27-ديسمبر-2021

إلى حدّ اليوم ماتزال المرأة التونسية تتعرّض إلى أبشع أنواع العنف من ضمنه العنف الرقمي (صورة توضيحية/ Getty)

مقال رأي

 

في الكثير من الأحيان وأنا أتصفّح مواقع الميديا الاجتماعية تعترضني بعض التّعليقات على شبكات التّواصل مُهينة ومسيئة جدًّا للمرأة وتحطّ من كرامتها. منذ زمن غير بعيد كنت أبحث عن مسكن للكراء، التجأت حينها إلى المواقع الإلكترونية ومجموعات التواصل الاجتماعي وبدأت رحلة بحثي علّني أجد مكانًا آمنًا ومريحًا يناسبني، فصُدمت ببعض التعليقات الذكورية الخادشة للحياء.

اعترضني يومها منشور لفتاة كان يبدو عاديًّا جدًّا. كانت هي الأخرى تبحث عن مسكن وكانت قد أبدت رأيها في موضوع معيّن بكلّ أدب واحترام. ما راعني إلاّ أن تحوّل منشورها إلى جدال حادّ وتعليقات مهينة لا تنمّ سوى عن عقد ذكورية وجهل مرير. ما اضطرّ الفتاة إلى حذف منشورها ومغادرة تلك المجموعة.

تساءلت لوهلة كيف لشخص أن يتجرّد من إنسانيّته ويكون بمثل هذا السّوء ويسمح لنفسه بنشر شرّه وقبحه بصفة مجانية دون مبرّر ودون أن يُعير الذّات الإنسانيّة ومشاعرها أيّ قيمة. لكن سرعان ما تداركت نفسي وعدت إلى واقعي وتذكّرت أنّ هذا الفضاء الرقمي أصبح يعجّ بمثل هذه التصرّفات التي أصبح البعض يستبيحها لنفسه دون رقيب أو سلطة رادعة.

  • العنف ضدّ المرأة: من الفضاء العام الواقعي إلى الفضاء الرّقمي

لم يعد يقتصر العنف على الفضاء العام الواقعي بل توسّع ليشمل الفضاء الرقمي ويخلق بذلك مساحة للتفرقة ورفض الآخر والمسّ من كرامته ومعنوياته، سواء عبر الإساءات اللفظية والعنصرية في التعليقات على شبكات التواصل الاجتماعي أو الرسائل الخاصة أو التنمّر الإلكتروني على المظهر الخارجي أو الابتزاز النفسي والتهديدات.

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الجانب الإيجابي لها، بمثابة الفضاء الخفي الذي يتخذه البعض للمسّ من كرامة المرأة عبر المضايقات الإلكترونيّة التي تتزايد اليوم تلو الآخر

أصبحت وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الجانب الإيجابي لها، بمثابة الفضاء الخفي الذي أصبح يتخذه البعض لممارسة عقدهم الذكورية والمسّ من كرامة المرأة عبر المضايقات الإلكترونيّة التي تتزايد في كل مرّة وتطلق نداء استغاثة وصرخة فزع للحدّ من هذه الظاهرة. فإلى حدّ اليوم ماتزال المرأة التونسية تتعرّض إلى أبشع أنواع العنف من ضمنه العنف الرقمي، وهو ما تثبته مختلف الشهادات التي يقدمها الضحايا لحملة "أنا زادا". وهي حركة نسويّة مستقلة تأسست في 15 أكتوبر/تشرين الأول 2019 على غرار الحملة العالميّة Me too، تهدف إلى التنديد بجرائم التحرّش المسكوت عنها. فتحت هذه الحملة الباب لضحايا العنف لكسر حاجز الصّمت ومشاركة قصصهنّ والتعبير عن آلامهن.

لن أجبركم طبعًا على تصفّح هذه المجموعة على مواقع التّواصل الاجتماعي خشية أن تتأذّوا نفسيًّا، فمن يقرأ قصص الضحايا يُدمى قلبه لشدّة معاناة بعض النساء نتيجة العنف المسلط وقسوة المجتمع عليهنّ نظرًا لتجذّر العقلية الذكورية في مجتمعنا والاستمرار في تبرير أفعال إجرامية والتخفي تحت غطاء ما يسمّونه "العادات والتقاليد".

اقرأ/ي أيضًا: تأثير الجائحة على الصحة النفسية: تطور منسوب العنف المنزلي نحو جرائم أكثر وحشية

شهادات عديدة وموثّقة لضحايا هذا النّوع من العنف تصل مجموعة "أنا زادا" وتكشف عن فظاعات يقترفها الكثيرون في حقّ النساء عبر الفضاء الرّقمي إمّا من خلال تعليقات مهينة وتهديدات صريحة أو التّشهير وتشويه السّمعة أو إرسال صور وفيديوهات خادشة للحياء في غالب الأحيان تكون من مجهولين ودون أدنى مبرّر لسلوكياتهم المُقرفة.

ربّما البعض أصبح يقلقه أن تصدح المرأة بصوتها عاليًا وتدافع عن حقوقها وحريّاتها بكلّ شراسة فلا يجد غير السب والشتم والتفوّه بالبذاءات والتعليقات المُسيئة لشخصها، ويختزلها في كلمة "عورة" أو يحصر دورها في الإنجاب والطّبخ ويراها مجرّد سلعة مشبعة للرّغبات ويتناسى أنّها كيان مستقلّ وإنسان يستحقّ الاحترام والتّقدير.

في المقابل، قد يقف المجتمع ونظرته الدونية للمرأة عائقًا أمام تحرير صوتها والدفاع عن حقوقها ومناهضتها لمختلف أشكال العنف المسلط ضدها. وفق دراسة استطلاعيّة قام بها مركز البحوث والدراسات والتوثيق والإعلام حول المرأة "الكريديف" من خلال اختيار فيسبوك نموذجًا تبيّن أن 89% من النساء تعرّضن ولو لمرة واحدة للعنف الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي و95% منهنّ لا يتوجّهن للقضاء إمّا خوفًا من الهرسلة والتّهديدات ونظرة المجتمع وإمّا جهلًا بالعنف الرقمي ضدهن.

89 % من النساء تعرّضن ولو لمرة واحدة للعنف الرقمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي و95% منهنّ لا يتوجهن للقضاء إمّا خوفًا من الهرسلة والتهديدات ونظرة المجتمع وإمّا جهلًا بالعنف الرقمي ضدهن

وأكدت الدراسة أنّ نسبة العنف الإلكتروني المسلّط ضد النساء في الميديا الاجتماعية بلغت 78% ومصدرها الرجال. وهو ما دفع بمنظمات المجتمع المدني والأطراف الفاعلة في مجال حقوق المرأة إلى التنديد بهذا النوع من العنف من خلال أنشطة وحملات توعوية متنوعة ودراسات لرصد هذه الظاهرة وتفسيرها ومحاولة التصدي لها.

ولنا أن نذكر الحملة الرقمية "العنف الرقمي جريمة حتى هوني يتحاسب" التي أطلقها الكريديف سابقًا بهدف تسليط الضوء على مخاطر هذا النوع الجديد من العنف وتشجيع النساء الضحايا على هدم جدار الصمت والدعوة إلى معالجة هذه الظاهرة إعلاميًّا والتوعية بمخلفاتها النفسية لكن يبدو أنه ما من مجيب.

تتالت الحملات والشعارات المناهضة للعنف ضد المرأة واستمرّت الندوات الرقمية للتوعية من بينها الندوة الافتراضية التي نظمتها المنظمة غير الحكومية "أصوات نساء" بالتعاون مع برنامج "سلامات تونس" للتحسيس بخطورة العنف الإلكتروني وكيفية الحماية منه.

اقرأ/ي أيضًا: حوار| آمنة الميزوني: يجب التغيير من السلوك الرقمي تجاه الأقليات والنساء

دون أن ننسى الحملة الرقمية "خليك آمنة" التي أطلقها الكريديف لتوعية النساء أيضًا بالجرائم الإلكترونية وتفادي خضوعهم إلى الابتزاز الرقمي. ومازالت الندوات الإقليمية إلى حد اليوم متواصلة لدراسة هذه الظاهرة والبحث عن سُبل فعّالة وجذرية لمعالجتها، ففي إطار حملة 16 يومًا من الفعاليات ضد العنف القائم على النوع الاجتماعي لوضع حدّ للعنف ضد النساء، وزيادة الوعي للبقاء بأمان عبر الإنترنت نظّم الكريديف مؤخّرًا بالتعاون مع النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين وبالشراكة مع برنامج سلامات تونس دورة تكوينية بعنوان "الإعلام، العنف السيبرني المسلّط على النساء والسلامة الرقمية" لدعم حقوق النّساء والرّفع من مستوى وعيهنّ بحقوقهنّ والحفاظ على سلامتهنّ المعلوماتية والنفسية.

مبادرات نسوية وحملات توعوية متنوعة أطلقتها منظمات المجتمع المدني كلما ازدادت أرقام العنف الرقمي لتحسيس المرأة بحقوقها وتعزيز معرفتها ببعض الأطر القانونية في محاولة منهم لمجابهة كل أشكال العنف ضدها وحمايتها من آثاره النفسية والاجتماعية التي قد يجهلها البعض.

  • أيّ أثر نفسي واجتماعي للعنف الرقمي؟

قد يعتقد البعض أنّ العنف المسلط داخل الفضاء الإلكتروني يمكن تجاهله ببساطة، وأنّ الإساءة عبر منصات التواصل الاجتماعي أمر طبيعي يمكن تجاوزه، لكن ما قد يجهله الكثير هو أنّ العنف الرقمي يعتبر هو الآخر انتهاكًا لحقوق الإنسان وحق المرأة بصفة خاصة باعتبارها الحلقة الأضعف والأكثر عُرضة لهذا النوع من العنف. وله عواقب وخيمة على صحتها النفسية والاجتماعية وهو ما تؤكده مجموعة من البحوث والدراسات.

قد يعتقد البعض أنّ العنف الرقمي يمكن تجاهله وتجاوزه ببساطة، لكن ما قد يجهله الكثير هو أنّه يعتبر هو الآخر انتهاكًا لحقوق الإنسان وحق المرأة بصفة خاصة باعتبارها الحلقة الأضعف والأكثر عُرضة لهذا النوع من العنف

في هذا السياق يمكن أن نذكر نتائج دراسة استطلاعيّة قامت بها منظمة العفو الدولية في مجموعة من البلدان، رصدت فيها الآثار النفسية للعنف الرقمي من خلال تويتر نموذجًا، أثبتت الدراسة أنّ النساء اللواتي تعرّضن للتحرّش والإساءة على الفضاء الرقمي كنّ أكثر عرضة للإصابة بالتوتر والقلق ونوبات هلع وصلت حدّ الاكتئاب وفقدان الثقة بالنفس، ما أدى إلى تعطيل حياتهنّ. وأوضحن أنّ الإساءة عبر الإنترنت قد تكون أشدّ خطورة من الواقع وقد يمتدّ تأثيرها على نطاق أوسع.

كما تضمنت الدراسة مقابلات مع خبراء في الصحة النفسية أكدوا الأضرار المعنوية الجسيمة للعنف الرقمي الذي يمكن أن يغير بشكل جذري كيفية اندماج المرأة ومشاركتها في الحياة الاجتماعية.

وفي ذات السياق، أظهرت الدراسة الاستطلاعيّة  التي أنجزها الكريديف التأثيرات العميقة للعنف الرقمي على النساء، التي قد تتحوّل إلى اضطرابات نفسية خطيرة يصعب تجاوزها بسهولة خاصة في ظلّ مجتمع محافظ تحكمه عادات وقواعد معيّنة، فبعضهن عانين من مشاكل أسريّة وعدم الشعور بالحماية والأمان ودخلن في حالات خوف وعزلة وقطعن علاقاتهن الاجتماعية، وأخريات عانين من عدم الاستقرار المهني نتيجة تعرضهنّ للهرسلة والابتزاز.

اقرأ/ي أيضًا: عن ثقافة "العيب" و"العار".. أو التطبيع مع العنف

 قد يتناسى البعض أنّ إساءة معاملة المرأة في فضاء الميديا الاجتماعية وبثّ خطاب الكراهية والعنصرية الذكورية قد ينعكس سلبًا على الصحة النفسية والاجتماعية ويجعل بعض النساء يغادرن المجال الافتراضي أو يمتنعن عن التعبير عن أنفسهنّ وآرائهنّ بحريّة خوفًا من التعرض للإيذاء النفسي والتهديد في بعض الأحيان رغم حاجتهنّ الاجتماعية للتواصل والتعبير والمشاركة واستغلال الجانب الإيجابي لوسائل التواصل الرقمي مما ينعكس سلبًا على حياتهنّ الخاصة والمهنية.

لئن حرصت الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني في تونس على حماية حقوق المرأة وحرياتها ونبذ كل أشكال التمييز ومضامين الكراهية ضدها والتوعية بالتأثيرات النفسية والاجتماعية للعنف الرقمي فإنها ما تزال تتعرّض للضغوط الاجتماعية الإلكترونية في عصر "السوشيال ميديا" ما يثير قلقها ويدعوها للتّساؤل في كل مرة هل من سلطة فعلية رادعة؟

  • هل من قانون يحمي المرأة ويجرّم العنف الرقمي ضدها في تونس؟

خطت الهياكل المعنيّة في الدولة خطوات مهمة في إرساء ترسانة من القوانين والتشريعات التي نادت بحماية حقوق الإنسان والقضاء على كل أشكال العنف. فيما يخصّ الفضاء الرقمي يمكن أن نذكر على سبيل المثال الفصل 86 من مجلة الاتصالات الذي يُقرّ بمعاقبة كلّ شخص يسيء لغيره عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

ولمناهضة العنف المسلّط ضد النساء تمّ سنّ القانون عدد 58 لسنة 2017 الذي دخل حيّز التنفيذ منذ 2018 ويرمي إلى مناهضة العنف ضد المرأة من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، والتصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم.

رغم أهمية ما ينصّ عليه القانون 58 لمناهضة العنف ضد المرأة والمبادرات التحسيسية لتوعية النساء بحقوقهن ودعوتهنّ إلى التشكي، لا يوجد نص صريح يُدين ويجرّم بصفة واضحة ودقيقة العنف الرقمي ضد المرأة 

وفي إطار التوعية بأهميّة هذا القانون والدعوة لتطبيقه وتنفيذًا لـ"الاستراتيجية الوطنية لمناهضة العنف ضد المرأة" أطلقت وزارة المرأة والأسرة وكبار السن  بدعم من مجلس أوروبا "حقيبة حقوق النساء ضحايا العنف"، تضمّن كتيبًا عن حقوق النّساء ضحايا العنف بلغة واضحة ومبسّطة ليشمل مختلف الفئات بعنوان "مانيش وحدي" بهدف توعيتهنّ بحقوقهنّ، وعرض قائمة بالجهات المكلّفة الّتي يمكن أن تتعهّد بكلّ امرأة تتعرّض للعنف، إلاّ أنّه لا يوجد إلى حدود هذا اليوم قانون صريح  يجرّم العنف الرّقمي ضدّهنّ.

فرغم أهميّة ما ينصّ عليه القانون 58 والمبادرات التّحسيسيّة لتوعية النساء بحقوقهنّ ودعوتهنّ إلى التشكي ضد العنف المسلّط ضدّهن لا يوجد نص صريح يُدين ويجرّم بصفة واضحة ودقيقة العنف الرقمي ضد المرأة خاصة مع تنامي هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبيّة.

وحتى القانون 58 الذي كان من المفترض أن يحمي المرأة التونسية فإنه لم ينعكس كليًّا على أرض الواقع ومازال يشكو نقائص وصعوبات عديدة في تفعيله. ما دفع الجمعيات ومنظّمات المجتمع المدني إلى تسليط الضوء على العوائق التي تحول دون تطبيقه.

اقرأ/ي أيضًا: كيف اخترقت التكنولوجيا المجال النسوي المغلق؟

وكانت منظّمة "أصوات نساء" قد دعت في بيان لها السلطات المعنية إلى "الالتزام بالشفافية فيما يخص الخطط والميزانيات المرصودة المتعلقة بتفعيل القانون عدد 58 والعمل على أخذ التدابير الوقائيّة اللازمة لحماية فعّالة ضد العنف ومراجعة تكلفة القضايا المتعلّقة بالعنف ضد النساء".

من جهتها، قدّمت الجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات من خلال الاستماع إلى شهادات النساء ضحايا العنف ودراسة الملفات القضائية المتعلقة بهنّ دراسة ميدانيّة بعنوان "نفاذ النساء ضحايا العنف إلى العدالة: الصعوبات والتحديات".

قامت من خلالها بمتابعة وتقييم مدى تطبيق القوانين المتعلّقة بحقوق النساء ضحايا العنف ومدى انخراط السلطة القضائية في التصدي للعنف المسلط ضدهن ومدى نفاذهن إلى العدالة، من خلال رصد أهم الإخلالات التي تحول دون تمتعهنّ بحقوقهن بهدف تحسيس السلطات المعنية بالعراقيل التي تواجهها المرأة ضحية العنف.

وأوضحت الدراسة التحديات التي يضعها القانون عدد 58 من أهمّها ضعف الإمكانيات المادية لتغطية التكاليف المرتبطة بالاستشارة القانونية أو بحقّ الدفاع وتكاليف التقاضي، والتكاليف المرتبطة بالتنقل إلى المحكمة، ورعاية الأطفال، إضافة إلى عدم التمتع بالحق في الإعانة العدلية بصفة آلية وبطء الإجراءات وطول مدة التقاضي.

ما من شكّ أنّ اعتماد سياسة المماطلة والتسويف في تطبيق القانون 58 والتسامح مع مرتكبي العنف جعل من هذا القانون مجرّد حبر على ورق وسهّل خرقه نتيجة ضعف الإرادة السياسيّة في التّعاطي مع ظاهرة العنف بشكل عام

وبناء على ذلك فإنّ مختلف هذه العوامل من شأنها أن تحدّ من قدرات الضحيّة وإمكانياتها في تحمّل أعباء التشكي والتقاضي ويضطرها في بعض الأحيان إلى التنازل والتسليم. لذلك ما من شكّ أنّ اعتماد سياسة المماطلة والتسويف في تطبيق القانون والتسامح مع مرتكبي العنف جعل من هذا القانون مجرّد حبر على ورق وسهّل خرقه نتيجة ضعف الإرادة السياسيّة في التّعاطي مع ظاهرة العنف بشكل عام.

أما العنف الرقمي ضد النساء لا يمكن أن ننكر أبدًا أنّه جزء لا يتجزّأ من العنف كمفهوم عام وشامل لعدة تفرعات أخرى، لكن من المؤسف ألّا يوجد إلى حدود هذا اليوم قانون يجرّم هذا النّوع من العنف المسلّط ضد المرأة أو على الأقلّ يتم القيام بتعديلات جذرية وفعّالة لبعض القوانين المناهضة للعنف كي تتناسب مع السياق الاجتماعي الحالي خاصة ونحن نعيش في عصر سهّل انتهاك الخُصوصية الرقمية.

ومن المهمّ تسهيل الإجراءات المعتمدة للتبليغ عن العنف بكلّ أشكاله، وذلك يرتكز أساسًا على العمل على تطوير الأطر القانونية وتعزيز المنظومة التشريعية لإنصاف المرأة وحمايتها، وضرورة التأكيد أنّ العنف الإلكتروني يُوازي في خطورته العنف المادّي في الواقع، والمتابعة الدورية لمثل هذه القوانين مع مراقبة منفّذيها. إضافة إلى ضرورة تحديد المصطلحات والدلالات التي ينبغي تجريمها بصفة دقيقة، والسّعي المستمر إلى التوعية ودراسة الأسباب الهيكلية لهذه الظاهرة وإيجاد حلول وإصلاحات جذريّة تقوم أساسًا على تغيير العقلية الذكورية السائدة وخلق مجتمع متوازن ومواجهة مختلف التحدّيات التي تواجهها المرأة على أمل أن تُنصف كل امرأة ضحية حاولوا إخراس صوتها...

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"

 

اقرأ/ي أيضًا:

العنف ضد المرأة في تونس.. تمييز أم تسلط ذكوري؟

"وراء كل امرأة عظيمة ولا حدا".. كفوا أيديكم عنها