23-فبراير-2022

تراكم مستحقات المخابر لدى صندوق التأمين على المرض يهدّدها بالإفلاس (صورة توضيحية/ Getty)

 

أعلنت النقابة الوطنية لبيولوجيي الممارسة الحرة التونسية مؤخرًا، عن نيتها إيقاف التعامل بآلية الطرف الدافع بداية من شهر مارس/ أذار 2022، والاعتماد فقط على نظام استرجاع المصاريف، وذلك بسبب تراكم مستحقاتهم لدى الصندوق الوطني للتأمين على المرض.

أزمة مخابر التحاليل الطبية في علاقة بالصندوق الوطني للتأمين على المرض تواصلت على مدى السنتين الأخيرتين، بسبب إفلاس بعض تلك المخابر واضطرار أصحابها إلى اللجوء للاقتراض أكثر من مرّة من البنوك نتيجة عدم حصولها على مستحقاتها من الصندوق. وعلى الرغم من المفاوضات المستمرّة بين الطرفين، فإنه لم يقع حل إشكال تأخر دفع مستحقات تلك المخابر.

رئيس النقابة الوطنية لبيولوجيي الممارسة الحرة لـ"الترا تونس": تقود النقابة اليوم مفاوضات جديدة مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض، نظرًا لعدم الإيفاء بتعهداته تجاه المخابر

وقد لعبت تلك المخابر منذ ظهور وباء كورونا في تونس دورًا كبيرًا في تقصي الوباء، لا سيما وأنّها المؤسسات المعنيّة بدرجة أولى بالقيام بالتحاليل اللازمة. كما أنّها الطرف الرئيسي في تزويد وزارة الصحة بعدد التحاليل المجراة بصفة يومية وعدد الإصابات المكتشفة، نظرًا لحجم البيانات التي تكتسبها من خلال التحاليل التي تجريها يوميًا. مما يعني مضاعفة جهودها ونسق عملها خلال الفترة الأخيرة.

اقرأ/ي أيضًا: تحاليل كورونا.. ما حقيقة ما يحصل داخل المخابر الخاصة؟

كما كان لتلك المخابر ونقابتها، دور كبير في التصدي لبعض الظواهر السلبية التي تعلّقت بتقصي الفيروس على غرار كشفها عن وجود شركات مناولة، غير مرخّص لها من وزارة الصحة، تقوم بتجميع عينات تحاليل "آر تي - بي سي آر" للتقصي حول كوفيد-19 من المواطنين وتوزيعها على المخابر الخاصة، وهو ما يفسّر ظاهرة ارتفاع أسعار تلك التحاليل المخبرية. كما عبّرت النقابة في أفريل/ نيسان 2021، عن استنكارها التزوير المسجل في عدد من وثائق نتائج التحاليل المخبرية "آر تي- بي سي آر" للكشف عن فيروس كورونا، مؤكدة أن هذه الممارسات أدت بالسلطات الفرنسية إلى إعادة هذه التحاليل بالنسبة للمسافرين المغادرين تونس عند حلولهم بمطاراتها.

رئيس النقابة الوطنية لبيولوجيي الممارسة الحرة لـ"الترا تونس": 600 مخبرًا يحتاج إلى مستحقاته من الصندوق الوطني للتأمين على المرض منذ 9 أشهر تقريبًا بقيمة تناهز الـ 50 مليون دينار، مما دفع بالعديد من المخابر إلى التداين من البنوك أكثر من مرّة

ولكن، على الرّغم من عملها الهام في فترة الجائحة، فإنّ النقابة كثيرًا ما لفتت إلى مشكل عدم حصول منظوريها على مستحقاتهم من قبل صندوق التأمين على المرض. وقد أعلنت في فيفري/ شباط 2020 عن إنهاء العمل بالاتفاقية القطاعية الحالية الممضاة بينها وبين الصندوق. كما أعربت في بلاغ لها، عن الأسف لبلوغ هذه الوضعية، معبّرة عن استعدادها لاستئناف التفاوض مع الصندوق الوطني للتأمين على المرض، لتجديد الاتفاقية القطاعية.

ويشير رابح بليبش رئيس النقابة الوطنية لبيولوجيي الممارسة الحرة التونسية لـ"الترا تونس"، إلى أنّه بعد مفاوضات مع الصندوق، تمّ تجديد الاتفاقية وحل الإشكال جزئيًا ليستمر العمل، ولكن تقود النقابة اليوم مفاوضات جديدة مع الصندوق، نظرًا لعدم الإيفاء بتعهداته تجاه المخابر".

اقرأ/ي أيضًا: تفاقم أزمة الأدوية في تونس يهدد حياة بعض المرضى

وأضاف محدّثنا: "سبق وأصدرنا بلاغًا بيّنا فيه أنّ النقابة الوطنية لبيولوجيي الممارسة الحرة، ستلجأ إلى إيقاف التعامل بآلية الطرف الدافع ابتداء من شهر مارس/ أذار القادم، والاعتماد فقط على نظام استرجاع المصاريف، في حال لم يتدخل الصندوق الوطني للتأمين على المرض لخلاص مستحقات المخابر المتخلدة بذمته".

يُذكر أنّ النقابة بيّنت في بلاغ لها يوم 7 فيفري/ شباط أنّها "بعد معاينة الوضعية المالية الخطيرة التي تردى فيها البيولوجيين أصحاب المخابر الطبية والتي تهدد نشاطهم بالإفلاس، وإحالة التقنيين العاملين بالمخابر على البطالة نظرًا لتراكم مستحقاتهم، وفي غياب بوادر الانفراج للأزمة المالية للصندوق، تطالب النقابة بالالتزام باحترام كامل بنود الاتفاقية بين الطرفين وخاصة الآجال التعاقدية. والالتزام بتصفية المستحقات التي حان أجلها والمتخلدة بذمة الصندوق". كما طالبت في البلاغ ذاته، "السلطة التنفيذية بالتدخل لإيجاد الحلول الكفيلة بتدارك هذه الوضعية المتردية التي أصبحت تشكّل عائقًا أمام صحة المواطن".

وقد بيّن بليبش لـ"الترا تونس"، أنّ "600 مخبرًا يحتاج إلى مستحقاته من الصندوق منذ تسعة أشهر تقريبًا بقيمة تناهز الـ 50 مليون دينار. مما دفع بالعديد من المخابر إلى التداين من البنوك أكثر من مرّة لتجديد أجهزتها وتسديد خلاص المزودين". مضيفًا "اضطرت بعض المخابر أيضًا إلى إحالة بعض التقنيين إلى البطالة"، وقال: "سبق وأن أكدت النقابة أنّها لن توقف العمل بكل بنود الاتفاقية مع الصندوق، وإنما ستقتصر فقط على إيقاف العمل بآلية الطرف الدافع المتمثلة في الإعفاء التام لأصحاب الأمراض المزمنة من دفع معاليم التحاليل، إلى حين سداد الديون السابقة وفي صورة عدم إيجاد حل عملي للأزمة".

عبد الرحمان بن محمد (صاحب مخبر تحاليل طبية) لـ"الترا تونس": اضطررت إلى الاستغناء عن بعض التقنيين، والتداين من البنوك مع عدم القدرة على دفع الأقساط، وهو ما جعلني أواجه اليوم شبح الإفلاس وغلق المخبر

وقد أشار عبد الرحمان بن محمد، أحد أصحاب تلك المخابر لـ"الترا تونس"، إلى أنه "على غرار العديد من أصحاب المخابر، اضطر إلى الاستغناء عن بعض التقنيين، والتداين من البنوك مما تسبب في تراكم ديونه لدى البنك وعدم القدرة على دفع أقساطه للبنك. وهو ما جعله يواجه اليوم شبح الإفلاس وغلق المخبر. وقد اتفق أصحاب المخابر على ضرورة فتح باب المفاوضات من جديد مع الصندوق لإيجاد حل للحصول على مستحقاتهم على أقساط".

ويعود الإشكال أساسًا إلى الأزمة التي يعيشها الصندوق الوطني للتأمين على المرض شأنه شأن بقية الصناديق الاجتماعية. وقد ورد في قانون المالية لسنة 2022، نص يتعلق بإحداث حساب خاص في خزينة الدولة لتمويل صناديق الضمان الاجتماعي. وينص القانون، على "أنه يفتح بدفاتر أمين المال العام للبلاد التونسية، حساب خاص في الخزينة يطلق عليه اسم (حساب تنويع مصادر الضمان الاجتماعي) لتمويل صناديق الضمان الاجتماعي، ويتولى الإشراف عليه وزير الشؤون الاجتماعية". وذلك بهدف إيجاد تمويلات للصندوق والحد من العجز الذي تعاني منها الصناديق.

اقرأ/ي أيضًا: شهادات يرويها أصحابها لـ"الترا تونس" عن رفض الكنام التكفل بمصاريف عدّة أدوية

وقد أشار رئيس النقابة لـ"الترا تونس" إلى أنّ النقابة تقود اليوم مفاوضات مع الصندوق، وهناك تعهد بدفع مستحقات المخابر على دفعات. مضيفًا أنّ "وزير الشؤون الاجتماعية مالك الزاهي أعلن مؤخرًا، بأنّه تم تفعيل حساب خاص لتمويل الصناديق الاجتماعية وذلك بمقتضى قانون المالية لسنة 2022، وأنّ الوزارة ستشرف على هذا الصندوق"، واعتبر أنّ "اقتطاع نسبة 1 و2% من أجور الموظفين، لم تكن موجهة مباشرة للصناديق، وإنّما لدعم ميزانية الدولة، ولذلك قررت الحكومة إحداث هذا الحساب الخاص لتغطية عجز الصناديق الاجتماعية" وفق تأكيده.

كما بيّن رابح أنّ هذا الإجراء "من شأنه أن يخفف من أزمة الصندوق الوطني للتأمين على المرض، وحل مشكلة المخابر أيضًا عبر دفع مستحقات المخابر على أقساط".

 

 

اقرأ/ي أيضًا:

"تجارة" الولادة القيصرية.. عنف مسكوت عنه يسلط على المرأة

تجميد البويضات في تونس.. عندما يصبح الوقت عدوًا لتحقيق الحلم!