تناولنا في الجزء السابق مفهوم "حقبة ما بعد الحقيقة" الذي يسعى إلى توصيف سياق جديد خاصة في المجتمعات الديمقراطية، حيث تعاظم دور المشاعر والأهواء على حساب الاحتكام إلى الوقائع في فهم الأحداث وفي تشكيل الآراء السياسية. وقد بيّنا أن الانتقال الديمقراطي في تونس يتسم أيضًا بطغيان حالات "الهلع الهوياتي" و"الهلع المعنوي" المتصلة بالاستقطاب الإيديولوجي والسياسي. لا ينقسم التونسيون حول الحكم على الوقائع فحسب بل أيضًا حول طبيعة الوقائع ذاتها، هكذا نلاحظ أن البعض يعيش في عالم خاص مؤثث بآراء وانطباعات وأحداث تتجسد أحيانًا في حالات من البارانويا تكاد تتحول إلى أسلوب سياسي.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة التونسية في "عصر ما بعد الحقيقة".. الهلع (3/1)
لقد انتهى عصر السردية الواحدة التي تفرضها السلطة السياسية فصرنا نعيش في سياق جديد تتصارع فيه السرديات السياسية والهوياتية والاجتماعية ويسعى الجميع إلى فرض حقائقه على الجميع. إن السؤال الآن: ما هو دور الصحافة التونسية في "حقبة ما بعد الحقيقة"؟ حيث أصبحت الوقائع موضوعًا لصراعات لا حصر لها يتنازع عليها أفراد وقوى سياسية وإيديولوجية ومؤسسات في الميديا الاجتماعية تسعى كلها ليس فقط إلى فرض تأويل مخصوص للواقع بل كذلك إلى فرض واقع عبر إستراتيجيات مختلفة: إخفاء الوقائع أو تزويرها أو التلاعب بها.
تموت الصحافة ثم تحيا من جديد
يتصوّر مايكل شودسون في كتابه "سلطة الميديا" سيناريو يصبح فيه السياسيون والفاعلون الاجتماعيون وكل المؤسّسات تتصل بشكل مباشر عبر الإنترنت بالمواطنين دون وساطة الصحافة والصحفيين، لكن تنشأ عن هذه الحالة حاجة لدى المواطنين إلى من يساعدهم على تنظيم كل هذه المعلومات وتفسيرها وفهمها وترتيبها والتحري ما يؤكد أن الصحافة مؤسسة أساسية في الحياة الديمقراطية.
هكذا مع تنامي الميديا الاجتماعية تنامى خطاب يبشّر بصحافة المواطن التي يمارسها الناس بفضل ما تتيحه لهم التكنولوجيا من فرص للتعبير عن أرائهم أو كشاهد عيان على الأحداث، لكن ما حصل هو عكس ذلك تقريبًا. لم تتحقق نبوءة الصحفي المواطن المنتج للمعلومات المنافس للصحفي لأن الميديا الاجتماعية تحولت إلى فضاء الأخبار الكاذبة والدعاية وللتضليل مما ساهم بشكل غير منتظر إلى ظهور الحاجة للصحافة وإعادة إحياء أدوارها ولإعادة الاعتبار للصحفي.
إن التحوّل الرئيسي الذي طرأ على مهنة الصحافة في السنوات الأخيرة هو بلا أدنى شك بوادر إعادة إحياء الوظيفة الرئيسية للصحافة أي التحرّي
إن التحوّل الرئيسي الذي طرأ على المهنة كونيًا في السنوات الأخيرة هو بلا أدنى شك بوادر إعادة إحياء الوظيفة الرئيسية للصحافة أي التحري عبر تزويد المواطنين بالأخبار الموثوقة بما أنها معرفة أساسية يحتاجها المواطن حتى يكون فاعلًا مشاركًا في الحياة السياسية. هكذا تتمثل المفارقة في أن الميديا الاجتماعية ساهمت بشكل غير مباشر في ظهور الوعي بأهمية الصحافة إزاء تنامي الأخبار الكاذبة وفوضى الوقائع.
التحرّي.. جوهر الصحافة والمنهجية الصحفية
في صيغتها المثلى والنموذجية، الصحافة هي نوع من المعرفة بالواقع والوقائع يقوم على التحرّي. وقد فصّلت مهنة الصحافة في مواثيقها الأخلاقية والمهنية المتعددة مبدأ التحري حتى أنها جعلت منه جوهر المنهجية الصحفية وما يميزها عن الدعاية. فالصحفي يقوم بتنويع المصادر ويعتمد الشفافية إذ يعلم القارئ بمصادره باستثناء حالات بعينها (عندما يتعرض المصدر إلى مخاطر مثلًا). كما أن الصحفي الجدير بالمهنة هو الذي يمتنع عن نقل الوقائع التي لا يعلم منشأها كما ينصّ على ذلك ميثاق الاتحاد الدولي للصحفيين.
فصّلت مهنة الصحافة في مواثيقها الأخلاقية والمهنية المتعددة مبدأ التحري حتى أنها جعلت منه جوهر المنهجية الصحفية
ويعرّف الميثاق الأخلاقي لنقابة الصحفيين الفرنسيين الصحافة بأنها تقوم على البحث عن المعلومات والتحقق منها وإدراجها في سياقها. كما يؤكد على أن ضغط الوقت التي يتسم به العمل الصحفي لا يمكن أن يشفع له عند ارتكاب الأخطاء. ومن المبادئ الأساسية التي يعتمدها الصحفيون أنهم لا يعتمدون فقط على مصدر واحد بل على مصدرين على الأقل من أجل تقاطع المعلومات (Croisement de l’information) للتحقق منها.
وقد أكدت بعض المواثيق التحريرية لمؤسسات صحفية تونسية على مبدأ التحري، فالميثاق التحريري لإذاعة "الديوان أف أم" يؤكد على أن الصحفيين يتحرّون "في المعلومات التي يحصلون عليها من المصادر المختلفة ويعالجونها وفق المنهجية الصحفية الصارمة احترامًا لحق الجمهور في أخبار موثوقة ولا ينقلون الإشعاعات والمعلومات عن مصادر غير جديرة بالثقة حتى لا يتحولوا إلى وسيلة يتم تتلاعب بها للتأثير في الرأي العام"، وكذلك البند 11 من الميثاق التحريري لإذاعة "موزاييك أف أم" عبر التنصيص على "مبدأ التحري في الأخبار وأصالتها".
التحري في الوقائع.. الوظيفة الجديدة للصحافة
يجب التمييز أولًا بين تقنيات التحري والتدقيق التي يعتمدها الصحفيون أثناء عملية البحث عن المعلومات وجمعها لتحويلها إلى أخبار وبين صحافة "التحري في الوقائع" (Facts checking journalism). تقوم هذه الصحافة الجديدة بدورين أساسين: أولًا التحري في الأخبار الكاذبة وفي الصور والمعلومات والفيديوهات المتداولة في فضاءات الميديا الاجتماعية من جهة أولى، والتحري في تصريحات الفاعلين السياسيين والفاعلين في الحياة والعامة (نقابيين، مجتمع مدني إلخ) من جهة ثانية.
اقرأ/ي أيضًا: الصحافة التونسية أمام امتحان "الشعبوية"
هكذا تمثل صحافة "التحري في الوقائع" نوعًا صحفيًا جديدًا في طور التشكل يقوم على التحري في المعلومات والأخبار والتصريحات (نصوص، فيديوهات أو مواد صوتية) المتداولة في المجال العمومي وفي الميديا بشكل عام. ويمكن كذلك أن ندرج في صحافة التحقق من الوقائع صحافة البيانات (Data Journalism) وكل الأعمال الصحفية المتصلة بما يسمّى "Contextualisation" أي إدراج المعلومات والوقائع في سياقاتها وإعطاء القارئ المعطيات والمعلومات التي تتيح له فهم شامل وعميق للوقائع.
تمثل صحافة "التحري في الوقائع" نوعًا صحفيًا جديدًا في طور التشكل
وتقوم فلسفة صحافة "التحري في الوقائع" على أن الصحفي في خدمة حقّ القارئ في أخبار موثوقة بواسطة منهجية صارمة ولهذا فإنها لا تقبل أن يعبر الصحفي عن آراء وانطباعات أو تخمينات أو مواقف بل هو يتثبت في الوقائع وفي صحتها. كما يتعامل الصحفي مع كل الأخبار الزائفة والتصريحات بشكل لا يمارس فيه التحري لصالح جهة على حساب جهة أخرى، فلا يجب أن يركز على تيار معين على حساب تيار آخر حتى لا يفقد مصداقيته.
تقتضي صحافة التحرّي من الصحفي الحياد والموضوعية وتوخي الحقيقة كمرجعية أساسي، فصحافة التحري ملتزمة بالسعي الكامل للبحث عن الحقيقة حتى يتمكن الجمهور من الحكم على الوقائع بشكل عقلاني. ويلتزم الصحفي الذي يتحرى في مصداقية الأخبار وفي الوقائع بالتواضع ولا يسعى إلى الظهور بمظهر مالك الحقيقة. كما يبتعد في اختيار المواضيع التي يشتغل عنها عن الأهواء الإيديولوجية والسياسية. وفي المقابل، يسعى الصحفي إلى التركيز على القضايا التي تشغل الناس، ففي الولايات المتحدة مثلّا يركز الصحفيون على قضايا البيئة بسبب الصراعات الأيديولوجية حول هذه المسألة، وفي فرنسا يركز الصحفيون على الأخبار المتصلة بالهجرة ونظريات المؤامرة.
وقد تأسست صحافة التحري على منهجية صحفية جديدة أو هي تعلي من شأن بعض المبادئ الدائمة في المنهجية الصحفية. وفي هذا الإطار، تأسست الشبكة الدولية لصحافة التحري (The International Fact-Checking Network) وتم إرساء يوم عالمي لهذا النوع من الصحافة.
2 أفريل من كل عام هو اليوم العالمي لصحافة التحري
يؤكد ميثاق الشبكة على عدد من الالتزامات الأخلاقية والمهنية على غرار شفافية المصادر والمنهجية المعتمدة في التحقيق والتمويل، إذ يفصح الصحفي دائمًا على مصادره ولا يستعمل المصادر المجهولة الاسم "Sources anonymes" لأن في ذلك حدّا من مصداقية عمليّة التحري، كما يسعى الصحفي كذلك إلى بيان المنهجية التي أعتمدها في تقريره تأكيدًا لمصداقية عمله.
تجمع "الشبكة الدولة لصحافة التحري في الوقائع" عشرات المؤسّسات الصحفية من أوروبا وإفريقيا وأمريكا باستثناء العالم العربي. وتجسدت صحافة التحري في مبادرات متعددة طوّرتها أهمّ الصحف والمؤسّسات العالمية أو حتى مؤسّسات أكاديمية. ويمكن في هذا الإطار أن نذكر منها على وجه الخصوص منصة "Check News" التي طورتها الصحيفة الفرنسية "ليبيراسيون" والتي تتمثل في محرك بحث "إنساني" يديره صحفيون، يطرح القراء عبره أسئلة تتصل بالتثبت في الوقائع أو في الأخبار المتداولة أو بمسائل تستحق التفسير، ثم يجيب الصحفيون عن هذه الأسئلة في شكل مقالات.
اقرأ/ي أيضًا: الأخبار الكاذبة Fake News.. خطر يهدّد انتخابات 2019
كما شكلت صحفية "لوموند" هيئة تحريرية متخصصة (Les décodeurs) في التحري في الوقائع طورت عدة أجناس صحفية على غرار التقارير التفسيرية وصحافة البيانات إضافة إلى التحري في الصور والفيديوهات.
ومن أهم المبادرات الأمريكية منصة "Fact Checker" التي طورتها صحيفة "واشنطن بوست"، ويعمل الصحفيون في هذه المنصة على التحري بطريقة محايدة وموضعية في تصريحات السياسيين بالتحقيق في صدقيتها وواقعيتها. هكذا دشنت صحيفة "واشنطن بوست" دورًا جديدًا للصحافة قاطعة مع أسلوب النقل حتى لا يكون الصحفي مجرد واسطة بين السياسيين والجمهور. واعتمدت الجريدة معيارًا للحكم على مصداقية السياسيين بإسناد عدد من العلامات في شكل "بينوكيو" للتصريحات الكاذبة. ومن النماذج الأخرى التي يمكن أن نذكرها موقع "The conversation" الأسترالي الذي وضع منهجية طريفة جدًا يتعاون بفضلها الصحفيون والباحثين في عملية التحري.
اعتمدت صحيفة "واشنطن بوست" معيارًا للحكم على مصداقية السياسيين بإسناد علامات في شكل "بينوكيو" للتصريحات الكاذبة
سياق الصحافة التونسية يحدّ من إعلاء وظيفة التحري
إذا كان التحري في الوقائع جوهر الصحافة، فهو لم يترسخ بعد بالشكل الكافي في الصحافة التونسية كما تدل على ذلك الممارسة الصحفية واستعادة الأخبار الكاذبة في المضامين الصحفية. فإضافة إلى الإرث التاريخي للصحافة التونسية، يرتبط التحري كذلك بالإمكانات المتاحة للصحفيين لإنجاز الأعمال الميدانية والتحقيقات والتحري فيما يقومون بنقله. وهذا ما قد يفسر ممارسة جديدة في الصحافة التونسية تتمثل في إعادة نشر التدوينات التي ينشرها السياسيون في صفحاتهم في "الفيسبوك" مكتفين بدورالنقل في أحيان كثيرة دون إثراء هذه التدوينات بخلفية تسمح للقارئ بفهم التصريح.
اقرأ/ي أيضًا: في أزمة الصحافة التونسية أو احتضارها..
يشتغل الصحفيون التونسيون في بيئة صحفية تبجل فيها المؤسسات الصحفية المضامين المثيرة والتنافس على "الكليك" للحصول على أكبر قدر ممكن من المتابعين. أمثلة عديدة تبين كيف أن الصحافة التونسية وقعت في فخ الأخبار الكاذبة بسبب قلة ثقافة التحري والتنافس المحموم على السبق الصحفي والمنافسة على "الكليك".
ولعل أكثر الأمثلة طرافة وإثارة قصة التونسي الذي غالط كل الصحافة التونسية عندما أعلن أنه بوصفه طيارًا في الخطوط اليابانية فإنه يمتنع عن العمل على السفرات نحو مطارات الإمارات العربية المتحدة في سياق الحادثة المتعلقة حينها بإجراء إماراتي يمنع التونسيات من السفر إلى وعبر الإمارات. تداولت العديد من المواقع الخبر الزائف بعد إن اتضح أن الأمر يتعلق بخدعة دبرها ببراعة "طيار متحيّل".
وسائل إعلام تناقلت الإشاعة دون القيام بالتحرّي
ومن الأمثلة الأخرى الشهيرة التي تخبرنا عن مخاطر استخدام المضامين المتوفرة في الميديا الاجتماعية القضية التي رفعها الرئيس الأسبق المنصف المرزوقي ضد قناة "الحوار التونسي" التي بثت فيديو تبين لاحقًا أنه مفبرك.
ويمكن أيضا تفسير محدودية ثقافة التحري بعلاقات القرب بين الصحفيين ومصادرهم وخاصة المصادر المؤسسية مع العلم أن الانتقال من حقل الصحافة إلى حقل الاتصال هو أمر دارج في الحقل الصحفي التونسي. هكذا يتم تحويل المضامين الاتصالية المؤسسية (حزبية، سياسية، اتصالية-اقتصادية، رياضية، جمعيات إلخ) إلى مضامين صحفية بسبب علاقة القرب بين الصحفيين والملحقين الصحفيين على حساب قيمة التحري.
تعكس هذه الممارسة تمثل الصحفيين لأدوارهم، إذ ينظر البعض للصحافة باعتبارها نقلًا للمعلومات كما يردد ذلك بعض الصحفيين التونسيين. كما أن دور الصحفي كرقيب على السلطة السياسية لم يرسخ بعد بالشكل الكافي لدى الصحفيين التونسيين ما يجعلهم يكتفون بدور "الصحافة الناقلة". ثمة أسباب عديدة تحيل دون تنامي هذا الدور الأساسي الذي تلعبه الصحافة في المجتمع الديمقراطي خاصة وأن السياسيين في تونس طوروا أساليب اتصالية بارعة للتأثير.
يمكن تفسير محدودية ثقافة التحري في الصحافة التونسية بعلاقات القرب بين الصحفيين ومصادرهم وخاصة المصادر المؤسسية
هكذا طورت المؤسسات الحكومية والأحزاب السياسية والمؤسّسات الاقتصادية منظومات اتصالية في الميديا الاجتماعية وهي تديرها أحيانًا ببراعة فائقة خاصة وأنها تستخدم تقنيات متطورة في صناعة المضامين الإشهارية، لكنها تبقى رغم ذلك بحاجة إلى الصحافة التونسية حتى ولو كانت صفحاتها تجمع متابعين أكثر من صفحات بعض الصحف.
تحتاج المؤسسات والفاعلين السياسيين إلى وساطة الصحافة والصحفي لأسباب عديدة منها خاصة أن الصحافة تتوجه إلى جمهورعريض ومتنوع ، إضافة إلى أن ما تنقله الصحافة يعطي صبغة غير "اتصالية" لخطابات السياسيين أي بتعبير آخر تحوّل الصحافة المضامين الاتصالية إلى أخبار وكأنها بذلك تصبغ عليها طابع المصداقية. كما أن السياسيين يحتاجون إلى حلبة لا تتوفر إلا في البرامج الحوارية الإذاعية والتلفزيونية يتبارزون مع منافسيهم في أشكال مشهدية مثيرة.
في المقابل، يعتقد بعض الصحفيين أن دورهم يتمثل في إدارة التنافس السياسي عبر نشر التصريحات والتصريحات المضادة.،لكن هذا الدور الإخباري القائم على مبدأ الحياد قد يحولهم إلى مجرد خادمين لإستراتيجية ظهور السياسيين في الميديا التي تتحول إلى منابر يعتليها السياسيون للاتصال مع التونسيين.
بوادر "صحافة التحري"
بدأت تتجلى بوادر أولى لصحافة التحري في الصحافة التونسية، إذ نلاحظ ظهور بعض البرامج الجديدة في بعض الإذاعات على وجه الخصوص "أكسبرس أف أم" وإذاعة تونس الدولية وإذاعة "الديوان أف أم" جعلت من التحري في الأخبار الكاذبة وفي تصريحات السياسيين اختصاصًا جديدًا. ويمكن أن نضيف إلى هذه النماذج تجربة موقع "نواة" في التحري في الأخبار المتصلة بالانتخابات البلدية التي خاضتها مع صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.
لا تزال هذه البرامج مغمورة لأن الإمكانات المتاحة إليها لا تزال محدودة إضافة إلى أنها لا تحظى بما تستحق من القبول الإيجابي حتى في الحقل الصحفي ذاته رغم تنامي إدراك الصحفيين لخطورة الأخبار الكاذبة على مهنتهم، ولكن أيضًا لدى بعض المواطنين الذين لا يقبلون أحيانًا أن تفند الصحافة ما يعتبرونه وقائع لا يرقى إليها الشك.
إن الرهان بالنسبة للصحفيين التونسيين هو الآتي: ما هي أدوارهم المخصوصة التي تقتضيها الحياة الديمقراطية هل يقتصر دورهم على أداء وظيفة حلقة الوصل بين السياسيين وبين التونسيين بالنقل والتبليغ والتسجيل؟ وهل يتمثل دورهم في إدارة الحلبة التي يتبارز فيها السياسيون أم أن أدوارهم تتجاوز هذه الوظيفة نحو رقابة السياسيين عبر التحري في خطابهم ووعودهم وأنشطتهم وتحقيق حق التونسيين في معرفة الحياة السياسية بشكل يسمح لهم بفهمها والتصرف كمواطنين فاعلين؟.
تحيلنا هذه القضايا كلها إلى مكانة قيمة الحقيقة والسعي إليها والبحث عنها في الصحافة التونسية وهذا ما سنتطرق إليه في الجزء المقبل.
اقرأ/ي أيضًا:
"كيف سننتخب؟": في نزاهة المسار الانتخابي (4/1)
"كيف سننتخب؟": استطلاعات الرأي.. مرآة "الرأي العام" أو آلية لصناعته؟ (4/2)