06-أغسطس-2020

هل عجز قانون القضاء على العنف ضد المرأة في مواجهة هذه الظاهرة المفزعة في المجتمع التونسي؟ (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

من المفارقات أن تحيي تونس اليوم الخميس 13 أوت/أغسطس 2020 عيدها الوطني للمرأة الموافق لذكرى صدور مجلة الأحوال الشخصية يوم 13 أوت/أغسطس 1956، وقد شهدت الفترة الأخيرة تصاعدًا مطردًا لوتيرة الاعتداءات ضد المرأة، ما أثار جدلًا واسعًا وردود أفعال عديدة على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط الحقوقية، ليطرح عديد الحقوقيين تساؤلًا: "متى سيُنهي القانون آفة العنف المسلط على المرأة؟".

حوادث متواترة

في هذا الإطار، جدّت مناوشة، الأربعاء 5 أوت/أغسطس الجاري، بين مواطنة وعون أمن، في تونس العاصمة، عمد إلى جرّها ودفعها محاولًا إرغامها على امتطاء سيارة أمنية بالقوة مما تسبب في تعريتها. وأثارت الحادثة ردود أفعال عديدة تدين استغلال عون الأمن لنفوذه في تسليط قوته على المواطنة.

وفي حادثة شبيهة، تعرّضت محامية، الثلاثاء 04 أوت/أغسطس، بمقر مركز الأمن بالمروج 5، إلى اعتداء بالعنف الشديد من قبل رئيس المركز وأحد الأعوان بعد غلق المكتب عليها، وفق ما جاء في بيان نشرته الهيئة الوطنية للمحامين الأربعاء 05 أوت/أغسطس، مطالبةً وزير الداخلية باتخاذ الإجراءات الإدارية والقانونية اللازمة، والإسراع في اتخاذ القرارات الجزائية بشأن الشكاية المقدّمة في الغرض.

وكان الأسبوعان الأخيران زاخريْن بحوادث العنف المسلط ضد المرأة، فقد تعرضت الفنانة أماني السويسي إلى اعتداء بالعنف المادي واللفظي من قبل متعهد حفلات إثر مطالبتها إياه بمدها بمستحقاتها المادية، وفق شهادتها. كما تعرضت فتاة عاملة بصالون حلاقة ذائع الصيت إلى الاعتداء بالعنف من طرف صاحب الصالون وزوجته. حادثتان أثارتا استنكارًا واسعًا على مواقع التواصل الاجتماعي ودقّتا ناقوس خطر ارتفاع وتيرة العنف المسلط على المرأة بشكل كبير مؤخرًا.

أماني السويسي: متعهد حفلات عنفني (انستغرام)
أماني السويسي: متعهد حفلات عنفني (انستغرام)

وتفاعلت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، مع حادثة اعتداء جنسي على فتاة ذات إعاقة في بث مباشر على إحدى المجموعات بفيسبوك، ونشرت بلاغًا يوم 28 جويلية/يوليو، نبهت فيه من "خطورة ارتفاع منسوب العنف المسلط على النساء والأطفال بشتى أشكاله والذي من شأنه التأثير على استقرار الأسرة والمجتمع ككل والمساس بالأمن والسلم الاجتماعيين"، داعيةً إلى "مزيد تضافر الجهود بين مختلف المتدخلين في مجال مناهضة العنف من هياكل عمومية ومكونات المجتمع المدني الشريكة وإلى الحرص على حسن تفعيل وتطبيق مقتضيات القانون الأساسي عدد 58 لسنة 2017 المؤرخ في 11 أوت 2017 المتعلق بالقضاء على العنف ضد المرأة سواء في جانبه الحمائي أو الزجري بالتصدي لكافة أشكال الإفلات من العقاب وخاصة إذا ما تتعلق الأمر بنساء في حالة استضعاف موجبة لتشديد العقوبة ومراعاة خصوصيات الضحايا لا سيما في حالة الاستضعاف والإعاقة".

الاتحاد الوطني للمرأة التونسية: نستهجن عودة الممارسات العنيفة تجاه النساء أيّامًا قليلة قبيل عيدهنّ الوطنيّ

هذه الحوادث المتكررة بشكل متواتر مؤخرًا، دفعت الاتحاد الوطني للمرأة التونسية إلى إصدار بيان، الأربعاء 05 أوت/أغسطس، استهجن فيه ما وصفه بـ"عودة موجة من الممارسات العنيفة تجاه النساء التونسيات والخطابات المشحونة بالإهانة المجانية والسخرية والتنمر والاعتداء اللفظي والمعنوي والجسدي التي طالت رموزًا من النساء في الحقل السياسي ومحامياتٍ أثناء أداء واجبهن المهني ومبدعات في المجال الثقافي".

وعبر الاتحاد عن تضامنه المطلق مع النساء اللاتي تعرضن إلى العنف المادي والجسدي والعنوي بشكل مجاني" ، مستنكرًا "عودة موجة العنف ضد النساء، قبيل أيام من الاحتفال بعيدهن الوطني وتاريخ إصدار مجلة الأحوال الشخصية، مفخرة كل التونسيين والتونسيات، في محاولة رمزية بائسة للمس من مكتسباتهن"، وفق نص البيان.

كما جاء في بيان الإتحاد الوطني للمرأة التونسية أن "ما صدر عن مختلف الفاعلين من أفعال مادية وما تم التلفظ به من بذاءات يدخل تحت طائلة القانون عدد 58 لسنة 2017"، داعيًا النيابة العمومية إلى "القيام بدورها في ظل ما ينص عليه القانون من إجراءات وآليات تكفل حماية النساء من العنف وتقطع مع التطبيع مع الخطابات العنيفة ضدهن وخاصة منهن الناشطات في الحقل السياسي.

 

 

"قانون للاستعراض والتباهي لا للتطبيق.."

وفي تعليقها على ذلك، نددت منى بحر، الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات"، وهي منظمة نسائية تونسية تهتم بقضايا المرأة بأبعادها الحقوقية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية، باستمرار ظاهرة العنف ضد المرأة الموجودة من قبل "والتي ارتفعت وتيرتها بشكل كبير مؤخرًا، ونحن في تونس دولة القانون بعد 9 سنوات على الثورة" وفق قولها.

وأضافت بحر، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أن من الملاحظ في الفترات الأخيرة تسجيل حوادث اعتداء بالعنف على نساء من مختلف الفئات الاجتماعية؛ فنجد المحامية، والفنانة، والحرفية، والحلاقة إلخ، مشيرة إلى أن "العنف ليس مرتبطًا بفئة دون أخرى"، وفق تعبيرها.

"نحن كجمعية نسائية نستنكر وندين بشدة تواصل هذه الممارسات، لا سيّما وأننا في تونس كان لنا فخر إصدار القانون عدد 58 لسنة 2017 حول القضاء على العنف ضد المرأة"، تقول المسؤولة بالجمعية مستدركة أنه "رغم القوانين الداعمة للمرأة والبيانات التي تصدر عن المنظمات والجمعيات بشكل دائم للتذكير بضرورة وضع حد للعنف المسلط عليها، فإن نسبة العنف ارتفعت في المقابل، وقد تفاجأنا بالنسبة المسجلة خلال فترة الحجر الصحي الشامل التي تضاعفت تقريبا سبع مرات وفق بيانات لوزارة المرأة".

منى بحر: إصدار القانون المناهض للعنف ضدّ المرأة لم تكن الغاية منه التباهي والاستعراض بين الأمم

ولفتت الكاتبة العامة لجمعية "تونسيات" أن المجتمع المدني من منظمات وجمعيات ما انفك ينظم حملات توعوية ولقاءات وندوات وغيرها من الأنشطة بهدف التقليص من نسبة العنف المسلط ضد المرأة، مستطردةً القول إن ماراعها أن وتيرة العنف ارتفعت بشكل علني وصريح وكأن القائمين بالعنف باتوا لا يخشون القانون، حسب تقديرها.

وتساءلت منى بحر، في هذا الصدد، عن مدى تطبيق القانون في مثل هذه القضايا في تونس، مشددةً على أن إصدار القانون المناهض للعنف ضد المرأة لم تكن الغاية منه التباهي والاستعراض بين الأمم  ثم يظل فيما بعد حبرًا على ورق دون تطبيقه على أرض الواقع، وفق تعبيرها.

يُذكر أن الفصل الأول من القانون المذكور ينص أنه "يهدف إلى وضع التدابير الكفيلة بالقضاء على كل أشكال العنف ضد المرأة القائم على أساس التمييز بين الجنسين من أجل تحقيق المساواة واحترام الكرامة الإنسانية، وذلك باتباع مقاربة شاملة تقوم على التصدي لمختلف أشكاله بالوقاية وتتبع مرتكبيه ومعاقبتهم وحماية الضحايا والتعهد بهم."

"خطاب المؤثّرين أصل المشكلة"

من جانبها، اعتبرت رئيسة لجنة الحقوق الفردية والمساواة (لجنة كوّنها رئيس الجمهورية السابق الباجي قائد السبسي) والناشطة الحقوقية بشرى بالحاج حميدة، في تصريح لـ"الترا تونس"، أن "ظاهرة العنف ضد المرأة ليست بالظاهرة الجديدة بل هي موجودة منذ عشرات السنين، لكن مناخ الحريات هو الذي أتاح فرصة الحديث عنها في العلن".

بشرى بلحاج حميدة: الظاهرة اليوم باتت مخيفة ومفزعة، ولا أرى أيّ مساعٍ جدّيّة لتشخيص الأزمة وإيجاد حلول لها

وتابعت بلحاج حميدة القول إن المجتمع التونسي عامة يُبطن عنفًا مكبوتًا انفجر بشكل ملفت، مشيرةً إلى أن مسؤولية وضع حد لذلك تقع على عاتق الجميع من مجتمع مدني وحقوقيين ومفكرين وإعلاميين وسياسيين، وفق تقديرها، مستدركةً في هذا الصدد أن السياسيين بحد ذاتهم يمارسون باستمرار العنف اللفظي وفي بعض الأحيان العنف الجسدي، دون إدراك منهم بأنهم يساهمون بنسبة كبيرة في التأثير على المجتمع سلبيًّا.

"الظاهرة اليوم باتت مخيفة ومفزعة، ولا أرى أي مساعٍ جدية لتشخيص الأزمة وإيجاد حلول لها" تقول الحقوقية، مستدركةً أن على الجميع السعي لخلق ساحة تعايش سلمي تضم الجميع بعيدًا عن الاعتداءات على الآخر، تحت سقف قانون مفعّل على أرض الواقع.

بلحاج حميدة: خطاب السياسيين يساهم في توليد العنف لدى التونسيين (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

وأكد بلحاج حميدة أنه "يوجد تحسّن على المستوى القانوني، إذ أصبحت المحاكم تتخذ إجراءات للحماية، وأصبح لدينا مراكز للعنف الأسري، ومراكز استقبال للنساء ضحايا العنف"، مشيرةً، في المقابل، إلى أن ما ينقص اليوم في تونس هو "الوقاية". وتوعز المحامية ذلك إلى نوعية الخطاب الذي تبثه الشخصيات المؤثرة اليوم إلى التونسيين، مشددة على ضرورة اعتماد "الخطاب الهادئ والرصين الذي يحث على التأني والتخمين بحكمة بدل الانسياق خلف التحمس والتهجم اللامشروط"، وفق تقديرها.

من "ظاهرة" إلى "ثقافة"              

ومن المنظور السوسيولوجي، يرى الباحث في علم الاجتماع سامي نصر أن العنف ضد المرأة ظاهرة قديمة ومتواصلة بنسق مرتفع وملفت للانتباه بشكل كبير.

ويقول نصر، في تصريح لـ"ألترا تونس"، إن العنف يمر بثلاثة مراحل: يمكن أن يكون في مرحلة أولى مجرّد فعل وردّ فعل ، وإذا ما لقيَ مغذيات ومشجعات وسكوتًا عنه يتطور وينتقل إلى مرحلة "الظاهرة الاجتماعية"، والظاهرة في حد ذاتها إذا ما وجدت أرضية ملائمة تتطور لتصبح "ثقافة" وهي أخطر مرحلة.

سامي نصر: العنف في تونس أصبح ثقافة وعقلية

واعتبر، في هذا الصدد، أننا اليوم في تونس وصلنا إلى مرحلة اعتماد العنف كـ"ثقافة" و"عقلية" تسيطر على المجتمع، مشيرًا إلى أن هناك العنف الانفعالي، والعنف التعبيري ، ثم العنف الوسيلي وهو أخطر أنواع العنف، إذ يصبح معتمدًا كوسيلة لتحقيق غاية.

ولفت الباحث السوسيولوجي إلى أن العنف ضد المرأة يرتبط بالعقلية الذكورية المسيطرة على المجتمع التونسي، موضحًا أن الفكر السائد يقول إن "المرأة لا تفهم إلا بالضرب"، فضلًا عن استبطان النظرة المُحتقِرة للمرأة، والأهم من كل ذلك نظرة الاستضعاف التي يُنظر بها إليها، حسب تقديره.

وأكد سامي نصر، في السياق ذاته، أن المرأة تُمارَس عليها كل أنواع العنف؛ سواء الانفعالي، أو التعبيري، أو الوسيلي، مُرجعًا ذلك إلى المخلفات النفسية التي ولدتها الضغوط الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تعيش على وقعها تونس والتي خلفت لدى التونسي شحنة عنفية مكبوتة يبحث عن تفجيرها في الحلقة الأضعف، مشيرًا إلى أن "الحلقة الأضعف" في منظور المجتمع هي "المرأة".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

تضاعف بأكثر من 7 مرات: نساء يقبعن تحت وطأة العنف وتجاهل السلطات

‎أمر حكومي لإحداث مرصد وطني لمناهضة العنف ضد المرأة