24-مارس-2022

تسعى الحكومة في تونس إلى تحفيز المواطن على تعزيز استعمال الطاقات المتجددة (Getty)

 

شهدت أسعار النفط قفزة نوعية بكسر حاجز 130 دولار للبرميل عقب الهجوم الروسي على أوكرانيا ولئن ساهمت هذه الحرب في التأثير على أسعار المحروقات في أغلب دول العالم، فإن الحكومة التونسية عمدت إلى الزيادة في أسعار المحروقات مرتين على التوالي منذ بداية السنة وذلك بهدف التخفيض من ضغط تكلفة الطاقة المتنامية منذ سنوات.

وعللت الحكومة في تونس هذه الزيادات المتتالية التي تندرج في إطار برنامج تعديل أسعار المواد البترولية المعتمد ضمن ميزانية الدولة لسنة 2022 بالأحداث المستجدة في العالم والانعكاسات المحتملة على إمدادات الطاقة بالأسواق الدولية والسعي إلى موازنة حجم الدعم المخصص للمحروقات.

عديد الخبراء في مجال الطاقة في تونس ينادون منذ سنوات بالتوجه نحو الطاقات المتجددة كخيار أمثل للتقليص من العجز التجاري لقطاع الطاقة

في الأثناء، عديد الخبراء في مجال الطاقة في تونس ينادون منذ سنوات بالتوجه نحو الطاقات المتجددة كخيار أمثل للتقليص من العجز التجاري لقطاع الطاقة الذي بلغ  5.21 مليار دينار (1.86 مليار دولار) سنة 2021 أي 32.2 بالمائة من العجز التجاري.

اقرأ/ي أيضًا: اجتياح أوكرانيا يرفع أسعار القمح والنفط ومواد أخرى.. أي تداعيات على تونس؟

  • طاقات نظيفة

تعرف الطاقات المتجددة بأنها طاقة ناتجة عن مصادر طبيعية وهي متجددة ونظيفة لا تمثل أي تهديد على المحيط ولا ينجر عنها أي تلوث بيئي وهي الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والطاقة المائية.

وأوضح الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي أن استعمال الطاقات التقليدية كالنفط والفحم الحجري والغاز يلوث المحيط بإفرازها غازات تصعد إلى السماء وتؤدي إلى انخرام التوازن في الطبقة الجوية الوسيطة مما ينتج عنه انحباس حراري في الغلاف الجوي ينجر عنه تغيرات مناخية والحل الوحيد لتلافي هذه الإشكاليات هو التقليص في استعمال الطاقة الوقودية وتعويضه بالطاقات المتجددة.

وأضاف الهنتاتي في حديثه لـ"الترا تونس" أن كل البلدان تسعى إلى التمكن من الطاقات البديلة والتقليص من الطاقات التقليدية التي تضر بالبيئة قائلاً "الطاقات المتجددة نظيفة ولا تؤدي إلى التلوث لكن كلفتها أكبر من الطاقات التقليدية.. واستخراج النفط وتطويعه حتى يصبح مصدرًا للوقود له كلفته أيضًا".

الخبير في البيئة والتنمية المستدامة عادل الهنتاتي لـ"الترا تونس": تونس بصدد الاستثمار وبذل مجهودات منذ حوالي 10 سنوات لمضاعفة موجودات الطاقة المتجددة

ويتابع الخبير أن التلوث الوحيد للطاقات المتجددة هو عندما تصبح اللاقطات الشمسية والناعورات الهوائية نفايات وبالتالي وجب التفكير في طرق التخلص منها مشيرًا إلى أن تونس بصدد الاستثمار وبذل مجهودات منذ حوالي 10 سنوات لمضاعفة موجودات الطاقة المتجددة وتوفير حاجيات التونسي.

ويرى الهنتاتي أن تونس تلجأ إلى استعمال لاقطات شمسية وناعورات هواء مستوردة تحول شعاع الشمس والرياح إلى طاقة ولا تملك براءة اختراع، قائلاً "إذا أصبح لدينا براءة اختراع يمكننا توفير الطاقة ويمكن الحديث عن السيادة الطاقية حينها"، وفق تقديره.

اقرأ/ي أيضًا: حوار/مصنّع أول سيارة تونسية بالطاقة الشمسية: التسويق بداية 2022 والسعر مفاجأة

  • إمكانيات واعدة لقطاع الطاقات البديلة

أكد المستشار في الطاقة عز الدين خلف الله أن الطاقات المتجددة نظيفة وفعالة للتقليص من استعمال الطاقات التقليدية كالنفط والغاز باهظة الثمن والمرجحة أسعارها للارتفاع أكثر في ظل الأزمة الاقتصادية التي يمر بها العالم وخاصة نشوب الحرب بين روسيا وأوكرانيا. 

ويضيف خلف الله أن ما يميز الطاقات البديلة هو أنها غير مسترسلة عكس الطاقات التقليدية خاصة منها الطاقة الشمسية وبالتالي وجب تخزينها من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز والتي يفترض أن تكون قادرة على امتصاص الكميات المنتجة.

المستشار في الطاقة عز الدين خلف الله "الترا تونس": ما يميز الطاقات البديلة هو أنها غير مسترسلة عكس التقليدية خاصة منها الشمسية وبالتالي وجب تخزينها من قبل الشركة التونسية للكهرباء والغاز والتي يفترض أن تكون قادرة على امتصاص الكميات المنتجة

وبيّن محدث "ألترا تونس" أن البلاد أعدت برنامجاً يهدف إلى تركيز 30 في المائة من مساهمة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء سنة 2030 وهو هدف طموح لأن هذه النسبة تعادل 4000 ميجاوات من الكهرباء ولأن تونس ليست منتجاً كبيرًا للنفط والغاز. 

وأفاد بأن القدرة التي تم تركيزها حاليًا في حدود 3 أو 4 بالمائة من إنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة لكن تونس قامت ببعث مشاريع ليست في طور الاستغلال حالياً وإذا ما تمكنت الحكومة من رفع الإشكاليات والعراقيل العالقة ستكون لدينا القدرة الكافية للوصول إلى 30 بالمائة في حدود سنة 2030 وقدرة مركزة تفوق 15 بالمائة سنة 2025 وذلك بالجهود المتضافرة من كل الأطراف وهي الحكومة والشركات الخاصة والبنوك.

المستشار في الطاقة عز الدين خلف الله "الترا تونس": تونس أعدت برنامجاً يهدف إلى تركيز 30 في المائة من مساهمة الطاقات المتجددة في إنتاج الكهرباء سنة 2030 وهو هدف طموح 

وأضاف المستشار في الطاقة "هناك إمكانيات واعدة لقطاع الطاقات البديلة ومساهمتها مرتبطة بالإمكانيات التي يمكن أن توفرها شبكة الشركة التونسية للكهرباء والغاز.. الطاقات المتجددة في تونس ليست خيارًا هي في الوقت الحالي التزام لأن إنتاج الكهرباء يتم عبر الغاز الطبيعي الذي نستورد 70 بالمائة منه من الجزائر وأسعاره مرتبطة بأسعار النفط وبالتالي كلفة الطاقة المنتجة عن طريق الشركة التونسية للكهرباء ستكون مكلفة"، متابعًا أن الشركة مضطرة للترفيع في فواتير الكهرباء لأن صندوق التعويض يدعم المواد البترولية والغاز والكهرباء بصفة كبيرة ومساهمة الطاقات المتجددة ستقلص في الدعم الذي تحمله الحكومة على عاتقها. 

ويرى عز الدين خلف الله أن الشركة التونسية للكهرباء والغاز تبذل جهودًا كبرى لتقوية شبكتها بهدف امتصاص أكبر قدرة من الطاقات المتجددة، وأن المرحلة الحالية تستوجب عزيمة للنهوض بهذا القطاع قائلاً "تونس تحظى بإمكانيات طبيعية هامة خاصة أشعة الشمس.. في الجنوب التونسي هناك أراض شاسعة يمكن أن تركز فيها مشاريع تنمية لاسيما بالمناطق التي تستوجب تنمية لخلق مواطن شغل.. الرياح متوفرة أيضًا وتم تحديد مناطق فيها رياح يمكن بعث مشاريع تحظى بنجاح اقتصادي".

المستشار في الطاقة عز الدين خلف الله "الترا تونس": صندوق التعويض يدعم المواد البترولية والغاز والكهرباء بصفة كبيرة ومساهمة الطاقات المتجددة ستقلص في الدعم الذي تحمله الحكومة على عاتقها

وختم المتحدث بالتأكيد على وجود بعض العراقيل تتمثل في التمويل والأراضي التي سيتم بعث المشاريع عليها وقدرة امتصاص شركة الكهرباء والغاز مشيرًا إلى وجود العديد من الممولين الدوليين بإمكانهم المساهمة في مشاريع الطاقات المتجددة على مستوى تقوية القدرات والدعم الفني.

اقرأ/ي أيضًا: منها تونس.. بنك إفريقيا للتنمية يوافق على تمويل مشاريع الطاقة المتجددة بـ6 دول

  • تطور الاستعمال المنزلي للطاقات المتجددة

تسعى الحكومة في تونس إلى تحفيز المواطن على الانخراط في مجهوداتها الرامية إلى تعزيز استعمال الطاقات المتجددة بغاية تقليص الضغط على الشركة التونسية للكهرباء والغاز وتشجيع المواطن على استعمال ما ينتجه من طاقة عبر اللاقطات الشمسية.

أكد المدير بالإدارة التجارية والتسويق سامي بن حميدة للشركة التونسية للكهرباء والغاز أنه منذ انطلاق برنامج الأسطح الشمسية سنة 2011 وهو عبارة عن آلية تمويل للحرفاء لاستعمال الطاقة الشمسية تقدمها شركة الكهرباء بالشراكة مع الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة، بلغ عدد محطات توليد الكهرباء 49000 بقدرة إنتاج تناهز 125650 كيلو وات في السنة على مدة العشر سنوات فيما لم يتجاوز عدد المحطات المركزة سنة 2011 630 محطة.

سامي بن حميدة (الشركة التونسية للكهرباء والغاز) لـ"الترا تونس": منذ انطلاق برنامج الأسطح الشمسية سنة 2011، بلغ عدد محطات توليد الكهرباء 49000 بقدرة إنتاج تناهز 125650 كيلو وات في السنة على مدة العشر سنوات فيما لم يتجاوز عدد المحطات المركزة سنة 2011 630 محطة

وأوضح بن حميدة في حديثه لـ"الترا تونس" أن هذه المحطات التي تركز فوق أسطح الحرفاء هي "جهد منخفض" وأن الطاقة المنتجة من الأسطح مكنت من عدم استعمال محروقات بما يكافئ 176 ألف طن نفط وتوفير مبالغ على المجموعة الوطنية بقيمة 126 مليون دينار وكذلك من عدم إفراز 415 كيلو طن من انبعاثات الكربون في الطبيعة.

وتحدث المدير عن المخطط التونسي لبلوغ 30 بالمائة من إنتاج الطاقة من الطاقات المتجددة سنة 2030 مبينًا أنه هدف من الممكن بلوغه خاصة وأن نسبة الطاقات المركزة من الطاقات المتجددة تبلغ 7.5 بالمائة، مشيرًا إلى أنه تم الأسبوع الفارط منح تراخيص لثلاث شركات دولية لإنتاج 500 ميجاوات من الكهرباء من مصادر الطاقة المتجددة بقيمة 410 ملايين دولار.

وتابع المتحدث أنه وقع تطوير المحطات المركزة فوق الأسطح بنسبة 40 بالمائة بقدرة تركيز 1000 محطة شهريًا أي 12 ألف محطة في السنة مشيرًا إلى أنه يتم تركيب عداد ويمكن للحريف إنتاج واستهلاك الطاقة وما يزيد عن استهلاكه يحول إلى شبكة الشركة التونسية للكهرباء والغاز في آخر السنة. 

واعتبر سامي بن حميدة أن نجاح هذا البرنامج يعزى إلى تطور وعي المواطن والتحفيزات التي توفرها الوكالة الوطنية للتحكم في الطاقة والشركة التونسية للكهرباء والغاز إضافة إلى التسهيلات التي يتمتع بها الحريف والمتمثلة في قرض ميسر يتم سداده عبر فاتورة الكهرباء "442 فاتورة" علمًا وأن قيمة المحطة تقدر بـ 7 آلاف دينار بقدرة إنتاج 2 كيلوات. 

سامي بن حميدة (الشركة التونسية للكهرباء والغاز) لـ"الترا تونس": الطاقة المنتجة من الأسطح مكنت من عدم استعمال محروقات بما يكافئ 176 ألف طن نفط وتوفير مبالغ على المجموعة الوطنية بقيمة 126 مليون دينار وكذلك من عدم إفراز 415 كيلو طن من انبعاثات الكربون في الطبيعة

كما أكد أن هذه المحطات تمكن من التقليص في كلفة  فاتورة الكهرباء والتقليص من استهلاك الكهرباء من شبكة شركة "الستاغ" بنسبة 70 بالمائة ويصبح إنتاج الحريف ذاتي ما عدا خلال فترة الليل فترات الغيوم.

وبّين المتحدث أن برنامج آلية التمويل يهم الطبقة التي تستهلك أكثر من العادي وهناك برنامج جديد مع وكالة الطاقة في لمساته الأخيرة ويهم الطبقة المتوسطة والأقل من المتوسطة سيتم فيه تيسير القرض على 10 سنوات وسيتمتع به 80 ألف حريف أما بالنسبة للطبقة الاجتماعية سيتم تركيز المحطات مجانيًا وتشرف عليه الولايات وقد انطلق هذا البرنامج في توزر.

  • خسائر بالجملة يتكبدها منتجو الكهرباء من الطاقات البديلة 

تسعى تونس منذ سنة 2013 إلى تدارك العجز الطاقي عبر تبنيها لاستراتيجية جديدة للانتقال الطاقي ترمي إلى تحسين الاستقلالية الطاقية وذلك عبر تطوير ودعم الطاقات المتجددة.  وبهدف تعزيز مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء تم سنة 2015 إصدار قانون يمكن القطاع الخاص من المساهمة في هذا المجال وذلك عبر ثلاثة أنظمة وهي نظام اللزمات ونظام التراخيص ونظام الإنتاج الذاتي. 

بهدف تعزيز مساهمة الطاقة المتجددة في إنتاج الكهرباء تم سنة 2015 إصدار قانون يمكن القطاع الخاص من المساهمة في هذا المجال وذلك عبر ثلاثة أنظمة وهي نظام اللزمات ونظام التراخيص ونظام الإنتاج الذاتي

وقد أفاد عبد اللطيف حمودة، رئيس المجمع المهني لمنتجي الكهرباء من الطاقات المتجددة، أن المجمع اتفق مع إطارات الشركة التونسية للكهرباء والغاز منذ سنة 2015 على بلوغ 30 بالمائة من إنتاج الطاقة من الطاقات البديلة ولكن بعد مضي 7 سنوات لم يتم إنتاج سوى 8 بالمائة ما يعادل 300 ميجاوات في حين أن المفروض إنتاجه 3800 ميجاوات إلى حدود سنة 2030.

واعتبر محدث "ألترا تونس" أنه تم تسجيل تأخر كبير في بلوغ الهدف المنشود معزيًا ذلك إلى الإشكال الذي تعرض له المهنيون، من بينه عدم ضمان الدولة في المستثمرين التونسيين وفقًا لشروط الممولين الذين سيدعمون برامج الطاقات المتجددة إلى جانب الإشكال المتعلق بالتراخيص المباشرة أي رفض ربط الطاقة المنتجة في شبكة شركة الكهرباء والغاز بسبب رفض نقابة الشركة لما وصفته بخوصصة الشركة.

رئيس مجمع منتجي الكهرباء من الطاقات المتجددة لـ"ألترا تونس": نتعرض لإشكاليات عدة منها المتعلق برفض ربط الطاقة المنتجة في شبكة شركة الكهرباء والغاز بسبب رفض نقابة الشركة لما وصفته بالخوصصة

وبيّن حمودة أن المستثمرين ينفقون أموالاً طائلة على المشروع في حين أنه لا يمكن بيع الطاقة المنتجة وقيمة الخسائر بلغت 870 مليون دولار مما اضطر بعض الممولين الأجانب إلى المغادرة وإذا ما استمر الوضع على ما هو عليه سيغادر جميعهم، وفقه،  قائلاً "الوزارة لم تتمكن من حل الإشكال العالق وهي بصدد مسايرة النقابة، إلى حد الآن المشروع لم يتقدم و1000 ميجاوات لم يتم استغلالها ولا نرى سوى الدعاية بوسائل الإعلام في حين أن كل البلدان تجاوزتنا في قطاع الطاقات المتجددة".

وأشار عبد اللطيف حمودة إلى أن كلفة كيلوات كهرباء على "الستاغ" تقدر بـ 350 مليم في حين أن كلفتها على الطاقة المتجددة لا تتجاوز 70 مليم مضيفًا "عوض أن نستثمر في الطاقات المتجددة في ظل ارتفاع أسعار النفط بعد نشوب الحرب، عجزت الدولة عن اتخاذ قرار واضح يحل الأزمة"، وفق تقديره.

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

لوح بتنفيذ اعتصام مفتوح:وقفة احتجاجية لمجمع الطاقات المتجددة أمام وزارة الطاقة

مرزوق: لماذا تعارض جامعة الكهرباء أول مشاريع الطاقات المتجددة؟

الموافقة على 16 مشروع خاص لإنتاج الكهرباء من الطاقات المتجددة