09-مايو-2023
محامون القايدي

يساهم محامون شبان اليوم في التصدّي لاستهداف الحريات والدفاع عن المعتقلين السياسيين (ياسين القايدي/الأناضول)

تصدّر شباب المحاماة مشهد الدفاع عن القضايا الوطنية والحقوقية في محطات عديدة خلال التاريخ المعاصر في تونس. ومثّلت الجمعية التونسية للمحامين الشبان، التي أسّسها الأستاذ عبد الرحمن الهيلة عام 1970، حاضنة لتأطير مساهمة المحامين الشبان في هذا الجانب، عدا عن الاهتمام بالمسائل المهنية.

تخلّفت الجمعية، في الأثناء، عن مشهد مواجهة النزوع السلطوي بعد 25 جويلية/يوليو 2021 وبالخصوص الانتهاكات والمحاكمات السياسية التي شملت عشرات المحامين، وهو ما عزّز الانقسام صلب الهيئة المديرة.

تخلّفت جمعية المحامين الشبان عن مشهد مواجهة النزوع السلطوي بعد 25 جويلية وبالخصوص الانتهاكات والمحاكمات السياسية التي شملت عشرات المحامين، وهو ما عزّز الانقسام صلبها

ويظلّ الرهان حاليًا بمناسبة تجديد هياكلها، ومع تصاعد استهداف الحريات العامة وإضعاف السلطة القضائية، على استئناف الجمعية لدورها النضالي مستلهمة من إرثها التاريخي. وبغض النظر عن استعادة الجمعية لبوصلتها من عدم ذلك، يساهم محامون شبان اليوم، من مواقع مختلفة، في التصدّي لاستهداف الحريات والدفاع عن المعتقلين السياسيين، وذلك التزامًا بمبادئ المحاماة وقيمها.

  • المحامون الشبان والنضال ضد الاستعمار والاستبداد

عدا ما توفّره المحاماة من فرصة لتجويد القدرة الخطابية وهو عنصر أساسي لكلّ محام شاب يرنو لتصدّر مواقع سياسية، مثّلت رسالتها وهي الدفاع عن المطالب الشعبية من أجل السيادة ورفع الظلم، دافعًا نحو تشكيل الوعي السياسي للمنتمين للمهنة وتحفيز انخراطهم في الحراك النضالي في فترة ما قبل الاستقلال.

مثلّت المحاماة في تونس حاضنة لعديد قادة الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وفي مقدّمتهم الحبيب بورقيبة، وصالح بن يوسف، وأحمد المستيري، وغيرهم

مثلّت المحاماة بذلك حاضنة لعديد قادة الحركة الوطنية في مواجهة الاستعمار الفرنسي، وفي مقدّمتهم الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، وصالح بن يوسف، والبشير صفر، وأحمد المستيري، ومحمد بن للونة وآخرين، والذين ابتدأوا في شبابهم ممارسة المحاماة بعد دراسة الحقوق، وانخرطوا في النضال الوطني بالخصوص من بوّابة الحزب الدستوري الحر. وتعد المهنة، بذلك، خزّانًا للنخبة السياسية الصاعدة وهو ما استمرّ طوال العقود اللاحقة بعد الاستقلال.

وتعدّ الجمعية التونسية للمحامين الشبان التي أسسها محامون في مقدّمتهم الأستاذ عبد الرحمن الهيلة عام 1970، إطارًا لانخراط المحاماة الشابة في القضايا الوطنية والحقوقية، خاصة وقتها في سياق تصاعد تضييق السلطة على الحريات السياسية والمدنية، وبالخصوص ارتفاع الانتهاكات المسجّلة ضد المعارضين. واقتضى الفصل الأول من النظام الأساسي أنّ من بين أهداف الجمعية "العمل على حماية الحريات العامة والفردية للأشخاص ونشر ثقافة حقوق الإنسان" و"الدفاع عن القضايا العادلة".

تعدّ الجمعية التونسية للمحامين الشبان التي أسسها محامون في مقدّمتهم عبد الرحمن الهيلة عام 1970، إطارًا لانخراط المحاماة الشابة في القضايا الوطنية والحقوقية

وفي هذا الجانب، كان الأستاذ عبد الرحمن الهيلة، مؤسس الجمعية، أحد أعضاء فريق الدفاع عن النقابيين إبان أحداث الخميس الأسود عام 1978. كما دافع الأستاذ منصور الشفي، وهو أول رئيس منتخب للجمعية، في عديد المحاكمات السياسية، وهو الذي تولى العمادة في الثمانينيات وعُرف بمواقفه الحقوقية وبالخصوص قبول ترسيمه للقضاة المعزولين من السلطة عام 1985.

وقد تداول على الجمعية، إجمالًا، رؤساء معروفين بحساسيتهم الحقوقية على غرار العميد عبد الرزاق الكيلاني، وشوقي الطبيب، ويوسف الرزقي وعبد الرؤوف العيادي وغيرهم.

 

 

  • جمعية المحامين الشبان بعد 25 جويلية 2021: الخذلان

إثر إعلان رئيس الجمهورية قيس سعيّد التدابير الاستثنائية يوم 25 جويلية/يوليو 2021، أعلنت جمعية المحامين الشبان دعمها لها باعتبارها "استجابة حرفية للطلبات الشعبية" بل حذّرت من التوسط لأي حوارات لـ"إنقاذ الفاشلين والفاسدين"، ليتواءم موقفها مع الهيئة الوطنية للمحامين.

انخراط رئاسة جمعية المحامين الشبان في دعم مسار سعيّد والنكوص عن الدفاع عن الحريات واستهداف السلطة القضائية وأيضًا المحاماة أدى لحالة انقسام حول الجمعية

انخراط رئاسة الجمعية، على وجه الخصوص، في دعم المسار الرئاسي والنكوص عن الدفاع عن الحريات واستهداف السلطة القضائية وأيضًا المحاماة التي تم التخلي عن مكتسباتها الدستورية، أدى لحالة انقسام صلب المكتب التنفيذي عكسته استقالات وتجميد للعضوية.

واعتمدت رئاسة الجمعية أسلوبًا تمييزيًا في إسناد المحامين المحالين في المحاكمات السياسية، إذ تخلّفت عن دعم رئيسها السابق العميد عبد الرزاق الكيلاني الذي اُحيل على القضاء العسكري، ثم عبرت عن دعمها لمهدي زقروبة فيما تُعرف بقضية "المطار" لكن دون دعم سيف الدين مخلوف رغم أنه مُحال في نفس القضية.

اعتمدت رئاسة جمعية المحامين الشبان أسلوبًا تمييزيًا في إسناد المحامين المحالين في المحاكمات السياسية، إذ تخلّفت عن دعم رئيسها السابق العميد عبد الرزاق الكيلاني وعبرت عن دعمها لمهدي زقروبة دون دعم سيف الدين مخلوف رغم أنه مُحال في نفس القضية

هذا التمييز دفع سبعة أعضاء في المكتب التنفيذي لإصدار بيان منفصل عن البيان الممضى باسم رئيس الجمعية في جانفي/يناير 2023 إسنادًا للمحامين المحالين في قضية "المطار" دون تمييز مع دعوتهم إلى "وحدة صف المحامين ضد أي محاولة للتمييز على أساس الأفكار أو الانتماءات".

في خضم استقالة الجمعية عن أداء دورها الحقوقي، وتخلّفها في جملة المحطات النضالية بعد 25 جويلية، انتظمت انتخاباتها، نهاية شهر أفريل/نيسان 2023، التي انتهت إلى تجديد انتخاب رئيسها مع تصعيد عدد من أعضاء المكتب التنفيذي المعروفين بمواقفهم الحقوقية في مقدّمتهم مهدي زقروبة الذي ترشح رغم أنه ملاحق من القضاء العسكري، ليمثّل تصدّره لعدد الأصوات رسالة تضامنية من زملائه.

يطرح السؤال حول مدى مضي جمعية المحامين الشبان مستقبلًا لتصحيح بوصلتها خاصة في ظل تصاعد دائرة استهداف السلطة للحريات وإثارة المحاكمات السياسية التي توسّعت بالخصوص ضد المحامين

وظلّ السؤال حول مدى مضي جمعية المحامين الشبان مستقبلًا لتصحيح بوصلتها خاصة في ظل تصاعد دائرة استهداف السلطة للحريات وإثارة المحاكمات السياسية التي توسّعت بالخصوص ضد المحامين.

 

 

  • استحقاقات المحاماة الشابة في سياق "الانتقال السلطوي"

مثّل تخلّي السلطة السياسية عن دسترة المحاماة في دستور 2022، وإقصائها من عضوية المحكمة الدستورية والمجلس الأعلى المؤقت للقضاء، مؤشرًا على الكلفة التي تكبّدها قطاع المحاماة بعد 25 جويلية 2021، رغم أن العميد السابق إبراهيم بودربالة جيّر نفسه ومن خلفه هيئة المحامين في دعم مستميت للمشروع الرئاسي، بما أفقد "المحاماة الرسمية" دورها الريادي في الانتصار للحريات والمسألة الديمقراطية.

المحامون الشبان، الذي يعدّون مستقبل المهنة، يواجهون متاعب مهنية متعددة في مناخ تنافسي، زادت حاليًا مع مضي السلطة في تقييد الحريات واستهداف المحامين

تصاعد المحاكمات السياسية استثار، في المقابل، هبّة من محامين من تيارات سياسية وأيديولوجية مختلفة، وهو ما جعلهم بدورهم محلّ استهداف من السلطة. في هذا الجانب، تمثل القضية المثارة ضد 14 محاميًا ببنزرت على خلفية دورهم في البحث عن زميلهم نور الدين البحيري إثر اعتقاله تعسفيًا بداية 2022، نموذجًا على الاستهداف الممنهج الذي طال المحامين فيما يتعلق بأداء أعمالهم.

المحامون الشبان، الذي يعدّون مستقبل المهنة، يواجهون متاعب مهنية متعددة في مناخ تنافسي، زادت حاليًا مع مضي السلطة في تقييد الحريات واستهداف المحامين لممارسة أعمالهم دونًا عن حرياتهم العامة، بما يقتضي العمل على استعادة الدور المطلوب من المحاماة الشابة في هذه المرحلة، استلهامًا من ماضيهم النضالي وأدوارهم الطلائعية في الانتصار للحقوق والحريات.