08-مارس-2019

لا يمكن لأي كان أن ينكر حصول تقدّم بسيط في مجال حقوق المرأة في تونس (فتحي بلعيد/ أ ف ب)

 

مقال رأي

 

"وراء كلّ امرأة عظيمة.. ولا حدا.. هيك الله خلقها عظيمة.. ضروري يكون في حدا وراها؟". تراودني هذه العبارة منذ أن استيقظت هذا الصباح وتابعت ما يُنشر على مختلف مواقع التواصل الاجتماعي وبعض المواقع الإلكترونية.

الجميع سيبارك المرأة اليوم والعديد سيبحثون عن مفردات جميلة ومهذبة يحيي بها كلّ ما تقوم به من مجهودات يومية. في المقابل، البعض الآخر سينتقد، وقد يذهب به الأمر إلى حدّ الشتم أو التحقير من شأن كلّ من تخوّل له نفسه أن يهنئ المرأة، متعللًا إما بتردي الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية أو بأسباب دينية، أو بخلفيات ذكورية بحتة.

تضاعفت التحديات التي تواجه المرأة وتشدّها إلى الخلف في مسار تحرّرها نظرًا إلى تضخم هيمنة العقلية الذكورية

اقرأ/ي أيضًا: كفى تطبيعًا مع التفاهة والرداءة

الشغل الشاغل لمواقع التواصل الاجتماعي سيكون اليوم "المرأة"، التي سيطغى حضورها على كلّ النقاشات والتعليقات الافتراضية، وهذا أمر طبيعي اعتدنا حصوله في تونس عند كلّ مناسبة تحتفي بالمرأة، وليس من المتوقع أن يشذّ تاريخ 8 مارس/ آذار عن القاعدة، فاليوم العالمي للمرأة هو فرصة ثمينة للسياسيين لالتقاط صور مع نساء عاملات في أي مجال كان، ومناسبة لا يمكن تفويتها لكلّ من استهوته المتاجرة بالقضايا العادلة، مهما كان نوعها، فضلًا عن كونه قد يمثّل مدخلًا لمن يرغب في إغواء امرأة، أو ربما مجموعة من النساء، لتقع أو يقعن في شباكه باعتباره عاشقًا محبًا للمرأة ومتبنيًا ومدافعًا شرسًا عن قضاياها.

إزاء كلّ هذه الفوضى السنوية، أو بالأحرى المناسبتية، حريّ بنا أن نتوقف قليلًا وأن نتراجع بعض الخطوات إلى الوراء، وربما نغلق حواسيبنا أو هواتفنا الجوالة، هروبًا من الغوغاء الافتراضية، ونفكّر قليلًا في وضعية المرأة، ليكن هذا اليوم مناسبة حقيقية لمحاولة إحداث تغيير، ولو بسيط، في واقع المرأة عمومًا والتونسية خصوصًا، وهو الهدف الذي أعتقد أن اليوم العالمي للمرأة قد أوجد من أجله.

لا يمكن لأي كان أن ينكر حصول تقدّم بسيط في مجال حقوق المرأة في تونس، خاصة بعد المصادقة على قانون مناهضة العنف ضدّ المرأة، ومصادقة تونس على بروتوكول الميثاق الإفريقي لحقوق الإنسان والشعوب بشأن حقوق المرأة في أفريقيا والذي يفرض المساواة في الإرث بين الجنسين، فضلًا على إحالة مشروع قانون يتعلّق بإتمام مجلّة الأحوال الشخصية ينصّ على إضافة باب سابع مكرّر تحت عنوان "أحكام تتعلّق بالتساوي في الميراث" للكتاب التاسع من مجلّة الأحوال الشخصية.

ولكن هذه التشريعات، على أهميتها، مازالت في جلّها حبرًا على ورق، فعلى سبيل المثال لم يتمّ إلى اليوم تحديد أو رصد ميزانية لتطبيق قانون القضاء على العنف ضدّ المرأة، ولم يقع وضع آليات لتنفيذ بنوده على أرض الواقع. ومازالت حالات الاعتداء على النساء تمرّ دون عقاب، الأمر الذي يشعر المعتدين بالحماية ليواصلوا انتهاكاتهم دون أي خوف أو تردّد.

أثبتت دراسة قام بها مكتب إدماج المرأة اقتصاديًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن المرأة مطالبة بالعمل سنة و37 يومًا حتى تحقق المساواة في الأجر السنوي مع الرجل

علاوة على ذلك، تضاعفت التحديات التي تواجه المرأة وتشدّها إلى الخلف في مسار تحرّرها نظرًا إلى تضخم هيمنة العقلية الذكورية التي تتجلّى معالمها بكلّ فخر في مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام وبشكل خاص القنوات التلفزية التي لم تقدّم شيئًا خلال السنوات الأخيرة إلا ترسيخ العقلية الذكورية والاستخفاف بقضايا العنف المسلّط على المرأة وإظهارها في صورة مشينة وتعزيز الأحكام المسبقة السلبية عنها، وذلك عبر برامج تدعي أنها ترفيهية لم تجد سبيلًا لإضحاك المشاهدين وجذبهم واستقطابهم إلا من خلال السخرية بابتذال من المرأة ومن الأقليات في المجتمع التونسي.

كلّ هذا في ظلّ غياب الوعي المجتمعي الضروري لمجابهة مثل هذه الممارسات التي هي في الواقع تعكس عقلية جلّ الشعب التونسي، ولكن الأهم في ظلّ غياب أي دور رقابي من شأنه أن يحدّ من هذه الإخلالات التي تمسّ من المرأة وصورتها كإنسان له حقوقه وحرياته وكرامته المكفولة في الدستور وفي المواثيق الدولية.

كذلك، مازالت الفجوة بين المرأة والرجل في العمل شاسعة جدًا، فعلى صعيد عالمي وبحسب منظمة العمل الدولية يقلّ أجر المرأة بنسبة 20 في المائة عن أجر الرجل. أما في تونس أثبتت دراسة قام بها مكتب إدماج المرأة اقتصاديًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أن المرأة مطالبة بالعمل سنة و37 يومًا حتى تحقق المساواة في الأجر السنوي مع الرجل. كما تكون المرأة عادة عرضة للتشغيل غير الرسمي الذي يفتقر إلى الحماية الاجتماعية، ولعلّ النساء العاملات في قطاع الفلاحة أكبر دليل على ذلك، مقابل أجر لا يكاد يلبي احتياجاتهم الأساسية اليومية.

اقرأ/ي أيضًا: الإعلام التلفزي.. إيهام بالتفكير وتسيّد المبتذل

كان الأجدى بالمسؤولين الحكوميين والسياسيين الباحثين عن البروز كمدافعين عن المرأة أن يكرّسوا وجود المرأة في المواقع القيادية في الدولة والأحزاب السياسية

الأمر لن يتوقف هنا، فالمبادرة الرئاسية المتعلّقة بالمساواة بالإرث، والتي على أهميتها جاءت منقوصة، لاقت – للأسف – رفضًا كبيرًا من شرائح هامة من المجتمع التونسي – وهو أمر ليس مستغربًا كثيرًا في مجتمع تونسي متأصل في ازدواجيته -. فمجتمعنا العزيز لا إشكال لديه في امرأة تعمل وتفني حياتها لإعالة عائلتها، وبل وقد تمكّن بعملها وحسن تدبيرها، والدها أو زوجها من شراء منزل يأويهم، لتفاجأ في نهاية الأمر بحرمانها من حقها في الميراث أو الحصول على جزء بسيط منه، رغم أنها هي من عمل لتجميعه. ولكن هذا المجتمع ذاته سيستنكر ويرفض ويكشّر عن أنيابه إذا فكّرت هذه المرأة في المطالبة بحقّها الشرعي في الإرث، والشرعي هنا لا نقصد به الديني، بل ما يجب أن يفرضه القانون والمنطق.

فالرافضون لمبدإ المساواة في الإرث يتعلّلون بالدين ويرفضون المسّ من "أحكام" الله وشرعه، وكثيرون هم حرّاس المعبد الذين سيجدون عشرات التعلّات الدينية لرفض المساواة، وإن كان أغلبهم أو جلّهم جاهلًا بأبسط تعاليم الدين وغير قارئين للقرآن، كما أن عددًا كبيرًا منهم لا إشكال لديه في ممارسة ما يجب أن يكون وفق منطقه عيبًا وحرامًا. فكأن كلّ المحرّمات والممنوعات تسقط أمامهم بتعلّة أن "الله غفور رحيم"، إلا كلّ ما يتعلّق بالمرأة بما فيها المساواة في الميراث.

بالإضافة إلى ذلك، تشكو مجلّة الأحوال الشخصية هنات عديدة أخرى تقرّ التمييز بين المرأة والرجل، على غرار فصول تنصّ على عدم قدرة المرأة على منح جنسيتها لزوجها غير التونسي على عكس الرجل التونسي الذي يمنح الجنسية التونسية لزوجته الأجنبية آليًا، كما أن عائلة زوج المرأة غير التونسي لا يمكن أن تزورهم إلا بإعلام السلطات على عكس ما يحدث بالنسبة للرجل التونسي المتزوج من أجنبية.

عديدة هي الاعتداءات والانتهاكات التي تختلف أنواعها، سواء كانت على الصعيد الاقتصادي أو الاجتماعي أو الجنسي أو النفسي أو المعنوي، التي مازالت تطال المرأة التونسية رغم كلّ التقدم الذي تحقّق في هذا المجال، والتي إلى اليوم تبقى دون حسيب أو رقيب لمرتكبيها.

كفوا أيديكم عن المرأة ودعوها تعيش عظمتها وتصنع مجدها وتفتكّ حقوقها فهي لم تكن يومًا بحاجة إلى أحد

وفي الوقت الذي تطغو فيه رسائل التهنئة والمباركة والمدح، من قبيل "نساء بلادي نساء ونصف" و"المرأة وطن" و"المرأة نصف الحياة" وغيرها من الشعارات الرنانة التي باتت مملّة وفقدت قيمتها ودلالاتها في ظلّ تكرارها خلال كلّ مناسبة وطنية أو دولية، في مواقع التواصل الاجتماعي، كان بالأحرى لكلّ هؤلاء المتشدقين بحقوق المرأة أن يكرّسوا مجهوداتهم بشكل يومي لمجابهة كل ما يعترض المرأة من تمييز وانتهاك واعتداء. كان حريًا بهم أن يظافروا جهودهم دفاعًا عن المساواة التامة بين المرأة والرجل في كلّ المجالات فعلًا لا قولًا.

وكان الأجدى بالمسؤولين الحكوميين والسياسيين الباحثين عن البروز كمدافعين عن المرأة أن يكرّسوا وجود المرأة في المواقع القيادية في الدولة والأحزاب السياسية، كان حريًا بهم أن يبحثوا عن آليات فعلية تطبّق من خلالها القوانين والتشريعات التي تحمي المرأة وتصون حقوقها وحرياتها.

المرأة عظيمة فعلًا، فهي تبحث عن ذاتها وتنجح في مسارها المهني أو الاجتماعي وتبني نفسها بنفسها، وذلك بوجود عديد العراقيل والأيادي التي تحاول شدّها إلى الوراء بشتى السبل وتحت مختلف التعلّات، المرأة عظيمة فعلًا وهي لا تحتاج أحدًا وراءها لتكون عظيمة.. ولذلك إذا لم تكن لكم نية الوقوف إلى جانبها فعلًا والإيمان بقدراتها وبإنسانيتها، فاصمتوا قليلًا وكفوا أيديكم عن المرأة ودعوها تعيش عظمتها وتصنع مجدها وتفتكّ حقوقها، فهي لم تكن يومًا بحاجة إلى أحد.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن الجسد والحب والجنس.. الثالوث المحرّم

حين تطبّع وسائل الإعلام التونسية مع الذكورية..