02-سبتمبر-2019

المناظرة التلفزية بين المترشحين للانتخابات الرئاسية هي التجربة الأولى من نوعها في تونس (صورة توضيحية/أ.ف.ب)

 

تشهد الانتخابات الرئاسية السابقة لأوانها في تونس تنظيم أول مناظرة تلفزية بين المترشحين، ويسعى كل منهم للظفر بتأييد المشاهدين خلف الشاشات وإقناع جمهور الناخبين للتصويت لفائدته يوم الاقتراع. وتكمن أهمية هذا الموعد في مدى تأثيره على الرأي العام من خلال ترجيح كفّة طرف على حساب آخر.

فهل يمكن لهذا الحوار التلفزي الكبير أن يغير الوضع للناخبين؟ سؤال يجيب عليه "ألترا تونس" في هذا التقرير بالاستعانة بأهل الاختصاص.

اقرأ/ي أيضًا: ملف خاص: كيف سننتخب؟

جمال الزرن (أستاذ علوم الإعلام والاتصال): لا يمكن معرفة مدى تأثير المناظرات على التصويت في تونس

يؤكد الجامعي في علوم الإعلام والاتصال جمال الزرن، في البداية، أنّه لا يمكن معرفة مدى تأثير المناظرات على نوايا التصويت في تونس أو في أي دولة عربية أخرى وذلك بحكم عدم وجود تجارب سابقة "فما سيحدث في تونس قريبًا يعتبر تجربة أولى".

وعن التجارب في الغرب، يقول الزرن، في حديثه معنا، إنّ المناظرات التلفزية كانت مؤثرة خاصة لأولئك الذين لم يحددوا اختياراتهم مسبقًا أي تلك الفئة المترددة وهي عادة ما تمثل نسبة ضئيلة على حدّ تعبيره.

جمال الزرن (أستاذ علوم الإعلام والاتصال): المناظرات التلفزية مؤثرة لدى الفئة المترددة وهي تمثل عادة نسبة ضئيلة من الناخبين

ويضيف، عن مدى أهميّة المناظرات التلفزية، أنها" شكل من أشكال الدربة على الديمقراطية والحجاج وعلنية البرامج، وأيضًا شكل من أشكال الشفافية والضغط على المرشحين كي يكونوا منسجمين مع برامجهم في علاقتهم بالناخبين".

ويوضح أنّ أهميتها تكمن في صاحب الصلاحيات الأهم في السلطة التنفيذية "فلو كان النظام السياسي التونسي رئاسيًا لاحتلت المناظرات الرئاسية أهمية كبرى"، كما يقول.

ويؤكّد محدثنا، في الأثناء، أنّ ثقافة الانتخاب في التجربة التونسية حديثة ولم يستقر لها شأن إلى الآن بحكم أنه لم يتأسس بعد لدى الناخب التونسي "الحس الانتخابي"، وهو شعور باختيار مرشح سابق لما تحدده وسائل الإعلام والنخب وقادر على التحرر منهما، وفق ما يوضحه.

ويضيف الأستاذ بمعهد الصحافة "إن ثقافة الشخصنة ليست شائعة في الثقافة التونسية كما هو الحال عليه في الغرب حيث يتحول المترشح للانتخابات ليس فقط رجل سياسة بل نجمًا يحمل معه نموذجًا في العيش وفي الحريات الفردية والجماعية ويظهر مع زوجته وأسرته في وسائل الإعلام". ويشير إلى أن هذه الثقافة الليبرالية الفردية لم تتأصل بعد في النماذج غير الغربية مثل تونس وذلك بحكم عدة خصوصيات ثقافية وسياسية.

جمال الزرن (أستاذ علوم الإعلام والاتصال): ثقافة الانتخاب في التجربة التونسية حديثة

ويؤكّد أن الناس يبحثون عن الأمن، وعن مستوى العيش والشغل "ولا تعنيهم لا العلاقات التونسية الأوروبية ولا الوضع الليبي ولا ما نحن عليه مع حلف الناتو وهو ما لا يمكن توفيره من قبل رئيس الجمهورية" على حدّ قوله. ويضيف أنّ عامّة الناس سيصوتون للمرشح الذي يبدو في مخيالهم أن كل الناس سيصوتون له وذلك خوفًا من العزلة والمفاجأة، وفق تعبيره.

ويختم الأستاذ جمال الزرن حديثه بما وصفها "بورصة وسائل الإعلام زمن الانتخابات" معتبرًا أنها "لا تقوم على نسب المشاهدة بل على المزايدات حيث أنّ السياسة والحكم على نتائجها تقع بنسب كبرى على الميدان ومن خلال حس ومزاج انتخابي وثقافي وتاريخي وديني واجتماعي، قد يكون من الصعب على وسائل الإعلام التفطن إليه أو الوصول إلى إظهاره" على حدّ قوله.

هاني مبارك (أستاذ الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار): التركيز على الانتخابات الرئاسيّة يثير نوعًا من الشبهة

من جهته، يقول هاني مبارك، أستاذ الإعلام بمعهد الصحافة وعلوم الإخبار، لـ"ألترا تونس" إنّ "مبادرة المناظرات المتلفزة جيدة وإيجابية ولكنّها من الصعب أن تلعب نفس الدور التي لعبته في الولايات المتحدة الأمريكية وبدرجة أقل بأوروبا".

ويرجع ذلك لعدّة أسباب منها أنّ الحياد الصحفي ليس مضمونًا وفق قوله، بالإضافة إلى غياب الجمهور الناخب أو الانتخابي ما يرجّح أنّه سيركّز على الجانب الاتصالي (القدرات اللغوية والحضور الإعلامي والشخصي) أكثر من تركيزه على الجانب البرامجي للمترشّحين وهذا في حدّ ذاته خطير حسب تعبيره.

هاني مبارك (أستاذ الإعلام بمعهد الصحافة): مبادرة المناظرات المتلفزة جيدة وإيجابية ولكنّها من الصعب أن تلعب نفس الدور التي لعبته في الولايات المتحدة الأمريكية وبدرجة أقل بأوروبا

ولإنجاح تجربة المناظرات التلفزية، أكّد الأستاذ مبارك على "ضرورة تحلّي الصحفيين المحاورين بالحرفية والحياد وأن يكون عندهم شبه خروج نهائي من الأيديولوجيا وأن يكونوا مطّلعين على الدستور والقانون الانتخابي" مشيرًا كذلك إلى أهمية "القدرة الاتصالية الواضحة" لدى المترشّحين لإبلاغ وتوضيح البرنامج للمتلقين. وأكد، في نفس الإطار، على ضرورة أن يعتمد الجمهور الناخب في تحديد خياراته على البرامج الانتخابية وليس على العلاقات الأيديولوجية والشخصية والجهوية.

اقرأ/ي أيضًا: هل يجب أن يكون رئيس تونس الجديد فصيحًا وخطيبًا؟

وعن نتائج هذه المناظرات، يقول أستاذ الإعلام في معهد الصحافة إنها "خطوة إيجابية بالاتجاه الصحيح فإذا لم نقم بها على أكمل وجه على الاقل سترسّخ لنا ممارسة لها تأثير كبير مستقبلًا، ولا يمكن التكهّن بنتائجها على اعتبار أن تجربة الولايات المتحدة الامريكية تختلف عن نظيرتها في أوروبا ونحن نؤسس تجربة خاصّة وفريدة".

وأشار، في نهاية حديثه، إلى أنّ التأكيد على الانتخابات الرئاسيّة يثير نوعًا من الشبهة نظرًا لإعطائها حجمًا كبيرًا مقارنة بمحدوديّة صلاحيات رئيس الجمهورية خاتمًا بالتساؤل "هل هذا تمهيد لعودة النظام الرئاسي أم تقليد أعمى للتجارب الغربية؟".

محمد الفهري الشلبي (الباحث في الإعلام والاتصال): لا أعتقد أن المناظرة ستتجاوز ما يعرف بالتعبير الحر

"يصعب التكهن تأثير المناظرات التلفزية على الناخب لأنها تجربة أولى وفيها عديد التعقيدات وأعتقد أنّ الجانب الإيجابي هو فيما سيطلّع عليه الناس مما سيقوله المترشحون ولم يطلعوا عليه سابقًا ومع ذلك لن توجد إضافة مقارنة بالبلاتوات الإذاعية والتلفزية"، هكذا عبّر الباحث في الإعلام والاتصال محمد الفهري الشلبي لـ"ألترا تونس" عن رأيه في مدى تأثير المناظرات التلفزية على نوايا التصويت في الانتخابات الرئاسية.

محمد الفهري الشلبي (الباحث في الإعلام والاتصال): محاور الأسئلة تدور حول الدفاع والخارجية والأمن وهي مسائل ثانوية لدى التونسي

وأضاف الشلبي أن محاور الأسئلة ستدور حول الدفاع والخارجية والأمن الأمني وهي مسائل على أهميتها تظل مسائل ثانوية لدى المواطن التونسي وفق تأكيده. وهو يعتبر أن النظام السياسي في تونس لا يشبه أي نظام في العالم واعتبره "نظام أحزاب" أو "مجلس أحزاب" يجتمعون ليحكموا حسب الرغبات وموازين القوى على حد تعبيره قائلًا "هناك نوع من الإيهام أن الانتخابات الرئاسية لها دور وننسى بذلك الدور المهم للانتخابات التشريعية".

وعرّج محدثنا على القرار المشترك بين الهيئة العليا المستقلة للانتخابات والهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي والبصري المتعلق بضبط القواعد الخاصة بتغطية الحملة الانتخابية الرئاسية والتشريعية بوسائل الإعلام، حيث أكّد أنه يحتوي على عديد النقاط التي تقتضي المراجعة أو التوضيح والذي اعتبرها مقلقة على حدّ تعبيره.

واعتبر الشلبي أن إحداث لجنة مشتركة بين هيئة الانتخابات و"الهايكا" تشرف على المناظرات وتكون مرجع تظلّم إذا لم يقع احترام شروط القرار تجعل أنّ "هناك إشرافًا كاملًا على عمل الصحفي ومن هنا يصبح هذا الأخير موظّفًا لدى الهيئتين اللتين تنصّبان نفسيهما منصب القضاء" على حدّ تعبيره. وأفاد أنّ التدخل في التجارب الغربية ينحصر فقط مستوى لتنظيم اللوجستي.

محمد الفهري الشلبي (الباحث في الإعلام والاتصال): المناظرة في الدورة الأولى بدعة سبقنا اليها الفرنسيون في انتخابات 2017 وأقر الجميع بفشل هذه التجربة فلماذا نعيدها؟

وأكّد الباحث في الميديا رفضه تدخّل "الهايكا" أو أي جهة أخرى في إعداد أسئلة المناظرة وذلك على أساس حرية الصحفي في طرح الأسئلة وفق الأعراف وأخلاقيات المهنة، عدا أنه لا يحق لأحد أن يطلب الاطلاع على هذه الأسئلة واعتبر ذلك حطًا من دور الصحفي وبدعة لا توجد في أي بلد من البلدان الديموقراطية على حد تعبيره.

وأشار محدّثنا أن تقسيم الوقت غير منطقي وغير عملي بين التعليق الحر والمناقشة، وأنه كان من المناسب الاكتفاء بالتعبير الحر للمترشحين دون أن يتناقشوا فيما بينهم على حدّ قوله.

واعتبر، في هذا الإطار، أن "المناظرة بين المترشحين في الدورة الأولى بدعة سبقنا اليها الفرنسيون في الانتخابات الرئاسية في 2017 وأقر الجميع بفشل هذه التجربة فلماذا نعيدها؟ أظنّ أن هذه المناظرات لن تتجاوز ما يعرف بالتعبير الحر".

لعبة الإعلام في الانتخابات

خلال الحملات الانتخابية، يتحول دور وسائل الإعلام وتأثيرها إلى موضوع نقاش مهمّ لدى المواطنين والجهات السياسية الفاعلة، على اعتبار أن الإعلام "يصنع" الانتخابات، وذلك في ظل اقتناع عديد المترشحين والقوى السياسية إجمالًا أن بعض القنوات التلفزيونية أو المحطات الإذاعية يمكنها، من خلال تغطيتها للحملة، أن توجه التصويت.

ويجمع مختصون1، في الأثناء، أن وسائل الإعلام لا تمارس قوة إقناع مباشرة، لكن لها تأثيرات غير مباشرة مثل الآثار المعرفية (Des effets cognitives) بالإضافة إلى الأجندة أو التأثيرات التمهيدية (Des effets d'agenda ou d'amorçage) أو آثار التأطير (Des effets de cadrage). ومن هنا، فإنّ وسائل الإعلام لن تخبرنا لمن نصوّت، ولكنها سوف تؤثر على ما نفكر فيه عندما نقرر تصويتنا.

 

1- "كيف يمكن تفسير السلوك الانتخابي؟" تيري فيدال، مختصّ في استعمال وسائل الإعلام في الحياة السياسية.
"Comment expliquer le comportement électoral ?" Thierry Vedel, spécialiste de l'usage des médias dans la vie politique

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن الجوع والجشع والجهل: الانتخابات ومخاطر "الثّلاث جيمات"

فيسبوك وانتخابات 2019: هل حان وقت دق ناقوس الخطر؟