معالم أثرية وعمرانية في تونس تمتد من عهود ما قبل التاريخ إلى العصر الحديث ظلت صامدة أمام صدمات الزمن ونوازع البشر وكاد الهلاك يمحوها من ذاكرة المجتمعات المتعاقبة على هذه الأرض وتذهب بها رياح الحروب وجحود الشعوب. هي معالم كادت تذوب في زحمة هذا العصر المغيّب للأصالة والناكر للذاكرة لولا تشبث البعض من الغيورين في المجتمع التونسي بالأرض والتاريخ وقد دافعوا بضراوة عما بقي من مواقع الأجداد.
في هذا السياق، حظيت بعض المواقع الأثرية مؤخرًا بتصنيفها ضمن المواقع الأثرية المحمية وذلك بإدراجها في الرائد الرسمي عدد 1 لسنة 2023 المؤرخ في 3 جانفي/يناير 2023 بعد المصادقة عليها من طرف اللجنة الوطنية للتراث في سبتمبر/أيلول الماضي وهي لجنة حكومية تضم عددًا من ممثلي الوزارات.
حظيت بعض المواقع الأثرية مؤخرًا بتصنيفها ضمن المواقع الأثرية المحمية ومنها "دار شنيق" وحديقتها وكذلك "المعلم الدفاعي" الكائن برادس و"محطة القطار" بسجنان و"ملجأ جبل قراعة" بدجبة
18 موقعًا تم نشرها بموجب القرار الحكومي وهي التالية:
- "دار شنيق" وحديقتها وكذلك "المعلم الدفاعي" الكائن برادس
- "محطة القطار" بسجنان (بنزرت)
- "ملجأ جبل قراعة" بدجبة (تيبار)
- "الحصن الروماني" أولاد قاسم (نفزة)
- "الحمام الروماني" بهنشير الماطرية (تبرسق)
- "المقبرة الجلمودية" قرن الكبش بدقة
- "قصر بورقيبة" ببني دراج (زغوان)
- "موقع اللوحات الصخرية" بعين الخنفوس (الوسلاتية)
- "الحائط الأثري لتوجيه المياه" بواد هدّاج (سيدي بوزيد)
- "المغاور الجلمودية" بالسند (قفصة)
- "الماجل الأزرق" (سوسة)
- "حفريات واد العكاريت"(المطوية)
- "خط مارث الدفاعي" بقابس
- "موقع ما قبل التاريخ "بوادي الأزاليم (دوز)
- "مقر شركة نقل تونس" سابقًا (تونس)
- "مقر وزارة المالية"(القصبة)
- و"المركب الديني سيدي بوسعيد".
معالم أثرية معلومة لدى المجتمعات المحلية والخبراء في التاريخ ولكنها تبقى مجهولة عند أغلب المواطنين ولعلها بقدر أهميتها بقيت على هامش التأريخ والبحث العلمي لدى المختصين والجهات المسؤولة أو تم تجاهلها لاعتبارات حضارية وسياسية أو بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية لإنجاز الأبحاث والحفريات الضرورية.
في هذا التقرير، يحاول "الترا تونس" أن يكشف النقاب عن بعض هذه المعالم المدرجة كمحمية أثرية ونغوص في بعض ما تتضمنه من قيمة تاريخية ساهمت في بناء حضارة هذه الأرض وسكانها سواء في عصور قديمة أو عهود حديثة.
- دار شنيق ـ رادس
دار شنيق وحديقتها بجهة رادس تعتبر من أجمل الدور والقصور المشيدة في الجهة وتنسب لمحمد بن حسن شنيق وهو سياسي تونسي تولى الوزارة الكبرى مرتين أولهما سنة 1943 والثانية في مطلع الخمسينيات.
دار شنيق وحديقتها بجهة رادس تعتبر من أجمل القصور المشيدة في الجهة وتنسب لمحمد شنيق وهي فيلا استعمارية بنيت في سنة 1905 على الطراز الفرنسي وكذلك الإيطالي
ويسكن منطقة رادس في عهد المملكة الحسينية كبار الشخصيات الذين قاموا ببناء منازلهم ذات الطراز الإسباني المزيّنة بالحدائق مثل حدائق الحاكم القائد مختار بن زيد والعميد علالة بن فريجة.
ويذكر أن دار شنيق فيلا استعمارية بنيت في سنة 1905 واشتراها الوزير الأكبر محمد شنيق وهي مبنية على الطراز الفرنسي وكذلك الإيطالي.
دار شنيق في رادس
- محطة القطار سجنان ـ بنزرت
محطة القطار بسجنان من ولاية بنزرت تعتبر من التحف المعمارية في الشمال وهي التي تتخذ نمطًا عمرانيًا سائدًا خلال الحقبة الاستعمارية في تشييد المحطات، إذ تزينها الأسقف القرمودية والجدران البيضاء والزرقاء كما تتميز بارتفاعها ولجوء الطيور المهاجرة إلى سقفها.
محطة القطار بسجنان تعتبر من التحف المعمارية في الشمال وهي التي تتخذ نمطًا عمرانيًا سائدًا خلال الحقبة الاستعمارية إذ تزينها الأسقف القرمودية والجدران البيضاء والزرقاء كما تتميز بارتفاعها ولجوء الطيور المهاجرة إليها
الخط الحديدي رقم 2 الرابط بين ماطر وطبرقة مرورًا عبر سجنان اشتهر بحركة نقل البضائع وخاصة في نقل الحديد الخام من مناجم الضواهرية بسجنان حيث كانت تزود مصنعي الفولاذ بمنزل بورقيبة و إسمنت ببنزرت إضافة إلى المنتوجات الفلاحية ولكن محطة سجنان توقفت عن النشاط على مراحل وكان آخرها سنة 2006، وفق ما سرده الأستاذ عز الدين القوطالي في إحدى تدويناته.
محطة القطار بسجنان
- ملجأ جبل قراعة بدجبّة تيبار ـ باجة
ملجأ جبل قراعة بدجبّة التابعة لمدينة تيبار من ولاية باجة صنّف من بين المحميات الأثرية ويحتوي جبل قراعة الذي تبلغ قمته 865 مترًا على قبور جلمودية تعود إلى العصر الحجري كما يحتوي على آثار للحضارات اللوبية والبربرية والرومانية ويحتوي على مغارة يطلق عليها "مغارة كريز".
يحتوي جبل قراعة الذي تبلغ قمته 865 مترًا على قبور جلمودية تعود إلى العصر الحجري كما يحتوي على آثار للحضارات اللوبية والبربرية والرومانية ويحتوي على مغارة يطلق عليها "مغارة كريز"
والقبور الجلمودية هي مدافن صخرية مركبة ومهيبة الأحجام تزخر بها مناطق عديدة بالبلاد التونسية.
القبور الجلمودية في جبل القراعة
- الحصن الروماني أولاد قاسم ـ نفزة
الحصن الروماني بأولاد قاسم من معتمدية نفزة حظي بدوره بالتصنيف كمحمية أثرية وهو موقع يطلق عليه "قصر أولاد قاسم"وله أهمية حضارية وتاريخية بالجهة وقد حاز المعلم مناصرة من المجتمع المدني بالجهة من أجل تصنيفه ويسعى أهل المنطقة إلى تثمينه والترويج له ثقافيًا واقتصاديًا، وفق ناشطين في جمعية حماية الطبيعة والبيئة والتنمية المستديمة بنفزة.
الحصن الروماني بأولاد قاسم
- الحمام الروماني هنشير الماطرية ـ تبرسق
الحمام الروماني بهنشير الماطرية من معتمدية تبرسق حظي بدوره بالتصنيف من طرف اللجنة الوطنية للتراث.
وتعتبر جهة تبرسق غنية بتاريخها إذ تعود تسمية تبرسق "تيرسكوم" إلى أصل فينيقي بمعنى سوق الجلود بالرغم كون أستاذ التاريخ حسين فنطر يرجعها للفترة اللوبية. وساهم وجود الماء بكثرة إلى شد السكان كما مثلت ظهيرًا زراعيًا.
انتقلت تبرسق من وضعية «بلدية» إلى وضعية «مستعمرة رومانية» في عهد غالينوس سنة 261 م ثم تحولت إلى وضعية «مدينة رومانية» في عهد سيديم سيفار.
هنشير الماطرية من معتمدية تبرسق (صورة مهدي عرفة)
- المقبرة الجلمودية عين الكبش ـ دقة
تم إدراج المقبرة الجلمودية قرن الكبش بدقة والمعروفة بموقع avnobari من ضمن المحميات الأثرية أيضًا ويمتد الموقع بالجهة الجنوبية الغربية لمدينة دقة الجديدة على مسافة 4 كلم، وفق الأستاذ عبد الكريم التواتي.
- اللوحات الصخرية بعين الخنفوس الوسلاتية ـ القيروان
ولعل من أهم المواقع التي تم إدراجها على الإطلاق هو موقع اللوحات الصخرية بعين الخنفوس بالوسلاتية من ولاية القيروان.
من أهم المواقع التي تم إدراجها على الإطلاق هو موقع اللوحات الصخرية بعين الخنفوس بالوسلاتية من ولاية القيروان
ويعتبر جبل وسلات من أهم المناطق التي تحتوي كهوفها على لوحات ورسومات على الصخور بالبلاد التونسية وتعود إلى فترة ما قبل التاريخ وهي عبارة عن صور تبين نمط عيش إنسان ما قبل التاريخ بالمنطقة.
و تنتشر الرسوم في عديد من المخابئ والملاجئ بسفح الجبل من ذلك كهف عين الخنفوس وواد ماجل وواد قارة وواد قرابش وواد خنفيس.وتتميز مواقع هذه الرسوم بأنها محمية من الهجمات وتسمح بمراقبة الجبال والوديان المحيطة، ومن الرسومات التي نجدها والمثيرة للاهتمام الزرافة والجاموس ووحيد القرن والضباء.
رسوم صخرية بالوسلاتية
- المغاور الجبلية بالسند ـ قفصة
المغاور الجبلية بالسند من ولاية قفصة تعتبر بدورها من أهم ملامح الحضارة البربرية الأمازيغية في الجنوب التونسي والتي تم تصنيفها مؤخرًا وقد بقيت هذه الكهوف صامدة في وجه الزمن وتعكس نمط عيش المجموعات السكانية بالمنطقة زمن السلم والحرب وتضم مساكن عائلية بسيطة ومتعددة وأخرى لعصر الزيتون ومغاور لتخزين المؤونة (القصر في قمة الجبل).
كما استعملت هذه المغاور كمخبأ لعناصر المقاومة الوطنية المسلحة في عهد الاستعمار وكانت ملجأ "للفلاقة".
مغاور جبلية بالسند
- حفريات وادي العكاريت بالمطوية ـ قابس
ومن المواقع المدرجة كمحمية أثرية أخيرًا "حفريات وادي العكاريت" بالمطوية من ولاية قابس وهي حفريات تكشف عن إنسان ما قبل التاريخ في الجهة وقد بوشرت الحفريات منذ أوائل القرن الماضي لتستأنف في السبعينيات وتعود من جديد عن طريق المعهد الوطني للتراث بالاشتراك مع جامعة أكسفورد، حسب تصريح صحفي للباحثة في التراث نبيهة العوادي.
وتكشف الحفريات عن إعادة لتأريخ يعود إلى 100 ألف سنة قد خلت أي العهد الحجري الوسيط بين المنستري والعاتري وقد تم العثور على مخلفات إنسان ما قبل التاريخ من حجارة الصوان المصقولة ومخلفات وحيد القرن والجاموس والبقريات والزواحف والنعام.
ويحمل الموقع أهمية حضارية وثقافية ولا تزال الحفريات متواصلة، وفق تصريح صحفي سابق للباحثة في التاريخ نبيهة عوادي.
- الحوض المائي الماجل الأزرق ـ سوسة
الماجل الأزرق وهو الحوض المائي الصامد ويقع اليوم في جهة حي الرياض من ولاية سوسة، شُيد منذ العهد الروماني على أرض منخفضة داخل غابة زيتون، وتحلى بنمط العمارة الإسلامية الأغلبية فيما بعد على غرار "فسقية القيروان".
الماجل الأزرق هو حوض مائي الصامد في جهة حي الرياض من ولاية سوسة، شُيد منذ العهد الروماني وتحلى بنمط العمارة الإسلامية الأغلبية فيما بعد على غرار "فسقية القيروان"
ويتألف "الماجل الأزرق" من ثلاثة عناصر مكونة له هي حوض لتصفية المياه، وآخر للخزن إضافة لصهريج مغطى.
يشتمل الحوض الصغير من الداخل على أربعة أكتاف متساوية من حيث الشكل والحجم، أما عمقه فيبلغ 7 أمتار فيما تقدر سعته بـ500 متر مكعب وتمرّ المياه من الحوض الصغير إلى الحوض الكبير من خلال قناة اتصال يبلغ عرضها 1.4 مترًا"، حسب ما ورد في البطاقة التعريفية بهذا المعلم.
الماجل الأزرق في سوسة
- خط مارث الدفاعي ـ قابس
خط مارث الدفاعي بجهة مارث من ولاية قابس يعود بناؤه إلى سنة 1936 من قبل الجيش الفرنسي وذلك لصد هجومات محتملة من طرف القوات الإيطالية انطلاقًا من الأراضي الليبية.
خط مارث الدفاعي بجهة مارث من ولاية قابس يعود بناؤه إلى سنة 1936 من قبل الجيش الفرنسي وذلك لصد هجومات محتملة من طرف القوات الإيطالية انطلاقًا من الأراضي الليبية
ويمتد هذا الخط على مسافة 45 كلم ويحتوي على حصون للمشاة والمدفعية شيدت بالإسمنت المسلح (ضم خط مارث 40 مستودعًا للمشاة و8 مستودعات للمدفعية و15 مركز قيادة و28 نقطة ارتكاز ).
وقد سقطت هذه التحصينات في أيدي قوات المحور فاستخدمها الإيطاليون والألمان للدفاع ضد البريطانيين.
الخط الدفاعي بمارث
لقد أتينا في هذا التقرير على أبرز ما ورد في قرار اللجنة الوطنية للتراث من معالم أثرية وحضارية تم تصنيفها كمواقع محمية ولعل قائمة المواقع التي تنتظر التصنيف تعد بالعشرات إن لم نقل بالمئات، غير أن مزيداً من التأخير يعني مزيدًا من التشويه والنسيان وربما تؤول البقية إلى الاندثار.
ويمكن القول إن عملية نشر هذه المواقع من طرف وزارة الثقافة وبالخصوص المعهد الوطني للتراث دون جذاذات تعريفية يعتبر تقصيرًا في إنارة الرأي العام بمدى أهمية هذه المواقع التي لا تزال معظم بياناتها حكرًا على الأخصائيين والباحثين أو المهتمين المباشرين بهذه المسائل.