13-يوليو-2019

عبد الوهاب عبد الله هو مهندس منظومة الدعاية والتضليل زمن المخلوع بن علي

 

قضت الدائرة القضائية المتخصصة بالمحكمة الابتدائية بتونس العاصمة الخميس 11 جويلية /يوليو بتأجيل النظر في قضية الوكالة التونسية للاتصال الخارجي إلى أجل لم يحدّد بعد، في أول جلسة يعاد فيها فتح ملف الوكالة في إطار العدالة الانتقالية من أجل محاسبة ومساءلة من استفاد وانخرط في الفساد المالي والإداري وتبديد للمال العام في هذه المؤسسة العمومية خلال فترة بن علي، وهي جلسة سجّلت غياب المكلف العام بنزاعات الدولة.

هي واحدة من بين 69 لائحة اتهام و141 قرار إحالة وقعت إحالتهم هيئة الحقيقة والكرامة على مختلف الدوائر القضائية المتخصصة بتونس، ويتعلق 57 ملفًا بالفساد المالي والاعتداء على المال العام.

امتيازات مادية وعينية كانت من نصيب إعلاميين تونسيين، عرب وأجانب ومؤسسات إعلامية غنمت إعفاءات جبائية وحصص من الإشهار العمومي والمقابل تلميع صورة النظام وتشويه المعارضين، ذلك هو العنوان الأبرز لقضية وكالة الاتصال الخارجي.

تتعدد التجاوزات في ملف وكالة الاتصال الخارجي منها منح امتيازات لفائدة إعلاميين تونسيين وعرب وأجانب وإعفاءات جبائية لفائدة مؤسسات إعلامية مقابل تلميع صورة نظام الاستبداد وتشويه المعارضين

اقرأ/ي أيضًا: صحفيون مصريون.. "اشتراهم" بن علي لتمجيد نظامه!

عشر أنشطة حصرتها هيئة الحقيقة والكرامة تعلقت بها انتهاكات الفساد المالي والإداري صلب الوكالة تمثلت بحسب قرار الإحالة في تحويلات مالية بعنوان الدعم الاشهاري للصحف الوطنية والقنوات التلفزية والإذاعية الوطنية، وتوزيع مكافآت مالية هامة على الصحفيين التونسيين المتعاونين مع الوكالة والتكفل بمصاريفهم وتنقلاتهم للخارج إضافة للدعم المالي واللوجستي للمنظمات والجمعيات المتعاونة مع الوكالة.

كما يشمل الملف تسجيل دعم مالي للصحف الأجنبية لتلميع صورة النظام وتمويل طباعة الكتب والمنشورات من ميزانية وكالة الاتصال الخارجي، وأيضًا تمويل الصحفيين الأجانب المتعاونين مع الوكالة والدعم المالي للقنوات والإذاعات الأجنبية، وهو ما كلف ميزانية الدولة مبالغ مالية ضخمة. 

ووُجهت الاتهامات في هذا الملف إلى ثلاثة مدراء سابقين للوكالة بوصفهم فاعلين أصليين بالإضافة إلى عشرات الكتاب، والإعلاميين، وأصحاب المؤسسات الإعلامية الوطنية ممن أثبتت أعمال التحري صلب الهيئة انتفاعهم بهذه الامتيازات دون وجه حق، بصفتهم مشاركين في انتهاكات الفساد المالي.

وجهت الاتهامات إلى ثلاثة مدراء سابقين للوكالة بوصفهم فاعلين أصليين بالإضافة إلى عشرات الإعلاميين وأصحاب المؤسسات الإعلامية ممن أثبتت التحريات انتفاعهم بهذه الامتيازات دون وجه حق

قضية ليست بالجديدة بل انطلقت إبان الثورة عندما كشف تقرير تفقد الوكالة الصادر عن الرقابة العامة للمصالح العمومية في ماي/آيار 2011، عن حجم التجاوزات في المؤسسة العمومية التي أنشئت من أجل "الترويج لصورة لتونس بالخارج" إلا أنها لم تكن إلا مكتب اتصال خاص يسيره بن علي رأسًا ويصدر التعليمات بشأن أدق تفاصيله.

"اطّلعت عليه مع الموافقة" بخط يد بن علي على كل المذكرات والمراسلات المتبادلة بينه وبين المسؤولين المتعاقبين على الوكالة تكشف منظومة الفساد وآلية عملها باعتماد الوكالة ومواردها المالية كوسيلة لمكافأة المناصرين وشراء ذمم المئات عبر مبالغ مالية وامتيازات متفاوتة. وهو ما ما ورد ثبوتًا في تقرير تفقد الوكالة، وفي تقرير لجنة تقصي الحقائق في باب الوكالة، وآخرها في تقرير هيئة الحقيقة والكرامة والوثائقي الذي عرضته في الجلسة العلنية الرابعة عشر حول منظومة الدعاية والتضليل الإعلامي.

وثائقي هيئة الحقيقة والكرامة حول منظومة الدعاية والتضليل زمن المخلوع زين العابدين بن علي

اقرأ/ي أيضًا: سنة بعد انطلاق الدوائر القضائية المتخصصة.. النقابات الأمنية تضغط والجلاد غائب!

وكانت اللجنة الوطنية لتقصي الحقائق حول الرشوة والفساد أحالت يوم 25 مارس/آذار 2011 على أنظار وكيل الجمهورية مجموعة من الوثائق تتعلق بتحويل أموال من الوكالة لفائدة أشخاص وجهات مختلفة لا تمثل مقابلاً لخدمات فعلية، بالإضافة إلى قضية حول تجاوزات مسجلة من طرف أحد موظفي الوكالة.

وبعد سبع سنوات من القضية وتحديدًا يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول 2018، قضت الدائرة الجنائية بمحكمة الاستئناف بتونس بسجن الإعلامي برهان بسيس لمدة عامين وخطية مالية تقدر بـ 198 ألف دينار. ويعتبر بسيّس أحد المستفيدين من مبالغ مالية وامتيازات أخرى منها آلية الوضع على الذمة في خرق لقانون الوظيفة العمومية في تونس ترقى إلى درجة الفساد المالي والإداري، إلا أن أمرًا رئاسيًا صدر عن الرئيس الباجي قايد السبسي متّع بسيس بالعفو الخاص، وهو ما أثار جدلًا من حيث التمييز لفائدته على حساب بقية المساجين.

 لا تسقط قضايا العدالة الانتقالية بمرور الزمن ولا تعارض مبدأ اتصال القضاء مما يضمن مساءلة الضّالعين في قضايا الفساد وتبديد المال العام

وينص، في الأثناء، الفصل 43 من قانون العدالة الانتقالية على أن الملفات التي تحيلها هيئة الحقيقة والكرامة على الدوائر القضائية المتخصصة لا تعارض مبدأ اتصال القضاء، وهو ما يعني أن جميع الملفات القضائية، سواء التي تم البتّ فيها أم ليس بعد، لا تخرج عن دائرة اختصاص قضاء العدالة الانتقالية.

وفي هذا الجانب وحول أهمية إعادة النظر في القضية مجددًا، قال نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان بسام الطريفي لـ"ألترا تونس" إن ميزة العدالة الانتقالية أن القضايا فيها لا تسقط بمرور الزمن ولا تعارض مبدأ اتصال القضاء، مما يضمن مساءلة الضّالعين في قضايا الفساد وتبديد المال العام، وفقه.

وأضاف أن هذه المنظومة ليست للتشفّي أو الانتقام وإنما لكشف حقيقة منظومة الاستبداد والفساد ومساءلة المسؤولين. وعلّق الطريفي على غياب المكلف العام بنزاعات الدولة عن الجلسة إن "الدولة والمكلف العام بنزاعات الدولة لا تتعامل بإيجابية مع قضايا العدالة الانتقالية".

بسام الطريفي (نائب رئيس الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان): منظومة العدالة الانتقالية ليست للتشفّي أو الانتقام وإنما لكشف حقيقة منظومة الاستبداد والفساد ومساءلة المسؤولين

من جهته، نفى رئيس لجنة التحكيم والمصالحة بهيئة الحقيقة والكرامة خالد الكريشي أن يكون المكلف العام بنزاعات الدولة قد تقدّم بطلب صلح عن الدولة التونسية باعتبارها متضرّرة من ملف وكالة الاتصال الخارجي.

إلا أن نائب رئيس الهيئة محمد بنسالم أفاد، في تصريح لـ"ألترا تونس"، أنه رغم أن هؤلاء الضالعين في قضية الفساد فوّتوا فرصة الانتفاع بمرونة العدالة الانتقالية عبر آلية التحكيم والمصالحة لإبرام الصلح مقابل الاعتراف والاعتذار وإرجاع المبالغ المستفاد منها للدولة، إلا أنه تبقى الفرصة للاعتراف أمام الدوائر القضائية المتخصصة للحصول على أحكام مخفّفة، على حد قوله.

وتهدف المساءلة والمحاسبة في إطار العدالة الانتقالية إلى القطع مع الإفلات من العقاب وضمان عدم تكرار الانتهاكات في المستقبل، خاصة في قطاع الإعلام الذي لا يزال يعاني من تبعات محاولات تدجينه وتوجيهه وضرب استقلاليته.

 

اقرأ/ي أيضًا:

عن "القوّاد" و"الصبّاب": آفة الوشاية في تونس من الاستبداد إلى الحرية (2/1)

عن "القوّاد" و"الصبّاب": آفة الوشاية في تونس من الاستبداد إلى الحريّة (2/2)