" الذي أكسبه زخمًا شعبيًا في حملته الانتخابية وذلك عبر التصدي لكل أشكال التطبيع أو التمهيد له ولو تلميحًا، وقد تطلّع الشعب التونسي لصدور موقف واضح من رئاسة الجمهورية أو وزارة الخارجية ينهي الجدل القائم حول حادثة قمة المناخ وما تلاها من تصريحات غير مسؤولة، لكن الصمت كان سيد الموقف.

محلل سياسي لـ"الترا تونس": كان مطلوبًا من بودن ألا تقع في فخ ممثّلي إسرائيل، لحرصهم على توريط مسؤولي الدول عبر مفاجأتهم بالتحية والتقاط الصور وتوظيفها في اتجاه التمهيد للتطبيع الحقيقي

وذهب بعض الملاحظين إلى أنه كان من الأجدر عدم المشاركة في مؤتمر المناخ بسبب حضور الرئيس الإسرائيلي، فيما يرى المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أنه من مصلحة تونس المشاركة في مؤتمرات دولية بهذا المستوى بقطع النظر عن الحضور الإسرائيلي من عدمه، لأن سياسة الكرسي الشاغر سياسة خاطئة، ولأن هذه المؤتمرات تحضر فيها الدول وجوبًا لتشارك في صنع سياسات جماعية تلتزم بها جميع الأطراف.

ويضيف الجورشي في حديثه لـ"الترا تونس" أن ما كان مطلوبًا من رئيسة الحكومة هو أن تعرف ماذا يجري داخل هذه المؤتمرات وكيفية الاستعداد لها كي تبتعد ولا تقع في فخ الرئيس الإسرائيلي أو أي ممثل عن إسرائيل، لأن هؤلاء أصبحوا حريصين على توريط مسؤولي الدول في مثل هذه اللقاءات من خلال وسائل متعددة من بينها مفاجأتهم بالتحية ومحاولة الوقوف معهم ولو للحظة لأخذ صور وتوظيفها في اتجاه التمهيد للتطبيع الحقيقي، وفق قوله.

صلاح الدين الجورشي لـ"الترا تونس": كان بإمكان بودن أن تتجنب النظر في اتجاه الرئيس الإسرائيلي وخاصة ألا تبتسم له، وأرجح أنّ هذه الحركات مدروسة من الجانب الإسرائيلي

وتابع: "كان بإمكان رئيسة الحكومة أن تتجنب النظر في الاتجاه الموجود فيه الرئيس الإسرائيلي وخاصة أن لا ترد ولا تبتسم بتلك الطريقة التي توحي للمتابع من الخارج بأن هناك علاقات قائمة بين الطرفين"، مرجحًا أن هذه الحركات مدروسة من الجانب الإسرائيلي، وحتى إن لم تكن مدروسة فرئيس إسرائيل واع بما يفعل، لأنه حاول أن يجلب النظر ويدخل في حديث من جهة مع نجلاء بودن ومن جهة أخرى مع رئيس الحكومة اللبناني ميقاتي.

وحول صمت الرئيس التونسي تجاه ما حدث وعدم تعقيبه على تصرف رئيسة الوزراء، قال الجورشي إنه لا يمكن الجزم بطرح الموضوع في اللقاء الثنائي الأخير بين سعيّد وبودن من عدمه، لأن البلاغات لا تعطي فكرة كاملة عما يحدث في مثل هذه اللقاءات.

هل "يتسلّل" التطبيع إلى تونس؟

يرى البعض أن تونس فشلت في اختبار تجريم التطبيع وذلك بعدم التنصيص عليه بصريح العبارة في دستور تونس الجديد الذي اقتصر على ذكر "حق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة"، علاوة على الجدل بشأن موسم حج الغريبة الذي اعتبر البعض أنه تحول من مناسبة دينية إلى فرصة "للهرولة" نحو التطبيع، نظرًا لمشاركة العديد من الوجوه المعروفة بمواقفها المؤيدة للتطبيع من بينها الإمام التونسي الفرنسي حسن الشلغومي الذي أثار التقاط نجلاء بودن لصورة معه غضبًا واسعًا دفع برئاسة الحكومة إلى حذف الصورة من صفحتها الرسمية.

يرى البعض أن تونس فشلت في اختبار تجريم التطبيع بعدم تنصيصها عليه بصريح العبارة في الدستور الجديد الذي اقتصر على ذكر "حق الشعب الفلسطيني في أرضه السليبة"

كما أثارت مشاركة تونس في اجتماع حلف الناتو بحضور إسرائيل، جدلًا واسعًا واستنكارًا كبيرًا استوجب توضيحًا من وزارة الخارجية التي أكدت أن "تونس تدعم كل مبادرة دولية في سبيل معالجة وحلّ النزاعات، وفقاً لمبادئ منظمة الأمم المتحدة والشرعية الدولية ونهج الحوار المسؤول".

عديدة هي الأخبار التي تروج حول وجود مبادلات تجارية بين تونس وإسرائيل ومشاركة لاعبة إسرائيلية في ألعاب رياضية بتونس ووجود محادثات دبلوماسية مع إسرائيل، تسارع تونس ممثلة في وزارة الخارجية إلى تفنيدها والتأكيد على أنها إشاعات تروجها مواقع تابعة لإسرائيل.

وبالإضافة إلى الأخبار المذكورة، تتالت في الفترة الأخيرة تصريحات غير رسمية تصب في خانة التمهيد للتطبيع، وقد صرح وزير الخارجية السابق أحمد ونيس بأن تونس لا تعتبر إسرائيل عدوًا لها.

صلاح الدين الجورشي لـ"الترا تونس": هناك عقلية بدأت تتشكل تدريجيًا لدى بعض الأطراف والمسؤولين ترى أن التعامل مع الجهات الإسرائيلية لم يعد خطًا أحمر

وتعقيبًا على التصريحات المذكورة في هذا التقرير وغيرها، يرجح الجورشي وجود عقلية بدأت تتشكل تدريجيًا في بعض الأطراف ولدى بعض المسؤولين سواء داخل وزارة الخارجية أو في مواقع أخرى لاستيعاب أن التعامل مع الجهات الإسرائيلية لم يعد خطًا أحمر، وأن المصلحة العاجلة لما يعتقدونه لتونس، تقتضي بأن يكونون في حالة مرونة والتعامل مع الرسائل التي يرسلها الطرف الإسرائيلي.

وتابع: "هذه العقلية موجودة لدى العديد من المسؤولين وليس لدى النقابي بالسلك الديبلوماسي فقط، وإنما هي نوع من بداية تمهيد للتطبيع لأن التطبيع يبدأ على مستوى داخلي على أن نهضم ونعتقد أن الوجود الإسرائيلي أصبح مهمًا، وبالتالي علينا أن نخفف من حالة العداء له، وهذه بداية التطبيع للوصول إلى التطبيع السياسي".

صلاح الدين الجورشي لـ"الترا تونس": عقلية القبول بإسرائيل هي نوع من بداية التمهيد للتطبيع، والاعتقاد بأنّ الوجود الإسرائيلي أصبح مهمًا، وهذه بداية التطبيع للوصول إلى التطبيع السياسي

كما لاحظ أن جزءًا من الأخبار التي يتم ترويجها في علاقة بالكيان الغاصب ليست إشاعات، لكن وزارة الخارجية تكذبها لأنه يجب أن تحافظ على تلك الصورة التي انطبعت لدى التونسيين وخاصة لدى أوساط عديدة عربية بأن الرئيس سعيّد يذكّرهم بجمال عبد الناصر والشخصيات القومية التي ترفض وتقاوم إسرائيل، مضيفًا أن وزارة الخارجية نفسها تحاول أن تخفف من بعض الأحداث والوقائع التي لا يمكن إنكارها. وعند العودة لجمع المعلومات وربطها ببعض، يظهر أنّ المشكل في الدبلوماسية التونسية التي تعيش الآن حالة من الضبابية التي تبرز يومًا بعد يوم، لأن هناك متناقضات تعمل معها الوزارة بنوع من النزعة التوفيقية تصل حد التنسيق والإنكار لمصلحة الحفاظ على هذه الصورة المعادية لإسرائيل.