21-يونيو-2021

استياء كبير مما حدث في مركز كوفيد بالمهدية ومركز الامتحانات بباردو لتلاميذ البكالوريا لسنة 2021 (صورة توضيحية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

"لم تكن زيارة وزير الصحة لمركز كوفيد بالمهدية سوى تمثيلية أمام وسائل الإعلام، فقد كنا نتمنى أن نتحدث إليه لكن لم يحدث ذلك وأطل علينا برأسه ملقيًا التحية وغادر.. كنا في انتظاره لنخبره أننا متعبون منهكون مصدومون مما وجدناه في المركز الذي سارع المسؤولون بتنظيف مدخله لاستقبال الوزير" هكذا تقول تلميذة بالباكالوريا، فضلت عدم الكشف عن اسمها، وهي مصابة بفيروس كورونا وتقيم بمركز كوفيد بالمهدية لـ"الترا تونس".

وتضيف: "إلى حد الآن، مازلت لا أصدق كيف جمعت أمتعتي بسرعة ليلة اجتياز امتحان الباكالوريا فقد تم إعلامنا بضرورة تنقلي إلى المهدية لأقيم هناك وأجتاز الامتحان الذي انتظرته لسنوات، الباكالوريا بوابة المستقبل"، متسائلة: "هل تغير مفهومها وقيمتها لدى المسؤولين والدولة؟".

وتواصل محدثة "الترا تونس": "بقينا لساعات بانتظار الدخول بعد رحلة عناء في الطريق، فأنا وغيري من التلاميذ مصابون بفيروس كورونا ولسنا في حالتنا الصحية الطبيعية الجيدة ولم نجد من يفكر أصلًا في هذا الموضوع بل كان كل تفكيرهم ينصبّ في كوننا فئة مصابة تنقل العدوى لابد من حشرها بعيدًا، وفق توصيفها.

عبر عدد من تلاميذ الباكالوريا شاءت الأقدار أن يصابوا بفيروس كورونا قبل الامتحان عن استيائهم من الظروف غير الملائمة بمركز كوفيد بالمهدية، كما استنكر عدد آخر من التلاميذ في مركز الامتحان بباردو تعرضهم للتفتيش بشكل مستفز وغير إنساني

وتتابع: "حال دخولنا للغرف صدمنا بالأوساخ والأتربة والحشرات، ولم نجد لا وسائد ولا أغطية، بل فقط أسرّة بلا مفارش، لم نجد حتى كأس ماء لشرب الأدوية، ولأننا أُعلمنا بالتوجه للمهدية في آخر وقت لم ننتبه لأغراض كثيرة كان علينا أن نحملها معنا.. بل أعتقد أنه كان ينبغي علي أن أحمل كل غرفتي بما في ذلك مواد التنظيف والتعقيم ومضادات الحشرات".

وتردف تلميذة البكالوريا: "تصوّروا أنني بقيت لأكثر من 24 ساعة بلا أكل، فلم نتناول طعام العشاء واستيقظنا صباحًا لنتوجه للامتحان بلا أكل ولم يتم توفيره إلا حوالي الساعة الخامسة بعد الظهر وذلك بعد أن تحدث الإعلام عن أوضاعنا وتوجه أهالينا إلى المندوبية الجهوية للتربية بالمهدية وضغطوا عليهم.

"امتحان البكالوريا الذي انتظرته وأهلي عمرًا كاملًا  أراه  كابوسًا اليوم  رغم أنني، بدعم عائلتي، حاولت تجاوز  صعوبات السنة الدراسية التي لم تكن طبيعية وعادية بسبب الوضع الوبائي لأجد نفسي دون سابق إعلام بعيدة عن أهلي ومعهدي والجهة التي أنتمي إليها في مكان آخر دون استعداد نفسي وحتى مادي بل وفي وضع كارثي غير إنساني.

اقرأ/ي أيضًا: مدرّسات واجهن كورونا بمفردهن.. عندما تختلط مشاعر اليأس والتنكّر والخذلان

وتؤكد محدثتنا أن "الأوضاع وإن تحسنت بعد صيحة الفزع التي تم إطلاقها، فإنها لا تزال غير مناسبة داخل مركز الحجر الصحي بالمهدية فرغم تأكيد كل الجهات المسؤولة توفير الرعاية الصحية لتلاميذ الباكالوريا لأنهم بالأساس مرضى، فإن ذلك لم يحدث. بعض التلاميذ يصابون بالحمى وبعضهم يتقيأ وتجدهم يخرجون من غرفهم ويبحثون عمّن يأتي إليهم وينادون في الأروقة والممرات دون مجيب. نسمع في الإعلام أن هناك طبيبًا في المركز لكننا لا نجد أحدًا".

وتوضح التلميذة لـ"الترا تونس": "لا توجد أي متابعة صحية لنا ونمنع من الخروج ويمنع أهلنا من الدخول وفي المقابل لا أحد يمدنا بالأدوية اللازمة  وبعضنا نسي دواءه ونسي حتى أوراق المراجعة والبعض الآخر نفذ دواؤه ويريد أن يقتني الدواء ولا يجد من يلبي ذلك، بإمكانك أن تأخذ حبة مسكّن وقت الامتحان يمدك بها الأستاذ المراقب فقط"، على حد قولها.

تلميذة بكالوريا (مصابة بكورونا) لـ"الترا تونس": عاملونا كسجناء لا كتلاميذ.. يقال في وسائل الإعلام إن الحظوظ والفرص متكافئة لكل التلاميذ وهذا ليس صحيحًا وفيه ظلم لنا

أما بخصوص الوجبات الغذائية التي تقدّم لهم، قالت التلميذة إنها "لا تستجيب لما يجب أن يتناوله مريض كورونا وتأتي متأخرة، فالغداء مثلًا يُقدّم على الساعة الرابعة بعد الظهر ويأتي في صندوق بارد بلا طعم ولا رائحة"، مستطردة: "نريد أن نشرب حساء أو ماء ساخنًا وهو ما حدده لنا الأطباء، لكننا لا نجد لا ماء ساخنًا ولا مكانًا نقوم نحن فيه بتسخين الماء بأنفسنا".

وأضافت: "لأن المركز يطل على البحر، طلبنا أن يتم تمكيننا من أن نستنشق الهواء النقي على حافة البحر، لكن لم يسمح لنا بذلك. نحن سجناء يطلب منا أن نجتاز امتحان الباكالوريا ويقال في وسائل الإعلام إن الحظوظ والفرص متكافئة لكل التلاميذ وهذا ليس صحيحًا وفيه ظلم لنا"، وفق توصيفها.

ولم ينفِ كاتب عام الفرع الجامعي للصحة بالمهدية منجي العايدي حقيقة الأوضاع داخل مركز كوفيد بالمهدية، مشيرًا إلى أنه من الأوائل الذين وجهوا نداء استغاثة.

وبين لـ"الترا تونس" أن الأوضاع وإن تحسنت بعد أن استجاب عدد من المواطنين ومن الجمعيات التي سارعت بمد المركز بالمواد الغذائية ومياه الشرب والعصائر لتلاميذ الباكالوريا في حركة إنسانية إلا أن ما حدث يعتبر جريمة في حق الشعب التونسي وأبنائه، حسب تقديره.

وأكد أن تلاميذ الباكالوريا هم مستقبل هذه البلاد، متسائلًا: "كيف تتم معاملة عدد منهم وهم في الأصل مرضى على تلك الشاكلة؟ وكيف لتلاميذ أن يكونوا على مقاعد الامتحان على الساعة 7.30 صباحًا وبعضهم كان على الساعة الواحدة بعد منتصف الليل رفقة عائلاتهم أمام مندوبية الجهوية للتربية بالمهدية يسألون عن المركز؟".

وكشف كاتب عام الفرع الجامعي للصحة بالمهدية أن وزارة السياحة قدمت هذا النزل المهمل منذ مدة ولم يتم لا تنظيفه ولا صيانته، مشددًا على أنه لا يستجيب لمقومات الإقامة فيه، وفق تعبيره.

 منجي العايدي (كاتب عام الفرع الجامعي للصحة بالمهدية): ما حدث في حق تلاميذ البكالوريا في مركز كوفيد بالمهدية فضيحة وجريمة بكل المقاييس

وأشار إلى أن القرار استقر في البداية على أن يكون مركز كوفيد بالمهدية إقليميًا، لكن بين عشية وضحاها تحول إلى مركز وطني دون تنسيق ولا تنظيم ولا استعدادات بل بطريقة متسرعة واعتباطية، حسب توصيفه.

ويتساءل محدث "الترا تونس": "ما ضرهم لو أن الوزارات اتخذت القرار منذ شهرين مثلًا واستعدت له وأبلغت بذلك الأولياء وجعلت الجميع في استعداد نفسي ومادي ووفرت النقل المريح لتلميذ مريض سيجتاز امتحان الباكالوريا ليجد مفتاح غرفته ورقم سريره ودواءه وكل مستلزماته من أغطية ومواد تعقيم في انتظاره؟"

ويستغرب العايدي "كيف ينقل مصابون بفيروس كورونا في نزل مهجور لا تتوفر فيه المقومات الصحية، أبوابه لا تغلق يملؤه الغبار والأتربة والحشرات؟"، محملًا مسؤولية ذلك لكل الوزارات المتدخلة، وفقه.

وذكّر بأنه "من المفروض أن توفّر لتلميذ الباكالوريا كل الظروف النفسية والصحية اللازمة حتى ينجح في هذا الامتحان الأساسي في مشواره الدراسي"، معتبرًا "ما حدث فضيحة وجريمة بكل المقاييس"، حسب وصفه.

اقرأ/ي أيضًا: مدرسة الفرصة الثانية: ترقيع آخر للجسد التربوي

استياء وأوضاع غير ملائمة لعدد من مجتازي امتحان الباكالوريا شاءت الأقدار أن يصابوا بفيروس كورونا قبل الامتحان، لكن بالإضافة إلى ذلك شهدت هذه الدورة استياء عدد آخر من التلاميذ في مركز الامتحان بباردو الذين أكدوا تعرضهم للتفتيش بشكل مستفز وغير إنساني فقد قام الطاقم الإداري بلمسهم من أماكن حساسة من جسدهم، وفق روايتهم.

وتؤكد إحدى التلميذات بمركز الامتحان باردو لـ"الترا تونس" أن هذه الممارسات لم تتم في مراكز أخرى وأنها تمارس فقط في هذا المركز الذي يجتازون فيه امتحان باكالوريا 2021 وأن الطواقم الإدارية تعاملهم بطريقة فيها الكثير من العنف أثناء التفتيش إلى جانب الصراخ والتخويف، على حد قولها.

وتضيف "في الحقيقة أشعر وكأنني أدخل إلى ثكنة عسكرية وكلما استيقظ صباحًا أفكر في كيفية التفتيش واللمس من الأماكن الحساسة أمام أنظار الأمن، فينتابني الشعور وكأنني مجرمة أو مهربة مخدرات"،  معقّبة" "صدمنا من هذه الطريقة وهو ما دفعنا لأن نسأل عما يحدث في المراكز الأخرى لكننا تفاجأنا ان هذا يحدث فقط  في مركز الامتحان بباردو"، حسب تقديرها.

تلميذة بمركز الامتحان بباردو لـ"الترا تونس": كلما استيقظ صباحًا أفكر في كيفية التفتيش واللمس من الأماكن الحساسة أمام أنظار الأمن عند دخول مركز الامتحان، فينتابني الشعور وكأنني مجرمة أو مهربة مخدرات

وتواصل حديثها بنبرة حزينة: تخيلوا، كنت بصدد الكتابة والإجابة عن أسئلة الامتحان وفجأة أمسكت الأستاذة المراقبة شعري وأدخلت أصابعها بين خصلاته وبدأت تبحث داخله، صدمت وخفت وضاع كل تركيزي. ولمّا سألتها قالت لي "أبحث في شعرك لعلك تخبئين شيئًا فيه".

وهو ما أكده أحد التلاميذ في المركز نفسه لـ"الترا تونس"، مشيرًا إلى أنه اعتقد دائمًا أن تلاميذ البكالوريا يتم التعامل معهم باحترام وتشجيع لكنه صدم بالصراخ والتفتيش المهين والمعاملة السيئة.

وتابع: "كلنا مع تطبيق القانون ومنع الغش، لكن يبدو أن عددًا من المسؤولين الإداريين نسي أننا تلاميذ بصدد إجراء امتحان وطني وأن ما يفعلونه بنا من شأنه أن يؤثر علينا وعلى نتائجنا فالشعور الذي ينتابني كل صباح هو أنني مجرم"، مستطردًا: "نحن جيل غير محظوظ نعاني من سنة دراسية متقطعة بفعل الوباء ونعامل كقطّاع طرق أثناء اجتياز امتحان ختم التعليم الثانوي".

ومن جانبه، أشار رئيس المكتب الجهوي لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة محمد بن عبد الله بن سليمان، في تصريح لـ"الترا تونس" إلى أن معطيات وصلته من عدة أطراف بخصوص تفتيش التلاميذ ولمسهم من أماكن حساسة وبطريقة تزيد الضغط على التلميذ الذي يعاني من الضغط أساسًا، مبينًا أن هذا يشعرهم بأنهم غرباء يدخلون أرضًا أخرى والحال أنهم أبناء هذا الوطن ويدخلون مؤسساتهم التربوية، حسب توصيفه.

 وتابع: "من المفترض أن يساهم الإطار التربوي في توفير الظروف الملائمة وخصوصًا من الجانب النفسي في ظل ما يشكله امتحان الباكالوريا من توتر لدى التلميذ وعائلته وكل الإطار التربوي وفي وقت تعاني بلاد بأكملها من أوضاع متوترة ومن ضغط كبير على كافة المستويات".

ويشدد محدثنا على أن هذه السنة الدراسية لم تكن عادية بفعل الوباء  بالإضافة إلى أن وضع التعليم في تونس بات مأساويًا، مؤكدًا أن هناك سعيًا للإطاحة بكل المشروع التربوي في تونس لأن تلميذ اليوم ليس تلميذ الأمس من مختلف الجوانب التعليمية والتربوية والاجتماعية والسلوكية، على حد تقديره.

محمد بن سليمان (رئيس المكتب الجهوي لأصحاب المؤسسات التربوية الخاصة) لـ"الترا تونس": من المفترض أن يساهم الإطار التربوي في توفير الظروف الملائمة للتلاميذ وخصوصًا من الجانب النفسي في ظل ما يشكله امتحان الباكالوريا من ضغط لا أن يزيد من توتيرهم

 ويعتقد  محدثنا أن خلط السياسة بالتعليم ساهم في وصوله إلى هذه المرحلة، داعيًا إلى ضرورة فصل هذا عن ذاك لأن التعليم مشروع وطن للأجيال القادمة وهي رأس مال هذه البلاد، حسب وصفه.

وأشار محدثنا إلى أن غياب الوعي بأهمية هذا الجيل وبأهمية التعليم وبتوفير كل الظروف لاستقطاب الجيل ودفعه نحو التعلم والطموح لم يعد موجودًا، مذكرًا بأن تلميذ البكالوريا في السنوات الماضية  كان يستقبل بالابتسامة وبالحلويات وبالتشجيع وكان مدير المعهد والأساتذة والإداريون ينتظرون خروجه من الامتحان ويترقبون نجاحه وكأنه ابن كل واحد منهم، مع احترام القانون وفرضه بطرق بيداغوجية تحترم ذواتهم ونفسياتهم.

واستدرك قائلًا: "لكن ما نشاهده اليوم من مظاهر سواء فيما سمعناه في مركز كوفيد بالمهدية أو بما سمعناه من بعض المعاملات أثناء تفتيش التلاميذ في بعض المراكز مخجل ومحزن وتأثيراته سلبية على التلاميذ"، مؤكدًا: "إننا في حاجة لثورة تعليمية تعاد فيها للتعليم مكانته الحقيقة لأنه مستقبل بلاد بأكملها"، حسب رأيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

الامتحانات.. هاجس للأولياء وغول للأبناء

كيف يمكن تدارك الخلل في المسار التربوي منذ بداية انتشار كورونا؟