18-مارس-2018

أعرب السبسي في أكثر من مناسبة عن رغبته في تعديل الدستور (فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

كشفت الجريدة الأسبوعية "الشارع المغاربي" في عددها الأخير أنه من المرجّح، وفق مصادر وصفتها بـ"الموثوقة"، أن يتضمن خطاب رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إعلانًا في عيد الاستقلال يوم الثلاثاء القادم 20 مارس/آذار، عن مبادرة لتغيير نظام الحكم عبر تعديل الدستور وتنقيح قانون الانتخابات.

هناك ترجيحات حول نية السبسي طرح مبادرة لتعديل الدستور وتغيير النظام الانتقالي في خطاب عيد الاستقلال

وما يزيد هذه الفرضية ترجيحًا هو مطالبة حزب نداء تونس في الاجتماع الأخير للموقعين على اتفاقية قرطاج بضرورة مراجعة نظام الحكم والنظام الانتخابي، على النحو الذي كشفه ناطقه الرسمي المنجي الحرباوي.

فما هي الآليات الممكنة لتغيير نظام الحكم والنظام الانتخابي كذلك؟ وهل طريق السبسي ميسرًا؟

اقرأ/ي أيضًا: لماذا يريد السبسي تعديل دستور الثورة؟

عدم إرساء المحكمة الدستورية عقبة أمام السبسي

يفترض تغيير نظام الحكم تعديلًا لدستور 27 جانفي/يناير 2014، وتحديدًا بإجراء تحويرات في الباب الثالث المتعلّق بـ"السلطة التشريعية" وكذلك الباب الرابع المتعلق بـ"السلطة التنفيذية".

وتعتمد تونس حاليًا نظام حكم شبه برلماني يقوم على سلطة تنفيذية برأسين تتكوّن من رئيس جمهورية منتخب مباشرة يتمتّع بصلاحيات حصرية في مجالات الخارجية والدفاع والأمن القومي، ومن رئيس حكومة يحظى بثقة الأغلبية البرلمانية ويتولّى إدارة الشؤون العامة للدولة. وهو نظام وصفه السبسي سابقًأ بـ"نظام الشبه شبه" مفضلاً النظام الرئاسي الصرف.

وإن ذهب نحو تغيير نظام الحكام، يجب على السبسي تقديم مبادرة تعديل الدستور، حيث يمنح الفصل 143 من الدستور لرئيس الجمهورية ولثلث أعضاء مجلس نواب الشعب الحق في تقديم هكذا مبادرة. ولكن يفترض الفصل 144 الموالي أن يتم عرض أي مبادرة لتعديل الدستور على المحكمة الدستورية "لإبداء الرأي في كونها لا تتعلق بما لا يجوز تعديله حسبما هو مقرّر في الدستور" غير أنه لم يقع بعد إرساء المحكمة الدستورية.

لا يمكن للسبسي المضي قدمًا في تعديل الدستور قبل إرساء المحكمة الدستورية

وبالتالي، يجب على السبسي اليوم انتظار إرساء المحكمة الدستورية قبل تقديم مبادرة لتغيير نظام الحكم. ورغم أن الدستور نصّ على وجوب إرساء هذه المحكمة بعد سنة واحدة فقط من الانتخابات التشريعية سنة 2014، فإنه لم يتم ذلك بسبب تعطّل إرساء المجلس الأعلى للقضاء، الذي يتولى انتخاب ثلث أعضاء المحكمة، وكذلك بسبب غياب الإرادة السياسية في الفترة الماضية لإرساء هذه المحكمة، وذلك وفق ما تؤكد أحزاب المعارضة.

وقد فشل مؤخرًا مجلس نواب الشعب في استكمال انتخاب ثلث أعضاء للمحكمة خلال جلستين عامتين انتظمتا الأسبوع الماضي، وذلك بسبب الخلافات بين الكتل البرلمانية، ومن المنتظر أن تنعقد جلسة انتخابية ثالثة يوم الأربعاء القادم 21 مارس/آذار لانتخاب 3 أعضاء وذلك بعد انتخاب القاضية روضة الورسغيني في الجلسة العامة الثانية.

فشل مجلس نواب الشعب في مناسبتين الأسبوع الماضي في انتخاب 4 أعضاء لعضوية المحكمة الدستورية

وبعد استكمال انتخاب المجلس التشريعي للأعضاء الأربعة، يقوم المجلس الأعلى للقضاء بانتخاب الثلث الثاني من تركيبة المحكمة، وهي مهمّة ليست يسيرة في ظلّ الصعوبات التي يواجهها المجلس بسبب غياب الموارد المالية واللوجيستية لأعماله، وقد زادت متاعبه مؤخرًا مع استقالة رئيسه المؤقت بسبب خلاف حول الاختصاصات بينه وبين الجلسة العامة للمجلس التي فشلت يوم الجمعة الفارط في انتخاب رئيس مؤقت جديد بسبب عدم اكتمال النصاب.

وإجمالًا بعد أن يقوم المجلس القضائي بانتخاب أربعة أعضاء، يتولى الرئيس السبسي انتخاب الثلث الأخير من أعضاء المحكمة الدستورية، وبذلك يصعب إرساء هذه المحكمة قبل الصيف القادم على الأقل.

اقرأ/ي أيضًا: ائتلاف النهضة ونداء تونس.. توافق كامل أم تحالف هشّ؟

هل يضمن السبسي أغلبية الثلثين لتعديل الدستور؟

يمثل عدم إرساء المحكمة الدستورية عتبة وقتية يمكن للسبسي تجاوزها خلال الأشهر القادمة، ولكن للمضي قدمًا في مبادرته، يجب عليه كذلك ضمان أغلبية الثلثين من أعضاء مجلس نواب الشعب وذلك للموافقة على تعديل الدستور.

يجب على السبسي ضمان أغلبية الثلثين وبالتالي ضرورة موافقة حركة النهضة لموافقة البرلمان على تعديل الدستور

فبقد تلقّي موافقة من المحكمة الدستورية حول جواز القيام بتعديل الدستور، ينظر مجلس نواب الشعب في مبادرة التعديل للموافقة بالأغلبية المطلقة أي 109 عضوًا على مبدأ التعديل، وهو ما يفترض دعمًا من كتل نداء تونس، والحرة، وآفاق تونس إضافة للكتلة الديمقراطية إضافة للمستقلين، وهي مهمّة ليست يسيرة دون حركة النهضة.

بل إن ضمان دعم حركة النهضة لا مفرّ منه بالنسبة للسبسي، حيث لا تتمّ الموافقة على التعديل الدستوري بعد المصادقة على مبدأ التعديل إلا بأغلبية الثلثين أي 145 عضوًا في مجلس نواب الشعب. في الأثناء، تعتبر حركة النهضة التي سبق وأن دافعت عن النظام البرلماني في الفترة التأسيسية، أنه لا يوجد خلل في نظام الحكم. وعلى السبسي إذًا السّعي لإقناع حليفه النهضة بتعديل رأيه للعودة للنظام الرئاسي.

اقرأ/ي أيضًا: هل تتلاعب مؤسسات سبر الآراء بالرأي العام التونسي؟

ماذا عن تنقيح النظام الانتخابي؟

تعتمد تونس حاليًا نظامًا انتخابيًا في الانتخابات التشريعية يقوم على اقتراع على القائمات مع التمثيل النسبي واحتساب أكبر البقايا، وهو ذات النظام الذي تم اعتماده في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي.

يعتبر المدافعون عنه أنه يضمن التعددية الحزبية والسياسية بما هي ضرورة في مرحلة انتقال ديمقراطي، فيما يعتبر معارضوه أن هذا النظام يمنع من تشكل أغلبية حزبية تتولّى إدارة البلاد يمكن محاسبتها لاحقًا.

النظام الانتخابي الحالي في الانتخابات التشريعية لا يساعد على منح الأغلبية المطلقة لأي حزب سياسي

وإن أراد السبسي تغيير هذا النظام الانتخابي، فالمهمة أيسر من تغيير نظام الحكم، فما عليه إلا ضمان أغلبية مطلقة لأعضاء مجلس نواب الشعب أي 109 عضوًا للقيام بتنقيح القانون الأساسي للانتخابات الصادر سنة 2014. ولكن عليه كذلك ضمان دعم من حركة النهضة ليس فقط من أجل تغيير مريح للنظام الانتخابي داخل قبة البرلمان، بل كذلك تأكيدًا على التوافق معها حول نقطة مفصلية في الحياة السياسية.

وتوجد حاليًا عديد المقترحات المتداولة حول النظام الانتخابي الأفضل لتونس في المستقبل، حيث يطالب البعض بإضافة العتبة على غرار ما هو مضمّن في الانتخابات البلدية بوجود نسبة دنيا بثلاثة في المائة من إجمالي الأصوات في الدائرة للحصول على مقعد. فيما يطالب البعض الآخر باعتماد نظام القائمات مع اعتماد الأغلبية المطلقة على دورتين، وذلك إضافة لمقترحات أخرى يقدمها بين الفينة والأخرى أكاديميون أو سياسيون على حد السواء.

 من المنتظر أن يثير تغيير النظام الانتخابي جدلًا واسعًا خلال الفترة القادمة بين مختلف الأحزاب السياسية في تونس

وعمومًا من المنتظر أن يثير تغيير النظام الانتخابي جدلًا واسعًا خلال الفترة القادمة بين مختلف الأحزاب السياسية، حيث ستسعى الأحزاب المتوسطة والصغيرة على الإبقاء على التمثيل النسبي لحصولها على المقاعد، فيما قد تفضل الأحزاب الكبيرة نظام الأغلبية الذي يخوّل لها الحصول في انتخابات خريف 2019 على أكبر عدد ممكن من المقاعد وبالتالي إمكانية الحصول على أغلبية برلمانية دون الحاجة للتحالف مع أحزاب أخرى.

 

اقرأ/ي أيضًا: 

"بدون تونس".. محرومون من المشاركة في الانتخابات

العدالة الانتقالية والدولة المستقيلة