09-أبريل-2021

وجدت الجمعيات نفسها أمام وضع حرج وسط إجراءات مشدّدة فرضتها الحكومة (صورة أرشيفية/ أمين الأندلسي/ الأناضول)

 

ما فتئت جائحة كورونا تلقي بظلالها على جلّ القطاعات في تونس، حتّى مسّت الجانب الاجتماعي وأضرّت بالاقتصادي وعمّقت اغتراب الثقافيّ.. ولعلّ الجمعيات الثقافية التي دأبت على النشاط في سائر السنة، لتضاعف نسق برامجها في شهر رمضان، وجدت نفسها أمام وضع حرج أمام تفشٍّ سريع لعدوى فيروس كورونا وسط إجراءات مشدّدة فرضتها الحكومة، بشكل دفع هذه الجمعيات إلى ترحيل هذه النشاطات وتأجيلها أو حتّى إلغائها.

توجّه "الترا تونس" بالسؤال إلى أحمد المرساوي نائب رئيس جمعية "الشباب القادة" بمساكن من ولاية سوسة، فتحدّث عن تأجيل نشاطيْن كانا مبرمجيْن في آخر شهر رمضان، وموجّهيْن إلى عدد من الجمعيات مثل رعاية اليتامى ومرضى السرطان.

وقال المرساوي إنّ هذين النشاطيْن يهدفان إلى تقديم الهدايا للأطفال المرضى أثناء يوم تنشيطيّ تتخلّله الألعاب والمسابقات، يسبقهما تجميعٌ للهبات عبر نصب خيمة أمام دار الثقافة بالجهة، مضيفًا: "جمع الهبات وتنظيم اللقاء، كلاهما أصبح متعذّرًا، وسيتم الاقتصار على تسليم الهدايا مباشرة للقائمين على هاته الجمعيات، والاستغناء عن جانب التنشيط التفاعليّ".

وكانت رئاسة الحكومة في تونس قد أعلنت جملة من القرارات بهدف وضع حدّ للانتشار السريع لعدوى فيروس كورونا، من بينها: إقرار حظر الجولان وغلق الأسواق الأسبوعية ومنع التجمعات العامة والخاصة قبل أن تتراجع في تشديد بعض الضغوط وتقرّ جملة من المساعدات الاجتماعية.

اقرأ/ي أيضًا: من بينها تغيير توقيت حظر التجول.. المشيشي يعلن عن إجراءات جديدة لمجابهة كورونا

وفي السياق ذاته، تواصل "الترا تونس" مع مسؤولة التواصل والإعلام بجمعية "من أجل تونس نظيفة" يسرى الزديني، فكان أن عبّرت عن استحالة مواصلة نشاط جمعيتها في رمضان خاصة وأنّه يتعلّق بتدريب عدد من المواطنين على كيفية فرز الفضلات، وجعلهم قادرين على صنع السماد الطبيعي من خلال فضلاتهم المنزلية، النشاط الذي يقتضي حضورًا داخل قاعات التدريب.

يسرى الزديني لـ"الترا تونس": استحالة مواصلة نشاط الجمعية في رمضان خاصة وأنّه يتعلّق بتدريب عدد من المواطنين على كيفية فرز الفضلات وهو يقتضي حضورًا داخل قاعات التدريب

وقالت الزديني في هذا الإطار إنّ هذا المشروع كان مبرمجًا في رمضان، نظرا لارتفاع نسق استهلاك التونسي للمأكولات، بشهادة جلّ الأرقام والإحصاءات الرسمية، "التونسي يقوم برمي الكثير من الأكل في رمضان في سلة المهملات.. أردنا استغلال الظرف والقيام بدورنا كجمعية بيئية، لكنّ الإجراءات المتّخذة من قبل الحكومة عطّلت الأمر" وفق وصفها.

ولدى سؤالها عن إمكانية القيام بهذه الأنشطة عن بعد، أجابت المسؤولة في الجمعيّة البيئية أنّ القيام بهذا النشاط عبر منصات الاجتماع والتدريب عن بعد غير مُجدٍ، "إذ يحتاج المتدرّب أن يلمس السماد الطبيعيّ بيديه، أن يخلطه، أن يشمّ رائحته.." حسب تعبيرها.

اقرأ/ي أيضًا: الثقافة والحرب على الكورونا في تونس

ولم يتوقّف الأمر عند تأجيل بعض النشاطات الداخليّة لعدد من الجمعيّات، إذ تجاوز ذلك ليشمل جمعيات متعهّدة مع مموّلين أجانب ومانحين، وهو الحال مع جمعيّة "آفاق النجاح" في مشروعها "شباب في سلام"، وقد صرّح المسؤول عن المشروع محرز الشعباني أنّ المانحين ضبطوا روزنامة وطالبوا الجمعية باحترامها، غير أنّ هذا لم يحصل.

وتابع الشعباني: "المشروع يستغرق 8 أشهر، وقد اضطررنا أساسًا إلى تقليص هذه المدة إلى 4 أشهر فقط، نظرًا لاشتغالنا مع المعاهد الأساسية وما رافق هذه السنة الدراسية من تعطيلات وتوقّف للدروس".

وأمل المسؤول بالجمعية في أن يتفهّم المانحون هذه "التعطيلات الخارجة عن سيطرتهم" وفق وصفه، معتبرا أنّ الجمعيّة بقيت في إحراج مع هؤلاء المانحين والمدعوّين ومن بينهم حتّى نوّاب بمجلس نواب الشعب.

محرز الشعباني لـ"الترا تونس": الجمعيّة بقيت في إحراج مع الشركاء المانحين والمدعوّين

وحول غياب الرؤية وضبابية قرارات الحكومة تحدّث محمد أولا رحيلة رئيس جمعية معًا للمواطنة والتغيير لـ"الترا تونس"، عن أنّ ندوةً حول العنف المسلّط ضد المرأة كانت مبرمجةً خلال الفترة القادمة لكن وقع تأجيلها باعتبار أنّ الولاية التي ستحتضن النشاط تعرف نسق عدوى مرتفع بفيروس كورونا، قائلاً: "نأخذ بعين الاعتبار في نشاطاتنا القادمة الإجراءات الجديدة للحكومة.. ولولا الجائحة لكانت لدينا نشاطات أكثر على الميدان" حسب تعبيره.

بدا إذًا أنّ جائحة كورونا قد فرضت على الأنشطة الثقافية في تونس واقعًا جديدًا. على أنّ هذا الواقع يزداد ضبابيّةً بقرارات تتّخذها الحكومة بشكل فجئيّ، لتتراجع عنها سريعًا وتخفّف منها، ما جعل عديد الفاعلين بالمجتمع المدنيّ يدعونها إلى ضرورة وضع استراتيجيّة عمل غير متذبذبة، تراعي مصالحهم ولا تكبّدهم المزيد من الخسائر.

 

اقرأ/ي أيضًا:

مسلسلات رمضان 2021 في تونس.. جواسيس و"بوليس" وعودة للتاريخ

كيف يستعد التونسيون لشهر رمضان؟