مع حلول الساعة السابعة صباحًا، تتشابه المشاهد في البيوت التونسية بصعوبة في إيقاظ الأطفال للذهاب إلى المدرسة. وبعد يوم شاق ما بين العمل وإعداد الوجبات الغذائية وإيصال الأطفال للمدارس، يبدأ مساءً جزء آخر من العناء يتعلق بالواجبات المدرسية. وهنا تتردّد إلى المسامع عبارات من قبيل "كرهت المدرسة"،"منحبّش القراية"،"فدّيت".. وكلّ عبارة تحمل في طياتها موقفًا أو شعورًا مخزّناً يتجاهله الأولياء ويكتفي أغلبهم بممارسة السلطة الأبوية دون محاولة لفهم هذه الرسائل.
فكيف يمكن تفسير هذا الكره للمدرسة؟ هل هو مشكل مؤقت أو يحتاج التعمق فيه؟ وكيف على الأولياء التصرّف أمام هذه المعضلة؟ أسئلة يجيب عنها "ألترا تونس".
اقرأ/ي أيضًا: احذر مثاليّتك فقد تدمّر طفلك!
لماذا "المدرسة غير ممتعة"؟
تقول المختصّة في الشأن التربوي مريم المالكي إنّ العودة المدرسية أصبحت اليوم هاجسًا وربما كابوسًا لنسبة كبيرة من الأولياء والتلاميذ نظرًا لأن المدرسة والنظام والتوقيت المدرسي في تونس جميعها أصبحت مصدر ضغط نفسي مما أدى بأغلب التلاميذ إلى النفور وكره المدرسة والدراسة حدّ تعبيرها.
وتضيف أن المنظومة التربوية والمدرسة والمدرّس والأسرة، جميع هذه الأطراف، مسؤولة عن هذا النفور على اعتبار أنّ هذا الكره أو النفور هو نتيجة اليوم الدراسي الطويل إذ يقضي الطفل التونسي ما بين 5 إلى 7 ساعات في المدرسة عدا الأنشطة الدراسية ودروس التدارك وهو أمر مرفق بالنسبة لأطفال دون سنّ الثانية عشرة على حدّ قولها.
مريم المالكي (مختصّة في الشأن التربوي): أصبح النظام المدرسي في تونس مصدر ضغط نفسي مما أدى بأغلب التلاميذ إلى كره المدرسة
وتضيف أنّ السبب الثاني للنفور هو كثرة الواجبات المدرسية، إذ بعد قضاء اليوم الدراسي الطويل يعود الطفل إلى المنزل لا من أجل اللعب والاسترخاء وممارسة هواياته والاستمتاع بالأجواء العائلية بل لمزيد العمل والدراسة على عكس الكبار الذين يعودون عادة من أعمالهم للقيام بمهام أخرى والراحة.
وتؤكّد أنّ عدم وجود بيئة توفر الحب والأمان داخل الفصل الدراسي تؤدي بالتلميذ إلى النفور من المادة أو كل المواد الدراسية فنجد في بعض الأحيان المعلم يرسي نوعًا من النظام شديد الصرامة وشديد القسوة ويستعمل أساليب عقابية غير تربوية.
"طفل اليوم هو طفل التكنولوجيا طفل اللوحة الرقمية والهواتف الذكية، فليس من المعقول أن يظل المعلم يدرس بنفس الأساليب التقليدية. إذ عليه أن يضفي بعض الإثارة على الدرس من حين لآخر ولا يدخل في التكرار الذي يجعل الطفل يشعر بالرتابة"، هكذا فسّرت المختصّة في الشأن التربوي لـ"ألترا تونس" سبب تكرار كلمة "المدرسة غير ممتعة" عند عديد التلاميذ تأكيدًا منهم على الملل الذي يعيشونه داخل الفضاء التربوي.
ودعت محدثتنا المعلم إلى إدخال بعض التقنيات الرقمية كأن يقوم بعرض مقاطع من اليوتيوب أو يقدم حصصًا بشكل عرض "Power Point" مع اعتماد التجربة المحسوسة والملموسة عبر الفنون من مسرح ورسم وموسيقى كوسائل لإيصال المعلومة.
مريم المالكي (مختصّة في الشأن التربوي): الأولياء الذين يضعون سقفًا عاليًا لأبنائهم في تحصيلهم الدراسي ويجعلون منهم أحصنة سباق يهددون التوازن النفسي للطفل
وتقول، في ذات الإطار، إنّ شعور الطفل بأنه لا يفهم وأن عليه القيام بأعمال كثيرة في حيّز زمني ضيّق يجعله يشعر بالتوتر فيصبح غير مهتم أثناء الدرس كنوع من الهروب وهنا على الأولياء التفطن للأمر والإنصات لأبنائهم والسماح لهم بالحديث عن مشاعرهم ومحاولة مساعدتهم على تجاوز هذه العقبات والصعوبات واستيعاب هذه المواد غير المفهومة مع التحدث الى معلميهم في هذا الموضوع على حدّ قولها.
وتختم مريم المالكي حديثها بالإشارة إلى أن فئة كبيرة من الآباء والأمهات يضعون سقفًا عاليًا لأبنائهم في تحصيلهم الدراسي ويجعلون منهم أحصنة سباق ويشعرونهم أن حبهم لهم مقترن بمدى تحصيلهم الدراسي وهذا الأمر هو من أخطر ما يكون على التوازن النفسي للطفل، وفق تأكيدها.
وتشدد أن العلاج لكل هذه المشاكل لا يكون إلا بكثير من الحب والتقبّل وبكثير من الصبر والرغبة في التغيير من جميع الأطراف المتداخلة في العملية التعليمية التربوية.
الحديث مهّم!
يقول طفلك أنه لا يحب الذهاب إلى المدرسة؟ في كثير من الأحيان، لا يتحدث الأطفال عن المدرسة بشكل عام، ولكن عادة ما يذكرون حدثًا أو موقفًا أو شخصًا معينًا، لذلك فالمناقشة معه سوف تساعدك على فهم أفضل لما يعاني منه.
اقرأ/ي أيضًا: ابني متنمّر يعتدي على أصدقائه.. ماذا أفعل؟
ويمكن اعتماد بعض الأسئلة لمساعدته لتوضيح أفكاره على غرار"هل تريد أن تخبرني عن مدرستك؟"،"ما أكثر ما يعجبك في مدرستك؟"،"ما أفضل الأوقات في يومك؟"، إذ كل هذه الأسئلة ستساعدك في تحديد المصدر الدقيق للمشكلة وإيجاد الحلول.
ومن المهم اختيار الوقت المناسب لتبادل هذا الحديث خاصّة في أوقات استمتاع الطفل بنشاط معيّن أو مشاركته بعض الأوقات على انفراد.
متى يجب أن نقلق من كراهية المدرسية؟
هناك بعض الحالات الدقيقة لكراهية المدرسة التي تحتاج اهتمامًا أكثر من الأولياء وفي بعض الأحيان تدخّل إخصائيين في المجال للمساعدة في حلّها.
ثمة بعض الأطفال يرفضون الذهاب للمؤسسة التربويّة لأنّهم خائفون سواء من المعلم أومن عدم النجاح أو من عدم استطاعتهم تحقيق توقعات آبائهم، وهو خوف يخفي عادة عديد الصعوبات النفسية أو اضطرابات التعلم.
هناك بعض الحالات لكراهية المدرسة التي تحتاج اهتمامًا أكثر من الأولياء وفي بعض الأحيان تدخّل إخصائيين في المجال للمساعدة في حلّها
فيما يرفض البعض الآخر من الأطفال الذهاب إلى المدرسة ولديهم رهاب حقيقي يُسمى "رهاب المدرسة"، وهم عادة ما يكونون من الطلاب الجيدين الذين يرغبون في التميّز ولكنهم لم يعودوا قادرين على الذهاب إلى الكلية أو المدرسة الثانوية لأن مجرد عبور باب المؤسسة أصبح مصدر قلق كبير لا يطاق بالنسبة لهم.
أمّا الوضعيّة الأخيرة وهي نادرًا ما تحدث وذلك حينما يعبّر الأطفال عن كرههم للذهاب إلى المدرسة لأنهم يتعرضون للمضايقة أو التنمّر أو حتى التحرّش، وفي هذه الحالة يأتي خطر بما يستوجب على الولي أن يكون دائم الانتباه لأيّ تغيير في سلوك أو مواقف عند طفله.
وخلاصة إن المدرسة هي فرصة وليست تهديدًا، وعلى الأولياء تجنّب إضفاء طابع درامي على العودة المدرسيّة فأطفالنا بغنى عن تعليماتنا المجحفة وتوقّعاتنا العالية وأوامرنا المتطلبّة. ويحتاج الأمر، حقيقة، تدخلًا من الأطراف المعنية سواء الإطار التربوي والأسري وذلك لإيجاد آليات تعيد الحماسة لجيل فقد متعة الدراسة.
اقرأ/ي أيضًا:
من الكابتن ماجد إلى "الأيباد": كيف أصبح الطفل وحيدًا؟
المتحرّش بالأطفال أو "البيدوفيل".. مضطرب جنسيًا ومنبوذ اجتماعيًا