12-نوفمبر-2020

ضاعفت كورونا معاناة المصابين بالأمراض المزمنة (صورة أرشفية/ فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

التزام بالتباعد الجسدي، تطبيق تام للتوصيات الصحية وأهمّها وضع الكمامة، هي عادة يحرص عليها أغلب أصحاب الأمراض المزمنة خاصة من كبار السن منذ بداية جائحة كورونا

صادف موعد مراجعة محمد في قسم أمراض الكلى والمجاري البولية بمستشفى شارل نيكول في شهر مارس/آذار الماضي فترة الحجر الصحي العام، ولا يفكر الآن في تجديد الموعد ولا في مرضه نهائيًا، هو يتحمل أوجاعه في كمد. 

بلهجة ساخرة يقول الشيخ السبعيني لـ"ألترا تونس" إنه لن يبرح منزله قبل إعلان نهاية جائحة كورونا نهائيًا، فهو "مخيف أكثر من كل الأمراض مجتمعة"، يؤكد. 

ألقت إجراءات البروتوكول الصحي التي فرضتها أزمة كوفيد-19بظلالها على انتظام مواعيد المرضى في مختلف المؤسسات الصحية وأدت إلى تعطل أخرى بصفة نهاية. كما عمقت أزمة الأدوية، الموجودة أصلًا، و سببت اضطرابًا في تلقي العلاج لدى أصحاب الأمراض المزمنة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس بحسب تقارير صحية.

ألقت إجراءات البروتوكول الصحي التي فرضتها أزمة كوفيد-19 بظلالها على انتظام مواعيد المرضى في مختلف المؤسسات الصحية. كما عمقت أزمة الأدوية، وسببت اضطرابًا في تلقي العلاج لدى أصحاب الأمراض المزمنة الأكثر عرضة للإصابة بالفيروس

وحسب الفصل 38 من الدستور "الصحة حق لكل إنسان" و"تضمن الدولة الوقاية والرعاية الصحية لكل مواطن"، و"توفر الإمكانيات الضرورية لضمان السلامة وجودة الخدمات الصحية".

تأثر الخدمات الصحية

في ماي/مايو الماضي، قال المدير العام لمنظمة الصحة العالمية، د. تيدروس أدهانوم غيبرييسوس إنه "من المهم للدول أن تجد طرقًا مبتكرة لضمان استمرار الخدمات الضرورية للأمراض غير السارية، حتى في الوقت الذي تحارب فيه كوفيد-19".

وأضاف أن "الكثيرين ممن يحتاجون إلى علاج لتلك الأمراض لم يحصلوا على الخدمات الصحية والدواء الذي يحتاجون إليه منذ ظهور جائحة كـوفيد-19".

عطّلت أكثر من 77 دولة خدمات علاج ارتفاع ضغط الدم إما بشكل كامل أو جزئي، و49% من علاج مرض السكري ومضاعفات مرض السكري، و42% من خدمات علاج السرطان، و31% من الخدمات المرتبطة بعلاج حالات الطوارئ الناجمة عن أمراض القلب والأوعية شملها المسح (53%) عطّلت الدموية، حسب دراسة لمنظمة الصحة شملت 155 دولة. 

من جانبها، قالت الدكتورة بنتي ميكلسون، رئيسة قسم الأمراض غير السارية في منظمة الصحة العالمية، إنه من المبكر معرفة الحجم الكامل لتأثير تعطيل الخدمات على الرعاية الصحية للمرضى خلال كوفيد-19، وأضافت: "ما نعرفه حتى الآن هو أن الأشخاص المرضى بأمراض غير سارية هم الأكثر عرضة لاشتداد المرض والكثيرون منهم لا يحصلون على العلاج". 

اقرأ/ي أيضًا:  "الكنام" لا يتكفّل بها.. تشوهات جسدية عمّقها العجز عن علاجها

في تونس، خديجة، ستينية تعاني من ارتفاع ضغط الدم، لم تتمكن من قياس الضغط منذ فيفري/فبراير الماضي، ترددت من حين إلى آخر على مركز الصحة الأساسية القريب من منزلها في ولاية سليانة لكنه تم إخبارها بأنه "ممنوع"، التزامًا بالبروتوكول الصحي.

وعند سؤالها عن توفر الدواء بالمركز الصحي أو بالمستشفى المحلي، أجابت مستغربة: "دواء؟ ومنذ متى نجد في الصيدلية دواء؟ يمدنا الطبيب بالوصفة الصحية لنشتريها من الصيدلية الخاصة، وأحيانًا نقتني فقط الأدوية حسب إمكانيتنا المادية ويمكن أن نستغني عن باقي الوصفة". 

في هذا السياق، دعت الدكتورة آمال بن سعيد مديرة الرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة المرضى وأصحاب الأمراض المزمنة إلى الاتزام بالبروتوكول الصحي وزيارة مراكز الصحة الأساسية والمستشفيات بصفة عادية. وحذّرت في تصريح لـ"ألترا تونس" من تبعات اضطراب المراجعة والعلاج لدى المرضى الذين يعانون من أمراض مزمنة. 

وأكدت بن سعيد أنه رغم غياب إحصائيات دقيقة عن تطور الأمراض المزمنة بسبب غياب الرعاية الصحية إلا أن هناك قصص مؤسفة وصلت إلى حدّ بتر أعضاء، على سبيل المثال. 

وأضافت محدّثتنا: لدينا القدرة على التوقي من فيروس كورونا لدينا بالالتزام بالتباعد وغسل وتعقيم الأيدي بانتظام على عكس أمراض أخرى قالت إنها تضر أكثر من كورونا. 

تفسّر أن التدخين يقتل واحدًا من إثنين من المدخنين، وتدخين "الشيشة" (النارجيلة) يعادل تدخين 40 سيجارة، ومع ذلك يتواصل التدخين في أماكن مغلقة مما يؤثر على الجهاز التنفسي للمحيطين به. 

وعن تعاطي مؤسسات الخط الأول من 2200 مركز صحة أساسية و110 مستشفى محلي موزعة على كامل الجمهورية زيادة على العيادات الخاصة للطب العام، قالت بن سعيد إنها شهدت ظاهرتين تمثلتا في انخراط أعوان ومهنيي الصحة عبر البحوث الميدانية ورفع العينات ودعم المرصد الوطني للأمراض الجديدة والمستجدة. أدّت إلى اضطراب عمل المراكز زيادة على أن عددًا من الأعوان كانوا معنيين بالحجر الصحي. واضطر البعض الآخر لتعزيز صفوف المؤسسات الصحية من الخط الثاني والثالث. كان ذلك سببًا في اضطراب على مستوى خدمات المراكز عامة ومنها الأمراض المزمنة، قبل أن تُسترجع خدمات الرعاية الأساسية بمقتضى منشور وزاري في شهر أفريل/نيسان. 

آمال بن سعيد (مديرة الرعاية الصحية الأساسية بوزارة الصحة): اضطرابات الأدوية هي مشكلة وطنية جاري البحث عن حلول لها، يجتهد الأطباء والصيادلة في تعويضها بدواء جنيس، إلا في حالات الأدوية الخاصة التي لا يوجد نظير لها

وقالت إنه تم اعتماد إجراءات استثنائية بالنسبة لأصحاب الأمراض المزمنة المنضبطين في أخذ الدواء والمتابعة واستقرار وضعه الصحي بالتخفيض من احتكاكهم بالمواطنين وتحديد مواعيد بعيدة مع تمكين أحد افراد عائلته من تلم حصة الدواء الخاصة به. 

في هذا الصدد، أوضحت بن سعيد لـ"ألترا تونس" أن اضطرابات الأدوية هي مشكلة وطنية جاري البحث عن حلول لها، يجتهد الأطباء والصيادلة في تعويضها بدواء جنيس، إلا في حالات الأدوية الخاصة التي لا يوجد نظير لها. 

محدّثتنا دعت في هذا السياق كل من يشتبه في إصابته بالفيروس، وظهرت عليه أعراضه، بالتوجه إلى هذه المراكز أو لعيادة طب عام خاصة فتحت أبوابها في هذا الاختصاص بعد ارتفاع الإصابات في شهر سبتمبر/ أيلول، لتعزيز جهود المؤسسات الصحية. 

وأفادت بأن الإدارة العامة للصحة الأساسية أعدت البروتوكولات الصحية اللازمة لذلك. وإلى حدود يوم 9 نوفمبر/تشرين الثاني 142 مصابًا بكوفيد 19.   

تضيف محدّثتنا أنه "قد تكون من مزايا الجائحة أنها شحذت الوعي بدول الخط الأول في مواجهة الأمراض والأوبئة، وفي أهمية الطب العام في العلاج أو التوجيه دون الذهاب مباشرة إلى طب الاختصاص".

قتال صامت في غياب الأدوية

منذ ماي/ أيار الماضي أطلق "ائتلاف المجتمع المدني للدفاع عن المرفق العمومي للصحة المكون من 47 منظمة وجمعية، نداء إلى السلط العمومية لتوفير الأدوية في الهياكل الصحية العمومية لتمكين مليون مريض مزمن من حقهم في الدواء".

اشتكت رئيسة مرضى السرطان روضة زروق معاناة المرضى أمام تخفيض العيادات في مستشفى صالح عزيز بالعاصمة تونس والاستغناء عن عدة خدمات صحية خاصة في قسم الأشعة. 

وقالت زروق لـ"الترا تونس" إن الخوف من العدوى وعدم تنظيم الخدمات في المستشفى تدفع المريض إلى التراخي عن مواعيده ودوائه وهو ما سيكون له كلفة صحية عالية خاصة وأن عامل الوقت مهم جدًا في محاربة السرطان. 

وأشارت إلى فقدان الأدوية ونقصها حتى في الصيدلية المركزية، منها دواء خاص بسرطان الثدي، مؤكدة أن "الجائحة عمّقت أزمة الأدوية الموجودة منذ سنوات". 

أكدت زروق أن الجمعية مازالت تؤمن خدماتها لمرضى السرطان كالعادة من توفير أدوية وإيواء وتسهيل إجرائهم للأشعة والصور، مع الالتزام بمقتضيات التوصيات الصحية. 

ودعت، في هذا السياق، إلى التعايش مع الفيروس الذي أصاب العالم كله ومواصلة العمل بضمير حي فقط مع أخذ الاحتياطات اللازمة. 

وحذّر الدكتور جوهر مزيد رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن المرفق العمومي وعن حقوق مستعمليه في تصريح لـ"ألترا تونس" من مخاطر عدم توازن وانتظام التداوي والحصول على علاج للمرضى، مؤكدًا أن عدم توازن الحالة الصحية تزيد من هشاشة المريض وزيادة فرص العدوى بالمرض. 

وأكّد أن الأمراض المزمنة تتطور في صمت في حالة عدم الانتظام في المتابعة، لافتًا إلى أن غياب المعلومة الدقيقة حول العودة العادية للمراكز والمؤسسات الصحية من جهة وخوف أصحاب الأمراض المزمنة أنفسهم من خطر العدوى وعزوفهم عن ارتياد المؤسسات الصحية، سيكون له مضاعفات صحية خطيرة وقد تكون قاتلة. 

 جوهر مزيد (رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن المرفق العمومي وعن حقوق مستعمليه): خوف أصحاب الأمراض المزمنة من خطر العدوى وعزوفهم عن ارتياد المؤسسات الصحية، سيكون له مضاعفات صحية خطيرة وقد تكون قاتلة

وأضاف مزيد أنه يسجَّل الآن فقدان حوالي 10 أدوية أمراض مزمنة كلها مصنعة في تونس، بعد تسجيل نقص بحوالي 50 نوعًا هي أغلبها أدوية محلية.

 وتهمّ الأدوية المفقودة أمراض ضغط الدمّ والسكري الأكثر استعمالًا باستثناء الأنسولين، إلى جانب أدوية أساسية أخرى والأدوية المضادة للكوليسترول حيث أن النوع الأكثر استعمالًا ويستعمل لمرضى القلب والجلطة مفقود ولا يوجد له معوّض. إضافة إلى أدوية أخرى هامة ومضادة لأوجاع المعدة وأدوية خاصة لأمراض الصرع وأمراض نفسية مزمنة، يؤدي فقدانها إلى انتكاسة في حالة المرضى. 

وأكد رئيس الجمعية التونسية للدفاع عن المرفق العمومي وعن حقوق مستعمليه لـ"ألترا تونس" أن توفر نفس الدواء المفقود في صيدليات المؤسسات العمومية في الصيدليات الخاصة يطرح تساؤلات، وانتقد تقاعس الجهات المعنية الحرص على التزام المزودين بالإيفاء بالتزاماتهم للصيدلية المركزية للقطاع العمومي، موضحًا أن المصنع رغم فوزه بالصفقة لتزويد الصيدلية المركزية يفضل بيع الدواء مباشرة للصيدليات الخاصة مقابل سعر يتراوح بين 10 أو 15 ضعفًا.

وقال مزيد إن الإشكالية تكمن في عودة الموجة الثانية من الفيروس دون أن نخرج من تداعيات الموجة الأولى وانقطاع الخدمات على أصحاب الأمراض المزمنة. 

ودعا محدّثنا إلى ضرورة إعطاء معلومة واضحة لهؤلاء المرضى، والحرص على تطبيق البروتوكول الصحي واعتماد إجراءات تحد من الضغط والاكتظاظ في المؤسسات الصحية وتحديد المواعيد بدقة في التوقيت وتوزيعها. واتخاذ تدابير تنظيمية ملائمة تمكن المريض من التسجيل وخلاص المعلوم في مكان واحد، دون المرور على عدة صفوف انتظار. 

قد تكون الجائحة عرّت مدى استفادة الدول من المعلوماتية في كل مجالاتها، وأهمها قطاع الصحة إلا أنه عملًا بالمثل القائل: "أن تأتي متأخرًا خير من ألا تأتي أبدًا"، "تعمل وزارة الصحة الآن مع المجتمع المدني لوضع منظومة معلوماتية تمكن مجموعة من الأطباء من متابعة وضع مرضاهم عن بعد"، حسب ما أفادت به مديرة إدارة الرعاية الصحية الأساسية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

نقص توفر الأدوية.. سياسة الموت البطيء في تونس؟

معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"