"خجولة لكنها تعرف جيداً متى تكون جريئة.. تلك أقوى النساء"، كلمات لشاعر المرأة والوطن نزار قباني، تنطبق على العازفة سمر بن عمارة، تلك العازفة التي اقتحمت "عالم الرجال" وكسرت الصور النمطية المرتبطة بعزف بعض الآلات الموسيقية.
هي المتفرّدة المختلفة والمتمرّدة، هي التي لم تلق بالًا إلى كل الحواجز الذي قد تصادف إمرأة قرّرت دون تخطيط أن تتسلل إلى عالم اقترن في المخيال الجمعي بالرجال، لتكون أوّل عازفة لآلة "الزُكرة" في العالم العربي.
سمر بن عمارة هي أوّل عازفة لآلة "الزكرة" في العالم العربي وهي تلقّب اليوم بـ"ملكة الزكرة" وقد شاركت في مهرجانات محلية ودولية
في البدء، لم تكن آلة ''الزُكرة" الخيار الأوّل للعازفة المتخرجة من المعهد العالي للموسيقى والباحثة في الدكتوراه، إذ كانت انطلاقة رحلتها في عالم الموسيقى بالعزف على آلة العود، ومن ثم آلة البيانو ولما لم يكن بإمكانها اقتناء بيانو اختارت الناي رفيقًا وأنيسًا، وفق حديثها لـ"ألترا تونس".
اقرأ/ي أيضًا: "تراتيل" العشق.. رحلة "إسرافيل" في عوالم "الديدجيريدو"
وهي تتحدّث عن آلة الناي، تشكّ في الوهلة الأولى أنّها تتحدّث عن آلة موسيقية، بل تجزم أنها تتحدّث عن كيان نابض وروح حيّة، ذلك أنّ آية الناي تهز كيانها وتمسّ وجدانها، وتحاكي خلجات نفسها وهي، على حدّ تعبيرها، آلة مفعمة بالحنان والمرونة.
وسمر بن عمارة، هي العازفة الوحيدة في تونس المتخصّصة في عزف آلتي الناي و"الزُكرة"، وكانت بدايتها مع عازف الناي هشام بدراني، ومن ثم ساندها العازف جمال عبيد في قرار تعلّم العزف على آلة "الزُكرة" التي أسرتها في حصص تدوين موسيقى الشعوب التي يؤمّنها الموسيقي زهير قوجة.
من عروض "ملكة الزُكرة" سمر بن عمارة
ورغم أنّ تقنيات العزف على "الزُكرة" صعبة نوعًا ما على اعتبار أنّها تتطلّب طريقة معيّنة للتنفس وهو ربّما ما يجعلها حكرًا على العازفين من الرجال، جازفت بن عمارة وكانت قطرة غيث في أرض قاحلة، وهي إلى اليوم تبحث في "الهنك" التونسي والشعبي وتتمعّن في الأساليب الموسيقية للجهات وخصوصياتها.
ورحلتها في البحث والتأمل في عالم الموسيقى الشعبية لا تنقطع، على اعتبار أن آلة "الزُكرة" تنتمي إلى هذا العالم وهي التي تزين ألحانها الأفراح إذا عانقت إيقاعات الطبل. فمنذ ما يزيد عن العشر سنوات، دأبت محدّثتنا على العمل الميداني بتحويل ما تسمعه من ألحان منبثقة عن "الزُكرة" في جهات مختلفة إلى كتابة موسيقية.
سمر بن عمارة: العزف على "الزُكرة" متعب ويتطلب تمارين كثيرة وهي آلة تتطلب طريقة معيّنة للتنفس ما جعلها حكرًا على الرجال
اقرأ/ي أيضًا: رضا الجندوبي.. صانع عود يبعث الروح في الخشب
وطريق العازفة المتمرّدة لم يكن مفروشًا بالورود، إذ واجهت عديد الانتقادات في البداية، وعانت من بعض الأحكام المسبقة، ولكنّها لم تتوقف عند كل العثرات التي واجهتها، وهي التي تحمل صوت "الزُكرة" في ذاكرتها وقلبها، ذلك أنّ الأعراس التي كانت تحضرها في محافظة باجة التي ترعرعت فيها لا تخلو من ألحان "الزكرة" و"الطبل".
وفي العروض التي شاركت فيها، كانت سمر بن عمر ترفق وصلة الناي بوصلة "زُكرة" إلى أن تمكّنت من نحت إسمها في هذا العالم وأنّثت الآلة التي كانت حكرًا على الرجال، ومازالت إلى اليوم تتعلم تقنيات التنفّس وتحاول أن توجد بصمتها الخاصة في العزف.
ولم يخف بعض العازفين امتعاضهم من الوافدة الجديدة على "الميدان" واعتبروا ذلك منافسة لهم، إلا أن ذلك لم يكن عائقًا أمامها بل واصلت البحث في هذه الآلة، وكانت الإرادة سلاحها في مواجهة الانتقادات لتجد لها موطئ قدم وتصبح من العازفين المنفردين، وقد لُقّبت في اليوم العالمي للمرأة سنة 2009 بـ"ملكة الزكرة".
أنّثت سمر بن عمارة الآلة التي كانت حكرًا على الرجال
ورغم مشاركتها العزف في عروض في مهرجانات عريقة على غرار مهرجان قرطاج ومهرجان المدينة وعروض خارج تونس إلى جانب عزفها في العيد الوطني الفرنسي، إلا أن سمر بن عمارة مازلت منكبة على الحفر عميقًا في الموسيقى الشعبية التونسية التي اختارتها دون غيرها من الأنماط الموسيقية.
وفي حديثها لـ"ألترا تونس" عن رحلتها في عالم "الزُكرة"، تترجم نبرتها الطفولية العفوية حبّها لهذه الآلة التي تقول إنّها تبثّ فيها بعضًا من روحها وتهرب إليها رغم أنّ العزف عليها متعب ويتطلّب تمارين كثيرة، ولكنّه في المقابل منحتها الشهرة وهو ما يشحنها بطاقة إيجابية تجعلها قادرة على مواجهة كل الصعوبات، وفق قولها.
طريق العازفة المتمرّدة لم يكن مفروشًا بالورود إذ واجهت عديد الانتقادات في البداية ولكنها واصلت طريقها وهي ترغب الآن في تعلم "المزود"
ولئن اقترن اسمها بالعزف على آلة "الزُكرة" إلا أن في قلبها أماكن لآلات موسيقية تجيد العزف عليها على غرار الكلارينات والناي والبيانو و"الأورغ" وأخرى ترغب في العزف عليها على غرار "المزود".
وسمر بن عمارة اتخذت الحب زادها في تحويل رغبتها في العزف على آلة "الزُكرة" إلى حقيقة تلمسها من خلال مشاركتها في عروض موسيقية داخل تونس وخارجها، وطيلة رحلتها في تأنيث الآلة التي طالما كانت حكرًا على الرجال تسلّحت بمقولة جلال الدين الرومي من دون الحب.. كُل المُوسيقى ضجيج.. كل الرقص جنون.. كل العبادات عبء".
شاهد/ي أيضًا: