16-ديسمبر-2021

فقدان الأدوية في تونس أزمة قديمة متجددة (صورة توضيحية/ الشاذلي بن إبراهيم/ NurPhoto)

 

منذ ما يزيد عن شهر ونصف تبحث حياة العيوني (41 سنة) عن دواء خاص بتعديل مستوى الشحوم في الدم، لكن لم تجد ضالتها على الرغم من زيارة أكثر من 15 صيدلية في العاصمة. بل بحثت عن الدواء في مناطق مجاورة لكن دون حلّ. تقول إنّها "ليست المرة الأولى التي لا تجد فيها هذا الدواء الذي تستعمله منذ أكثر من سنتين. وأحيانًا تضطر لاقتناء كميات من الدواء مخافة فقدانه، لكن حتى الكميات الاحتياطية لديها تنتهي دون أن تستطيع الحصول على غيرها من أي صيدلية بسبب عدم توريده، وفقدان حتى بعض الأدوية البديلة له". 

المتصفح لمواقع التواصل الاجتماعي خلال السنوات الأخيرة كثيرًا ما يطالع بعض النداءات والتدوينات لمرضى يبحثون عن عدّة أدوية مختلفة من بينها أدوية عديد الأمراض المزمنة. والبعض الآخر يبحث عن ضالته حتى خارج تونس لعدم توفر الدواء في الصيدليات. وحتى بعض الجمعيات باتت تساعد على نشر نداءات للبحث عن بعض أنواع الأدوية المفقودة.

يواجه عديد التونسيين مشاكل في توفير بعض أنواع الأدوية التي باتت مفقودة بشكل كبير في العديد من الصيدليات الخاصة وحتى في المستشفيات ومراكز الصحة الأساسية الصغيرة في الجهات الداخلية

أبرز صفحة على "فيسبوك" للبحث عن الأدوية عنوانها "Médicaments à donner - TUNISIE". ينشر فيها البعض ما زاد عن حاجتهم من أدوية يبحث عنها الغير، فيما ينشر فيها البعض الآخر أسماء أدوية يستحقها أفراد عائلاتهم، إضافة إلى نشر أسماء بعض الأدوية المفقودة والبحث عنها خارج البلاد. 

الصفحة كانت ببادرة من جمعية مرضى السرطان. لكن البحث فيها عن أدوية لا يتعلّق فقط بأمراض السرطان بل يشمل العديد من أنواع الأدوية، لا سيما أدوية الأمراض المزمنة كالدم والكولسترول والسكري وغيرها. حتى الأسبيرين الذي كان يباع أحيانًا في دكاكين العطارين بات اليوم مفقودًا تمامًا من أغلب الصيدليات. 

صورة من مجموعة تونسية على فيسبوك للبحث عن أدوية مفقودة 

ويواجه العديد من التونسيين خلال الأشهر الماضية عدّة مشاكل في توفير بعض أنواع الأدوية التي باتت مفقودة بشكل كبير في العديد من الصيدليات الخاصة وحتى في المستشفيات ومراكز الصحة الأساسية الصغيرة في الجهات الداخلية، من بينها العديد من أدوية الأمراض المزمنة والخطرة التي لا يجب على مصابي تلك الأمراض الانقطاع عنها ولو لبضعة أيام، على غرار مرضى السكري وضغط الدم وحتى مرضى السرطان. 

ناظم الشاكري (رئيس جمعية الصيادلة) لـ"الترا تونس": مشكل توفر الأدوية بات مقلقًا خلال السنوات الأخيرة ولافتًا للانتباه خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد تم مؤخرًا تسجيل فقدان أكثر من 530 دواء من بينها أدوية الأمراض المزمنة

وفي هذا الإطار، قال رئيس جمعية الصيادلة ناظم الشاكري، في تصريح لـ"الترا تونس"، إنّ مشكل توفر الأدوية بات مقلقًا خلال السنوات الأخيرة، ولافتًا للانتباه خلال الأشهر القليلة الماضية. وقد تم خلال الفترة الأخيرة تسجيل فقدان أكثر من 530 دواء من بينها أدوية الأمراض المزمنة، حسب ما يبلغ للجمعية من نداءات للمساعدة على إيجاد بعض الأدوية أو تشكيات من فقدان بعضها.  

اقرأ/ي أيضًا: مرض التوحد في تونس.. مراكز خاصة مكلفة والعمومي لم يفتح أبوابه!

ويشير الشاكري إلى أنّ "الجمعية تتابع على مدى السنوات الأخيرة أزمة الدواء وتوفره، خاصة أغلب أنواع الأدوية التي باتت تفقد سريعًا. وقد تقدمت بعدّة حلول لحل أزمة نقص الأدوية من بينها إنشاء بنك عمومي للوساطة بين الصندوق الوطني للتأمين على المرض ومقدمي الخدمات، يضمن إنهاء مستحقات الأطباء والصيادلة والمستشفيات ويتم تمويله عن طريق الأموال التي تقوم برصدها الدولة سنويا لاقتناء الأدوية"، على حد قوله.

كما يؤكد رئيس الجمعية "ضرورة التصدي لظاهرة تهريب الأدوية عبر الحدود"، مستغربًا كيفية حصول المهربين على تلك الكميات من الأدوية وتهريبها خاصة نحو ليبيا. 

محمد علي (45 سنة)، مصاب بالسرطان، بات خلال المدة الأخيرة يبحث هو الآخر عن عديد الأدوية التي كان يستعملها للعلاج. يقول لـ"الترا تونس" إنّ بعضها يجمعه من قبل متطوعين بسبب ظروفه المادية وبسبب فقدان العديد منها سواء في الصيدليات الخاصة أو في بعض مراكز الرعاية الصحية. وهو مشكل يواجهه منذ سنة 2019 بسبب تذبذب توفر الأدوية في السوق التونسية، مؤكدًا أنه لا يستطيع التوقف عن تلك الأدوية بسبب تدهور حالته الصحية وتأثير ذلك على حياته.  

محمد علي (مصاب بالسرطان) لـ"الترا تونس": بعض الأدوية التي أحتاجها أجمعها من عند متطوعين بسبب ظروفي المادية وفقدان العديد منها سواء في الصيدليات الخاصة أو في بعض مراكز الرعاية الصحية

أزمة الأدوية في تونس ليست بالجديدة، فقد شهد العام الماضي فقدان أكثر من 200 نوع من الأدوية وفق جمعية الصيادلة. كما تم تسجيل فقدان بعضها حتى في المؤسسات الصحية العمومية.

وقد  توجهت العديد من الجمعيات العام الماضي على غرار الجمعية التونسية للدفاع عن الحق في الصحة، والرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، والمنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، بنداء إلى وزارة الصحة لتوفير الأدوية في المؤسسات الصحية العمومية وتمكين مليون شخص يعانون من أمراض مزمنة من حقهم في الدواء، مؤكدة أنّه "على الرغم من الإجراءات التي أعلنت عنها الحكومة في الفترة الأخيرة، لتطوير مخزون استراتيجي كافٍ من مختلف الأدوية يغطي مدة تتجاوز ثلاثة أشهر، فإنّ الواقع يبيّن أنّ هذه الإجراءات لم تنعكس على المرضى الذين يراجعون مراكز الصحة الأساسية". 

اقرأ/ي أيضًا: معركة البقاء.. تونسيات يواجهن السرطان بين "صالح عزيّز" و"الدار الخضراء"

كذلك، ذكرت الجمعيات أنّ "سبب النقص المزمن في الأدوية لدى القطاع العمومي يتمثل أساسًا في ضعف الميزانيات المرصودة للأدوية"، مشيرة إلى أنّ "الوضع ازداد تفاقماً في الفترة الأخيرة من جراء تأخر أو تخلي مختبرات التصنيع المحلي للأدوية عن التزاماتها بتزويد الصيدلية المركزية بالأدوية، بحسب جدولة منصوص عليها في طلبات العروض الخاصة بحاجيات الهياكل الصحية العمومية، والتي فتحتها الصيدلية المركزية في غضون 2019 (بعنوان 2020 أو 2020- 2021) وشاركت فيها هذه المختبرات". 

كما أكدت الجمعيات آنذاك أنّ "الغريب أن أغلب الأدوية المفقودة في الهياكل الصحية العمومية يقع صنعها في بلادنا ومتوفرة بصفة عادية في الصيدليات الخاصة".

وتابعت: "هذا الأمر لا يمكن تفهمه، ويعطي المرضى المعنيين إحساسًا بأنهم مواطنون من درجة ثانية، باعتبار أنّ  نظراءهم من المرضى المضمونين الاجتماعيين ممن سمح لهم وضعهم المالي باختيار المنظومة العلاجية الخاصة أو منظومة استرجاع المصاريف، يتمتعون في جل الحالات بحقهم في الحصول على نفس الأدوية من خلال اقتنائها من الصيدليات الخاصة مع تكفّل الصندوق الوطني للتأمين على المرض بالجزء الأوفر من كلفتها (حسب التراتيب الخاصة بكل منظومة وحسب طبيعة المرض (كما أنه يؤدّي لتعميق الانطباع لدى الإطار الصحي العامل فيها بتواصل تهميش القطاع العمومي وخاصة تناسيه عند تناول موضوع الأدوية)".

علي بصيلة: (رئيس مجلس هيئة الصيادلة): الأزمة المالية الحادة التي تواجهها الصيدلية المركزية أدّت إلى نقص في التزود ببعض الأدوية المستوردة وتأخرها عن سداد مستحقات مخابر الأدوية العالمية نتج عنه نقص في بعض أنواع الأدوية

في المقابل، أكد رئيس المجلس الوطني لهيئة الصيادلة علي بصيلة في تصريح لوكالة تونس إفريقيا للأنباء (الوكالة الرسمية)، أنّ الأزمة المالية الحادة التي تواجهها الصيدلية المركزية أدّت إلى نقص في التزود ببعض الأدوية المستوردة. 

كما قال إن "تأخر الصيدلية المركزية عن سداد مستحقات مخابر الأدوية العالمية قد نتج عنه نقص في بعض أنواع الأدوية"، لافتًا إلى أن هيئة الصيادلة قد نبهت من هذه الإشكالية منذ سنة 2016.  وحذر من أن عدم تمكن بعض المرضى من النفاذ بشكل حيني للتزود بالعلاج قد ينذر بتعكر حالاتهم الصحية، مشيرًا في المقابل، إلى أن كل الأدوية ليست لها أصناف جنيسة (أي مماثلة لها ومن الممكن تعويضها بها).

جدير بالذكر أيضًا أنّ وزير الصحة السابق فوزي مهدي، كان قد صرح خلال العام الماضي في جلسة بمجلس النواب، بأن النقص المسجل في عدد من الأدوية يعود إلى الإشكاليات في التزود بالمواد الأولية بالنسبة للصناعة المحلية، إضافة إلى اشكالات السيولة المالية التي تعاني منها الصيدلية المركزية، مشيرًا إلى أنّ الصيدلية المركزية تعيش أزمة مالية أثرت على توازنها والتأخر في خلاص المزودين الأجانب، ما أدى إلى تخفيض بعض المزودين في توفير الأدوية ووضعهم لعدد من الشروط في الخلاص. 

وكشف أن ديون الصيدلية المركزية تتجاوز الألف مليون دينار، بسبب عدم استخلاص الديون الموزعة على المؤسسات الصحية العمومية والصندوق الوطني للتأمين على المرض، والخسارة التي تتحملها الصيدلية جراء عدم مراجعة أسعار الأدوية المستوردة. 

 

اقرأ/ي أيضًا:

مصابو الأمراض المزمنة وجائحة كورونا: معاناة مضاعفة

"الكنام" لا يتكفّل بها.. تشوهات جسدية عمّقها العجز عن علاجها