29-مايو-2019

سيؤثر شح السيولة على القروض الموجهة للمواطنين وللمؤسسات الصغرى والمتوسطة (فتحي بلعيد/أ.ف.ب)

 

تعرف تونس مشاكل اقتصادية في جوانب متعددة، لكن أزمة جديدة بدأت تفوح في الأفق منذ بداية عام 2019 تتعلق بشح السيولة على خلفية عملية الاقتراض الداخلي التي نفذتها الحكومة من 12 بنكًا محليًا بقيمة 356 مليون يورو أي حوالي 1.2 مليار دينار بهدف تمويل الميزانية. ولم يحذر الخبراء الاقتصاديون فقط من خطر هذه العملية، بل صرح محافظ البنك المركزي مروان العباسي، خلال جلسة استماع برلمانية في ماي/آيار 2019، أن السنة الحالية ستكون سنة صعبة على البنوك بسبب شح السيولة.

يحتوي النظام البنكي في تونس على أكثر من 20 بنكًا، ويوجد فرع بنكي واحد لكل 7400 مواطنًا فيما يملك تونسي من بين إثنين حسابًا بنكيًا وفق آخر الإحصائيات. وتعاني تونس، وفق خبراء اقتصاديين، من ارتفاع عدد البنوك مقارنة بعدد السكان بوجود 22 بنكًا مقابل 11 مليون نسمة في حين أن المغرب مثلًا يضم 7 بنوك فقط توجه خدماتها لما يزيد عن 35 مليون نسمة.

وتوصف أغلب البنوك التونسية بأنها صغيرة ومحدودة رأس المال ما يجعلها غير قادرة على تمويل مشاريع ضخمة، وهو ما يتبيّن مع اضطرار الدولة للاقتراض من 12 بنكًا لتحصيل مبلغ بقيمة 1.2 مليار دينار.

 صرح محافظ البنك المركزي مروان العباسي خلال جلسة استماع برلمانية أن سنة 2019 ستكون سنة صعبة على البنوك بسبب شح السيولة

اقرأ/ي أيضًا: التوريد العشوائي.. آفة تفاقم العجز التجاري

في هذا السياق، يؤكد الخبير الاقتصادي والقيادي في حركة "تحيا تونس" محسن حسن في تصريح لـ"ألترا تونس" وجود شح في السيولة معتبرًا أن المشكلة ظاهرة للعيان ويمكن ملاحظاتها من خلال مؤشر بسيط وهو تقلص القروض المسداة للمواطنين.

من جهته، يقدر الخبير في المالية سامي العرفاوي أن عملية اقتراض الحكومة من البنوك المحلية "ستخلف مشكلًا كبيًرا في السيولة وتهدد عمل البنوك" مؤكدًا في حديثه معنا أن عملية الاقتراض خلفت "أثرًا سلبيًا محسوسًا وملموسًا" وفق تعبيره، ولكن أكد أن هذه العملية كانت خيارًا إجباريًا في ظل انسداد الأفق فيما يتعلق بالاقتراض الخارجي والخروج للسوق المالية العالمية.

وحسب قانون المالية لسنة 2019، تقدّر حاجات الاقتراض لتمويل الميزانية هذا العام بنحو 10.142 مليار دينار (3.38 مليار دولار) موزعة على اقتراض داخلي في حدود 2.35 مليار دينار ستتم تعبئته بصفة أساسية بواسطة سندات الخزينة، فيما يبلغ الاقتراض الخارجي حدود 7.792 مليار دينار.

محسن حسن (خبير اقتصادي): المخاوف من مشكل شح السيولة مبالغ فيها ومغادرة بنوك عالمية لتونس لا علاقة له بهذا المشكل

ويمثل الاقتراض الداخلي الأخير بقيمة 1.2 مليار دولار نصف حاجيات تونس من القروض الداخلية التي تبلغ 2.3 مليار وفق ميزانية العام الجاري، ليأتي هذا الاقتراض دفعة واحدة، وفق مراقبين، بسبب ضعف الموارد وتأخر صرف قسط القرض المبرم مع صندوق النقد الدولي.

وبالحديث عن نتائج مشكل السيولة على النظام البنكي وعلى المواطنين، قلل الخبير الاقتصادي محسن حسن، في حديثه معنا، من المخاوف، مؤكدًا أن البنك المركزي يقوم بدوره "هذه مشكلة مالية تحصل في أي دولة في العالم، أعتقد أن المخاوف مبالغ فيها".

وأضاف أن البنك المركزي يوفر كمية من السيولة تقدر بـ12 مليار دينار يوميًا وهي سيولة كافية لتمويل البنوك وفق تأكيده، مبينًا أن البنوك التونسية تشتغل وفق قواعد مالية تعتمد على الحذر وهو ما يقلل من خطورة هذه المسألة على الاقتصاد التونسي، حسب قوله.

اقرأ/ي أيضًا: الترفيع في نسبة الفائدة المديرية.. هل يمثل حلًا؟

لكن الخبير في المالية سامي العرفاوي يؤكد أن ظاهرة شح السيولة ستستمر وستحمل انعكاسات كبيرة على جميع الأطراف، قائلًا "سيؤثر شح السيولة أولًا على القروض الاستهلاكية التي ستتضاءل شيئًا فشيئًا، وثانيًا على القروض قصيرة المدى للمؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تغذي حلقة الاستهلاك وبالتالي سنرى أزمات في المستقبل تعصف بهذه المؤسسات نتيجة شح السيولة لديها".

ويضيف أن هذه الانعكاسات ستطال أيضًا المواطن البسيط الذي سيفقد، وفق توصيفه، أهم داعم لقدرته الشرائية وهي القروض. وتواجه الأسر التونسية تدهور القدرة الشرائية لديها بالقروض باختلاف أنواعها. فحسب تقرير للمعهد الوطني للاستهلاك، لا تستطيع 1.8 مليون أسرة تونسية الاستغناء على التداين، وبالتالي ستكون الأسر في وضع صعب بين تدهور القدرة الشرائية و شح السيولة.

سامي العرفاوي (خبير في المالية): سنرى في المستقبل أزمات تعصف بالمؤسسات الصغرى والمتوسطة نتيجة شح السيولة لديها

وفي نفس الإطار في علاقة بانعكاسات مشكل شح السيولة، كان قد صرح الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي أن 3 بنوك عالمية قررت مغادرة تونس رغم عدم وجود توترات اجتماعية واحتجاجات في القطاع البنكي. وأكد متابعون أن هذا المعطى إن ثبتت صحته فهو يؤكد مدى استفحال مشكل شح السيولة. فيما نقلت وسائل إعلامية محلية أن البنوك الثلاثة هي بنك الشركة العامة (Société Générale) وبنك بي ان باريبا (BNP) والبنك المغربي للتجارة الخارجية (BMCE).

لكن الخبير الاقتصادي محسن حسن يقول لـ"ألترا تونس" إن مغادرة بنوك عالمية لتونس لا علاقة له بشح السيولة مؤكدًا أنه يعود إلى سببين رئيسيين، وهما أولًا وضع الشركات الأم أي البنوك الأجنبية وانطلاقها في مراجعة انتصابها في الخارج وخاصة بإفريقيا، وثانيًا التصنيفات الأخيرة لتونس ضمن القائمات السوداء في تمويل الإرهاب وتبييض الأموال.

الخبير في المالية سامي العرفاوي يختم حديثه معنا بالتأكيد أن تونس اتبعت إستراتيجية تتمثل في رفع الاستهلاك من أجل تنشيط الاقتصاد، وهو ما كلف الاقتصاد التونسي ثمنًا باهضًا وفق تعبيره بالنظر إلى ارتفاع نسبة التضخم وتدهور القدرة الشرائية للمواطن.

وأمام هذا الوضع الدقيق، أصبح من الواضح أن مشكلة شح السيولة ستتسبب في تراجع القروض الاستهلاكية المسداة وهو ما سيحرم الدولة من خيار رفع الاستهلاك لتنشيط الاقتصاد بما يدفع إلى ضرورة إيجاد حلول أخرى ناجعة لتجاوز الأزمة الاقتصادية والترفيع في نسبة النمو.

 

اقرأ/ي أيضًا:

التجارة الإلكترونية.. تسهيل للمعاملات وبوابة للغش أحيانًا

"استهلك تونسي 619".. هل تنجح حملة إنقاذ الدينار التونسي؟