تخوض 1572 قائمة انتخابية غمار الحملة الانتخابية التشريعية في مختلف الجهات في نسق لازال بطيئًا، خاصة وأنّ الأعين مازالت مشدودة نحو نتائج الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها بعد مرور كل من قيس سعيّد ونبيل القروي إلى الدور الثاني. ويتوقع المتابعون أن تكون لهذه النتائج انعكاسات على الانتخابات التشريعية بإمكانية مواصلة موجة خسارة الأحزاب التقليدية وفوز الأحزاب الصاعدة على رأسها حزب "قلب تونس" وأيضًا القائمات المستقلة ومنها قائمات "عيش تونسي".
تخوض، في الأثناء، عديد الأحزاب غمار السباق التشريعي بنفس البرامج القديمة، إجمالًا، وتقريبًا بنفس المرشحين الذين ظفروا بمناصب في البرلمان، إذا لازالت تراهن الأحزاب على نفس الوجوه التي ربّما تخذلها هذه المرة بعد مفاجأة الانتخابات الرئاسية.
اقرأ/ي أيضًا: التصويت الأبيض في الانتخابات الرئاسية.. رقم لافت في مشهد ضبابي
حركة النهضة.. قديم يتجدّد في كل انتخابات؟
في 30 أوت/آب الماضي، قدّمت حركة النهضة برنامجها الانتخابي للانتخابات التشريعية والرئاسية، وقد أكد خليل العميري منسق البرنامج الانتخابي، في تصريحات إعلامية، أنّ هذا البرنامج تم إعداده خلال أكثر من 8 أشهر، بمشاركة أكثر من 100 خبير من داخل الحركة وخارجها.
وتحدث عن تنظيم 12 ندوة جهوية للاستماع إلى مشاغل الجهات وواقعهم المعيش، والقيام بتشخيص التجربة في الحكم وواقع الدولة التونسية وواقع القطاعات وذلك من أجل وضع الأولويات ليكون البرنامج الانتخابي واقعيًا ويدخل من المداخل ذات الأهمية والأولوية، وفق قوله.
وقد نشرت حركة النهضة برنامجها الانتخابي لتخصّ كلّ جهة ببرنامج خصوصًا في باب التنمية والاستثمار، واعدة كلّ جهة بجملة من الوعود حسب متطلباتها. وفيما تعلّق بالأمن، فقد ذكرت الحركة في برنامجها أنّها سوف تتصدى للفساد وتحقق أمن المواطن والمجتمع بدعم قدرات المؤسستين الأمنية والعسكرية في محاربة الإرهاب والجريمة.
لم تختلف وعود النهضة التي تقدّمها في الانتخابات الحالية عن تلك التي قدّمتها في انتخابات 2014
وفيما يهم الشباب، وعدت حركة النهضة بإنشاء مركبات رياضية وترفيهية بالبلديات مع تيسير تمويل بعث المؤسسات الصغرى، وتسويغ الأراضي الدولية للشباب. كما وعدت بالنهوض بالمرأة الريفية، وبالسيطرة على الأسعار بتأهيل مسالك التوزيع، وتطوير أجهزة الرقابة وإحداث منحة المقدرة الشرائية للفئات الضعيفة والمتوسطة. ووعدت أيضًا بمعالجة ملف الأراضي الاشتراكية ومساعدة الفلاحين وحلّ إشكالية المديونية وتطوير الخدمات العمومية.
لم تختلف وعود النهضة التي تقدّمها في الانتخابات الحالية عن تلك التي قدّمتها في انتخابات 2014. حيث وعدت حينها بالنهوض بأوضاع المرأة الريفية، وبدعم المؤسستين العسكرية والأمنية وتجنيبهما التجاذبات السياسية. كما قدّمت وعودًا بإصلاح الإدارة وإصلاح مجال الاستثمار ودعم البرامج الجهوية للتنمية وإلغاء التفاوت الاجتماعي وضبط آليات الرقابة، وتحسين المقدرة الشرائية، وغيرها من الوعود الأخرى التي لم تتحقق على الرغم من مشاركة حركة النهضة في كلّ الحكومات السابقة، وفوزها بأغلبية المقاعد سواء في المجلس الوطني التأسيسي أو في البرلمان.
اقرأ/ي أيضًا: لقاء حصري مع "رضا لينين" وسنية الشربطي.. من يقف وراء حملة قيس سعيّد؟
وبذلك من جديد، تدخل حركة النهضة معترك السباق الانتخابي بوعود لم تخرج عن دائرة شواغل أغلب المواطنين من تشغيل وصحة وتعليم وتحسين مقدرة شرائية وتنمية جهوية ودفع للاستثمار. كما اختارت خوض غمار السباق بوجوه شاركت في الانتخابات السابقة، بعضهم فاز بمقاعد في البرلمان والبعض الآخر لم يظفر بذلك، على غرار يمينة الزغلامي ونور الدين البحيري ومحمد القوماني ومحرزية العبيدي وعبد اللطيف المكي وغيرهم.
أثار شعار الحملة الانتخابية لحركة النهضة "حان وقت التغيير" موجة من السخرية باعتبار أن الحركة متواجدة في كل الحكومات بعد 2011
ولم تُستثنى الحركة بعد إعلانها عن برنامجها ومرشحيها من موجة نقد وسخرية على مواقع التواصل الاجتماعي لعدّة أسباب، من بينها المشاركة بنفس الوجوه في الانتخابات التشريعية المقبلة ونعتهم بالفاشلين، والسخرية من شعار الحملة الذي يحمل عنوان "حان وقت التغيير"، ليتساءل الناقدون والساخرون عن وقت التغيير، وهل أنّه حان بعد ثمانية سنوات من مشاركة حركة النهضة في مختلف الحكومات السابقة.
حركة نداء تونس.. ماذا عن تحقيق الوعود القديمة؟
حزب نداء تونس الذي فاز بـ86 مقعدًا خلال الانتخابات التشريعية الماضية وكان صاحب أكبر كتلة بالبرلمان، أعلن هو الآخر عن برنامجه الانتخابي الذي تضمن أيضًا وعودًا بدعم الجيش وقوات الأمن وتهيئة المركبات الترفيهية ومركبات الشباب، إلى جانب دعم حقوق المرأة والعمل على تحسين المقدرة الشرائية للمواطن بالضغط على الأسعار، والعمل على معالجة الوضعية المالية بإيجاد حلول للمديونية المفرطة، إضافة إلى العمل على استيعاب خريجي الجامعات للحدّ من هجرة الأدمغة ودفع الاستثمار الخاص، وغيرها من الوعود التي طبعًا لم تختلف عن تلك التي قدّمتها في الانتخابات التشريعية الماضية أو عن تلك التي قدّمها غيرها من الأحزاب.
كما يخوض حزب نداء تونس الانتخابات ببعض الوجوه التي شاركت في الانتخابات الماضية على غرار رضا بلحاج وأنس الحطاب وفاطمة المسدي وغيرهم.
يذكر أنّ النداء قد تدحرج إلى المرتبة الثالثة بالبرلمان بـ41 مقعدًا بعد الانشقاقات التي شهدها الحزب على مدى الخمس سنوات الماضية. كما لم يقدّم الحزب مرشحًا للرئاسية بل اكتفى بدعم المترشح المستقل عبد الكريم الزبيدي الذي حقق المرتبة الرابعة بـ10.7 في المائة.
أحزاب تصارع من أجل استعادة الثقة
بقية الأحزاب التي كانت بارزة في المشهد السياسي على غرار مكونات الجبهة الشعبية وحزب التيار الديمقراطي وغيرها لم تختلف أيضًا وعودها عن بقية الأحزاب ولم تختلف كذلك عمومًا وعودها عمّا قدمته سابقًا، ويبدو أنّها لم تستوعب بعد أنّ الأزمة مع الناخبين ليست أزمة برامج بقدر ما هي أزمة التزام بتلك البرامج. كما لم تستوعب انعدام ثقة المواطنين في أغلب الأحزاب بكلّ مرشحيها خصوصًا من تقلدوا مناصب أو فازوا بمقاعد في البرلمان.
يبدو أنّ الأحزاب لم تستوعب بعد أنّ الأزمة مع الناخبين ليست أزمة برامج بقدر ما هي أزمة التزام بتلك البرامج
وعلى إثر المفاجأة التي أحدثتها الانتخابات الرئاسية تزداد المخاوف اليوم من ارتدادات تلك النتائج على الانتخابات التشريعية بعد أن أربكت نتائج الدورة الأولى حسابات جلّ الأحزاب التي تسعى اليوم على ما يبدو إلى تغيير خطابها ومضامينها السياسية، وربما حتى تفكيرها في تحالفات جديدة واصطفافات حزبية، لاسيما وأنّ رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي حصل على نسبة 7.4 في المائة من الأصوات في الانتخابات الرئاسة، دعا وزير الدفاع عبد الكريم الزبيدي إلى الحوار لتوحيد العائلة الوسطية التقديمة خلال الانتخابات التشريعية.
وقال الشاهد في تصريحات إعلامية إنه يدعو عبد الكريم الزبيدي للجلوس إلى طاولة النقاش قبل الانتخابات التشريعية، لإنقاذ البلاد والنجاح في تشكيل كتلة برلمانية، محذرًا من خطورة دخول الانتخابات التشريعية القادمة بشكل مُشتت.
ويبدو أنّ دعوات الشاهد إلى توحيد العائلة الوسطية هدفه ضمان أغلبية برلمانية مع حلفائه للاستمرار في الحكم. ومحاولة كسب وزير الدفاع وجميع الأحزاب الداعمة له على غرار حركة نداء تونس وحركة مشروع تونس وحزب آفاق تونس والعديد من المستقلين.
ولكن وزير الدفاع، ردّ مهاجمًا رئيس الحكومة، باعتباره من "تسبّب في تأزيم الوضع الاقتصادي وفي تدهور الوضع المعيشي للمواطنين وفي تدمير الحياة السياسية والحزبية" مضيفًا أنه "جزء من المشكل لا يمكن أن يكون جزءًا من الحلّ" وأن "مبادئ الديمقراطية تقتضي منه أن يعترف بفشله وبمسؤوليته ويستقيل من منصبه"، وفق قوله.
صلاح الدين الجورشي: المشكل هو مشكل ثقة في الأحزاب
وأما عن تأثير الانتخابات الرئاسية على الانتخابات التشريعية، يقول المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي لـ"ألترا تونس" أنّها ستؤثر بالفعل على الانتخابات التشريعية وستؤثر خصوصًا على الأحزاب التي فازت سابقًا بأغلبية برلمانية على غرار حركة النهضة ونداء تونس وتحيا تونس، لتفرز الانتخابات فسيفساء جديدة ستفقد فيها العديد من الأحزاب القديمة مكانتها مقابل صعود أحزاب جديدة ومستقلين واختفاء أحزاب أخرى نهائيًا، لتغيب بذلك القوى المركزية المسيطرة على البرلمان".
صلاح الدين الجورشي لـ"ألترا تونس": المشكل هو مشكل ثقة بالأساس في الأحزاب التي كانت ماسكة بالسلطة والتي يعيش بعضها أزمات داخلية كبيرة
على صعيد آخر، أوضح محدّثنا أنّ المشكل هو مشكل ثقة بالأساس في الأحزاب التي كانت ماسكة بالسلطة والتي يعيش بعضها أزمات داخلية كبيرة أثرت حتى على الناخبين، مؤكدًا أنّ العديد من الأحزاب التي فقدت ثقة الناخبين تقدّمت اليوم بنفس المرشحين والحال أنّ المواطنين فقدوا الثقة في العديد من الأحزاب بما في ذلك مرشحيها السابقين. وختم بالقول إنه كان الأجدر البحث عن مرشحين جدد ربما لإعادة كسب ثقة الناخبين من جديد.
اقرأ/ي أيضًا:
بعد نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية.. حركة النهضة إلى أين؟
الدور الأول لرئاسية 2019: ثورة ناعمة تهز كيان المنظومة السياسية القائمة