08-يوليو-2023
الانتخابات في تونس

منسق "ائتلاف صمود": يتم الإعداد لانتخابات محلية دون معرفة أي قانون ينظم عملها ولا تمويلها ولا صلاحياتها ولا مقراتها (صورة توضيحية/حسن مراد/DiFodi images)

 

عقدت هيئة الانتخابات في تونس مؤخرًا ندوة صحفية للحديث عن التقسيم الترابي الجديد وهي الخطوة التي تهدف لتحديد الدوائر الانتخابية استعدادًا للانتخابات المحلية ثم التصعيد إلى المجالس الجهوية فمجلس الأقاليم والجهات، في وقت يطرح فيه الملاحظون أسئلة عديدة حول طريقة التصعيد والانتخابات المحلية، بالإضافة إلى صلاحيات هذا المجلس وعلاقة المحليات بممثلي الدولة من سلطة محلية وجهوية، خاصة في ظل انصراف تام عن الاهتمام بهذه الاستحقاقات الانتخابية بعد نسبة الإقبال الضعيفة جدًا في الانتخابات التشريعية منذ أشهر.

انصراف تام عن الاهتمام بالاستحقاقات الانتخابية القادمة في تونس بعد نسبة الإقبال الضعيفة جدًا في الانتخابات التشريعية منذ أشهر

لقد دخلت تونس منذ قرابة السنتين في مشوار من القرارات الدستورية والقانونية والمؤسساتية خلفت حالة من الغموض حول ماهية هذا البناء الجديد أو ما يعرف بـ"مسار 25 جويلية" ومن ذلك أن هيئة الانتخابات هي التي تعلن في ندوة صحفية عن استكمال التقسيم الترابي في وقت يؤكد فيه الخبير في مجال اللامركزية محمد الضيفي في تصريح لـ"الترا صوت تونس" أن الهيئة  معنية فقط بتقسيم الدوائر، وفقه، لكن هذا التفصيل الإجرائي يخفي تفاصيل أعقد بكثير من حيث طريقة انتخاب المجالس المحلية فمثلًا "في معتمدية الرقاب هناك 13 عمادة وكل عمادة تنتخب شخصًا، يكونون بعد ذلك المجلس المحلي ثم يتم إضافة شخص من المعاقين ثم يتم اختيار ممثل عنهم بالقرعة ليصعد إلى المجلس الجهوي على مستوى الولاية".

 

 

  • الغموض سيّد الانتخابات القادمة

في إجابة حول سؤال "إن كانت هذه الطريقة المعتمدة لتكوين المجالس المحلية والجهوية القادمة تعكس بناء ديمقراطيًا إضافة إلى وجود غرفة ثانية بالإضافة إلى مجلس نواب الشعب؟"، أكد الضيفي أن "هناك تجارب مقارنة في المغرب وفي ألمانيا حيث يوجد غرفتان ومن خلال هذه التجارب يمكن فهم أنها تمثل التنمية والتوازن بين الجهات لذلك نجد أن ميزانية الدولة لا يصادق عليها إلا بموافقة الغرفتين وكذلك مخططات التنمية والعقود على الاستثمارات وإحدى الغرفتين تمثل الجهات في اتخاذ القرارات"، معتبرًا  أنه "أمر منطقي ويدافع عن هذا التمشي الكثيرون لأنه ضامن للتوازن بين الجهات على مستوى الوطني"، وفقه.

الخبير في مجال اللامركزية محمد الضيفي لـ"الترا تونس": إلى حد الآن لا يوجد نظام داخلي للمجلس المحلي فلا نعرف ما هو دوره وكيف سيجتمع وكيف سيشتغل وهي قضايا تحتاج التوضيح قبل إجراء الانتخابات حتى يعرف المترشح مهامه وصلاحياته

ويضيف، خلال حديثه لـ"الترا صوت تونس" أنه يجب الفصل بين مسار اللامركزية ومسار اللا محورية والوالي والمعتمد والعمدة كلهم يمثلون الدولة في الجهات بينما مجلس الأقاليم والجهات، هي الجماعات المحلية التي تمثل اللامركزية لكن ولحد الآن لا يوجد نظام داخلي للمجلس المحلي فلا نعرف ما هو دوره وكيف سيجتمع وكيف سيشتغل وهي قضايا تحتاج التوضيح قبل إجراء الانتخابات حتى يعرف المترشح ماهي مهامه وصلاحياته ويجب أن تكون هناك أنظمة أساسية للمجالس الجهوية"، حسب تقديره.

ويضيف الضيفي أن "عضو المجلس الجهوي الذي يصعد بالقرعة من بين المنتخبين على المستوى المحلي يشغل منصبه لمدة ثلاثة أشهر فقط ثم يقع تغييره وفق ما ورد في المرسوم الرئاسي".

 

 

ويبدو أن الاستحقاقات الانتخابية على أهميتها في المطلق، تفقد معانيها شيئًا فشيئًا في ظل ازدحام الرزنامة الانتخابية فالحالة المؤسساتية شبيهة الآن بقطع مفككة يجري إعادة تركيبها على عجل ووفق تصور غير واضح سواء على مستوى الرزنامة أو المضمون والأهداف.  

في هذا السياق، يؤكد عضو منظمة "مراقبون" المعنية بمتابعة وتقييم العمليات الانتخابية سيف الدين العبيدي لـ"الترا صوت تونس" أنه من حيث المبدأ فإن المحطات الانتخابية يجب أن تكون متباعدة ففي الديمقراطيات التقليدية يمكن الذهاب إلى الانتخابات الرئاسية وبعدها بسنة يمكن الذهاب إلى انتخابات تشريعية لإحداث توازن بين السلطات، مضيفًا أن الإشكال في تونس سابق للمرحلة الحالية فقد أنجزت منظمة "مراقبون" دراسة حول الفترة "ما قبل الاستفتاء إلى الانتخابات التشريعية في دورتها الثانية" وخرجت بخلاصة أن التونسيين لا يعتبرون الانتخابات وسيلة للتغيير التي يمكن الاعتماد عليها لمراجعة واقعهم والتجارب المقارنة لا تنصح بتواتر المواعيد الانتخابية في وقت وجيز مع العلم أننا لا تعرف للآن موعد الانتخابات البلدية أو الانتخابات الرئاسية.  

سيف الدين العبيدي منظمة مراقبون لـ"الترا تونس": التجارب المقارنة لا تنصح بتواتر المواعيد الانتخابية في وقت وجيز مع العلم أننا ننتظر الانتخابات المحلية والتصعيد للمجالس الأخرى ولا تعرف للآن موعد الانتخابات البلدية أو الرئاسية 

ويشير العبيدي إلى الغموض الذي يشوب عملية تحديد مواعيد المحطات الانتخابية والقصور الذي تعرفه القوانين منها المرسوم عدد 10 والأسئلة تطرح حول من يرأس مجلس الجهات والأقاليم وكم عدد أعضائه وعدد هذه الأقاليم وفي الوقت الذي يتحدث فيه المرسوم الرئاسي عن اعتماد القرعة لعضوية المجلس الجهوي يظهر مشكل انتخاب مجلس مستقر من مجالس محلية غير قارة وهذا سكت عنه المرسوم، بالإضافة إلى الغموض الذي يلف صلاحيات كل هذه المجالس وعلاقتها بالمؤسسات الأخرى.

ويضيف سيف الدين العبيدي، خلال حديثه لـ"الترا تونس" أن معظم التشكيلات السياسية ومنظمات المجتمع المدني غير موافقة على هذا التمشي فلا يمكن تأسيس بناء ديمقراطي إلا بتوافق واسع وفي غياب التنافس الديمقراطي اليوم، هناك جانب واحد يدير العملية وحتى في طريقة إدارته للعملية يعتمد الفردانية والكل يتذكر طريقة صياغة الدستور الذي انطلق بلجنة استشارية وانتهى بدستور صاغه رئيس الجمهورية بمفرده.

سيف الدين العبيدي منظمة مراقبون لـ"الترا تونس": المراسيم الرئاسية التي نظمت الانتخابات المحلية القادمة تتضمن الكثير من الأخطاء حتى على مستوى الصياغة القانونية ولا توضح عديد الجوانب حول هذا البناء السياسي الجديد

ويشدد العبيدي على أن المراسيم الرئاسية التي نظمت الانتخابات المحلية القادمة تتضمن الكثير من الأخطاء حتى على مستوى الصياغة القانونية فحتى طلبة القانون لا يكتبون نصوصًا فيها تلك الإخلالات ولا توضح عديد الجوانب التي تترك المجال للغموض حول هذا البناء السياسي الجديد، متسائلًا "فهل كل هذه المجالس ستوكل إليها صلاحيات أم أن هناك إرادة لتشتيت المسألة الديمقراطية لتصبح مسألة شكلية فالجميع يمكن أن يترشح ويفوز ولكن في النهاية لا يملكون أي صلاحيات غير المصادقة على ما يقرره رئيس الجمهورية؟".

 

 

  • فوضى دستورية 

في ظل الجمود الذي أصاب الساحة السياسية في السنتين الأخيرتين، إبان 25 جويلية/يوليو 2021، وركود العمل الحزبي وضعف المبادرات السياسية، أصبح الحديث عن المؤسسات الدستورية بمثابة العناوين الثانوية حيث يتم حلها مثل المجالس البلدية أو حصر دورها مثل المجلس الأعلى للقضاء في حين تواصل هيئة الانتخابات القيام بعملها رغم أنها غير منبثقة عن دستور 2022 مع تكرار الإقالات بين أفرادها وآخرهم نائب رئيس الهيئة السابق ماهر الجديدي.  

 

 

في هذا السياق، يعلق منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي في تصريح لـ"الترا صوت تونس" أن تونس الآن تعيش فوضى دستورية فالمشكل يكمن في تصور النظام السياسي وهو ما يعرف بالبناء القاعدي وهي مرحلة من مراحل تنفيذ مشروع سياسي يحمله رئيس الجمهورية قيس سعيّد أين نجد أن السلطة التنفيذية لها صلاحيات واسعة جدًا والسلطة التشريعية ضعيفة ومشتتة مقسمة إلى غرفتين كما أن في المجلس كتل نيابية ضعيفة لا تمتلك برامج إصلاحية بالإضافة إلى المجلس الوطني للجهات والأقاليم القائم على التصعيد من الأسفل إلى الأعلى على مراحل، والغرفتان تكونان السلطة التشريعية وهي بمثابة غرفة التسجيل بالنسبة إلى السلطة التنفيذية بما أن الرئيس في الدستور هو من يصيغ السياسات العامة للدولة وتصبح هذه السلط فلكلورية إجمالًا"، وفقه. 

منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي لـ"الترا تونس": تونس الآن تعيش فوضى دستورية فالمشكل يكمن في تصور النظام السياسي إجمالًا ـ البناء القاعدي ـ والذي تتحول فيه كل السلط عدا الرئاسة إلى سلط فلكلورية

ويضيف حسام الحامي أنه كان من الأجدى تنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها بعد إرساء دستور 2022 لأن انتخاب الرئيس سنة 2019 يهم صلاحيات معينة وكان من المطلوب تجديد الشرعية ومن هذا المنطلق يقع تركيز المؤسسات الجديدة ومنها الحكومة والمؤسسات الأخرى.

وأشار إلى أنه كان من المفروض تنظيم انتخابات بلدية في ماي/أيار الفارط بعد حل المجالس البلدية وتنقيح الرئيس للنظام الانتخابي للبلديات لكن وقع التخلي عن ذلك دون إعطاء أي مبرر أو تعيين تاريخ واضح لها مع صمت مريب وفي الأثناء يتم الإعداد لانتخابات محلية دون معرفة أي قانون ينظم عملها ولا تمويلها ولا صلاحياتها ولا مقراتها.

منسق "ائتلاف صمود" حسام الحامي لـ"الترا تونس": تم حل المجالس البلدية دون تنظيم انتخابات جديدة ودون إعطاء أي مبرر أو تعيين تاريخ واضح لها مع صمت مريب وفي الأثناء يتم الإعداد لانتخابات محلية دون معرفة أي قانون ينظم عملها ولا تمويلها ولا صلاحياتها ولا مقراتها

فالمطلوب، حسب الحامي، العودة إلى المنطق بتنظيم انتخابات رئاسية سابقة لأوانها لتركيز مؤسسة رئاسة الجمهورية وكل هذا يمر عبر قيام مجلس نواب الشعب الجديد رغم ضعف مشروعيته  بمراجعة التشريعات  وتحديد تواريخ الانتخابات القادمة، وفق تصوره.