09-مارس-2020

توقع أستاذ مختص في الأوبئة أن الكورونا ستصيب بين 40 و70 في المائة من البشرية (فيفاك براكاش/ أ ف ب)

مقال رأي

 

لن تكون الكورونا أول وباء بشري، لكنها تتهيأ على الأرجح أن تكون الوباء الأكثر تأثيرًا وانتشارًا في القرن الحادي والعشرين. ولأن للأوبئة تاريخًا، فإن هناك ما يكفي من المعرفة التاريخية التي يمكن على أساسها أن نستخلص مجمل معطيات ومؤشرات إما تخفف من توسعه أو تزيد فيه. لنلخص من البدء أن الوباء قاتل في كل الحالات، لكن ما يوسع أو يضيق في ذلك سلوكيات بشرية، هي متناقضة في الجوهر: الاستخفاف واللامبالاة المفرطة من جهة والهلع والهستيريا من جهة أخرى يمكن أن تجعل ضحاياه أضعافًا.

في الأربعة وعشرين ساعة الأخيرة، تم وضع 16 مليون إيطالي في حالة عزل عن بقية البلاد مع ظهور حوالي 1500 حالة جديدة. وتم تسجيل 334 حالة وفاة منهم 134 في الـ24 ساعة الأخيرة. هذا الانتشار الخارق للفيروس هو أحد أهم مميزات ما يمكن أن تشترك فيه كل الأوبئة. نوع من العدو غير المرئي الذي يتحرك في الظلام والذي لا نملك أمامه أي قدرة دفاعية جدية. حالة رعب حقيقية.

أستاذ مختص في الأوبئة في جامعة هارفارد توقع أن الكورونا ستصيب بين 40 و70 في المائة من البشرية

أستاذ مختص في الأوبئة في جامعة هارفارد توقع في دراسة نشر خلاصاتها موقع الأتلنتيك يوم 24 فيفري/ شباط 2020، أن الكورونا ستصيب بين 40 في المائة و70 في المائة من البشرية. لسنا هنا بصدد مرجعية وهمية أو خبر زائف. شاهدت الأسبوع الماضي تقريرًا لقناة "أرتي" (الفرنسية الألمانية) حول الوضع في الصين، وتبيّن أن كل المدن الصينية الكبرى تقريبًا في حالة حجر، توقف كامل للحركة في العاصمة الصينية بيكين نفسها. ونقاط تفتيش في كل مكان وشوارع خالية تمامًا.

انتشار الكورونا في إيران سريع ويبدو كثيفًا حيث مسّ قيادات سياسية في الدولة ونواب برلمان وسفراء. في مصر هناك حالة إنكار لانتشار الوباء. حديث النظام عن 3 حالات رسمية في حين انتشاره في كاليفورنيا وبعض الحالات الفرنسية آتية من مصر.

صحيح أن نسبة الوفاة من الوباء هذه المرة تمس بشكل حاد فئة عمرية محددة خاصة فئة المسنين (فوق الستين سنة)، وأنه كلما كانت الفئة العمرية أقل كلما كانت حظوظ التعافي مرتفعة، لكن أثره على الوضع العام وخاصة اقتصاديًا سيكون على الأرجح موجعًا، سواء للدول التي تعتمد النفط (حيث انهارت أسعار النفط إلى مستوى 30 دولارًا للبرميل)، أو الاقتصاديات التي تعتمد التصنيع والتجارة.

رغم حيوية وزارة الصحة فإن بعض الوزارات الأخرى لا تزال مترددة ويبدو التنسيق غير محكم خاصة فيما يتعلق بقرار وقف الرحلات مع دول تشهد انتشارًا سريعًا للوباء

بعيدًا عن الهستيريا، أعتقد أننا إزاء وباء جدي يذكر في قدرته على الانتشار بـ"الأنفلونزا الإسبانية" نهاية الحرب العالمية الأولى، وهو أمر يستوجب تركيزًا وانتباهًا كبيرًا من الأسرة الدولية وانضباطًا قويًا من الحكومات والمجتمعات.

فيما يخص تونس، فإن انتشار الوباء في إيطاليا التي أصبحت تشهد أكثر نسب الانتشار والوفاة، والآن يبدو في فرنسا أيضًا، وكلاهما توجد معه علاقات قوية وجالية تونسية كبيرة، يعني أن تونس يمكن أن تكون معنية جديًا بانتشار الوباء.

مرة أخرى، بعيدًا عن الهستيريا، لكن يجب الاستعداد جيدًا لانتشار كبير حتى إن لم يحصل. وحتى الآن، ورغم حيوية وزارة الصحة، فإن بعض الوزارات الأخرى لا تزال مترددة. ويبدو التنسيق غير محكم خاصة فيما يتعلق بقرار وقف الرحلات جوية أو بحرية مع دول تشهد انتشارًا سريعًا للوباء وخاصة إيطاليا. صحيح أن تونس لم تشهد حتى الآن سوى حالتين لكن الرقم سيرتفع على الأرجح كلما ارتفعت المخاطر في إيطاليا وفرنسا.

الأوبئة لم تقف إلا بتحسن ظروف العيش أو بوجود تلاقيح. وبمعزل عن المقاربة الطبية، فإنه تاريخيًا لم يوجد وباء توسع بشكل كبير وأتى على الأخضر واليابس إلا لما تم استسهاله أو الهلع منه. في حالة أشهر وبائين "الطاعون الأكبر" (القرن الرابع عشر) أو "الأنفلونزا الإسبانية" (نهاية الحرب العالمية الأولى)، كان السلوك البشري عاملًا مساعدًا أساسيًا في درجة الانتشار وقدرته على القتل، وهو ما يستحق اهتمامًا بذات قدر الاهتمام بإجراءات الحكومات.

 

اقرأ/ي أيضًا:

النضج الديمقراطي التونسي.. تحية وبعد؟

عن السينما التونسية وملاحم الذاكرة الوطنية