31-أكتوبر-2020

تحوّل ميناء الشابّة للصيد البحري إلى قاعدة لتنظيم "هجرة منظمة وغير نظامية" (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

 

بينما ترسو المراكب في مرفأ ميناء الصيد البحري بمدينة الشابة، يتجمع العشرات من الشباب هنا وهناك، زادهم بعض الأكل ومحفظة على الظهر فيها بعض المتاع من لوازم سفر مجنون عبر أمواج المتوسط  نحو إحدى الجزر الإيطالية.

خلال أسبوع واحد، وفد على مدينة الشابة عدد كبير من الشباب من أنحاء تونس طمعًا في هجرة "علنية وغير نظامية" ظنّا منهم أنّ منافذ أوروبا قد تفتح في أي لحظة انطلاقًا من ميناء الشابة وفي ضوء النهار وتحت أعين "الدولة".

لأوّل وهلة يمكنك أن تتخيّل أن هجرة غير نظامية ينظمها أباطرة التهريب وتدفع فيها الأموال خارج سلطة القانون ولكن في وضح النهار ومع ترقب ومتابعة إعلامية

خلال أيام قلائل، تحوّل ميناء الشابّة للصيد البحري إلى قاعدة لتنظيم "هجرة منظمة" فنصبت الخيام وعلّقت على مشارفها اللافتات وانتصبت تحت ظلالها لجان إحصاء الوافدين من أهالي الشابة المنخرطين في هذه "المغادرة الجماعية للبلاد"، كما سموها.

اقرأ/ي أيضًا: الشابة: تحضيرات من أجل هجرة جماعية إلى إيطاليا (فيديو+صور)

توافد السكان فرادى وجماعات حتى فاق عددهم الألفين وكذلك توافد أصحاب مراكب الصيد الذين تجاوز عددهم العشرين على لجان "التسفير"، مبدين تضامنهم وانخراطهم فيما اعتبروها حركة احتجاجيّة. لأوّل وهلة يمكنك أن تتخيّل أن هجرة غير نظامية ينظمها أباطرة التهريب والاتجار بالبشر وتدفع فيها الأموال الطائلة خارج سلطة القانون ولكن في وضح النهار ومع ترقب ومتابعة إعلامية. 

مساء الجمعة 30 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، أعلنت تنسيقية دعم جمعية الهلال الرياضي الشابي تأجيل موعد هذه "الهجرة الجماعية" عبر ميناء الصيد البحري للمرة الثانية بعد أن ألغتها سابقًا بسبب سوء الأحوال الجوية، حسب قولهم، وذلك بعد أن كانت مقررّة يوم السبت 31 أكتوبر/ تشرين الأول ظهرًا.

هكذا تعيش مدينة الشابة منذ أسبوعين تحت وطأة التهديد بخروج جماعي من البلدة بعد أزمة رياضية وضعت الجمعية الرياضية الأولى فيها في مواجهة مع جامعة كرة القدم التونسية وذلك بعد قرار بتعليق نشاط الهلال الرياضي الشابي، تم اتخاذه من قبل المكتب الجامعي.

تعيش الشابة منذ أسبوعين تحت وطأة التهديد بخروج جماعي من البلدة بعد أزمة رياضية وضعت الجمعية الرياضية الأولى فيها في مواجهة مع جامعة كرة القدم 

هو قرار إداري من اتحاد كرة القدم وقد كان له انعكاس سلبي على السير الطبيعي للحياة الاقتصادية والرياضية والاجتماعية والسياسية في المدينة، وكانت شملت العقوبات رئيس الفريق توفيق المكشر وكاتبه العام محمد بن إبراهيم بتوقيفهما عن النشاط الرياضي لسنتين وغرامة مالية قدرها 40 ألف دينار.

اقرأ/ي أيضًا: الجامعة تعلق نشاط هلال الشابة.. وهذه الأندية قد تعوضه في الرابطة الأولى

هكذا تدحرجت "الكرة" من المستطيل الأخضر لتجد نفسها في ملاعب غريبة عنها، انتقلت الكرة إلى الشارع فتم إغلاق منافذ مدينة الشابة لمدة أسبوع من قبل المواطنين المحتجين على ما أصاب فريقهم المفضل وعزلت المدينة عن محيطها الجغرافي بإشعال العجلات المطّاطية، ثمّ  تم تنفيذ إضراب عام غير مسبوق في المدينة في التاسع عشر من الشهر الحالي وكان الشلل التام الذي أوقف جميع المرافق الحيوية عن العمل إلا من الخدمات الصحية والحالات الطارئة.

ردّة الفعل هذه التي شاهدناها في مدينة الشابة من محافظة المهدية أعقبتها حركة احتجاجيّة تصعيدية بإعلان داعمي الجمعية الرياضية من أهالي المدينة تنفيذ هجرة جماعية نحو الشواطئ الإيطالية بحكم موقع المدينة المطلّ على الساحل والمزوّد بميناء صيد بحري ومراكب من كافة الأحجام واشتغال أهل البلدة في مجال الصيد.

حاولنا أن نفهم هذا "الخط الاحتجاجي" غير المعهود المتمثل في هذه  الطريقة الاحتجاجية، فكان لنا لقاء مع منير حسين عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية فقال إن "ما يحصل في الشابة إنما هي ردّة فعل جماعيّة للفت الرأي العام وتحويل الأعناق نحو قضيتهم الرياضيّة بالأساس، والغاية منها كذلك إحراج السلطة، فهي حركة رمزية وستبقى حسب رأيي رمزية لأنها غير مؤمّنة ومحفوفة بالمخاطر".

منير حسين، عضو المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، لـ"الترا تونس": ما يحصل في الشابة إنما هي ردّة فعل جماعيّة للفت الرأي العام وتحويل الأعناق نحو قضيتهم الرياضيّة بالأساس والغاية منها كذلك إحراج السلطة

وحول هذا الشكل الاحتجاجي ذكرنا منير حسين بأنها "ليست الأولى في تونس فقد شهدت من قبل عدة مدن تونسيّة مثل مناطق من جندوبة تحركات في اتجاه الحدود الجزائرية وأخرى في الجنوب في اتجاه المعابر البرّية مع ليبيا والأبرز ما حدث في سليانة من مغادرة رمزية لأهالي المدينة بعد أحداث الرش المعروفة".

ويفسر منير حسين لـ"الترا تونس" هذا الشكل الاحتجاجي في هذا الظرف الصعب التي تمر به تونس على جميع الأصعدة بأن "البلاد تتجه نحو عجز مسؤوليها عن حلّ المشاكل مهما كانت بساطتها أو تعقيدها، كما نلاحظ نوعًا من الارتخاء على مستوى السلط وهذا مؤشر على أن الدولة تسير رويدًا نحو فقدان التحكّم في المجالات التي تسيطر عليها".

الأزمة الرياضية ألقت بظلالها أيضًا على الحكم المحلّي في المدينة إذ أعلن رئيس المجلس البلدي وبعض أعضائه الاستقالة من مناصبهم مما حوّل الأزمة من الدائرة الجمعياتية الرياضية إلى الدائرة السياسية والاقتصادية وهذا ما حاولنا توضيحه من الأستاذ  المحامي أسامة المنصوري المطّلع على القوانين الرياضية.

يقول المنصوري لـ"الترا تونس" إن "جوهر الخلاف بين جمعية الهلال الرياضي الشابي والجامعة التونسية لكرة القدم قانوني بالأساس وقد اتخذ أبعادًا عديدة من بينها تدخل وزير الشباب والرياضة أمام مجلس نواب الشعب ودعوته الجامعة إلى تطبيق الفصل 15 من القانون الأساسي الذي يعتبر تعليق نشاط أي فريق هو من أنظار وصلاحيات الجلسة العامة وحتى إن تم التعليق من طرف مكتب الجامعة أو الرابطة فيجب أن يقع عرضه وجوبًا على جلسة عامة"، مضيفًا "يبدو بذلك وزير الشباب والرياضة مساندًأ لموقف هلال الشابة".

المحامي أسامة المنصوري لـ"الترا تونس": الهجرة بهذا الشكل تعتبر جريمة في القانون التونسي، أشكك في مدى جديتها واعتبرها حركة من أجل حلحلة الإشكال الرياضي لا أكثر

أما عن جدية الطرح الاحتجاجي المتمثل في "الهجرة الجماعية" التي يهدد بها عدد من سكان الشابة، فقد اعتبر المنصوري أن "الهجرة بهذا الشكل تعتبر جريمة في القانون التونسي"، كما شكك في مدى جديتها واعتبرها حركة من أجل حلحلة الإشكال الرياضي ونتيجة للإحساس بما اعتبروه سكان المنطقة "ظلمًا".

ويوضح المنصوري "كلنا نعلم أنه يعاقب بالسجن مدّة ثلاثة أعوام وبخطية قدرها 8000 دينار كلّ من أرشد أو دبّر أو سهّل أو توسّط أو نظّم بأي وسيلة كانت ولو دون مقابل دخول شخص إلى التراب التونسي أو مغادرته خلسة سواء تمّ ذلك برًا أو بحرًا أو جوًا".

اقرأ/ي أيضًا: تعليق نشاط هلال الشابة.. استياء وتنديد

وأمام هذا التداخل بين الرياضي والسياسي والتطورات الميدانية لأزمة كانت رياضية بحتة فتم تصديرها خارج المجال الذي نشأت فيه، تم طرح التداخل بين الرياضي والسياسي باعتبار أن الأزمة صارت تمسّ مباشرة من الأمن القومي والاستقرار الاجتماعي، وفق الكثيرين، وتدخّلت عدة أطراف فاعلة من أجل تسوية ما وبشكل ما يتناسب مع القوانين المنظمة للجمعيات الرياضية والهياكل المشرفة عليها.

في هذا الخصوص، يقول المحامي أسامة المنصوري "لا يمكن أن تكون جامعة كرة القدم خارجة عن قوانين الدولة بل هي خاضعة أساسًا لهذه القوانين وهذا ليس من قبيل التدخل في تسيير للجامعة وإنما من قبيل بسط نفوذ وزارة الشباب والرياضة على جمعية تخضع إلى قوانين الدولة، فالجامعة التونسية لكرة القدم تخضع لقانون الجمعيات والمرسوم المنظم عدد 88 لسنة 2011 وكذلك قانون الهياكل الرياضية لسنة 1995 وتحديدًا الفصل التاسع، وكذلك القانون عدد 104 لسنة 1994 المتعلق بتنظيم وتطوير التربية البدنية والأنشطة الرياضية".

وفي ظل هذا الجدل، تطرح أسئلة عدة: أي مستقبل للأنشطة الرياضية في تونس في ظلّ ضعف الهياكل الرياضية والجمعيات و"استرخاء" الدولة؟ وما مدى جدية الاحتجاجات وأدوات الضغط التي يمارسها المشجعون والجمعيات وسوء المآلات التي قد تقودنا إليها؟ مجموعة من الأسئلة تطرح عند كل أزمة قانونية أو قرارات تأديبية في المجال الرياضي مما ينبئ بهشاشة هذا القطاع.

احتجاجات وتحركات في الشابة (ماهر جعيدان/ ألترا تونس)

 

اقرأ/ي أيضًا:

قضية هلال الشابة: هل تلجأ وزارة الشباب والرياضة لحلّ المكتب الجامعي؟

الجريء: لم نظلم هلال الشابة وبوشماوي لم يخدم تونس في "الكاف"