09-سبتمبر-2019

أصبحت الصورة في الحملات الانتخابية في تونس عنصرًا محوريًا لا غنى عنه (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

"الصورة هي إيقاف للزمن"، وتغزو الصور اليوم جميع مناحي الحياة لتأثيرها البالغ على العقل البشري واختياراته، وقد مرّت سنوات طويلة قبل أن يكتشف السياسيون أهمية الصورة في عالم السياسة ودورها تحديدًا في التسويق والدعاية أمام الرأي العام.

ويعود التواصل المظهري عالميًا عبر الصورة لعقود سابقة، وخاصة منذ عام 1981 عندما انتخب الفرنسيون فرانسوا ميتيران الذي أعلن انطلاق عصر الصورة السياسية بعد الاعتماد على صورة منجزة بعناية كبيرة في أدق تفاصيلها. وفي عام 2007، دخل المرشح نيكولا ساركوزي السباق الرئاسي بصورة معدّة بعناية فائقة حتى أن لون البدلة كان يوحي إلى لون اليمين، وقد فتحت تلك الصورة سيلًا من التفسيرات والتحليلات حول معناها.

 أصبحت الصورة في الحملات الانتخابية في تونس عنصرًا محوريًا لا غنى عنه وكشف نشطاء تقليد حملات يوسف الشاهد وناجي جلول وعبيد البريكي لصور رسمية و شعارات لشخصيات أجنبية

اقرأ/ي أيضًا: هل يجب أن يكون رئيس تونس الجديد فصيحًا وخطيبًا؟

وقد أصبحت الصورة في الحملات الانتخابية للمترشحين في الاستحقاقات الانتخابية في تونس بدورها عنصرًا محوريًا لا غنى عنه، غير أنها قد تتحوّل أحيانًا إلى سبب في إضعاف المترشح سواء عند سوء تقدير توظيف هذه الصورة أو عند ثبوت تقليدها بما يعكس فقرًا إبداعيًا من فرق الحملات الانتخابية.

في هذا الجانب، أثارت الصورة الرسمية لحملة المرشح للانتخابات الرئاسية يوسف الشاهد، وهي صورة تظهره بابتسامة خفيفة وغامضة وبخلفية لمساحة خضراء مع شعار "تونس أقوى "، موجة من الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي لما اُعتبر تقليدًا بالخلط بين 3 صور رسمية لمرشحين في الانتخابات الفرنسية.

وأكد نشطاء أن الطابع العام للصورة هو تقليد لصورة الرئيس الفرنسي الحالي إيمانويل ماكرون في حملته الانتخابية عام 2017، وأن الشعار المرافق لها هو تقليد للمرشح الفرنسي جون لوك ميلونشون "قوة فرنسا"، إضافة وأن الخلفية الخضراء مقلّدة من صورة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند في حملته الانتخابية عام 2012.

قّلّدت الصورة الرسمية ليوسف الشاهد عناصر من الصور الرسمية لمرشحين في فرنسا

يقول طارق خطيب، وهو مصور فوتوغرافي وخبير في الصورة منذ أكثر من 20 سنة وصاحب شركة إنتاج تنشط في مجال الحملات الانتخابية، في حديثه لـ"ألترا تونس" إن صورة المرشح للرئاسة هي أهم ركيزة في الحملة الانتخابية قائلًا "لا يمكن إلتقاط صورة عبثية بملابس أنيقة وبقليل من الماكياج، إذ يجب أن تعتمد صورة المرشح الرئاسي على محتوى برنامجه الانتخابي، ويوجد فرق بين من يملك برنامجًا إيكولوجيًا يهتم بالبيئة ومن يمتلك برنامجًا إصلاحيًا وإلخ".

طارق خطيب (خبير في الصورة): يحب أن تعتمد صورة المرشح الرئاسي على محتوى برنامجه الانتخابي

من جانبه، يعتبر أيمن عمراني، صاحب شركة إنتاج عملت في انتخابات 2011 و2014، أن الانتخابات الرئاسية لعام 2019 تميزت بالاعتماد على النموذج الفرنسي في التقاط الصورة والتي تعتبر الطبيعة أحد أهم مميزاتها مشيرًا إلى التقليد الواضح لبعض المرشحين الفرنسيين.

ولكن لم يكن يوسف الشاهد المرشح الوحيد الذي حاول النسج على منوال المرشحين الفرنسيين بل إن وزير التربية السابق والمرشح الحالي للرئاسيات ناجي جلول قد عاد لثمانينيات القرن الماضي بجلب شعار حملة الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا ميتيران، ولم يجد فريق حملته حرجًا في نقل نفس شعار ميتيران حرفيًا وهو "القوة الهادئة" (la force tranquille).

قام ناجي جلول بنقل حرفي لشعار حملة الرئيس الفرنسي الأسبق فرانسوا ميتيران

اقرأ/ي أيضًا: ماذا ينتظر الشباب التونسي من الانتخابات؟

وفي هذا الجانب، يقول محدثنا طارق الخطيب إن "عملية التقليد ليست خطأ المصور الفوتوغرافي، ففريق الحملة هو من يختار الشعار وطابع الصورة العام، طريقة وضع اليدين، والنظرة، وطريقة الابتسامة إن كانت عريضة أو خفيفة".

ويوضح أن طريقة التقليد سهلة وذك بمجرد اعتماد صورة قديمة لمرشح من بلد آخر في العالم، مضيفًا أن التقليد يشمل عدة مستويات سواء وضع شعار المرشح القديم على الصورة الجديدة، أو إعداد صورة جديدة باعتماد شعار جديد أو اعتماد خليط بين عدة صور وشعارات لعدة مرشحين.

أيمن عمراني (مصوّر فوتوغرافي): تونس تزخر بالكفاءات القادرة على إدارة الحملات والمشكلة أن مرشحًا يعلن عن دعمه للشباب في كل خطاب يلقيه ثم يلتجئ إلى شركات فرنسية للقيام بحملته

فيما يعتبر أيمن عمراني، في حديثه معنا، أنه لا يرى سببًا لتقليد صورة مرشح يعيش في بلد آخر ويواجه تحديات أخرى قائلًا: "تونس تزخر بالكفاءات القادرة على إدارة الحملات وإنتاج صور يمكن أن تكون موضوع تقليد من دول متقدمة، ولكن المشكلة أن مرشحًا يعلن عن دعمه للشباب في كل خطاب يلقيه ثم يلتجئ إلى شركات فرنسية للقيام بحملته".

في جانب آخر، أوضح العمراني، أنه عندما عمل لحساب حملات انتخابية في انتخابات 2011 و2014، كان قد قد غزا حينها نوع معيّن من الصور وهي النظر الى الكاميرا بطريقة جانبية مع وضع اليدين فوق بعضهما ويكون الحد السفلي لالتقاط الصورة تحت اليدين.

في الأثناء، مرشح آخر وهو عبيد البريكي اعتمد صورة رسمية تظهره وهو يثني أطراف القميص وهي نسخة طبق الأصل لحركة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما. ولم تسلم هذه الصورة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي بتركيب صورة المرشح الرئاسي بمطبخ وكأنه يستعّد لغسل أواني الطبخ، إذ يبدو أن حركة الرئيس الأمريكي تحيل إلى معاني مغايرة في أذهان التونسيين.

أثارت الصورة الرسمية للمرشح عبيد البريكي موجة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي

وفي سياق متصل، يحدثنا أيمن عمراني أن الصورة الجديدة غير المقلّدة تعتمد على مستويات عديدة مبينًا أن "أهم النقاط هو إظهار المرشح صاحب كاريزما وحضور وكذلك قوي، وإذا لزم الأمر يجب أن يظهر جميلًا ومثيرًا لاستهداف أكبر عدد ممكن من الشرائح، وهذا دون الحديث طبعًا على أن الصورة يجب أن تأخذ بعين الاعتبار برنامج الحملة والرسائل التي يجب أن تصل إلى المتلقي".

يمكن القول إن الصورة هي أول مصافحة بين المترشح والناخبين، وهو ما يعطيها أهمية بالغة في الحملات الانتخابية للمترشحين للانتخابات الرئاسية في تونس. ولكن يعمل عديد المرشحين، في المقابل، عى إنفاق أموال طائلة لجلب وكالات اتصال أجنبية لإدارة الحملة، غير أن أفكارها قد لا تتلائم مع الخصوصية التونسية وهو ما يجعلها سببًا في إظهار المترشح بصورة سلبية بل كموضوع للتهكم والسخرية.

 

اقرأ/ي أيضًا:

هل تؤثّر المناظرات التلفزيّة على آراء الناخب التونسي؟

ماهي المواصفات المطلوبة من رئيس الجمهورية القادم؟