في الثلث الأول من سنة 2020، عاين التونسيون مشاهد رياضيّة كانت لها انعكاسات سياسيّة هامّة لم تأخذ منعرجًا خطيرًا لكنّها أحدثت حرجًا بلغ صداه قبّة البرلمان والقصر الرئاسي والصحف العالمية، ومن أوضح تلك الأحداث المربكة مشاركة لاعب من الكيان الصهيوني في دورة دولية في كرة المضرب/التنس احتضنتها تونس بين 26 جانفي/يناير و2 فيفري/ شباط 2020، دخل اللاعب التراب التونسي بجواز سفر فرنسي، وخاض المباراة الأولى ضد التونسي كريم الشاذلي بإجازة فنيّة إسرائيلية.
وتكرّر نفس السيناريو مع منتخب السيدات في نفس الرياضة، يوم 5 فيفري/ شباط 2020، إذ واجه الثنائي التونسي نظيره من الكيان الصهيوني في أوّل مباراة ضمن المجموعة الثانية لكأس العالم التي أقيمت بفنلندا.
كان ذلك في فترة حكومة تصريف الأعمال التي يرأسها يوسف الشاهد وتتولى فيها سنية بالشيخ وزارة الشباب والرياضة، ووقتها كان الصراع على أشدّه بين الفائزين في الانتخابات من أجل تشكيل الحكومة.
انطلقت السنة رياضيًا في تونس بجدل ورفض لمشاركة لاعب من الكيان الصهيوني في دورة لكرة المضرب بتونس
- من التصدّي إلى التطبيع إلى التنديد بالاستبداد
بلغت مواقف رفض مشاركة اللاعب الإسرائيلي في دورة كرة المضرب بتونس، ذروتها وتشكلت من خلال الوقفات الاحتجاجية والبيانات الرسمية من قبل عدد من الأحزاب والشخصيات السياسيّة والمنظمات الوطنية، وقد كان المطلب المعلن آنذاك إقالة سلمى المولهي، رئيسة جامعة المضرب، والتصدّي للتطبيع الرياضي ولكن راهن الكثيرون أيضًا على موقف من رئيس الجمهورية قيس سعيّد، وقد كان حينها في بداية مشواره الرئاسي وكان قد عوّل في حملته الانتخابية آخر سنة 2019 على شعارات ثورية منها اعتبار التطبيع خيانة عظمى.
أفضى الأمر بعد سجالات متوترة واتهامات متبادلة إلى فتح تحقيق وتأكيد رسمي لـ"رفض تونس إقامة علاقات مع إسرائيل تحت أيّ شكل من الأشكال".
اقرأ/ي أيضًا: الخارجية تندّد بمشاركة منتخب التنس للسيدات في مباراة مع المنتخب الصهيوني
الحرج الثاني الذي ميّز بداية سنة 2020 أحدثه جمهور الترجي الرياضي التونسي قبل مباراة فريقه ضد الزمالك بمناسبة مقابلة في كرة القدم ضمن مسابقة رابطة الأبطال الإفريقية، فقد عزز الأحباء يوم 3 مارس/ آذار تغنيهم بفريقهم والتباهي بإنجازاته فأضافوا إلى أهازيجهم التقليدية شعارات سياسيّة تتضمن عبارات فيها تشهير بعبد الفتاح السيسي، الرئيس المصري، وتنديدًا بسياسة الظلم والاستبداد التي ينتهجها.
أضاف جمهور الترجي في مباراة فريقهم ضد الزمالك شعارات سياسيّة إلى أهازيجهم كانت تتضمن تنديدًا بسياسة عبد الفتاح السيسي في مصر
هذا الحدث تناقلته وسائل الإعلام بشكل مكثف وتابعته منابر نقدية وتحليلية ممّا حوله إلى حدث جماهيري رياضي في ذاته. لا غرابة في أن تفتك الجماهير الأضواء من اللاعبين والمدربين والمسيرين، لكن هذا العدول عن المألوف لا يكون دائمًا بأهازيج احتفالية فقد يكون أحيانًا بأساليب احتجاجية تنطوي كما الشأن بالنسبة إلى جمهور الترجي قبل الثورة وبعدها على مواقف سياسيّة فيها ما فيها من خطورة ومبدئية.
- هلال الشابة.. رفض النزول وفنون الاحتجاج والتصعيد
خسر فريق هلال الشابة مركزه في الرابطة التونسية المحترفة الأولى لأسباب إداريّة، فتعليق نشاطه لا صلة له بالنتائج على الميدان أو برصيد النقاط التي حصدها خلال الموسم الرياضي 2019-2020.
هذا الإجراء الجزائيّ يبدو قانونيًّا غير أنّه يفتقر بالنسبة إلى الكثيرين إلى روح المنافسة الرياضية التي تراهن على مبدأ الاستحقاق الفنّي، وهو ما ارتكزت عليه مرافعات المدافعين على هلال الشابة.
ولم يستسغ جمهور هلال الشابة مغادرة فريقهم للرابطة المحترفة الأولى بقرار إداري صادر عن الجامعة التونسية لكرة القدم، ولئن كان الرفض موقفًا منتظرًا فإنّ أشكاله ومساراته بدت مثيرة استثنائيّة وغير مسبوقة، فلم يقتصر المسؤولون على تسييس الحادثة إنّما عمدوا إلى إحداث موجة حشد جهوي فائقة التصعيد متلاطمة الخطاب هوجاء في بعض المواقف والتصريحات، وهو ما أفضى إلى وقفات احتجاجية وإضراب عام في المنطقة وعنف وإغلاق للمقرات السيادية وعزم على الهجرة الجماعية وشروع في تنفيذ هذا القرار لولا تدخل السلطات الأمنيّة.
اقرأ/ي أيضًا: الشابة.. أزمة رياضية تتحول إلى تنظيم رحلات من الهجرة غير النظامية
- إفريقيًّا إذا غاب الترجي.. غاب الجميع
تمكّن الترجي الرياضي خلال موسمين متتاليتين من افتكاك الأضواء في القارة السمراء، فقد نال رابطة الأبطال الإفريقية سنتي 2018 و2019، ورغم انشغاله بالتشبيب والتجديد خلال سنة 2020 لم يفرط شيخ الأندية التونسية في بطولة الرابطة التونسية المحترفة الأولى، فنال لقبه المحلّي الثلاثين، غير أنّه أسلم الريادة الإفريقية إلى الأهلي المصري، فحقَّ القول إذا غاب الترجي عن رابطة الأبطال غابت تونس عن التتويج الإفريقي.
في نفس السنة، حصدت مصر لقب كأس إفريقيا للأمم في كرة اليد وترشّح الفراعنة مباشرة إلى أولمبياد طوكيو، وكان الانتصار على حساب المنتخب التونسي في جانفي/ كانون الثاني 2020. فكانت الخيبة مضاعفة على مستوى الأندية والمنتخبات.
لم يفرط شيخ الأندية التونسية في بطولة الرابطة التونسية المحترفة الأولى، فنال لقبه المحلّي الثلاثين، غير أنّه أسلم الريادة الإفريقية إلى الأهلي المصري
اقرأ/ي أيضًا: منها الترجي واليوفي والبايرن.. فرق تحتكر السلطة الكروية في بلدانها
- من الفشل الفني إلى الإخفاق المادي
فشلت الرياضة التونسية خلال سنة 2020 فنيًّا وإداريًّا وتأطيريًّا (في صلة بالجماهير)، ولم يقف النزيف عند هذا الحدّ فقد بلغت الأزمة الماليّة في الأندية والمنتخبات درجة جعلت التسيير أمرًا يحتاج إلى قيمتي الصبر وحسن التدبير. وقد تبين أنّ الأولى تكاد تخفى عن الجمهور واللاعبين والثانية لا وجود لها بين المسيرين والمديرين، حسبُنا دليلاً واحدًا على ذلك التراجعُ المفزع لمداخيل الدولة من شركة النهوض بالرياضة " البروموسبور" فقد تدحرجت من 123 مليار سنة 2017 إلى 23 مليار فقط عام 2020.
هذه الأرقام التي كشف عنها كمال دقيش وزير الشباب والرياضة والإدماج المهني تؤكّد بما لا يدع مجالاً للشكّ أنّ فشل الحكومات التونسية في الاستفادة من "ألعاب القمار" يضاهي فشلها في التنمية والإعمار، ولتفادي هذا العجز في التسيير دعا وزير الرياضة دعوة حالمة أبعد ما تكون عن التحقيق إلى أن تحتكر الدولة قطاع الرهانات الرياضيّة، كان ذلك في سياق تفاعله مع النواب في الجلسة العامة للميزانية يوم 3 ديسمبر/ كانون الأول 2020.
- في التنس.. أنس جابر تجلب الأنظار
واصلت أنس جابر تألقها في كرة المضرب، فكانت إنجازاتها الفردية خلال سنة 2020 بمثابة الزهر الذي ينبت بين مفاصل صخر، إذ تمكّنت من بلوغ الدور الربع النهائي في بطولة أستراليا المفتوحة للتنس، فكانت بذلك أوّل لاعبة عربية وإفريقية تدرك هذه المرتبة العالمية.
واصلت أنس جابر تألقها في رياضة التنس فكانت إنجازاتها الفردية خلال سنة 2020 بمثابة الزهر الذي ينبت بين مفاصل صخر
ورغم هذا الفقر في الإنجازات الرياضيّة، بإمكان التونسيين النظر إلى السنوات المقبلة بتفاؤل تؤكّده بعض المؤشرات ونذكر منها:
أوّلاً: محافظة المنتخب الوطني لكرة القدم على المرتبة الأولى عربيًا والثانية إفريقيًا وفق آخر تصنيف عالمي لمنتخبات كرة القدم الصادر في ديسمبر/ كانون الثاني سنة 2020.
ثانيًا: تأهلّ المنتخب التونسي للكرة الطائرة إلى أولمبياد طوكيو، وضمان منتخب كرة القدم ورقة العبور إلى نهائيّات كأس إفريقيا للأمم، أمّا منتخب كرة السلة فقد بات على مرمى مباراة واحدة لكسب رهان الترشح إلى "الأفروباسكات" التي ستدور السنة المقبلة برواندا.
ثالثًا: تنظيميًا تقرّر يوم 6 ديسمبر/ كانون الأول 2020 رسميًا أن تحتضن تونس سنة 2023 الألعاب الإفريقية الشاطئيّة في دورتها الثانية.
وبناء على هذه المعطيات يحقّ لنا القول إنّ أنس جابر قد مثّلت العلامة المضيئة خلال سنة 2020 ممّا يؤكّد أنّ المرأة والكفاءة الفردية كلاهما كان منقذًا في العديد من المواقف الحرجة في الرياضة وفي ميادين شتّى. لكنّ الرهان الأثمن والأبقى هو نجاح المجموعة والمؤسسات تسييرًا وإنجازًا وحوكمة.
اقرأ/ي أيضًا:
أفضل ترتيب في مسيرتها: أنس جابر تعزّز موقعها في رابطة اللاعبات المحترفات
في مائوية النادي الإفريقي: خبراء يبحثون في التاريخ الهووي للفريق