20-ديسمبر-2023
سيرين الطرابلسي

جمعت سيرين الطرابلسي حوالي مليون قطعة من الخردة لرسم لوحاتها الفنية (الترا تونس)

 

عندما قررت الفنانة التشكيلية التونسية سيرين الطرابلسي العمل على لوحة فنية جديدة، لم تتوجه إلى محلات بيع أدوات الرسم لشراء ريشة وألوان مائية وغيرها، بل سارعت إلى الاتصال بمعارفها وأصدقائها تطلب مساعدتهم في مدها بما لديهم من "خردة" لاستخدامها في لوحتها.

وفي مكالمات هاتفية ورسائل ومنشورات على مواقع التواصل الاجتماعي، دعت سيرين من تعرفهم ومن لا تعرفهم لتجميع "الخردة" التي لديهم مثل أزرار الملابس واللُّعب القديمة وعلب الدواء وأغطية القوارير وغيرها، كي تسخدمها في رسم "بورتريه" لشخصية تونسية شهيرة، حسب ما أكدته في حديثها مع "الترا تونس".

تستخدم الفنانة التشكيلية سيرين الطرابلسي "الخردة" وبقايا النفايات عوضًا عن أدوات الرسم التقليدية لرسم لوحات فنية صديقة للبيئة

وتستخدم سيرين الطرابلسي (23 عامًا) "الخردة" لرسم لوحات فنية متنوعة، فهي تُؤمن أن حياة الخردة تبدأ فعليًا عندما يتخلص منها أصحابها، وعوض أن يُلقى بها في مصبات النفايات تُحولها الشابة التونسية بأناملها الذهبية إلى لوحات صديقة للبيئة.

سيرين الطرابلسي

تستخدم سيرين الطرابلسي الخردة وبقايا النفايات لرسم لوحاتها (الترا تونس)

 

استخدام الخردة في الفن: تجربة استثنائية لسيرين الطرابلسي

تُحدث سيرين "الترا تونس" عن تجربتها الاستثنائية لتقول: "عندما بدأت الاشتغال على مشروع تخرجي من المعهد العالي للفنون الجميلة بتونس ، فكرت في تقديم فكرة غير مألوفة ومختلفة وحينها جاءتني فكرة  العمل على أول لوحة فنية لي تكون مصنوعة من "الخردة".

 تضيف "كانت فكرتي غير مألوفة ونلتُ بفضلها استحسان لجنة التحكيم، وبفضلها أيضًا أصبحت أساهم في حماية البيئة بجمعي لملايين القطع منتهية الصلاحية من خلال إعادة تدويرها وتحويلها من " قطعة خردة" إلى "قطعة فنية".

لم تكن الطريق أمام سيرين سهلة، فالعمل على لوحة مشروع تخرجها كلفها أيامًا وساعات لجمع الآلاف من قطع الخردة بمساعدة أصدقائها وأقاربها وأناس لا تعرفهم ، فهي تؤكد أن "الجميع ساعدها في تجميع آلاف القطع المتنوعة والمختلفة من النفايات".

وترى سيرين أن لكل قطعة من الخردة قصتها ورائحتها وذكرياتها، فاللُّعب القديمة تذكرها بطفولتها والهواتف المتهالكة تذكرها بزمن لم تكن موجودة فيه الهواتف الذكية وغيرها من القطع الأخرى التي تعتبرها سيرين محملة بالذكريات والحَكايا، وفقها.

سيرين الطرابسلي لـ"الترا تونس": لكل قطعة من الخردة قصتها ورائحتها وذكرياتها، فاللعب القديمة تذكرني بطفولتي والهواتف المتهالكة تذكرني بزمن لم تكن موجودة فيه الهواتف الذكية 

في رصيد سيرين 5 لوحات فنية أغلبها في شكل "بورتريه" وهو الشكل الأقرب إلى قلبها، اشتغلت عليها بجمع حوالي مليون قطعة من الخردة والنفايات التي لم تكن صالحة للاستعمال وكان سيكون مكانها في مصبات النفايات، حسب ما كشفته لـ "الترا تونس".

تضيف سيرين وهي تتحدث عن تجربتها الفريدة بكل فخر لتقول: "لم تكن الطريق أمامي سهلة لكنني لم أستسلم، فرسم لوحة واحدة يستغرقُ مني ما بين 40 إلى 80 ساعة وكثيرٍ من الجهد والوقت وآلاف قطع الخردة التي أجمعها بمساعدة الأصدقاء وجمهوري".

سيرين الطرابلسي لـ"الترا تونس": رسم لوحة واحدة يستغرقُ مني ما بين 40 إلى 80 ساعة وكثيرٍ من الجهد والوقت وآلاف قطع الخردة التي أجمعها بمساعدة الأصدقاء 

تواصل حديثها قائلة: "أستعدّ الآن للاشتغال على "بورتريه" جديد لشخصية تونسية شهيرة وقد بدأت فعليًا في جمع قطع الخردة وهي أصعب مرحلة في عملي وساعدني في ذلك كل أصدقائي وعائلتي وحتى أناس لا أعرفهم وإلى حدّ الآن جمعت كميات هامة ومازلت مواصلة".

هنا تعود سيرين بذاكرتها قبل حوالي سنة عندما بدأت في تجميع قطع "الخردة" لرسم أول عمل فني لها حيث هبّ حوالي 80 شخصًا لمساعدتها، لكنها اليوم عندما أعلنت أنها تبحث عن "خردة" لعملها، تفاعل معها مئات الأشخاص وعرض عليها الجميع المساعدة.

وتقول سيرين الطرابلسي لـ"الترا تونس": "في السابق يستغرب كثيرون مما أفعله لكن اليوم أرى نظرات الإعجاب والتشجيع على وجوه الجميع والكل أصبح يعدني بتجميع الخردة وإرسالها لي عوض رميها في سلة المهملات".

سيرين الطرابلسي

تتلقى سيرين المساعدة من أصدقائها أثناء عملية جمع الخردة (الترا تونس)

 

تتابع "من الجيد أن يعي العشرات بأن الخردة يمكن أن تتحول إلى عمل فني أو يمكن إعادة تدويرها واستغلالها من جديد، ومن الجيد أيضًا أن يتأثر الشباب والكبار والصغار بما أفعله، فهم يتصلون بي يوميًا لتسليمي أكياسًا من الخردة والأشياء القديمة التي لديهم".

سيرين الطرابلسي: فنانة صديقة للبيئة

عندما تُمعن النظر في لوحات سيرين، تجد أن وجه "البورتريه" متكون من أزرار قميص قديم وأن شعرها هو عبارة عن مجموعة من أغطية القوارير البلاستيكية، أما الخلفية فهي عبارة عن هواتف من التسعينات وآلات التحكم في التلفاز أو المكيف التي لم تعد صالحة للاستعمال".

سيرين الطرابلسي

تتكون لوحات سيرين من أزرار وأغطية بلاستيكية وأشياء قديمة (الترا تونس)

 

وهنا تتساءل سيرين قائلة: "ماذا لو تم إلقاء كل تلك الخردة القديمة والمتهالكة في سلة المهملات ومن ثم ردمها في التربة؟ الأكيد سيكون لها أثرًا سلبيًا كبيرًا على البيئة".

تضيف "ها قد حولت بقايا علب الأدوية ولُعب الأطفال وعلب التجميل الفارغة وآلاف القطع الأخرى من النفايات إلى لوحات فنية مبتكرة نالت استحسان الجميع دون استثناء.. لهذا أقول لا تلقوا "الخردة" يمكنكم إعطاؤها لي"، تقول ذلك ضاحكةً.

وفي غرفتها أيضًا، تتكدس آلاف القطع من "الخردة" والنفايات وفي حين يراها كثيرون مصدر إزعاجٍ ويجب التخلص منها في أسرع وقت، تراها سيرين الطرابلسي مصدر إلهامٍ وأداة تمكنها من ممارسة فنها بدقة وتميّز.

سيرين الطرابلسي

تتكدس آلاف قطع الخردة وبقابا النفايات في غرفة سيرين (الترا تونس)

 

شاركت سيرين بلوحاتها في عدة معارض بيئية ونالت إعجاب كل من شاهدها ويتم الآن عرض هذه اللوحات في إحدى النزل بتونس العاصمة، وهي تعتبر أن العمل الفني الذي تقدمه صديق للبيئة وقد يخفف من أزمة النفايات التي تعيش على وقعها بلادها.

سيرين الطرابلسي

تُعرض لوحات سيرين في إحدى نزل بتونس العاصمة (الترا تونس)

 

كما تؤكد سيرين، أن فكرتها نابعة أساسًا من حبها للطبيعة ومن ولعها بالحفاظ على نظافة البيئة وحمايتها من المخاطر التي تهددها مثل البلاستيك الذي يشكل خطرًا كبيرًا على كل الكائنات الحية في تونس وفي كل دول العالم.

سيرين الطرابلسي لـ"الترا تونس": فكرتي نابعة أساسًا من حبي للطبيعة وولعي بالحفاظ على نظافة البيئة وحمايتها من مخاطر البلاستيك الذي يشكل خطرًا كبيرًا على كل الكائنات الحية في تونس وفي كل دول العالم 

وتدعو الفنانة التونسية سيرين الطرابلسي من خلال فنها إلى الحفاظ على البيئة وعدم إلقاء النفايات الضارة في الطبيعة، كما تدعو في ذات السياق كل الشباب إلى العمل على خلق مشاريع تكون صديقة للبيئة.

وتحلم سيرين بإقامة معرضها الخاص ذات يوم وأن يكون معرضًا استثنائيًا يقدم للزوار نوع جديد من الفن التشكيلي ويزرع فيهم قيمة الحفاظ على البيئة، وفق حديثها مع "الترا تونس".

وفي ختام حديثها، أكدت سيرين أن مشروعها لم يكلفها الكثير من المال داعيةً كل الشباب إلى المبادرة وخلق مشاريعهم الخاصة بالإمكانيات المتوفرة لديهم، معتبرة أن "المبادرة هي أولى خطوات النجاح".