05-نوفمبر-2018

ارتفع عدد حسابات فيسبوك في أقل من 5 سنوات في تونس بعد الثورة بأكثر من 52 في المائة (صورة أرشيفية)

لا يزال الكثير من الشباب يعتبرون أن ذلك الفيديو الذي انتشر بسرعة البرق والذي يحتوي على شباب وهم بصدد إسقاط صورة الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي بمثابة القشة التي قسمت ظهر النظام السابق واقتلعت حاجز الخوف من جذوره في صدور الشباب التونسي، شجع الفيديو الذي انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي بسرعة كبيرة العديد من الشباب على القيام بنفس الفعل.

في 2017 أصبحت تونس تحتلّ المركز الثاني إفريقيًا من حيث عدد حسابات فيسبوك بنسبة تعادل 55 في المائة من عدد السكان

اقرأ/ي أيضًا: شباب تونس والتحزب.. عزوف ومخاوف

من هذا المنطلق برزت أهمية مواقع التواصل الاجتماعي في الاحتجاجات الاجتماعية التي شهدتها تونس. تأسس الفيسبوك سنة 2004 لكن فجأة في أواخر العام 2010 ارتفع عدد زوار الشبكة الاجتماعية الجديدة في تونس مع ارتفاع وتيرة الاحتجاج، حملهم شغفهم لرؤية ما يحصل في الولايات الأخرى ومشاهدة الصور والفيديوهات التي تنزل بغزارة لعمليات الكر والفر التي تحدث بين المحتجين و"البوليس".

لم يقف الأمر عند هذا الحد بل إن بعض الشباب تجاوز ذلك لتأسيس صفحات خاصة بالأخبار، تنقل لحظة بلحظة ما يحصل، وتتفوق في بعض الأحيان على كبرى وكالات الأنباء العالمية لقربهم من الحدث وإرفاق أخبارهم بإثباتات مصورة. اليوم بعد سنوات طويلة لا تزال مواقع التواصل الاجتماعي الفاعل الرئيس في كل التحركات الاحتجاجية والحملات، مما ساعد الشباب التونسي على ابتكار طريقة جديدة لممارسة السياسية بعيدًا عن الطرق التقليدية التي تفرض التنظم الحزبي.

فيسبوك في أرقام

بلغ عدد حسابات فيسبوك في تونس سنة 2012 أكثر من 2.9 مليون حساب بنسبة تدفق تصل إلى 28.18 في المائة. في 2017 بعد سنوات من التغييرات التي عاشتها ولا تزال تعيشها البلاد التونسية، أصبحت تونس تحتلّ المركز الثاني إفريقيًا من حيث عدد حسابات الفيسبوك بنسبة تعادل 55 في المائة من عدد السكان، إذ بلغ عدد الحسابات حسب تقرير ميديا نات 6.100.000 حساب على فيسبوك 66 في المائة منهم تتراوح أعمارهم بين 18 سنة و34 سنة.

ارتفاع بأكثر 52 في المائة في عدد حسابات الفيسبوك في أقل من 5 سنوات يبرز إلى حد كبير كيف أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي جزءًا من الثقافة التي اكتسبها الشباب التونسي بعد الثورة. لكن فيسبوك يبقى صاحب الأثر الكبير في الحياة اليومية للمواطن التونسي عمومًا وللشباب خصوصًا متجاوزًا بذلك "تويتر".

أنيس (مدون) لـ"الترا تونس": لمواقع التواصل الاجتماعي دور يضاهي أو يفوق دور الشباب المحتجين

تجربة التونسيين مع فيسبوك

قبل الثورة كانت وسائل الإعلام في تونس بمثابة أبواق للنظام البائد، لم يرتق منتوجها إلى تطلعات الشباب التونسي ما دفع بعضًا منهم إلى استعمال مواقع التواصل الاجتماعي للتعبير عن آرائه وهو ما ساهم في بروز جيل من المدونين أبرزهم عزيز عمامي وهيثم المكي ولينا بن مهني، تعرّض بعضهم إلى السجن بسبب تدويناتهم التي لاقت رواجًا كبيرًا خاصة مع بداية الاحتجاجات.

أنيس أيضًا واحد من الذين شاركوا في ثورة 14 جانفي/ كانون الثاني، كان من الذين اعتمدوا طريقة "الفوبروفيل" وهي اعتماد حساب باسم مغاير وذلك لتجنب قوات القمع البوليسي. يعتبر أنيس أن لمواقع التواصل الاجتماعي دور يضاهي أو يفوق دور الشباب المحتجين، فكان يمكن للبوليس أن يقمع الاحتجاجات في سيدي بوزيد بكل سلام وأن لا يحدث شيء ولكن عندما انتقلت وتيرة الاحتجاجات إلى الولايات المجاورة ساعد ذلك في تحريك المياه الراكدة وفي النهاية تحركت العاصمة في 13 جانفي/ كانون الثاني.

ويقول محدثنا "كانت وسائل التواصل الاجتماعي في تونس إبان فترة الثورة بمثابة البديل الإعلامي في ظل صمت وسائل الإعلام عن قمع النظام، هذا الصمت دفع الشباب إلى البحث عن وسيلة إعلامية خاصة بهم، إضافة إلى ذلك كانت وسيلة للتنظم من أجل المظاهرات والاحتجاجات وهو ما يضمن أكبر عدد من المشاركين".

اقرأ/ي أيضًا: "أنا أسكر.. إذًا أنا موجود": من الدوام إلى الحانة

من بديل إعلامي إلى وسيلة للتنظم

لم يهدأ حال الشباب التونسي بعد هروب الرئيس السابق، كان تجاوز الرابع عشر من جانفي/ كانون الثاني صعبًا، لكنه صعوبته كانت تنذر بمعارك أخرى لاسترداد الحقوق ومقاومة محاولات الالتفاف على ثورتهم. هذه المعارك تتجلى أهمها فيما يعرف بـ"القصبة واحد"، وهي أحد الاعتصامات الشهيرة والتي كان رحيل الحكومة أهم مطالبها.

بدر السلام المرزوقي، أحد مؤسسي صفحة "اعتصام القصبة 01" وأحد المدونين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، لا يزال يذكر بدايات الاعتصام. ويقول "أحمل ذكريات جميلة على ذلك الاعتصام عندما كان الشباب التونسي يدًا واحدة، متفقين في المبادئ، لقد كانت تدوينة بسيطة وضغطة على زر كافية أن تجمع لك أكثر من 5 آلاف متظاهر، بعد تأسيس الصفحة والدعوة للاعتصام التحق بنا حتى أهالي الولايات الأخرى وهناك من اضطر إلى المبيت أمام جدران مقر رئاسة الحكومة"، تحسر يظهر على وجه بدر وهو يتحدث، وكأنه يريد قول كل شي في مرة واحدة "تلك الصفحة ارتفع عدد معجبيها بطريقة غريبة".

سفيان جاب الله (أستاذ جامعي مختص في علم الاجتماع): العديد من الأشخاص لا يستطعون إثبات أنفسهم في الفضاء الحقيقي، مكنتهم مواقع التواصل الاجتماعي من إثبات ذواتهم والتعبير عن آرائهم

من جهة أخرى، تمكن فريق "مانيش مسامح" من تأسيس مجموعة كانت بمثابة النواة الأولى للحملة عقب إعلان رئيس الجمهورية الحالي الباحي قائد السبسي عن مشروع قانون المصالحة. لكن بعد ذلك تمكن الفريق من تأسيس صفحة على فيسبوك، يتم فيها الدعوة إلى التظاهر، كما تتم النقاشات وتحديد الأوليات والخطط المستقبلية في الصفحة. اليوم تمكن فريق مانيش مسامح من إسقاط ثلثي المشروع من خلال الضغط الشعبي المتواصل الذي تم حشده في غالبية منه بمواقع التواصل الاجتماعي.

فيسبوك فضاء عام بديل

سفيان جاب الله، أستاذ جامعي مختص في علم الاجتماع، يقول إن الفيسبوك أصبح بمثابة فضاء عام، والولوج إلى الفضاء العام وهو الفيسبوك والذي يوجد به أكثر من 6 ملايين تونسي أسهل وأكثر مرونة موضحًا " لم يعد الفضاء العام يخضع للتعريفات القديمة مثل تعريفات الاغريق "لاقورا"، أصبح اليوم يحتوي جميع الفئات والطبقات وأصبح بإمكان الجميع التعبير عن آرائهم والنقاش".

وتتطور نظرة المجتمع إلى مواقع التواصل الاجتماعي حيث انتقلت هذه الوسائط من مصادر للأخبار إلى جزء من الحياة الاجتماعية، ويرى جاب الله أن العديد من الأشخاص لا يستطعون إثبات أنفسهم في الفضاء الحقيقي، مكنتهم مواقع التواصل الاجتماعي من إثبات ذواتهم والتعبير عن آرائهم والتعريف حتى بمواهبهم.

من جهته، يقول الباحث الشاب في علم الاجتماع فؤاد غربالي " لا تزال الأحزاب في تونس تخضع إلى التراتبية الحزبية وتنظر إلى الشباب بنظرة اختزالية، فلا نجد فرصة حقيقية للشباب في ممارسة السياسة والدليل التهرم الذي يصيب الأحزاب اليوم، هذه الأسباب اضطرت الشباب إلى اعتماد استراتيجية السياسة من تحت la politique par le bas والتي تمنح للشباب وسيلة تعبير من خلال مواقع التواصل الاجتماعي ما مكنه من أن يصبح حاضرًا في كل المحطات السياسية، اليوم وسائل التواصل الاجتماعي أصبحت وسيلة لممارسة السياسة، ووسيلة للشفافية لأنه وبمساعدتها أصبحت لنا قدرة على رؤية كل شيء".

من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أمكن للشباب اليوم المشاركة في الحياة السياسية ولكن ليس بمنطق تقليدي، والذي يفرض الدخول في الأحزاب والخضوع إلى مبدإ الانضباط الحزبي، وإنما بمنطق جديد من خلال متابعة الحياة السياسية وإبداء الرأي وابتكار طرق جديدة في رفض القرارات الجديدة والقوانين الجديدة وممارسات الشرطة. كما خلقت مواقع التواصل الاجتماعي فضاء عامًا جديدًا يعتمد في تصنيفاته على معايير غير تلك التي يستعملها الفضاء الحقيقي.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

الشباب و"البوليس" في تونس.. أي علاقة؟

البيار".. تسلية شباب تونس لمواجهة بطالتهم"