12-أغسطس-2019

صوت وصورة يعكسان حبّ ألفة حمدي للغناء البدوي والإيقاعات التونسية العميقة

 

"عندما تحب المرأة تحب بصوت عال وتعبر عن حبها بالصورة والصوت"، كلمات للشاعر نزار قباني تروي حكاية شابة تونسية عشقت الغناء البدوي وهامت، وحلّقت بكلماته على أجنحة الحلم. هي أصيلة منزل بوزيان، من محافظة سيدي بوزيد، حيث اعتادت أذنها على سماع أهازيج تتغنّى بها والدتها والنساء في حيّها، أحبّتها وهي طفلة، وكبرت اليوم وعبّرت عن هذا الحب بصوت بدوي وإطلالة تحتفي بالحلي التقليدي.

مساحات ألفة حمدي الصوتية التي تظهر تفرّد خامتها تحوي سحرًا لا يشبهه إلا سحر الشرق الكامن في نوتات السنطور

على الركح، تحمل بعضًا من ملامح المكان الذي قدمت منه، في وجهها سمرة التربة في بوزيان، وعلى ذقنها وشم يحاكي وشم الجدّات، وعلى صدرها وشاح تتزيّن به النسوة في الأرياف، ويروي صوتها قصص الحب وما فيها من هجر ووصال، هي ألفة حمدي فنّانة ترسم دربها بخطى واثقة.

اقرأ/ي أيضًا: سمر بن عمارة.. العازفة التي أنّثت "الزُكرة"

 

ألفة حمدي ​انطلقت في الغناء لتنتشي وتطرب ولم يكن يدور ببالها أن تمتهن الأمر

 

صوت وصورة يعكسان حبّها للغناء البدوي والإيقاعات التونسية العميقة، حضور صارخ وإحساس يحاكي الكلمة واللحن، هذا ما تلاحظه وأنت ترقبها في مصافحة أولى في افتتاح أيام قرطاج الموسيقية في السنة الماضية. كانت تطلق العنان لصوتها المتفرد، ليصدح بكلمات أغنية حفظتها عن أمّها، وهي تغنّي تذكّرك بأهازيج النسوة في الأعراس، بحليهن التقليدي وأزيائهن ووشمهن، هي لم تغن فحسب بل عزفت أيضًا على آلة السنطور الشرقية التي يندر العزف عليها في تونس.

مساحاتها الصوتية التي تظهر تفرّد خامتها تحوي سحرًا لا يشبهه إلا سحر الشرق الكامن في نوتات السنطور، نوتات تحملك إلى عوالم الحب والسكينة والنيرفانا حيث لا شيء غير السلام الروحي. سلام داخلي وجمال نابع من الأعماق، هدوء وراحة تدرهم الآلة الموسيقية العراقية ذات الأصول البابلية، وتأسرك في دائرة من الاستقرار الروحي، وكأن نغماتها ترفعك عن الأرض وتأخذك إلى عوالم ملائكية.

تغني ألفة حمدي لتنتشي وتطرب ولم يكن يدور ببالها أن تمتهن الغناء خاصة وأن بعض المقربين منها كانوا يتهكمون على أسلوبها في الغناء

وألفة حمدي التي تجيد العزف والغناء، تقول في حديثها لـ"ألترا تونس" إنها لم تكن لتتوقع يومًا أنّها ستدخل عالم الموسيقى وتعتلي ركح مهرجان قرطاج الدولي في سهرة الفن البديل يوم 23 جويلية/ تموز 2019، وهي التي كانت تغنّي لتقلّد أمّها التي تجيد غناء النمط البدوي، طفلة تحاكي أمها كبرت وكبر معها حبّها للغناء.

هي تغنّي لتنتشي وتطرب، ولم يكن يدور ببالها أن تمتهن الغناء خاصة وأن بعض المقربين منها كانوا يتهكمون على أسلوبها في الغناء، تهكّم مثّل لها دافعًا لأن تدرّب صوتها على الغناء بطريقة أفضل وكان أن شاركت في حفلات موسيقية في المدرسة الإعدادية، وفق روايتها.

وفي السنة الثالثة من المرحلة الثانوية، كانت خطوة اختيار الموسيقى مادّة اختيارية بداية تشكّل توجّه مستقبلي لطفلة عشقت كلمات الأغاني التي تردّدها أمها على مسمعها، وكانت ملاحظات أستاذ الموسيقى المشيدة بصوتها خلال سنتين من الدروس سندًا في تحدّيها لمن سخروا من صوتها، كما تحدثت لـ"الترا تونس".

اقرأ/ي أيضًا: مهرجان الحمامات: حضر زياد.. وغابت روح "الرحابنة"

اختيار ألفة حمدي لآلة السنطور نابع عن بحثها عن التفرد والاختلاف

 

وعن اختيارها الدراسة في المعهد العالي للموسيقى بسوسة، تقول ألفة حمدي إنّها اختارت الموسيقى حينما كانت وجهًا لوجه مع التوجيه الجامعي من منطلق عاطفي وهي التي رجّحت كفة المجال الذي تحبّ. لكن الأمور في بدايتها لم تسر معها على ما يرام، وعرفت رحلتها في عالم الموسيقى انقطاعًا لأسباب ذاتية، عادت بعدها أكثر عزمًا على المضي قدمًا في درب اختارته عن حب، ولكن اختيارها العزف على آلة السنطور لم يكن في البداية نابعًا عن حب.

عن المصافحة الأولى مع هذه الآلة التي لا تستقطب عازفين كثرًا في تونس، تقول ألفة حمدي إنّها اختارت في البدء أن تعزف على آلة الغيثار لكن لم تتمكّن من ذلك، الأمر الذي أدخلها في دوامة من الحيرة سرعان ما غادرتها باختيار العزف على آلة القانون التي تحبّها، وفق حديثها.

ألفة حمدي لـ"ألترا تونس": العزف على السنطور يختلف عن العزف على آلة القانون وإن كان بينهما شبه في الظاهر

غير أنّ الظروف المادية حالت دون أن تقتني آلة قانون في تلك الفترة فتراجعت عن الفكرة ولم يبق أمامها سوى اختيار العزف على آلة العود التي لم تكن شغوفة بها، إلى أن كان أحد دروس المعهد العالي للموسيقى بخصوص آلة السنطور، التي لا يدرّسها في تونس سوى أستاذ واحد هو محمد زكي درويش. وفي حديثها عن رحلتها في عالم هذه الآلة ذات الأصول البابلية، تشير ألفة حمدي إلى أنّه في سنة خمسة عشر وألفين أي سنتها الأولى في المعهد، طالبتان فقط اختارتا العزف عليها، مؤكّدة أن اختيارها لهذه الآلة نابع عن بحثها عن التفرّد والاختلاف.

أما عن العزف على هذه الآلة الموسيقية، فتقول إنّه يختلف عن العزف على آلة القانون وإن كان بينهما شبه في الظاهر، وإن كان عازف القانون يلامس الأوتار بريشتين فضيتين في سبابتيه فإنّ عازف السنطور يداعب الأوتار بمضربين من الخشب ويبدّل الأصوات بتحريك الحمالات التي تسند الأوتار التي تكون من البرنز، وفق حديثها.

والسنطور ذو النغمات الساحرة، لا يمكنه أن يعزف كل الطبوع التونسية لأنه شرقي بالأساس، على حدّ قولها، وإن كان بالإمكان تطويعه في بعض المقطوعات الموسيقية. وكما الغناء، تبثّ ألفة حمدي من روحها في العزف، فتتماهى مع النوتات، وهي اليوم ماضية في طريقها المختلف، ولعلّها توجد نقطة التقاء بين الغناء البدوي التونسي ونوتات السنطور الشرقي.

 

اقرأ/ي أيضًا:

سهرة الموسيقى البديلة بقرطاج: التجريب الشبابي مع الموروث الموسيقي التونسي

مهرجان سينما الهواة بقليبية.. إرث نصف قرن