22-يوليو-2022
الاستفتاء في تونس

تبقى أغلبيّة التونسيّين مقاطعة للعرض السياسي ككل ذلك أنه لم يرتق إلى المستوى المطلوب منذ الثورة إلى اليوم (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

مقال رأي

 

يعتبر مسار 25 جويلية، الذي انطلق بعد قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد التي تمّ بموجبها عزل الحكومة التونسيّة وتجميد عمل البرلمان وحلّه فيما بعد، بداية مرحلة جديدة في تاريخ تونس ما بعد الثورة. وقد تغيّرت الخارطة السياسية وشهدت الأحزاب قواعد لعبة جديدة أدّت إلى حرب تموقع خلطت الأوراق بين مساند ورافض لما حصل.

أرسى سعيّد بالبلد في آخر محطات المسار وهو الاستفتاء على نص دستور صاغة دون الاستماع لا إلى المعارضين ولا الموالين

لكن منذ سنة تقريبًا، كان قيس سعيّد ناظرًا لكلّ النقاش السياسي الحزبي من بعيد غير مبالٍ به. وقد أرسى بالبلد في آخر محطات المسار وهو الاستفتاء على نص دستور صاغة دون الاستماع لا إلى المعارضين ولا الموالين. نص، سيكون محلّ استفتاء يوم 25 جويلية. فهل يمكن أن يكون الدستور الجديد وسيلة للقطع مع هنات العشريّة الفارطة؟ وأيّ مستقبل للأزمة السياسية في ظلّ هذا الانفراد من رئيس الجمهوريّة؟ وهل تتوفّر الضمانات اللازمة لنجاح هذا الاستفتاء؟

  • استحقاق فردي في عيد الجمهورية: حرب الرّمز واستحالة الإقناع

في توطئة مشروع الدستور المعدّل والذي سيتمّ التصويت عليه في الاستفتاء، نفهم أنّ رئيس الجمهوريّة قيس سعيّد يتشبّث بأحقيّته في فرض رؤيته الخاصة للتاريخ. وفي انسجام تام مع ما حصل منذ أشهر عندما تمّ تغيير تاريخ عيد الثورة. نرى أنّ التاريخ في فاتحة الدستور يبدأ مع 25جويلية الذي يعتبر امتداداً لثورة 17 ديسمبر.

إن المتمعّن في الخطاب المسوّق من الرئيس يستشفّ بسهولة نظرة أحاديّة للتاريخ التونسي

يخوض قيس سعيّد حروبه الرمزية إلى آخرها ويقرّر أن يقع الاستفتاء يوم عيد الجمهورية. وهو خيار يباركه أنصاره لأنهم يعتبرون التصويت بنعم بداية عهد جديدٍ مع الجمهوريّة الجديدة التي يبشٍّر بها ساكن قرطاج. لكن، إذا ما قاربنا المسألة من جانب آخر، نفهم أنّ الصراع السياسي قد عصف بتاريخ كان، حتّى وقتٍ قريبٍ، فرصة لتجميع التونسيين على كلمة واحدة مستحضرين تاريخًا مهًمّا تمّ القطع فيه مع الملكيّة والظلم.

إنّ المتمعّن في الخطاب المسوّق من الرئيس، يستشفّ بسهولة نظرة أحاديّة للتاريخ التونسي. فمن خلال النص الدستوري المقترح، لم ينجح في التجميع الذي يعتبر سمة الدساتير في مختلف بلدان العالم. لا يأتي ذلك عن جهل – فهو الأستاذ المختصّ في القانون الدستوري – بل هي نتيجة حتميّة لضرب المنطق المتعارف عليه دوليًا وهو أخذ التراكمات التاريخيّة للبلد بعين الاعتبار عند وضع نص يكون هو المحدّد لمستقبل الأجيال القادمة.

لم ينجح النص الدستوري المقترح في التجميع الذي يعتبر سمة الدساتير في مختلف بلدان العالم

فالدستور المقتَرَح للاستفتاء لم ترفضه الطبقة السياسيّة بل من اختارهم الرئيس ليقدّموا مقترحات ويشرفوا على لجانٍ جاءت في مرسوم رئاسي. وهو ما يفتح الباب أمام مجموعة من التساؤلات عن جدوى هذا النص الذي سيستفتى عليه الشعب التونسي في ظلّ ضغط آجالِ وظروف استثنائيّة أشارت إليها هيئة الانتخابات أكثر من مرّةٍ.

 

 

  • هيئة الانتخابات: معضلة التعيين ومأزق الاستقلالية

يرفض العديد من الخصوم السياسيين لمسار 25 جويلية الخوض في أصل مشروع الدستور. ويرتكزون في ذلك على قاعدة ما بُنِيَ على باطل فهو باطل. فيما يشير آخرون إلى إشكاليّة الهيئة العليا المستقلّة للانتخابات التي تعتبر الحكم في كل استحقاق انتخابي منذ 2011. ففي ظلّ الظروف الاستثنائيّة التي عاشها البلد والقراءة المتوسّعة للفصل 80 مع الأمر 117. بات قيس سعيّد الفاعل السياسي الوحيد الذي يحتكر كلّ السلطات. وهو ما أدّى إلى تعيينه شخصيًا لأعضاء هيئة ستشرف على الاستفتاء.

من إشكاليات هيئة الانتخابات التي تعتبر حكمًا في الاستفتاء الحالي أنها معيّنة من الرئيس التونسي وحتى عند طلبها تأجيل موعد الاستفتاء، قام سعيّد بتجاهلها

ولعلّ ما يعمّق هذه الأزمة، هو طلب هذه الهيئة تأجيل موعد الاستفتاء وتجاهله من طرف الرئيس. فإلى أيّ مدى يمكن أن تحافظ هذه التركيبة على استقلاليّتها في ظلّ ضغط الآجال والوضع السياسي المتوتّر.

فالهيئة، هي أكثر طرف يجب أن يتمتّع بمنسوب ثقة عال من مختلف الأطراف المتدخّلة في الاستحقاق القادم. الأمر الذي بات مستحيلًا رغم ما يؤّكده رئيسها فاروق بوعسكر. فالتطمينات على المستوى اللوجيستي والموارد البشريّة لا يمكن أن تنجح في تجاوز أزمة الثقة الموجودَة والطعن في مصداقيّة الهيئة في ظلّ حالة من الغموض حول مآلات هذا المسار الذي اختلطت فيه القرارات بشخص صاحبها وأصبح النقاش عن مشروعيّة الرئيس لا تقييمًا للمنجز في عشرة أشهر.

 

 

  • نعم أم لا: استفتاء على النص أم تجديد لمشروعيّة الرئيس؟

لا يخفي رئيس الجمهوريّة قطعه الراديكالي مع منظومة يعتبرها فاسدة ومسار سُرقت فيه الثورة منذُ 14 جانفي/يناير، حسب رأيه.  لكنّ اللافت أنّ إكراهات المنصب تجبره – نظريّاً - على أن يكون رئيساً لكلّ التونسيّين. غير أنّ الأمر الواقع يكشف حقائق أكثر تعقيدًا. من ذلك مثلًا عمليّة الخلط التي تحصل في أذهان العديد من المواطنين والذين ينوون التصويت ضدّ أو مع الرئيس. في حين أنّ النقاش على نص دستور. والحقيقة أنّ هذه الضبابيّة قد تمثّل أحد المطبّات التي يمكن أن تضعف من شفافيّة الاستحقاق.

الأصل في الأشياء ألاَّ يكون يوم 25 جويلية محاولة لتجديد الثقة في رئيس الجمهوريّة، بل هو قبول أم رفض لمشروع دستور

فالأصل في الأشياء ألاَّ يكون يوم 25 جويلية محاولة لتجديد الثقة في رئيس الجمهوريّة، بل هو قبول أم رفض لمشروع دستور. من جهة أخرى، ساهم الرئيس في تعزيز هذا الوضع الضبابي. ذلك أنّه لا وجود لذلك الخيط الرفيع بين الرئيس كممثل للدولة التونسيّة وصاحب المشروع.

كما أنّ مسألة الآجال تعود مرّة أخرى إلى الواجهة. فشرح ونقاش مشروع الدستور لا يمكن أنْ يتمّ في ظرف قصير وفي وضعيّة استثنائيّة كالتي تعيشها البلاد منذ 25 جويلية.

بين رافض ومؤيّد ومقاطع، تبقى أغلبيّة التونسيّين مقاطعة للعرض السياسي ككل. ذلك أنه لم يرتق إلى المستوى المطلوب منذ الثورة إلى اليوم. أما عن استحقاق الاستفتاء، فالعديد من المراقبين يعتبرون أنّه لن يكون حلاًّ لسببين أساسيين: أولًا استحالة كسب المشروعيّة التي تتطلّب نسب إقبال أكثر من 50 بالمائة من أكثر من 9 ملايين مسجّل. والسبب الثاني يتعلّق باستحالة قبول جل الأطراف السياسيّة لهذا الدستور وهو ما سيعمّق الأزمة ويضيع فرصاً إضافية على الدولة التونسيّة.

 

  • المقالات المنشورة في هذا القسم تُعبر عن رأي كاتبها فقط ولا تعبّر بالضرورة عن رأي "ألترا صوت"