24-يناير-2020

أميرة التليلي صاحبة أول مقهى نسائي في حي التضامن (إيمان السكوحي/ ألترا تونس)

 

يعيش حي التضامن هذه الأيام على وقع افتتاح أوّل مقهى نسائي. كان الأمر ليكون عاديًا لو كان في منطقة سياحيّة أو في أحد الأحياء الراقية، لكنّ المسألة كانت محلّ جدل في هذا الحي الشعبي الذي يعتبر من أكثر الأحياء الشعبيّة شهرة وكثافة سكانية.

المقاهي في حي التضامن هي المتنفّس الوحيد لشباب وكهول وشيوخ لم يجدوا أيّ وسيلة أخرى لقضاء أوقات مسلّية، لذلك فهي منتشرة تقريبًا في جميع الشوارع والأزقّة. ويعتبر شارع بن خلدون العنوان المناسب للباحثين عن ركن لاحتساء القهوة أو لتدخين النرجيلة أو للعب الورق، انطلاقًا من "مقهى مختار" مع تقاطع شارع "106"  ووصولًا إلى حي الانطلاقة.

اقرأ/ي أيضًا: للنساء في تونس نصيب من سياقة "التاكسي سكوتر"

وعلاقة المرأة بالمقاهي في الأحياء الشعبية هي علاقة مرتكزة على ثقافة العيب. فمن العيب أن تدخل المرأة المقهى، ومن العيب أن تمرّ حتى بمحاذاته كي لا تلاحقها أنظار الجالسين على أعتابه ولا يراها رفاق شقيقها أو أصدقاء والدها، فتكون الطامة الكبرى بالنسبة لها. لذلك كان خبر افتتاح المقهى النسائي حدثًا مفاجئًا وغريبًا بالنسبة للجميع. وفي هذا السياق، كان لـ"ألترا تونس" لقاء مع صاحبة هذا المشروع ورصد آراء وتفاعل أبناء الحي في هذا التقرير.

أميرة التليلي (صاحبة المقهى النسائي) لـ"ألترا تونس": نساء متقدمات في السن قدموا للافتتاح وكنّ سعيدات خاصّة أن هذا المكان سيغنيهنّ عن البقاء الدائم في المنزل

إبّان انتشار خبر افتتاح المقهى عبر مواقع التواصل الاجتماعي، انطلقت في البحث عن موقع هذا المكان المثير للجدل حتى وجدته. وعلى مقربة منه، يجلب انتباهك وشوشات البعض ونقاشات البعض الآخر وتساؤلات فتيات "ياخي حلّت القهوة سايي؟". يقع المقهى في الطابق الأوّل في إحدى بنايات شارع بن خلدون. وأوّل ما يتبادر إلى ذهنك هو "هل اختيار المكان مرتبط بحماية المكان من المتطفلين أم أنه كان خيارًا عشوائيًا؟".

ومنذ دخولك المحلّ، تستقبلك التفاصيل الأنثويّة في كلّ الأركان من ألوان وصور وحتى تصميم الأثاث. ديكور وقع اختياره بعناية ليمنح المكان حميميّة وألفة، وتستشعر من خلاله شغفًا كبيرًا ودراسة معمّقة للألوان وتقسيم المكان. استقبلتني صاحبة المشروع أميرة التليلي، بكلّ حفاوة كيف لا ولقد أصبحت حديث أغلب وسائل الإعلام في هذه الفترة.

 

هذا المكان سيعطي مساحة من الراحة لنساء الحي (إيمان السكوحي/ ألترا تونس)

 

أميرة هي شابّة ذات 26 ربيعًا. درست مجال تصميم الثياب وتعمل أيضًا فيه. حدّثتنا بحبّ عن مشروع العمر بالنسبة لها والتي قالت إنه كان نابعًا من حاجة شخصيّة كانت تبحث عنها في المقاهي التي كانت ترتادها. "انطلقت بالفكرة عندما أحسست بحاجتي أنا كشابّة إلى أن أكون في مكان أرتاح فيه في الحي، خاصّة وأننا لا نمتلك أيّ أماكن للترفيه. وفكرت في أن يكون المكان مخصّصًا للمرأة"، هكذا تحدّثت صاحبة المشروع لـ"ألترا تونس" عن مصدر فكرتها، مؤكدة أنّ المرأة "مظلومة ومقموعة في حي التضامن مقارنة بالرجل الذي لديه عديد الإمكانيات للترفيه عن نفسه".

انطلقت أميرة في تطبيق فكرتها منذ سنة تقريبًا، وكان خائفة في البداية من أن لا ينجح المشروع وأن لا يتقبّله سكان الحي، فقد واجهت عديد الانتقادات المحبطة من بعض المقرّبين وخاصّة الرجال منهم لكنّ إيمانها بالفكرة ومساندة عائلتها والأصدقاء جعلها تتشجّع وتتحدّى جميع الصعوبات.

جيهان ورهاني (صديقة صاحبة المقهى النسائي) لـ"ألترا تونس": هذا المقهى لن يعجب الجميع!

"قمت بتزويق المكان بمفردي واخترت كل ركن فيه بعناية وبحبّ خاصّة وأن مجال عملي الأصلي أعطاني فرصة لأطلق العنان لإبداعاتي"، هكذا عبّرت أميرة التليلي عن اختيارها لتصميم المكان، مضيفة أنها أعدّت ركنًا للمطالعة لبنات المعهد والمدارس الإعداديّة، ليجدن مكانًا يقضين فيه ساعات الفراغ أو يراجعن فيه للامتحانات، حسب تعبيرها.

وأضافت محدّثتنا "نساء متقدمات في السن قدموا للافتتاح وكنّ سعيدات خاصّة أن هذا المكان سيغنيهنّ عن البقاء الدائم في المنزل ويوفّر لهنّ راحة نفسيّة وفرصة للتغيير. حتّى جارتنا ذات السبعين عامًا كانت دائمًا ما تسألني عن موعد الافتتاح بلهفة". وختمت حديثها متمنية أن تطوّر مشروعها وأن يكون سببًا في تقديم صورة مغايرة لحي التضامن، على حدّ قولها.

اقرأ/ي أيضًا: الأمازيغ في تونس.. استعادة للموروث الثقافي ومطالبة بدعم الدولة

يوجد بالمقهى ركن للمطالعة (إيمان السكوحي/ ألترا تونس)

 

جيهان ورهاني (25 سنة، طالبة)، إحدى صديقات أميرة، تحدثت لـ"ألترا تونس" عن تفاجئها بالفكرة في البداية، مبينة أنه مع تطوّر المشروع غيّرت موقفها وأعجبتها كثيرًا. واعتبرت أنّ هذا المقهى لن يعجب الجميع وهذا ما رصدته من خلال التعليقات عبر مواقع التواصل الاجتماعي وخاصّة من الرجال ولكنها مؤمنة بأنه سينجح ويثبت للجميع العكس. وأضافت جيهان أنّ هذا المكان سيعطي مساحة من الراحة لنساء الحي، قائلة "لماذا لا تكمل المرأة شؤونها المنزليّة وعوض أن تقضي بقيّة اليوم أمام التلفاز تكون لها فرصة للتغيير والاستمتاع؟"

الشابّة صابرين شهيدي (26، مساعدة طبيب)، تساند جيهان في رأيها، حيث أكّدت أنّ الفكرة أعجبتها مبينة أنها ستجد راحتها في هذا المكان أكثر من المقاهي المختلطة إذ ستجد راحة نفسيّة أكثر. وأضافت أنّ هذا المكان سيغنيها عن التنقل إلى باردو أو وسط العاصمة لاحتساء القهوة مع صديقاتها، حسب تعبيرها.

خليفة الجعيدي (تونسي مقيم بحي التضامن) لـ"ألترا تونس": فكرة المقهى النسائي نوع من التجديد والإبداع في الأفكار

لا يمكن الحديث عن مشروع أميرة التليلي دون رصد آراء الشباب والرجال ونظرتهم لمثل هذ المشاريع. ولأن دخول امرأة إلى مقهى شعبي في حي شعبي يعتبر خرقًا لقواعد نمطية تعوّد عليها أبناء الحيّ، لذلك كان دخولي للمقهى المجاور محلّ تساؤل للجميع.

خليفة الجعيدي (27 سنة، صاحب مشروع)، أكّد لـ"ألترا تونس" أنه في الأحياء الشعبية هناك فرق بين المرأة والرجل، خاصّة وأنّ المرأة ممنوعة من الذهاب للمقاهي. كما عبّر عن إعجابه فكرة المشروع التي اعتبرها نوعًا من التجديد والإبداع في الأفكار لأنّها أوجدت حلولًا للمرأة في منطقة شعبية لتجعلها تستمتع مثلها مثل الرجل، على حدّ قوله.

وقال خليفة إنّه يفتخر بالمشروع خاصّة وإنّه أول مقهى نسائي في حي شعبي، مضيفًا أنّه سيساعد على تغيير النظرة لحي بدأ يتطوّر إبان الثورة بشبابه وأفكارهم.

تباينت ردود فعل الرجال بحي التضامن من المقهى النسائي (إيمان السكوحي/ ألترا تونس)

 

غير بعيد عن خليفة، مجموعة من الشباب يتناقشون حول فكرة المقهى، حيث اعتبر محمد بوعلي (33 سنة)، أحد أبناء الحي والذي كان مقيمًا بأوروبا، أنّ المسألة عادية جدًا فعادة ما ترسل النسوة الأطفال للمقاهي لشراء القهوة وهذا سيغنيهم عن هذا الحل، على حدّ قوله.

أما علي (36 سنة)، فيرى أنّ الفكرة جميلة ولكن لن يقع تقبّلها في حي شعبي، مشيرًا إلى قرب موقع المقهى من المدرسة، مرجحًا في الآن ذاته أن يكون سلبيًا على التلميذات، وقائلًا "لا نريد ان نرى تلميذاتنا يتغيبن عن الدراسة للجلوس في المقهى أو أن يكون بيئة غير سليمة لهنّ ونحن في انتظار كيفية تطور الأمر".

عبر أغلب الرجال في أحد مقاهي حي التضامن عن رفضهم لفكرة توجه نسائهم للمقهى النسائي!

وعند سؤالهم عما إذا كانوا سيسمحون لزوجاتهم بارتياد هذا المقهى، ضحك الجميع وأغلبهم عبّر عن رفضه وعن عدم تقبّله للفكرة. وهناك من قال إنّه مازال لم يحدّد موقفه بعد حتى يعرف سمعة المكان مع مرور الوقت، مضيفًا " ليس لنا في عقليتنا "واحد مرتو تمشي تعمل قهوة" ".

وهنا قاطعهم محمّد "لماذا هذه النظرة التشاؤمية؟ هذا المقهى هو صورة جميلة للحي. فإذا لم نؤمن نحن بالفكرة فكيف سيؤمن بها الآخرون. وهذا المكان أفضل لنسائنا إذ أنّهن سيجلسن مع نساء، فقد تريد استقبال أمها أو صديقاتها لمواضيع خاصّة ولا تكون مرتاحة إذا كان زوجها في البيت فيصبح هذا المكان مناسبًا لها". وأضاف أنّ بنات الحي يضطررن للتنقل من أجل إيجاد مكان للجلوس فيه لذلك سكون هذا المقهى أنسب لهنّ وأقلّ تكلفة، على حدّ تعبيره.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عودة برنامج تعليم الكبار.. كبار السن إلى مقاعد الدراسة مجددًا

"اسأل مجرّب وما تسألش طبيب".. عن التداوي الذاتي في تونس