17-يناير-2020

يجب الحذر من المواد المكوّنة للسجائر الالكترونية (صورة تقريبية/ getty)

 

أينما تولّي وجهك في المقاهي التونسيّة أو الشوارع، فمن المؤّكد أن تجلب نظرك هالة من الدخان الكثيف حول أحدهم تحسبه غارقًا في الاستمتاع بمذاق جديد اكتشفه مع السيجارة الالكترونية. آلة عجيبة يلجأ إليها بعض المدخّنين طمعًا في إيجاد حلّ للإقلاع عن التدخين الذي استنزف جيوبهم وأنهك أجسادهم، فيجدون أنفسهم في مواجهة منتجات وسوائل تباع في الأسواق الموازية قد تكون أكثر خطورة من التبغ العادي.

فهل تعتبر السيجارة الالكترونيّة الحلّ الأنسب للتخلّص من التدخين؟ وما مدى خطورتها؟ وماهي البدائل والتقنيات العلاجيّة الجديدة للتخلّص من هذه العادة السلبيّة؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس" في هذا التقرير.

سامي شويخ (30 سنة)، شاب تونسي بدأ يدخن منذ سنّ الثالثة عشرة، يتحدّث لـ"ألترا تونس" عن تجربته مع السيجارة الالكترونية مبينًا أنه كان يدخّن ما بين علبة وعلبتي سجائر يوميًّا حسب حالته النفسيّة وهذا ما سبّب له عديد المشاكل في الجهاز التنفّسي، ومع ذلك لم يفكّر يومًا في الإقلاع عنه، على حدّ تعبيره.

سامي شويخ (30 سنة): ما أصرفه على السيجارة الإلكترونية أكثر بكثير من السجائر العاديّة

وأضاف سامي أنه اكتشف الـ "vap" في إحدى جلساته مع الأصدقاء في المقهى حيث جرّب استعمال سيجارة صديقه فأعجبه طعمها والدخان الكثيف الذي يصاحبها، فقرّر شراء واحدة، مشيرًا إلى أنّه احتار في البداية لاختيار السيجارة المناسبة حيث تختلف الأنواع حسب مدّة شحنها وطريقة حرق السائل ومن الممكن أن يصل سعرها إلى الألف دينار، حسب قوله.

وأكّد سامي أنه لم تكن لديه نيّة في استعمالها للاقلاع عن التدخين إذ كان يستمتع بالانتعاشة التي تمنحها خاصّة باختلاف المذاقات اللذيذة التي يمكن تدخينها، مضيفًا أنّه قرأ عديد المقالات والدراسات التي تتحدّث عن مكوناتها وتقرّ بأنّ مضارها أخف من مضار التدخين العادي.

تكلفة أعلى للسيجارة الإلكترونية (صورة تقريبية/ getty)

ومن هنا قرّر محدّثنا اعتماد السيجارة الالكترونية كبديل للسيجارة العاديّة وأمضى مدّة ثلاثة أشهر لم يدخّن خلالها أيّ سيجارة تقليدية، وكانت هذه المرحلة الأولى للتخلّص من التدخين نهائيًّا. وبدأت رحلته مع السائل العجيب الذي أكّد أنّه يباع في أطر غير قانونيّة وفي محلات صغيرة أين يقع فيها مزج السوائل للتحصّل على النكهات المختلفة يصل سعر القنينة الواحدة إلى عشرين دينارًا، وفق تصريحاته.

وقال سامي إنّ ما يصرفه على السيجارة الالكترونية أكثر بكثير ممّا كان يصرفه على السجائر العاديّة ومن هنا وجد نفسه أمام خيارين، إمّا أن يرجع لعادته القديمة أو يتخلّص من الاثنين نهائيًا. وهكذا اختار سامي الحل الثاني وأمضى فترة طويلة يعاني من مخلّفات نقصان النيكوتين في الجسم ممّا تسبّب له في عديد المشاكل سواء مع عائلته أو زملائه في العمل بسبب حالات التوتّر والضغط التي كان يعاني منها. وبعد مرور هذه الفترة تحسّن نظام حياة سامي شويّخ حيث عادت شاهيته للأكل وكسب بعض الكيلوغرامات وأصبح يمارس الرياضة بانتظام. "مستحيل نرجع نتكيّف. حياتي من غير دخان خير"، هكذا ختم سامي حديثه داعيًا كلّ المدخّنين إلى التحلّي بالإرادة اللازمة لتحسين حياتهم.

اقرأ/ي أيضًا: شباب "الكالا".. عن سوسيولوجيا "النفّة" في تونس

هاجر العيادي، أخصائية الأمراض الصدرية والحساسية لـ"ألترا تونس": المدخنون الذين يعمدون إلى المزج بين السجائر العادية والسيجارة الالكترونية يعرضون أنفسهم لمشاكل صحية معقدة

وفي هذا السياق، تؤكّد أخصائية الامراض الصدرية والحساسية هاجر العيادي لـ"ألترا تونس"، أن تدخين السجائر الالكترونية يجب أن يقع تحت مراقبة طبيّة وتستعمل فقط في الحالات التي قرّر أصحابها الإقلاع نهائيًّا عن التدخين، مشيرة إلى أنّ التسمية تسويقيّة بامتياز لأنها لا تحتوي على أي مكوّن الكتروني.

وبيّنت العيادي أنّ المدخّنين الذين يعمدون المزج بين السجائر العاديّة والسيجارة الالكترونية يعرّضون أنفسهم لمشاكل صحيّة معقّدة تفوق التدخين العادي، مضيفة أنّه يجب الحذر من المواد المكوّنة للسجائر الالكترونية والتي عادة ما تكون مجهولة المصدر فتتحوّل هذه الآلة إلى مصدر تهديد وضرر لصحّة مستعملها، على حدّ قولها.

من يجمع بين السجائر العادية والسيجارة الالكترونية يعرض نفسه لمشاكل صحية معقدة (getty)

وعن الأساليب الأخرى التي يمكن اعتمادها للراغبين في التخلّص من التدخين، تقول المختصّة في الإقلاع عن التدخين إنّه يمكن اعتماد بدائل النيكوتين بجرعات مختلفة يقع إنقاصها على امتداد فترة العلاج ومن الممكن أن تتسبب في أعراض جانبيّة كالإحساس بالصداع الدائم أو حالات التوتّر لكنّها تكون ناجعة في أغلب الحالات.

وقد ظهرت في السنوات الأخيرة آليات وتقنيات جديدة للمساعدة على الإقلاع عن التدخين باعتماد بدائل علاجيّة سلوكيّة معرفيّة أثبتت الدراسات فاعليّتها ونجاعتها. وفي هذا الصدد، كان لـ"ألترا تونس" اتصال بشريف اللوزي مدير وباعث مركز استشارات وتدريب، والذي يرتاده بعض المدخنين طلبًا للمعونة، وأكّد محدّثنا أنّ هناك نوعان من الإدمان منه ما هو مرضي ومفرط ويكون صاحبه رافضًا داخليًا التخلص من هذه العادة وهو ما يحتاج معالجة ومتابعة طبية خاصّة.

شريف اللوزي (مدير مركز استشارات وتدريب): العديد من المدخنين يلتجئون للمركز طلبًا للمساعدة وفيهم من ينجح في الإقلاع نهائيًا عن التدخين

وأَضاف اللوزي "نحن نتعامل عادة مع الأشخاص القابلين للتغيير والذين لهم نيّة مؤكدة للتخلص من هذه العادة السلبية" وركّز على ضرورة أن تكون للمدخن رغبة في إحداث تغيير قبل حضوره للجلسات. وبيّن أنّ المسألة تتم عبر مراحل وبصفة تدريجية لأن السلوك مخزّن لسنوات في الدماغ، إذ تبدأ من مرحلة التشخيص لمعرفة الأسباب واسترجاع الماضي مع الحريف، وعادة ما يكون هذا الاعتقاد إمّا نفسيًا أو ماديًا أو لإبراز الشخصيّة.

ولأن كل سلوك ناتج عن اعتقاد معيّن في ذهن الحريف، فإنّ المعالجة تنطلق بتغيير النظرة لهذه الفكرة، فتغيير الاعتقادد يؤدي بالضرورة لتغيير التفكير من ثم تغيير الشعور وأخيرا تغيير السلوك على حدّ تعبيره. ولأنّ التدخين من العادات القهريّة، يؤكّد اللوزي أنّ عملية العلاج تحتاج عديد التقنيات منها البرمجة اللغوية العصبية والتنويم بالإيحاء وغيرها، وللحصول على النتيجة المطلوبة يجب على الزبون أن يلتزم بالتعليمات ليحدث التغيير، كما أنّ للمحيط دور اساسي لمساعدته وتشجيعه، وفق تصريحاته.

وعن التنويم بالإيحاء، يقول محدّثنا إنّه حالة ذهنية مسترخية، يستقبل فيها اللاوعي الايحاءات ويستجيب لها بحالة أوسع، وفي هذه الحالة يكون العقل الباطن مستجيبًا بشكل كبير للاقتراحات والإيحاءات، كما يعمل التنويم بالإيحاء على تفكيك الروابط البدنية والنفسية للمدخن مع إدمانه، ويعمل كذلك على تغيير الطريقة التي يتلقى ويدرك بها المدمن التدخين، كما تساعد هذه التقنية في تسريع عملية الشفاء.

وختم حديثه قائلًا إنّ العديد من المدخنين يلتجئون للمركز طلبًا للمساعدة، فيهم من ينجح في الإقلاع نهائيًا عن التدخين وفيهم من يقلل الكمية وفيهم من يفشل لأنهم لا يلتزمون بالتعليمات، ولذلك يتم العمل معهم على جوانب أخرى كالتحفيز وكيفية تحمل المسؤولية، حسب تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التدخين في تونس: من السّبسي إلى الشيشة الإلكترونية

سيجارة البين (Pine).. سيّدة شفاه الفقراء والكادحين