08-أغسطس-2022
محروقات تونس

يشكو التونسيون يوميًا من فقدان عديد المواد الأساسية انزاد لها نقص المحروقات الذي يبدو أنه يتفاقم ببطء (صورة أرشيفية/ فتحي بلعيد/ أ.ف.ب)

 

لم يتفاجأ "زياد" الشاب الثلاثيني من رد عامل محطة بيع الوقود عندما أخبره بخلوّ المحطة من البنزين. يقول في تصريح لـ"الترا تونس": "كانت تلك المحطة الثالثة التي أتوجه لها والتي تبعد حوالي 10 كيلومترات عن مقر سكني، لملء خزان سيارتي بالبنزين مع العلم أن لا إضراب معلن في ذلك اليوم، وليست المرة الأولى التي أواجه فيها مثل هذه المواقف، فالبحث عن المواد الأساسية صار الخبز اليومي للتونسي. عند الإعلان عن إضراب محتمل أقوم بملء خزان السيارة يومين قبل الموعد المحدد كي لا أضطر إلى الوقوف ساعات مطولة في أجواء يشوبها التشنج ولا تبعد كثيرًا عمّا اعتدنا رؤيته في بعض البلدان الشقيقة التي تعاني من الإفلاس أو الحروب".

"زياد" ليس إلا واحدًا من الكثيرين الذين يعانون يوميًا من فقدان عديد المواد الأولية والأساسية، انزاد لها نقص المحروقات الذي يبدو أنه يتفاقم ببطء وفي صمت.

ويرى خبراء أن الأزمة قد تشهد أوجها بحلول الشتاء القادم نظرًا للنقص الحاصل في السوق العالمية بعد الحرب الروسية على أوكرانيا وارتفاع الطلب عالميًا خاصة في دول الشمال وللمشاكل التي تعاني منها المالية العمومية في تونس والعجز الذي تشهده ميزانية الدولة.

ويحذر مراقبون من أن تونس بصدد استهلاك مخزونها الاستراتيجي للحد من استعمال العملة الصعبة بترشيد التوريد ولكنه خيار يؤجل الأزمة وربما يفاقم ارتداداتها عند حلول أجلها.

  • الحرب الأوكرانية تلقي بظلالها

وفي هذا الإطار، فسر المختص في المحروقات محمود الماي، في تصريح لـ"الترا تونس" أن "اللتر الواحد من المحروقات لكي يصل لنا يكلف 3 دنانير، وإذا ما احتسبنا الأداءات على القيمة المضافة تصل قيمة لتر المحروقات إلى 4 دنانير، يضاف إليها سعر النقل والشحن فتصل إلى 4 دنانير و500 مليم، مقابل بيعها بدينارين و330 مليمًا ما لا يغطي مصاريفها".

محمود الماي (مختص في المحروقات): تأخر تونس في سداد قيمة الشحنات يؤدي لرفض الشركات الموردة ملء البواخر  بالمحروقات إلا بعد دفع ثمن الشحنات القديمة، ما ينجر عنه تأخر في توفير مخزون تونس وحدوث نقص في المحروقات

وتابع الماي القول إن "التأخير في سداد قيمة الشحنات يؤدي إلى رفض الشركات التي تستورد منها تونس ملء البواخر  بالمحروقات إلا بعد دفعها لثمن الشحنات القديمة، ما ينجر عنه تأخر في توفير مخزون تونس وحدوث نقص وشح في المحروقات"، مشيرًا إلى أن "المخزون الاستراتيجي للمحروقات مخصص للفترات الصعبة مثل التي تمر بها البلاد حاليًا".

وعن الحرب الروسية على أوكرانيا التي ساهمت في ارتفاع أسعار النفط، بيّن محمود الماي أن طاقة إنتاج السعودية تكفي لتغطية حاجة الدول من المحروقات التي انقطع إمدادها من الجانب الروسي، والذي توجه بدوره إلى أسواق أخرى كالصين وكوريا والهند التي أصبحت خلال 3 أشهر أكبر مورد لها، والكميات التي كانت توجه إلى أسواق ثانية سترجع إلى أوروبا والبحر الأبيض المتوسط، ما يفسر تسجيل تراجع في أسعار النفط"، وفق تقديره.

وقال الماي: "ما يحدث مع روسيا اليوم مغاير لما شهدته إيران سابقًا، كلنا نعلم أن روسيا والصين تمتلكان حق الفيتو لدى منظمة الأمم المتحدة، وبذلك تنتفي إمكانية التصويت على إقرار حصار عالمي ضد روسيا على عكس ما حصل سابقًا مع إيران، لكن سنشهد تغييرًا في اتجاه شحنات النفط التي ستصبح مدة مكوثها في البحر 45 يومًا على سبيل المثال عوضًا عن 15 يومًا، بالإضافة إلى تسجيل ارتفاع في أسعار شحنها ونقلها دون تسجيل ارتفاع في سعر بيعها".

  • ضعف إمكانيات الدولة 

وفي رده على سؤالنا حول أسباب أزمة المحروقات في تونس، يرجح الماي أن الأزمة تعود إلى ضعف إمكانيات الدولة في تأمين دعم المحروقات الذي يمثل 40% من قيمة عجزها، بالإضافة لشح مواردها المالية، مشددًا على أنه "كان من الأجدر أن تطبق تونس التعديل الآلي بأكثر صرامة"، حسب رأيه.

وواصل الماي حديثه بالقول إن "سعر المحروقات في تونس يعد من بين الأقل سعرًا في العالم، إذا ما استثنينا الدول المنتجة للنفط، فإن تونس تكون في المراتب الأولى"، مشيرًا إلى أن "سعر اللتر الواحد من البنزين في المغرب يقدر بـ5 دنانير"،  معتبرًا أن "دعم تونس للمحروقات هو الذي تسبب في إيقاع الدولة في إشكاليات دفع للشحنات التي تطلب استيرادها".

محمود الماي لـ"الترا تونس": أزمة المحروقات في تونس تعود إلى ضعف إمكانيات الدولة في تأمين دعم المحروقات الذي يمثل 40% من قيمة عجزها، بالإضافة لشح مواردها المالية

وبخصوص نقص الاكتشافات في تونس، اعتبر الماي أن "الإشكال يرجع بالأساس إلى القوانين التي أدت إلى هروب المستثمرين والشركات، فتونس منذ 20 سنة كانت تقوم بصرف 400 مليون دولار سنويًا للتنقيب والبحث عن النفط، ما كان يمكّن من النجاح في اكتشاف 40 بئر بترول"، على حد قوله، مضيفًا "اليوم نزلنا إلى معدل 80 مليون دولار سنويًا ما يمكّن من اكتشاف 4 آبار فقط"، متابعًا القول إن "دستور 2014 في فصله 13 دفع شركات النفط والمستثمرين إلى الهروب من تونس، وكذلك سيفعل الدستور الجديد في فصله 16 الذي سيدفع الشركات إلى الهروب أكثر فأكثر".

وحول إمكانية حدوث سيناريو مشابه لأزمة المحروقات في لبنان، يقول محمود الماي إن الفرصة لازالت ممكنة لتفادي ذلك، ففي لبنان يتم اعتماد طلب اعتمادات معززة للموردين من بنك أوروبي، الأمر الذي لم تصل إليه تونس إلى حد الآن، مشددًا على أن "مسألة الاعتمادات المعززة ستصل إليها تونس لا محالة مع حلول 2023، على اعتبار قيمة ديون الشركات مع تونس والتي ستتمسك بإدراجها في العقود المقبلة، تونس لازالت بعيدة قليلًا عن السيناريو اللبناني، لكن الإمكانية واردة"، حسب تصوره.

ويشدد محمود الماي على "ضرورة تمكن تونس من إبرام اتفاقية مع البنك الدولي وجلب موارد جديدة وإبرام اتفاقيات مع مستثمرين جدد"، قائلًا: "ما نراه اليوم أن الدولة لازالت تضايق الشركات الكبرى ولا يزال الحديث عن ثروات الشعب بطريقة تملؤها الاتهامات".

  • وزارة الطاقة: "لسنا في خطر"

أسئلة ووقائع طرحناها في "الترا تونس" على طاولة مدير توزيع المحروقات بوزارة الطاقة عفيف المبروكي الذي وضّح لنا أن "العقوبات المسلطة على روسيا بعد الحرب الأوكرانية خلقت ضغطًا على سوق النفط في العالم  أجمع، رغم ذلك فإنّ التزود في تونس يتم بصفة طبيعية ولنا مخزون استراتيجي يمتد من 20 يومًا إلى شهر استهلاك".

عفيف المبروكي (مدير توزيع المحروقات بوزارة الطاقة) لـ"الترا تونس": لسنا في خطر والتزود في تونس يتم بصفة طبيعية ولنا مخزون استراتيجي يمتد من 20 يومًا إلى شهر استهلاك

وتابع المبروكي: "لا يخفى على أحد أن تونس تعاني من صعوبات على مستوى المالية العمومية لكن لسنا في خطر ونحن بصدد تزويد السوق المحلية، كما أننا اقتنينا كميات من المحروقات في انتظار تسلمها من المزودين، التزود يتم بصفة متواصلة على طول السنة، وتأمين برنامج التزويد يتم قبل 45 يومًا على الأقل، شركاتنا لها صيت جيد وتعمل على تزويد السوق المحلية، حتى خلال الأزمات المناخية لا نواجه صعوبة في التزود وذلك من خلال علاقات شركاتنا بالمزودين، لكن هذه الشركات تواجه اليوم صعوبات مالية وتتحمل خسائر وضغطًا كبيرًا، لأنها تشتري بسعر مرتفع من السوق العالمية وتزود السوق المحلي بسعر محدد، إذًا لنا مخزون ولنا برامج ولنا صعوبات"، على حد قوله.

وأضاف المبروكي في حديثه لـ"الترا تونس": الدولة قائمة ومهمتها أن تجد الموارد وتوفر المواد الأولية والأساسية لمواطنيها، رغم كل الصعوبات نتوصّل للحلول اللازمة دائمًا، من غير المعقول تشويه السمعة التجارية لتونس والادعاء أننا نواجه نقصًا في المحروقات، في الظروف العادية نشهد في بعض الأحيان تأخيرًا في تسلم الطلبات، فما بالك في ظرف عالمي صعب يعاني من  نقص في العرض، لكنها صعوبات لا تهدّد سلامة تزويدنا"، وفق تقديره.

  • عجز طاقي ونقص في الاكتشافات

وقال مدير توزيع المحروقات بوزارة الطاقة التونسية: "في تونس لم تعرف أسعار المحروقات زيادات كبيرة على الرغم من ارتفاع السعر العالمي بـ50% و100%، لم يتم الترفيع في السعر سوى 3 مرات خلال 8 أشهر، حيث تجاوزنا ميزانية الدعم بحوالي 3 مرات، الترفيع في سعر المحروقات أمر لا بد منه للتخفيف من الضغط على الميزانية ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن زيادة جديدة بـ 5% في قادم الأيام".

عفيف المبروكي لـ"الترا تونس": الترفيع في سعر المحروقات أمر لا بد منه للتخفيف من الضغط على الميزانية ومن المتوقع أن يتم الإعلان عن زيادة جديدة بـ 5% في قادم الأيام

وحول العجز الطاقي الذي تعاني منه تونس والذي بلغ 87% في الثلث الأول من سنة 2022، فسر المبروكي أن "الأسباب عديدة من بينها أننا دولة محدودة الموارد تعتمد على توريد مسلتزماتها وعلى النقص في الاكتشافات التي تعود بدورها إلى جملة من الأسباب من بينها النقص الحاصل في الاستثمار في هذا القطاع وانهيار أسعار المحروقات سنة 2015 والتوجه العالمي للتقليص من انبعاثات الكربون والاعتماد على الطاقات المتجددة"، مؤكدًا أن "المخاطر أقل عند التنقيب في البلدان النفطية، وبالتالي على الدول غير النفطية تحسين الشروط للتشجيع على الاستثمار ومن بين هذه الشروط تحقيق الاستقرار السياسي والاقتصادي والاجتماعي"، مشيرًا إلى أن "هناك عملًا جاريًا لمراجعة مجلة المحروقات أيضًا بهدف استقطاب المزيد من الاسثمارات في هذا المجال والمطلوب مضاعفة المجهود من أجل أن تكون النتيجة أفضل".

وبين المبروكي أن "للدولة استراتيجية للتوجه نحو الطاقات المتجددة"، معقبًا: "رغم كلفتها العالية نرنو لإنتاج 35% من حاجاتنا للطاقة الكهربائية من الطاقات المتجددة بحلول عام 2030، العديد من الأشواط قطعت في هذا المجال لتذليل الصعوبات على المستثمرين، كما أننا انطلقنا في تنفيذ طلبات عروض للاستثمار بطاقات إنتاج كبيرة في الرياح والطاقة الشمسية"، على حد قوله.