مُرر، في ليل 13 جانفي/يناير 2011، على التلفزيون الرسمي في تونس خطاب مباشر للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، وذلك لأول مرة، وحاول من خلاله بن علي أن يعتمد لهجة الشعب وكلماته متخليًا عن القوالب الجاهزة الخشبية. ثم تلى ذلك برنامج حواري قدمه كل من الإعلاميين معز بن غربية وسامي الفهري وقيل فيه إن الرئيس "فهمنا" وفتح أبواب الحرية وثمن الحضور ما اعتبروه "قرارات ثورية"، وكان ضيوف تلك السهرة من الوجوه التي طالما قمعها نظام بن علي وحظر حضورها في وسائل الإعلام.
لكن من كان يقود غرفة العمليات الإعلامية، إن صح التعبير؟ ومن صاغ ذلك التصور الإعلامي كحل لمواجهة غضب الشارع والتأسيس لعهد آخر جديد، وفق تقديره؟
نبحث في هذا التقرير في خفايا ما حدث في الإعلام "الحكومي"/العمومي وقتها وخاصة في مؤسستي الإذاعة والتلفزة الرسميتين وقد كانت لعقود صوت الحزب الحاكم والناطقة باسم النظام؟
ما الذي حدث داخل مؤسسة تضم أيضًا بين جدرانها أبناء هؤلاء اللذين نزلوا للشارع مطالبين برحيل النظام وبين تلك الجدران صحفيون جثم النظام بزبانيته على أنفاسهم وجر بعضهم إلى مربعه؟ ما الذي حدث داخل مؤسسات إعلامية حكومية يوم 14 جانفي/ يناير 2011 ظلت صامتة لساعات بعد أن أعلنت قناة الجزيرة عن خبر هروب بن علي ومن الذي مد القناة بالخبر وأي قصة وراء ذلك؟
- الرئيس المدير العام الأسبق للإذاعة التونسية المولدي الهمامي
هذه الأسئلة طرحناها على عدد من المسؤولين والفاعلين في تلك المؤسسات وكان لقاؤنا الأول مع الرئيس المدير العام للإذاعة التونسية في تلك الفترة المولدي الهمامي الذي قال لـ"الترا تونس" إن "في تلك المرحلة لم يعد هناك من يقول لك افعل هذا ولا تفعل ذاك ولم يعد هناك حكومة أصلاً وهو ما سهل مهمة العاملين في الإذاعة وكان القرار أن تساير الإذاعة ما يحدث في الشارع".
ويضيف أن "خطاب 13 جانفي قرأناه بفهم أنه لم يعد هناك إعلام حكومي وأننا مررنا دون أن ندرك أو نفهم من إعلام رسمي إلى آخر عمومي وأن المجال تم تحريره وأصبحنا قادرين على نقل ما يحدث بكل مصداقية ودون تحريف والتعامل مع الأحداث كما هي وفتحنا المنابر في مؤسسة الإذاعة التونسية".
الرئيس المدير العام الأسبق للإذاعة التونسية المولدي الهمامي لـ"الترا تونس": التعليمات الوحيدة التي يعرفها الجميع "لا تبث إلا ما تقدمه لك وكالة تونس إفريقيا للأنباء" وكل ما يقال إن هناك مكالمات هاتفية تقدم الأوامر للمسؤولين في الإذاعة فيه الكثير من المبالغة
ويواصل محدث "ألترا تونس" "لهذا أقول وأكرر وشهادتي هذه للتاريخ أن الإذاعة التونسية بكل أبنائها، من أقسام الأخبار والمنشطين والتقنيين والإداريين، ساهمت في هذا المرور السلس من نظام إلى آخر ووحده الغبي لا يدرك أن تغييرًا كان سيحدث في تلك الفترة، وإن كنا لم نتوقع أنه سيكون بهذا العمق. لقد عشنا غياب سلطة تسيطر على الأوضاع أمنياً وإعلاميًا ووحدها الإدارة ظلت تعمل لكن أيضًا بقيت الإذاعة ولم تكن صوتًا ضد الناس وضد الواقع".
وينفي الرئيس المدير العام الأسبق للإذاعة التونسية المولدي الهمامي أن تكون هناك غرفة عمليات فالتعليمات الوحيدة التي يعرفها الجميع "لا تبث إلا ما تقدمه لك وكالة تونس إفريقيا للأنباء. وكل ما يقال إن هناك مكالمات هاتفية تقدم الأوامر للمسؤولين في الإذاعة فيه الكثير من المبالغة ثم إن الجميع يعلم ما يجب أن يفعل في الحقيقة".
ويستدرك الهمامي "لكن يوم غابت هذه المنظومة أصبح الصحفي هو من يبحث عن المعلومة ويعطي المصدح للمواطن ولمن كان يصعب عليه أن يتدخل في الإذاعة. كانت أصعب مرحلة في مسيرتي المهنية فقد كنت أنام في الإذاعة وكنت مسؤولًا عن حياة أعوان المؤسسة في ذهابهم وإيابهم وكنت أنتظر وصول تقني البث لفتح الإرسال فجرًا وكان الصحفيون ينامون في الإذاعة بسبب حظر التجول وكان التعاون بين الجميع".
ويوضح الرئيس المدير العام الأسبق للإذاعة التونسية المولدي الهمامي لـ"الترا تونس" "أما فيما يتعلق بلحظة مغادرة الرئيس الراحل فلم يعد هناك من يعلمك ما الذي يجري في القصر ووجدت نفسي رئيسًا مديرًا عامًا لوحدي كل ما فعلته أني تركت الصحفيين يعملون كما تفرضه المهنة ووفق ما تعلموه في معهد الصحافة وقد كان التعاون من الجميع على مستوى المركز والجهات. كل ما أذكره أن وزير الإعلام آنذاك سمير العبيدي اتصل بي في مناسبتين ليقول لي "اتركوا الناس تتحدث، افتحوا المنابر ولا للغة الخشبية وأعتقد أنه تم تعيينه لهذا الغرض".
اقرأ/ي أيضًا: الفساد في وكالة الاتصال الخارجي.. القضاء يفتح ملف "إعلاميي السلطة"
- الصحفي بالإذاعة التونسية ثامر الزغلامي
من جانب آخر، يقول الصحفي بالإذاعة التونسية ثامر الزغلامي، وكان في تلك الفترة صحفياً بقسم الأخبار في الإذاعة الجهوية بالكاف، لـ"الترا تونس" "أعتقد أن غرفة العمليات الإعلامية كانت تُدار في قصر قرطاج بالتنسيق مع مسؤولين في الإذاعة والتلفزة والمؤسسات الإعلامية الخاصة وانطلقت الخطة قبل خطاب بن علي حيث تم السماح خاصة في الإذاعات الجهوية باستضافة المعارضة وفتح المجال أمام المواطنين للتعبير عن مشاغلهم".
ويضيف "كان خطاب بن علي بذلك الشكل المختلف من بين عناصر الخطة الاتصالية لقصر قرطاج لإنقاذ النظام، إذ كان ينتظر ردة فعل إيجابية من الرأي العام التونسي بعد ذلك الخطاب وعمل عن طريق وسائل الإعلام على الترويج له على أنه فاتحة عهد جديد في تونس".
الصحفي بالإذاعة التونسية ثامر الزغلامي لـ"الترا تونس": خبر هروب بن علي يوم 14جانفي وصل إلى التلفزة التونسية عن طريق مصدر من القصر الرئاسي لكن المسؤولين رفضوا بثه حينها
وكان برنامج "كاكتوس برود"، الذي مُرر ليلة 14 جانفي 2011، بحسب ثامر الزغلامي "من بين الفضاءات الإعلامية التي اعتمد عليها النظام الإعلامي لبن علي لتهدئة الأوضاع والاعتماد على هذه الشركة الخاصة كان مرده نجاح برامجها الاجتماعية لدى قطاع واسع من التونسيين"، على حد تعبيره.
ويوضح الزغلامي "لقد كان هناك انفتاح واسع في مثل تلك البرامج التي بثت ليلتها على مختلف وسائل الإعلام على مجموعة من الصحافيين وتم الاتصال بي للمشاركة عبر الهاتف في موضوع الإعلام و لكن اعتذرت عن المشاركة".
لكن لا ينفي محدثنا حالة الإرباك التي حصلت في تلك الليلة والتي ضاع معها القرار داخل المؤسسات الإعلامية، مشيرًا إلى أن خبر هروب بن علي يوم 14جانفي وصل إلى التلفزة التونسية عن طريق مصدر من القصر الرئاسي لكن المسؤولين رفضوا بثه حينها.
ويشدد الصحفي بالإذاعة التونسية على أن "الصحفيين التونسيين وخاصة في وسائل الإعلام الرسمية تحلوا بروح المسؤولية وأثبتوا قدرة على الوفاء بالتزاماتهم المهنية رغم بعض الهنات في تلك الفترة، وكان أهم دور هو المحافظة على المرفق العام والتأقلم مع الأوضاع الجديدة"، وفق تقديره.
ويعتقد الزغلامي أن الصحفيين نجحوا في إثبات أنهم قادرون على العمل بمهنية خاصة بعد تخلي الكثير من المسؤولين عن مواقعهم فقد كانت الصحافة التونسية دائمًا تواقة إلى الحرية وعندما سنحت الفرصة كان هناك إصرار على العمل، فنظام بن علي كان يتعامل بغباء مع الإعلام، بحسب رأيه، "وفي ظل ظهور الإعلام البديل كان منطقيًا أن بفشل إعلام الدعاية في الوصول إلى الجمهور".
ويرى محدثنا أنه "ورغم كل الهنات والمشاكل فإن الإعلام نجح إلى حد ما في ضمان حد من النقاش العام الذي سيؤدي إلى نتائج حتمًا والأكيد أن الحاجة الآن ضرورية للانتقال المهني خاصة في الإعلام العمومي".
"لقد كانت ليلة إعلامية صعبة مر بها الإعلاميون التونسيون، تنازع فيها الولاء للسلطة والانحياز للحقيقة وأعتقد أن الانتصار كان للمهنية والحقيقة، وأعتقد أيضًا أن غرفة العمليات الإعلامية تخلت عن دورها بعد فشلها ليلة 13 جانفي في التأثير ولو جزئيًا على الرأي العام فقد كان واضحًا أن خطة الإنقاذ الإعلامية كانت بعيدة عن الواقع وأن النظام تجاوزته الأحداث بأميال"، يؤكد الزغلامي خلال حديثه لـ"الترا تونس".
اقرأ/ي أيضًا: صحفيون مصريون.. "اشتراهم" بن علي لتمجيد نظامه!
- موظف بالتلفزة التونسية
"أما هناك وعلى "هضبة الهيلتون" في مقر التلفزيون الرسمي فقد اجتمع يوم 13جانفي/ يناير 2011 على الساعة العاشرة صباحًا عبد العزيز بن ضياء، مستشار الرئيس المخلوع بن علي، ووزير الإعلام سمير العبيدي وأمين عام التجمع محمد الغرياني ومعهم الإعلاميين سامي الفهري ومعز بن غربية وهم يمثلون شركة "كاكتوس برود" لصهر بن علي بلحسن الطرابلسي، وذلك في مكتب الرئيس المدير العام شوقي العلوي"، يقول أحد موظفي التلفزة التونسية، الذي رفض الكشف عن اسمه، لـ"الترا تونس".
ويكشف في حواره معنا أن "الاجتماع كان يتعلق بالسهرة التي تم تقديمها ليلتها على إثر خطاب بن علي الذي كان مباشرًا وتم تحديد الضيوف وكل ما سيتم تقديمه ورغم تأكيد الفريق التقني على أن السهرة يمكن أن تنجز في مقر التلفزة إلا أن الإدارة أصرت على أن تكون في أوتيك في أستوديو كاكتوس والذي يستحوذ على حافلة البث الموجودة دائمًا هناك. كما تم برمجة بث مباشر من وسط شارع الحبيب بورقيبة لمباركة العهد الجديد الذي سيعلن عنه بن علي"، وفق تعبيره.
موظف بالتلفزة التونسية لـ"الترا تونس": حال ما انتهى تسجيل كلمة محمد الغنوشي تم حملها تحت حراسة أمنية مشددة واقتحم إطار أمني قاعة البث مشهرًا السلاح وفي يده الكاسات وهو من قام بوضعها ودله التقنيون على أزرار التشغيل
وكشف الموظف بالتلفزة التونسية أن رئاسة الجمهورية آنذاك كانت تتعامل مع مكلف بالشؤون السياسية موجود في مقر التلفزة يتم التنسيق معه في كل ما يتعلق بأخبار الرئيس ونشاطه وهو من يحدد الفريق الذي يتوجه إلى القصر وخاصة من التقنيين من دون التنسيق حتى مع الرئيس المدير العام للتلفزة.
ويؤكد لـ"الترا تونس" أن "هذا المسؤول المكلف بمهمة في التلفزة تلقى اتصالاً هاتفيًا من رئاسة الجمهورية يوم 14 جانفي بعد الظهر تم خلاله طلب حافلة للبث المباشر، وكنا نعتقد أن الرئيس بن علي سيتوجه بخطاب آخر مباشر لكن تفاجأ الفريق التقني بوجود محمد الغنوشي وفؤاد المبزع في قصر قرطاج".
ويوضح "ولأسباب تقنية لم نتمكن من بث الكلمة مباشرة وتم إعلامهم بأن الحل الوحيد هو تسجيل الكلمة والذهاب بـ"الكاسات" فورًا لبثها على القناة الوطنية وهو ما حدث. فحال ما انتهى تسجيل الكلمة تم حملها تحت حراسة أمنية مشددة واقتحم إطار أمني قاعة البث مشهرًا السلاح وفي يده الكاسات وهو من قام بوضعها ودله التقنيون على أزرار التشغيل. فيما كان يقف أمام قاعة البث إطار أمني آخر مشهرًا السلاح مانعًا دخول أي كان بما في ذلك الرئيس المدير العام للتلفزة التونسية الذي تم منعه من الدخول".
- رئيس التحرير السابق لقسم الأخبار بالتلفزيون التونسي فطين حفصية
وفي رواية أخرى، يؤكد رئيس التحرير السابق لقسم الأخبار بالتلفزيون التونسي فطين حفصية أنه يوم 13 جانفي 2011 مساء وبعد القرار الفوقي من القصر والدائرة المقررة للسياسة الإعلامية وإثر بث الخطاب المعروف للرئيس احتج "بعض" صحفيي قسم الأخبار عن تكليف سامي الفهري المحسوب وقتها على شركة كاكتيس برود وبلحسن الطرابلسي بتسيير هذا الملف المهم والحلقة التي كانت ستلي خطاب بن علي.
ويضيف حفصية لـ"الترا تونس" "طالبوا مدير الأخبار ورئيس التحرير بنقل مطالب المحتجين المنتفضين وعدم مواصلة تحريف الحقائق مثلما يرد في البرقيات الرسمية المعتمدة ومن إملاءات "غرفة العمليات الإعلامية " المتمركزة بين هضبة الهيلتون داخل المؤسسة وقصر الرئاسة ومبنى التجمع المنحل".
و"كان الرئيس المدير العام للمؤسسة آنذاك يتلقى الأوامر والتعليمات من غرفة العمليات هذه ويحيلها إلى أحد مستشاريه المكلفين بالبرامج الحوارية (من المعروفين أيضًا بشتم المعارضين في صحف المجاري وقتها) وإلى مدير الأخبار ورئيس تحرير الأخبار ومديري القناتين وقتها لعكسها في المواد التي يتم بثها لتنفض تلك الليلة على ذلك الملف الشهير الذي بث من أستوديو أوتيك وعانى الزملاء السواق التقنيين الأمرين لتأمينه والوصول بالحافلة إلى المكان للظروف الأمنية المنفلتة وقتها"، وفق حفصية.
رئيس التحرير السابق لقسم الأخبار بالتلفزيون فطين حفصية لـ"الترا تونس": يوم 14 جانفي 2011 عقد عدد من أبناء المؤسسة بدعوة من النقابة الأساسية اجتماعًا أفضى إلى 3 تعهدات يتم إعلانها على المباشر وهي الاعتذار للشعب التونسي والتعهد بإعلام حر ونزيه وجعل المؤسسة مرفقًا عامًا
ويواصل الصحفي حديثه لـ"الترا تونس" "14 جانفي 2011 على الساعة العاشرة صباحًا عقد عدد من أبناء المؤسسة من كافة الأسلاك (صحفيون وتقنيون وإداريون) بدعوة صريحة من النقابة الأساسية للمؤسسة اجتماعًا عامًا أفضى بعد نقاش إلى رفع ثلاثة تعهدات يتم إعلانها على المباشر وهي الاعتذار للشعب التونسي والتعهد بإعلام حر ونزيه وجعل المؤسسة مرفقًا عامًا وليس حكوميًا. وتزامن ذلك مع اتفاق مصغر على تغيير اسمي القناتين من قناتي تونس 7 و 21 إلى الوطنية الأولى والثانية وتم كل ذلك بما يشبه أول عملية "افتكاك" لاحتكار البث البروباغندي آنذاك".
ويضيف فطين حفصية "بالنسبة الى القائمين على المؤسسة تواصل تلقي رئيس مدير عام المؤسسة للتعليمات والإملاءات لينقلها بدوره إلى مدير الأخبار ورئيس التحرير ومديري القناتين لكن آلية التنفيذ بدأت تصطدم بإكراهات الواقع وتوسع موجة الرفض في قسمي الأخبار والإنتاج"، بحسب محدثنا.
"وعند الساعة السابعة والربع تقريبًا، حصل المتغير الأول ببث كلمة محمد الغنوشي بتوليه الرئاسة مؤقتاً إثر تصويرها بشكل مستعجل من فريق التلفزة الخاص بالقصر الرئاسي ولم يتم إعلان هروب بن علي إلا بعد تنزيل وكالة تونس إفريقيا للأنباء لبرقية رسمية رغم نقل قناة الجزيرة للخبر وتحدث زميل عنه لبعض صحفيي القسم الذين لا يمتلكون الأدوات التقنية لتأشير مثل هذا الخبر الخطير وبثه.
تم إثر ذلك فتح البث لتلقي المكالمات مع اتفاق عدد من صحفيي القسم على متابعة التغطية الإخبارية بشكل مسترسل وبرقي في كل الأوقات وكانت تسيطر الأحداث المتعلقة بيوم الغد ومنها القرار الثاني المهم في المسار الانتقالي للبلاد وهو المرور من الفصل 56 الذي يفوّض محمد الغنوشي إلى 57 الذي يعطي رئاسة الجمهورية لرئيس البرلمان لمدة مؤقتة قبل تنظيم انتخابات رئاسية وهنا كانت نهاية بن علي كرئيس بشكل رسمي".
وأشار حفصية، خلال حديثه لـ"الترا تونس"، "وكان لي شرف تغطية هذا الحدث عندما توجه فريق تلفزي إخباري بشكل مستعجل نحو مقر المجلس الدستوري حيث قرأ رئيسه فتحي عبد الناظر البلاغ بحضور أعضاء من المجلس الدستوري الذين قدموا في ظرف أمني صعب إذ اعترضت طريقنا في ذلك اليوم بعض المجموعات التي استغلت الفراغ الأمني لسرقة بعض المحلات التجارية وسمع دوي رصاص طائش بباردو وراس الطابية أثناء عودتنا لمؤسسة التلفزة".
ويختم رئيس تحرير قسم الأخبار السابق فطين حفصية حديثه قائلاً "كان يومًا تاريخيًا بالنسبة لنا وأشبه بليلة شتوية طويلة تلتها إشراقة شمس نزعت ما يزيد عن عقدين من الكبت الإعلامي وكنا نحلم بإعلام عمومي حر ونزيه ومسؤول".
اقرأ/ي أيضًا: نجيبة الحمروني.. أيقونة الصحافة التي احترمها خصومها قبل رفاقها
- الصحفي والمدوّن زياد الهاني
تحدث "ألترا تونس" أيضًا عن أطوار اليومين 13 و14 جانفي/ يناير 2011 مع زياد الهاني، وهو صحفي ومدوّن تونسي، تمّ حجب مدوّنته عديد المرات خلال فترة حكم بن علي بسبب نقدها لنظامه، وهو الذي صاغ عبارة "ثورة الياسمين" لتوصيف الثورة التونسية.
يقول الهاني لـ"الترا تونس" "لقد كان الإعلام تحت وصاية السلطة والرئاسة متحكمة في الإعلام العمومي والخاص وحتى الحزبي آنذاك لكن لا بد أن نشير إلى أن أغلبية الصحفيين كانوا يعملون ويشعرون بالقهر وظلم الاستبداد مدركين أن ما يفعلونه لا علاقة له بما درسوه ولا علاقة له برسالتهم الإبداعية".
ويستثني زياد الهاني أقلية من الصحفيين المتمعشين من النظام، ويؤكد أن "ما لا يعلمه عامة الناس هو أن هؤلاء كانوا مكروهين ومنبوذين من قبل الصحفيين ويعتبرونهم مسؤولين عما حدث في هذا القطاع وقد كانوا يكتبون التقارير في زملائهم ويشون بهم وكانوا رؤسائهم في مهنهم، كما كان هناك أيضًا أقلية قليلة تقاوم بقلمها النظام".
زياد الهاني صحفي ومدوّن تونسي لـ"الترا اتونس": أنا من قمت بنشر خبر خروج بن علي من القصر وسفره على فيسبوك وأكدت المعلومة لقناة الجزيرة التي نقلتها عني
وشدد محدثنا على أن "نقابة الصحفيين حينها كانت أول منظمة مهنية تصدر عن اجتماعها يوم 29 ديسمبر/ كانون الأول 2010، لائحة تندد بمنع الصحفيين من القيام بواجبهم تجاه ما يحدث في الجهات من احتجاجات. وقد صدرت اللائحة عن الشقين آنذاك (من يعارض السلطة ومن يدعمها داخل المكتب التنفيذي للنقابة)، بحسب الهاني، "فلأول مرة كان الاجتماع موحدًا". ويضيف "13 جانفي 2011 أعلنا الإضراب العام من داخل نقابة الصحفيين وطالبنا بوقف شلال الدم، وليلا خرج بن علي ليقول فهمتكم وكان النظام قد قرر تغيير خطابه فتم تعيين سمير العبيدي وزيرًا للإعلام وخرج بن علي في ذلك الخطاب المختلف".
يتذكر الهاني التفاصيل "كانت السهرة الشهيرة التي قدمها سامي الفهري ومعز بن غربية وشاركت فيها نقابة الصحفيين ممثلة في النقيب حينها ناجي البغوري والأستاذة سلوى الشرفي والمحامية بشرى بلحاج حميدة ورئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان مختار الطريفي.. وغيرهم". لكن، وبحسب الصحفي زياد الهاني، "النظام نسي أن فيسبوك والمدونين هم من لهم التأثير الأكبر وكان بيدهم التغيير ومنهم عدد من الصحفيين".
وكشف الهاني لـ"الترا تونس" أنه قرر الدعوة عبر صفحته على فيسبوك إلى الخروج إلى الشارع ورفض ما قدمه بن علي في خطابه مساء 13 جانفي مكذباً بذلك كل وعوده، "اتخذت هذا القرار بعد أن استمعت إلى كلمة المعارض نجيب الشابي والتي طلب فيها من الشعب إعطاء فرصة جديدة للرئيس السابق".
ويقول الهاني إنه "كان رفقة عدد محدود من الصحفيين أمام وزارة الداخلية يوم 14 جانفي/ يناير 2011"، ويكشف، لأول مرة، لـ"الترا تونس" أنه "من قال بنشر خبر خروج بن علي من القصر وسفره على فيسبوك وأنه أكد المعلومة لقناة الجزيرة التي نقلتها عنه"، مؤكدًا أن "المعلومة وصلته من زميل في التلفزة التونسية هو عبد الحق الطرشوني والذي وصلته المعلومة بدوره من طرف ابن عمه وهو أمني في القصر الرئاسي".
يذكر الهاني "اتصل بي عبد الحق وأكد لي أن بن علي رفقة عائلته في مطار العوينة، فنشرت الخبر وتم بثه على قناة الجزيرة لنقلب كل الموازين في البلاد وندخل مرحلة جديدة لم تكن لتكون لو لم ينشر ذلك الخبر حينها"، مشددًا على "أننا جميعًا مدينون لعون الأمن الذي يعمل في الرئاسة فلولاه ربما لم نكن وصلنا لهذه المرحلة فذلك الخبر الذي تم إعلانه مبكرًا غيّر تاريخ تونس"، وفق تقديره.
هذه شهادات مختلفة يقدمها "ألترا تونس" من كل من الرئيس المدير العام الأسبق للإذاعة التونسية المولدي الهمامي والصحفي بالإذاعة التونسية ثامر الزغلامي ورئيس التحرير السابق لقسم الأخبار بالتلفزيون التونسي فطين حفصية والصحفي والمدون زياد الهاني، إضافة إلى أحد موظفي التلفزة التونسية الذي رفض الكشف عن اسمه، شهادات للتاريخ عن ما صار يُعرف بـ"الليلة الأصعب" في تاريخ الإعلام التونسي.
اقرأ/ي أيضًا: