خلال جولة بالمدينة العتيقة بسوسة، بدت لي، بالمعاينة، الحركة السياحية نشيطة جدًا في مستهل هذا الموسم برؤية جحافل من السياح الأجانب ينحدرون من جنسيات مختلفة، منها وفود منظمة تنزل من الحافلات المخصصة، وعائلات تخرج للفسحة من مقرات إقامتها القريبة، عدا عن سياح يتجولون بشكل فردي. وهذا النمو في الطلب السياحي يرافقه حتمًا تزايد الطلب في المرشدين السياحيين والمرافقين لاكتشاف أسرار المدينة.
وخلال هذه المعاينة، لاحظتُ مجموعة متكونة من خمسة سياح، يبدو أنهم من أسرة واحدة ذي ملامح آسيوية، اعترضهم شخص في حديقة "سيدي يحي" ليعرض عليهم خدماته كدليل سياحي. ولا تدلّ هيئة الرجل على أنه يعمل دليلًا سياحيًا محترفًا ومعتمدًا من الهيئات المعنية، ولكنه كان طليق اللسان فصيح النطق بلغة القوم.
يمسّ المرشدون السياحيون العشوائيون و"البزناسة" كما يسمون في العامية من صورة الوجهة التونسية في أعين السياح الأجانب خاصة
اقرأ/ي أيضًا: لغات أوروبا الشرقية تغزو تونس: شباب يتحدّى عائق اللغة من أجل المال والجمال
هزني الفضول لاتباعه أينما حل بزبائنه، كان سريع الخطى يقظًا يلتفت يمنة ويسرة في كل زنقة أو ممر، وكان مهذارًا كثير الكلام. أوقف السياح عند باب منزل عتيق داخل أزقة المدينة وقال لهم بالحرف الواحد "هذا منزل عمر أحد أكبر رجال الدين الفاتحين في العهد الإسلامي"، ثم مر بهم أمام مسجد وقال لهم "من هنا مر أتباع محمد". وبينما يلف بهم الأنهج الضيقة، صادف أن اعترضته قطة سوداء فأشار إليها بيده وقال إنها من أصول إفريقية تعج بها المدينة العتيقة منذ بدايات القرن الماضي".
كان الأمر مريبًا ومحيرًا، لكن اتبعته حتى بلغ إحدى النسوة اللاتي يزوقن أيادي النساء بـ"الحرقوس" وهي زينة تقليدية تونسية، فقال لهم "هذه الزينة تزينت بها فاطمة". لم أكن أعبأ بملامح السياح بقدر ما كنت أراقب حركات هذا "المرشد السياحي" الغريب حتى بلغنا إحدى المحلات التجارية فرأيته يدفعهم دفعًا نحو اقتناء أشياء كذكرى لزيارتهم المدينة، لترى الزبائن يُقادون إلى الابتياع عنوة.
تشهد ظاهرة المرشدين العشوائيين اللذين يتصيدون زبائنهم انتشارًا واسعًا خلال الموسم السياحي في سوسة وعديد المدن الساحلية
إذ تشهد ظاهرة المرشدين العشوائيين على أبواب المدينة الذين يتصيدون زبائنهم أينما حلّوا ومهما كانت جنسياتهم، انتشارًا واسعًا خلال الموسم السياحي. وبحثًا عن هذه الظاهرة، بعيدًا عن الدراسات الأكاديمية في تأهيل المرشدين والأدلاء السياحيين المحترفين، وأيضًا بعيدًا عن البلاغات الرسمية في تأهيل القطاع السياحي، اعترضنا موقع إلكتروني أجنبي يرصد المسالك السياحية في تونس وكيفية التعامل مع "الحالة التونسية" سياحيًا.
ويتضمن هذا الموقع الأسيوي معلومات دقيقة عن سلوك التونسيين وظروف النقل وأخلاقيات الأدلاء السياحيين وسلوك التجار، محذرًا السياح من بعض السلوكيات التي تعترضهم في تونس. ليمثل هذا الموقع بوابة لنعلم أشياءً ندركها في حياتنا اليومية ولكنها ذات رؤية استقصائية ثبّتها سياح وخبراء أجانب سواء كانت سلبية أو إيجابية لتتبلور كنصائح للأجانب من أجل سياحة دون مفاجأت غير سارة، قد تكون دون مصاحبة مرشد محترف، في تونس.
مما يحذرون السائح الأجنبي حين استعمال النقل التونسي؟
في باب النقل والتنقل، تعرض الموقع بإسهاب إلى علاقة السائح بسائقي التاكسي الفردي والجماعي والحافلات والقطارات. ويقدّر خبراء الموقع أن "سيارات الأجرة في تونس رخيصة جدًا مقارنة مع غيرها من الدول، فسعر خدمات سيارة الأجرة في تونس أرخص بنحو1.5 مرة مما هو عليه في موسكو مثلًا وغالبًا ما يقبل سائقي سيارات الأجرة الدفع بالدولار أو اليورو".
لكن حذر الموقع من "سلبية واضحة في عمل سيارة أجرة في تونس" مشيرًا إلى إمكانية تعرض السائح إلى الخداع والغش، ومن أهم صوره اعتماد التعريفة الليلية نهارًا عن طريق تغيير العداد يدويًا "إذ أن السائح يُدفع بدقة وفقًا للأرقام الموجودة على الشاشة على افتراض أن المبلغ صحيح ونزيه"، كما يتحدث الموقع بصفة مفصلة.
يُحذّر السياح الأجانب في تونس عادة من خداع بعض سائقي التاكسي الفردي (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)
وأضاف أن الحيلة الثانية لسائقي سيارات الأجرة في تونس هي عدم إعادة ضبط العداد بعد الرحلة السابقة، لينصح الموقع رواده بالنظر إلى عداد التاكسي عند الصعود إلى السيارة بهدف التأكد من ضبط العداد. يُذكر أنه غالبًا ما يرفض سائقو سيارات الأجرة (التاكسي) نقل السياح الأجانب بالاعتماد على عداد التاكسي، والمطالبة بتحديد التعريفة بصفة مسبقة وهو أمر غير قانوني.
يحذر موقع إلكتروني أجنبي السياح القاصدين تونس من تعرضهم لعمليات غش وخداع من سواق التاكسي على غرار اعتماد التعريفة الليلية في النهار عدا عن فرض تعريفة مسبقة دون اعتماد العدّاد
وفي هذا الجانب، يمثل تدخل المرشد السياحي المحترف مسألة ضرورية للحيلولة دون استغلال السائح في وسائل النقل في متاهات الغش في المعاليم، ولكن يُلاحظ، واقعًا، انخراط المرشدين السياحيين العشوائيين في منظومة الاستغلال غير المشروع للسائح الأجنبي. وينصح الموقع، في هذا الجانب، السائح بـ"ألا يضع حقائبه في السيارة حتى يتم الاتفاق على السعر والاستئناس بمن له دراية بقطاع النقل".
وأما فيما يتعلق باستعمال حافلات النقل، حذر الموقع السياح الأجانب أن الحافلات في تونس "لا تملك مواقع الكترونية على الإطلاق، وإن وجدت تكون خالية من الجداول الزمنية للرحلات وحتى من المعلومات حول مسارات المرور"، يقول الموقع "إن مدة التاخير ولو لمدة 15 دقيقة في تونس ليست مثار مفاجأة بل هو أمر اعتيادي!".
اقرأ/ي أيضًا: أصدقاء وما هم بأصدقاء.. عن أحكام النقل في تونس
تحذير من أساليب جذب السائح نحو المتاجر
من أهم ما يتطرق إليه الموقع المذكور هي النصائح الموجهة للسائح الأجنبي في مجال التسوق في تونس. إذ عادة ما تمتزج مهنة المرشد السياحي العشوائي مع مهنة "السمسرة" وهو وسيط بين الزبون والبائع، فالسائح الأوروبي مثلًا يعرف بشكل جيّد المحلات التجارية التي لا تحمل علامات الأسعار، وعادة ما يتعاملون معها بتشكك. غير أن المرشد السياحي العشوائي أو السمسار، أو "البزناسة " كما يطلق عليه بالعامية، يختلقون طرقًا مختلفة لجرّ السائح إلى محلات تجارية بعينها.
من بين أشكال الجذب التجاري التي يمارسها التجار والمرشدون على السائح هو الإغراء عبر تقديم الماء والشاي والشعور بالالتزام المتبادل بينها بهدف دفع السائح إلى مغادرة المحل بالبضاعة مهما كان ثمنها
من بين هذه الأساليب الملتوية مثلًا استقبال السائح من بعيد والادعاء أنه طباخه في النزل قائلًا له: "هل تتذكرني؟ أنا طباخك من فندقك لديّ يوم عطلة"، ويسمّي له فندقه بمجرد أن يشاهد اسم النزل في السوار على معصم السائح، وهو بذلك يسلط عليه تدريبًا نفسيًا لترويضه ثم يصطحبه إلى المتجر المناسب ليلزمه بالتبضع، محاولًا إقناعه بأنه أمام فرصة خيالية ومناسبة جدًا من حيث الجودة والثمن.
وتتنوع أشكال الجذب التجاري التي يمارسها التجار والمرشدون على السائح، ومن بينها الإغراء بتمكين الزبون من الماء والشاي والشعور بالالتزام المتبادل بينها، بهدف دفع السائح إلى مغادرة المحل بالبضاعة مهما كان ثمنها.
وفي هذا الجانب، ينصح الموقع السياحي، الذي اطلعنا عليه، بعدم الشعور بالالتزام تجاه ما يقدمه التاجر ولو أدى به ذلك إلى الغضب. بل يذهب خبراء الموقع إلى النصيحة بـ"عدم التسوق في الأيام الأولى من الراحة بل الاكتفاء بإلقاء نظرة وتحديد الهدايا التذكارية وإعداد قائمة فيها وتدوين الأسعار ومقارنتها من أجل شراءات ناجحة".
في ضرورة ردع المرشدين العشوائيين
تعكس العينات التي اخترناها نقلًا عن الموقع الإلكتروني، الذي يقدم نصائح للسياح الأجانب في تونس، طبيعة العلاقة بين السائح والتاجر والوسطاء، كما تبين طبيعة الخدمات المقدمة على غرار النقل والتسوق في تونس. فلم تكن لتنشأ مثل هذه النصائح المسداة للسياح الأجانب لولا العشوائية في تنظيم قطاع الأدلاء السياحيين وانتشار الدخلاء الذين يسيؤون للسياحة في كافة المدن التونسية خاصة السياحية منها.
ما نشاهده من تجاوزات هو نتيجة الضعف الرقابي في ظل محدودية دور الجهات المختصة في ردع المخالفين من مرشدين عشوائيين
يستلزم قطاع السياحة مرشدين أكفاء، يملكون قدرًا كافيًا من المعرفة والمعلومات عن مكان معيّن والتي تكون بدورها ضرورية لإعطاء السياح الصور الكافية عن الوجهة، والمطالب أن يكون المرشد السياحي صاحب كفاءة لغوية وثقافة واسعة، مع علم أن المرشدين يتعددون حسب الاختصاصات بهدف تحقيق الاتصال الفاعل وتوفير أفضل الظروف للسائح.
إن واجهة المدينة السياحية هم مرشدوها، ولذلك وجب ضبط القوانين الصارمة لتنظيم هذه المهنة ومنع الدخلاء من تشويهها والمس من صورة تونس في أعين السياح الأجانب. فما نشاهده من تجاوزات هو نتيجة الضعف الرقابي في ظل محدودية دور الجهات المختصة، في قطاعي السياحة والأمن، على ردع المخالفين من مرشدين عشوائيين و"بزناسة" ينتشرون في فضاءات النزل، والشواطئ، ووسائل النقل، والمقاهي والمطاعم، والأسواق والفضاءات التجارية الكبرى وغيرها من وجهات يؤمها السائح في تونس.
اقرأ/ي أيضًا: