03-أكتوبر-2019

انتقادات من التخويف من إلغاء نتائج الدور الثاني بتعلّة عدم تكافؤ الفرص بعد رفض القضاء الإفراج عن نبيل القروي (الشاذلي بن إبراهيم/Getty)

 

رفض القضاء التونسي الثلاثاء 1 أكتوبر/ تشرين الأول 2019 الإفراج عن المترشح للدور الثاني للانتخابات الرئاسية نبيل القروي وأعلنت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات في اليوم الموالي تثبيت تاريخ إجراء الدور الثاني يوم 13 من الشهر الجاري، على أن تبدأ الحملة الانتخابية يوم الثالث من ذات الشهر.

قرارات ومواعيد ألهبت البلاتوهات الإعلامية وحرّكت المواقع الإخبارية وأطل شبح المجهول برأسه وارتفعت أصوات البعض معتبرة أن بقاء القروي في السجن في مواجهة المترشح للدور الثاني للرئاسية قيس سعيّد يمس من مبدأ تكافؤ الفرص ويضرب المسار الانتخابي.

انطلقت موجة تخويف بعد رفض القضاء الإفراج عن نبيل القروي معتبرة عدم إطلاق سراحه مسًا من مبدأ تكافؤ الفرص وضربًا للمسار الانتخابي

اقرأ/ي أيضًا: العزوف الانتخابي.. صدى الأصوات الغاضبة من "السيستام"؟

وذهبت موجة التخويف لاعتبار أن إعادة الانتخابات قدر لابد منه بل وتعالت أصوات تؤكد أن الطعن في نتائج الدور الثاني سيقلب الموازين السياسية كلها. وكان قد أكد، في الأثناء، رئيس هيئة الانتخابات نبيل بفون أن الهيئة فعلت كل ما بوسعها طالبة الإفراج عن المترشح نبيل القروي مؤقتًا ضمانًا لمبدأ تكافؤ الفرص و"لتجنب معضلة تقلقها".

"ألترا تونس" حاور رؤساء جمعيات مختصة في متابعة المسار الانتخابي وأساتذة قانون لطرق موضوع سيناريو إسقاط نتائج الدور الثاني وإعادة الانتخابات، الذي بات يُتداول في بعض المنابر الإعلامية وذلك بعد رفض الإفراج عن المترشح للرئاسة نبيل القروي، الموقوف على ذمة قضية تهرب ضريبي وتبييض أموال.

محمد مرزوق (رئيس "مراقبون"): تكافؤ الفرص بين القروي وسعيّد غائب منذ سنوات!

بين مد التأويلات السياسية وجزر التحاليل الإعلامية، تسري سيناريوهات يقول محمد مرزوق، مدير "شبكة مراقبون"، أنها "غارقة في الإجحاف ويستسهل قائلوها المفاهيم ويتقاذفونها بلا دراية ولا معرفة وأبرزها ضرب المسار الانتخابي". وبين مرزوق أنه لا مجال للتشكيك في الهيئة العليا المستقلة للانتخابات وكذلك المحكمة الإدارية وأن هذه الهيئات المسؤولة على الاستحقاقات الانتخابية يقر الجميع بنزاهتها و"إن وجهنا لها أحيانًا بعض الانتقادات" على حد قوله.

وأكد رئيس شبكة مراقبون لـ"ألترا تونس" أن المحكمة الإدارية هي الوحيدة المخول لها إصدار الأحكام وتقرير مآل الانتخابات مبينًا أن الطعن في نتائجها من حق أي كان ومن بينهم المترشح نبيل القروي.

محمد مرزوق: تسري سيناريوهات غارقة في الإجحاف ويستسهل قائلوها المفاهيم ويتقاذفونها بلا دراية ولا معرفة وأبرزها ضرب المسار الانتخابي

وأشار إلى أن الفصل 53 من القانون الانتخابي يطالب بتكافؤ الفرص بين المترشحين، ويعتبره خرقًا خطيرًا في حال أثر بصفة جوهرية وواضحة على النتائج، ووقتها فقط يمكن للهيئة العليا المستقلة للانتخابات أن تبين أن مبدأ تكافؤ الفرص أضر بمترشح على حساب آخر.

"مبدأ التكافؤ مشروط" يقول محدثنا، مشددًا أن الفارق بين المترشحين تحدده أصوات الناخبين وحدها وأضاف أنه لا يمكن إلغاء الانتخابات أو إعادتها مادامت المخالفات لم تؤثر بصفة واضحة، وهو ما حدث في الدور الأول بعد إقرار الهيئة بوجود مخالفات ولكنها لم ترق للجريمة الانتخابية ولم تؤثر على أصوات الناخبين.

ويقر محمد مرزوق بأن اللا تكافؤ موجود بين المترشحين القروي وسعيّد، على اعتبار أن المترشح الأول في السجن والثاني طليق خلال الحملة الانتخابية، ولكن نبه رئيس "مراقبون" أن غياب تكافؤ الفرص موجود منذ خمس سنوات، وهو ما لم ينص عليه القانون وفق قوله، وذلك باعتبار أن أحد المترشحين يملك قناة تلفزية تتحدث عنه يوميًا وصاحب جمعية خيرية وزعت الإعانات على المواطنين، في إشارة إلى نبيل القروي، على عكس المرشح الثاني سعيّد.

معز عطية ("كلنا تونس"): الحديث عن إلغاء الانتخابات عملية تشويش

بدوره لم يخف رئيس جمعية "كلنا تونس" معز عطية حرصه أن تُنظم الانتخابات بصفة عادية دون جدل قانوني وأن يتمتع المترشحان بحقهما في الحملة الانتخابية وكليهما في حالة سراح لكن الواقع على حد تعبيره غير ذلك على اعتبار أن أحد المترشحين موقوف على ذمة قضية بموجب شكاية تعود لعام 2016.

معز عطية: يمكن أن نطرح مسألة تكافؤ الفرص أيضًا في حالة امتلاك وسائل إعلام واعتماد الإشهار السياسي على مواقع التواصل الاجتماعي وأيضًا في استعمال الجمعيات كغطاء انتخابي

لكن في المقابل، يوضح عطية لـ"ألترا تونس" أن كل المراجع القانونية المتعلقة بالانتخابات وعلى رأسها الدستور لم تنص على إعادة الانتخابات في حال غياب مبدأ تكافؤ الفرص أو أن ذلك يضرب المسار الانتخابي برمته معتبرًا أن مثل هذه التصريحات هي "تشويش وتمس من سمعة البلاد وانتخاباتها".

اقرأ/ي أيضًا: التصويت الأبيض في الانتخابات الرئاسية.. رقم لافت في مشهد ضبابي

وذكّر، في هذا الإطار، أن الدور الأول من الانتخابات انتظم في الظروف نفسها، وأن المرشح نبيل القروي كان سجينًا وبعد إعلان النتائج الأولية لم يطعن في الانتخابات وقبل بنتائجها.

ومبدأ تكافؤ الفرص، يقول رئيس "كلنا تونس"، إنه لا يتعلق بالمترشح في شخصه إن كان حرًا أو مسجونًا بل يتعلق أيضًا بجملة من المقومات الأخرى كامتلاك وسائل إعلام واستغلال وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الإشهار السياسي قائلًا "وهنا أيضًا يمكن أن نطرح مسألة تكافؤ الفرص إلى جانب استعمال الجمعيات كغطاء انتخابي".

ويعتبر عطية أن الهيئة العليا للانتخابات بذلت ما في وسعها لضمان مبدا التكافؤ بين المترشحين لكن القضاء أيضًا مستقل وأن القاضي يصدر أحكامًا حسب التهم بغض النظر عن الأسماء والأشخاص. وأضاف أن المترشح نبيل القروي هو مواطن كغيره من المواطنين له حقوق وعليه واجبات ولا يمثل استثناءً ولا يمكن مراعاة أي كان حتى وإن مترشحًا للانتخابات الرئاسية.

محمد صالح بن عيسى (أستاذ القانون العام): استقلالية القضاء خط أحمر

إن كانت هذه آراء ممثلين عن المجتمع المدني والمتعهدين بمراقبة الانتخابات وملاحظتها، فإن أستاذ القانون العام محمد صالح بن عيسى، الذي شغل منصب وزير العدل عام 2015، يعتبر في تصريح لـ"ألترا تونس" أن الوضعية الحالية "معقدة واستثنائية لم تعرفها الساحة القانونية".

محمد صالح بن عيسى: استقلالية القضاء خط أحمر وهي نتاج سنوات من النضال ضد الدكتاتورية

وأشار إلى أن القانون الانتخابي فيه ثغرات لأنه لم ينص على أن يكون المترشح غير متتبع قضائيًا، مؤكدًا أن "الحالة لم يعرفها العالم وهي وضعية فريدة"، مضيفًا أن المفارقة تكمن برأيه في قرار قضائي يجب الالتزام به واحترام استقلاليته من جهة أولى، ووجود استحقاق انتخابي سياسي من جهة أخرى.

وأكد أن "عدم تكافؤ الفرص هو إشكال جدي وهي وضعية معقدة قد تتعقد أكثر إذا ما تم انتخاب المترشح للدور الثاني الموقوف في السجن نبيل القروي" معتبرًا هذا السيناريو هو الأخطر والأعمق وفق تعبيره. 

ومن الناحية النظرية والقانونية، يرى وزير العدل السابق وأستاذ القانون العام أن القضاء وحده سينظر في الطعون ويصدر حكمًا عن النتائج شريطة إثبات مبدأ اللاتكافؤ وهو ما يؤكد أنه بيد القاضي الإداري دون سواه.

وأكد، في هذا السياق، أن "استقلالية القضاء خط أحمر وهي نتاج سنوات من النضال ضد الدكتاتورية" معتبرًا إن القول بإن ما يحدث ضرب للمسار الانتخابي "هو اتهام خفي للقضاء وهو أمر غير مقبول"، وفق رأيه.

 

اقرأ/ي أيضًا:

بعد نتائج الدور الأول للانتخابات الرئاسية التونسية.. حركة النهضة إلى أين؟

الدور الأول لرئاسية 2019: ثورة ناعمة تهز كيان المنظومة السياسية القائمة